Skip to main content
Facebook Twitter YouTube Telegram

الموصل عند مفترق التاريخ !




الموصل ، واحدة من اعرق مدن الشرق ، وكان لها دورها التاريخي والحضاري عبر آلاف السنين .. وتعد ثاني اكبر مدن العراق ، ولها موقعها الجغرافي الذي تسمّت من خلاله بـ " الموصل " بين الشرق والغرب .. أنجبت فحولا من الأدباء والعلماء ، وسجلت مواقف نضالية خالدة عبر التاريخ ضد الغزاة والمحتلين ، لكنها عاشت ولم تزل ، أتعس الأيام بعد أن أضاع الأمريكيون بوصلتهم فيها ، وسادها الإرهاب ، وتحكمت في مقدراتها قوى خارجة عنها .. وبقيت صامدة بكل ما أوتيت به من قوة وعزيمة وصبر .. افتقدت اعز أبنائها من أساتذة جامعة ، ورجال أعمال ، ورجال دين .. وعانى كل سكانها في المدينة والأطراف أسوأ التحديات .. ولقد حققّت في الانتخابات الأخيرة نتائج باهرة لصالح أبنائها .. وكان أبناؤها ، كما يبدو ، يدا واحدة في صناعة إرادتهم ، بأيديهم ، بعيدا عن أجندة خصومها ، وعبث محتليها .. وأدوات إرهابييها.

وكانت نتائج الانتخابات فيها ، مباركة ، إذ تّم فيها ، التعبير عن إرادة وطنية باختيار من يناسب المرحلة القادمة .. لقد انتصروا بعد أن عانوا الأمرين لسنوات مضت ، وخصوصا بعد خذلانهم في انتخابات 2005 . لقد نجحوا اليوم باستعادة ما افتقدوه ، وكان خيارهم يتمثّل بحاضرهم ومستقبلهم . لقد أنجزوا ما لم يستطع احد أن ينجزه من اجل مدينة عريقة وكل من يتعايش فيها . لقد بدأت اليوم ، صفحة تاريخية جديدة ، نأمل أن تنطلق فيها إرادة أحرار كبّلت لسنوات .. إن أهم ما يستلزم الموصل : تعايش أهلها ، وانسجامهم معا ، كما عاشوا منذ آلاف السنين .. ويشتهر إقليم الموصل بثروته السكانية المنتجة ، وبكل فسيفسائه البشري عربا وأكرادا وتركمانا وسريانا وكلدانا وآثورية ويزيدية وشبكا .. الخ ، وهو يحمل على كاهله ثقل تاريخي زاهر من حياة الشراكة الاجتماعية والحضارية لمختلف الملل والنحل والأطياف المتنوعة ..

وعليه ، فإننا نناشدهم جميعا ، أن يكونوا يدا عراقية واحدة ، وخلق الأمن والنظام ، ومحاسبة من يريد العبث بهم وبمقدراتهم ، وان يكونوا أهلا للبناء والأعمار والاستقرار ، والقضاء على أسباب التناحر والقتل والتدمير . لقد مرّت بهم تجارب قاسية جدا ، وكانوا هم الأعلون ، لم يهنوا ولم يحزنوا برغم كل الأذى ، وكل العاديات التي زرعها الإرهابيون والشوفينيون برعاية مباشرة من المحتلين والطوابير الأخرى . ولقد انتصروا اليوم بعد أن صّوتوا لعراقيتهم ، فكانوا عند مستوى المسؤولية التاريخية ! إن جملة كبيرة من الرسائل والنداءات قد وصلتنا ، والتي وقعها أصدقاء ومثقفون .. رجال أعمال ورجال دين من كل الأطياف.. من موظفين ونقابيين .. مستقلون اغلبهم لا يريدون إلا إحقاق الحق، والانطلاق بروحية مدنية جديدة.. تمنع كائنا من كان العبث والتسلط والهيمنة وفرض الوصاية، وخصوصا في مركز الموصل، أو محيطها، وأطرافها، على جانبي نهر دجلة.

أن ثمة أصوات تنادي المسئولين الأكراد لإيقاف هيمنة قوى عسكرية وسياسية تابعة لهم ، عن ممارسة نفوذها وضغوطاتها على الجماهير في مناطق عديدة من الموصل وكل أطرافها ، إذ أن جميعها مناطق تابعة رسميا وإداريا للموصل وليس لإقليم كردستان .. وهنا ، لابد من مناشدة جميع من يتولى المسؤولية في الموصل ، التفاوض على أسس وثائقية وعلمية دون أية مساومات سياسية ، وذلك من اجل إرجاع الحقوق إلى أهلها ، وإعادة الأحوال إلى طبيعتها في إطار العراق الواحد لا المنقسم .. وان يمارس كل مواطن حقوقه وخياراته كاملة من دون أي ضغوط ولا أي هيمنة .. كما ينبغي على أهل الموصل في المركز والإطراف ، أن يدركوا أين مصالحهم السياسية والإدارية والاقتصادية ، وقبلها أين هي إستراتيجيتهم الحيوية ؟ ، كي يتفقوا على مبادئ وإجراءات تأخذ الجميع إلى شاطئ الأمان بعد أن دّمرهم أولئك الذين لم يبحثوا إلا عن مصالحهم وخصوصياتهم .. وليدرك الجميع ، أن لابد من التغيير .. تغيير في المواقف والمفاهيم وحتى القناعات .. تغيير في السياسات والأهداف.. تغيير في أساليب التعامل ، وبلورة روحية جديدة للتعامل والشراكة والانسجام من دون أي تمييز ديني ، أو عرقي ، أو مذهبي ، أو جهوي ، أو طبقي .. الخ وليدرك البعض أن لا يمكن أبدا بقاء فئة ، أو حزب ، أو قومية معينة مسيطرة على حياة الموصل تحت أي يافطة كانت .. وبعيدا جدا عن سياسات أمريكية، اثبت الواقع فشلها كلها في العراق.

وعليه ، ومن اجل تجاوز أخطاء وسلبيات الماضي ، والقضاء على الإرهاب ومن يخلق أجواءه .. وإنهاء أية صراعات قادمة ستكلف باهظا .. ومن اجل تحقيق الفرص الديمقراطية للجميع ، بتحقيق طموحاتهم وحقوقهم وواجباتهم ، البدء بالعمل المشترك بثقة ، وبلا ضغوط ، أو تجاوزات .. أهيب بكل الأطراف أن يكونوا عند مستوى المسؤولية التاريخية أولا ، والمسؤولية الوطنية ثانيا ، والمصالح العراقية المشتركة ثالثا .. لابد من مطالبة الحكومتين المركزية ببغداد والإقليمية في اربيل ، الالتفات لتوفير الأمن ، والخدمات ، وتوفير العمل ، وتطوير الحياة ومنح الحرية الكافية لكل طرف من الأطراف في التعبير عن إرادته في كل أرجاء محافظة الموصل ، وان لا تمارس أية ضغوط على الناس في أي مكان .. كما يستلزم أن تحظى الموصل بمجلس محافظة متوازن ومشهود لأعضائه بالكفاءة والنزاهة والاستقلالية والمكانة الاجتماعية .. إنني أناشد للبدء بالعمل ، قبل حدوث تجاوزات وأخطاء سيدفع الناس من جديد ثمنها كبيرا ـ لا سمح الله ـ ..

البيان الاماراتية ، الاربعاء 11 فبراير / شباط 2009 .

وتنشر على موقع الدكتور سيار الجميل

www.sayyaraljamil.com











Opinions