Skip to main content
النازحون.. ضياع الحقوق وصعوبة العيش. Facebook Twitter YouTube Telegram

النازحون.. ضياع الحقوق وصعوبة العيش.

المصدر: جريدة البصائر

بقلم : إياد العناز

باحث في مركز الأمّة للدراسات والتطوير

تمر الأمم والشعوب بأزمات سياسية واجتماعية واقتصادية وبحروب تفرض عليها أو تواجهها دفاعا عن النفس وحياض الأوطان وحقوق شعوبها وحماية لأمنها الوطني والقومي ، ثم تنتهي هذه الأحداث وتتمكن الدول من اعادة ترتيب هيكلية مؤسساتها واستعادة عافية شعوبها وإيجاد الخطط والبرامج واستحداث الخطط الخمسية والعشرية التي تسعى الى عملية البناء والإعمار واعادة البنى التحتية بما يحقق نتائج ايجابية تعيد للدولة وشعبها الأمل في حياة حرة كريمة ومستقبل واعد مع الحفاظ على استمرار وجود الإنسان وتوفير جميع مستلزمات ادامة وانتاج وتحسين أوضاعه وتعويضه الآلام والجروح والمآسي التي كابدها وعاصرها نتيجة هذه الأحداث والحروب الداخلية ، ويحدث هذا في الأمم والدول التي تحترم شعوبها وتقدس آدمية الأنسان وحقوقه المدنية في إطار مجتمع متقدم وحياة طبيعية أساسها العدالة الاجتماعية والقضاء العادل والرؤية الفكرية والسياسية للحكم القائم في هذه البلدان أي أن يكون النظام السياسي نظاماً دستورياً مؤسساتياً مدنياً عماده النظم والقوانين والتشريعات التي تحفظ للشعوب حياتها وتعيد للدولة مكانتها وتفرض هيبتها وتديم ارادتها وتحترم حقوق الإنسان والدفاع عن وجوده وديمومة حياته.

الرؤية الميدانية لهذه الصور الإيجابية لم نرها في الأحداث التي مر بها بلدنا العراق الحبيب بعد الاحتلال الأمريكي في 9نيسان 2003 وما تلاها من وقائع ميدانية وأزمات عاشها أبناء الشعب العراقي وانعكست سلبياً على طبيعة الحياة المجتمعية وصور الظلم والمعاناة وعقم الاجراءات وانعدام البرامج الإنسانية وافتقار الحكومات التي تشكلت تحت رعاية الاحتلال لرؤى ميدانية حقيقية تعالج الأزمات والأحداث التي عاشها المواطن العراقي وبسببها حدثت مآسي ومواجع أثرت على حياة الفرد والعائلة العراقية الكريمة وأدت إلى هجرتهم وتركهم لبلدهم بل أصبحت الهجرة داخلية عبر الأحداث والمواجهات التي دمرت المحافظات ومراكز المدن والأقضية والنواحي وكل ما تحتويه من بناء وإعمار ودور ومباني ومدارس ومستشفيات وجسور ومصارف وملاعب ومراكز ثقافية وإعلامية ودور للعبادة تمثل الجهد الإنساني الذي قام به الشعب العراقي في مراحل البناء والإعمار لبلده عبر عقود من الزمن في صور من الكفاح والعطاء وصولاً لعراق حر مزدهر وشعب راق في علمه وعمله وثقافته وفنه ومجالات الحياة الأخرى وتمكن من إحداث بنية تحتية واسعة وعريضة ذات أبعاد اقتصادية واجتماعية وفكرية أحاطت المجتمع العراقي بالعديد من المزايا والصور الزاهية والتماسك الاجتماعي الذي أضحى السمة الأساسية للشعب العراقي والإطار الذي يحتويه ويجمعه .

لم تتمكن حكومة بغداد من معالجة الأزمات الاجتماعية التي مر بها المجتمع العراقي عبر الأحداث التي وقعت في السنوات الماضية وأدت الى كارثة إنسانية تمثلت بنزوح (6) مليون نسمة من المحافظات والمدن الرئيسية التي شهدت المواجهات العسكرية والأمنية وعمليات التهجير والتغيير الديمغرافي ما بين عامي (2012-2017) ولم تكن لديها الأسس والأفكار التي تمكنها من وضع البرامج والخطط الايجابية في معالجة أوضاع النازحين وكيفية احتوائهم وتوفير مستلزمات الحياة لهم عبر وسائل اجتماعية تعين المواطن وتحفظ له كرامته وإنسانيته.

استمرت هذه الأزمة الإنسانية وأوجدت حكومة بغداد بعض الإجراءات الخجولة وحاولت فيها اعادة العوائل النازحة الى مناطقهم ولكن لا يزال هناك أكثر من مليون ومئتين ألف نازح يوزعون في مدن العراق حسب تصريح وزارة الهجرة وتواجد 650 ألف نازح في مخيمات أقيمت في إقليم كردستان العراق مع 490 نازح يعيشون خارج المخيمات في مدن ومحافظات الإقليم.

ويعاني الأهالي الساكنون في هذه المعسكرات العديد من المشاكل والمصاعب وصعوبة العيش وقلة الموارد المالية ومشاكل في النواحي الصحية والتعليمية والتموينية ووجود الأطفال الذين يفتقدون أسس صحيحة لبدأ عملية التعليم وافتقارهم الى وثائق مدنية ولا يحق لهم التعليم دون الحصول عليها بسبب صعوبة الحركة والتنقل والإجراءات الروتينية التي تمنعهم من الخروج من المعسكرات ومتابعة الحصول على هذه الوثائق ، كما أن الظروف الصحية بدأت تقلق العوائل النازحة وتخشى على أبنائها من الإصابة بأمراض عديدة بسبب اكتظاظ المعسكرات بالعوائل وسط ظروف صحية غير سليمة ولا تتمثل فيها وسائل الوقاية والعلاج وكما أشارت منظمة أطباء بلا حدود أن النازحين هم أكثر الفئات عرضة للإصابة بأي عوارض صحية ويقول السيد (غول بادشاه ) رئيس المنظمة ( إن النازحين في العراق يمرون بمعاناة كبيرة منذ سنوات ويعيشون في مخيمات رسمية وغير رسمية محفوظة بالمخاطر في أغلب الأحيان ونشعر ببالغ القلق من تفشي الامراض في المعسكرات. ) .

أمام هذه المشاهد الإنسانية المؤلمة والواقع المرير للعوائل النازحة نرى أن الموقف الحكومي يبتعد عن التعامل الميداني الصحيح بل أن التزام الحكومة ضعيف ولا تزال هناك عقبات عديدة لم تستطع المؤسسات الحكومية من معالجتها رغم مرور أكثر من (7) سنوات على هذه المأساة وأهمها عدم اكتمال عملية البناء والإعمار للمنازل والدور المهدمة في الأماكن التي شهدت عمليات القصف الجوي والميداني والمواجهات العسكرية بين جميع الأطراف الداخلية المتحاربة وعدم الإيفاء بالالتزامات التي قطعتها على نفسها حكومة بغداد بإعادة الخدمات واستكمال رفع الألغام الأرضية وخاصة في المزارع والحقول التي تسببت في خسائر جسيمة بالأرواح وضياع في الممتلكات مع انعدام فرص العيش والعمل للعوائل النازحة التي ترغب في العودة لدورها وأماكن سكناها ويفترض أن تكون مراحل ضمن أطر ورؤى واقعية وقرارات واضحة وبحالة طوعية وصور كريمة تحفظ للإنسان حياته.

إن من مستلزمات ومتطلبات العودة الناجحة للنازحين وإنهاء معاناتهم الإنسانية أن تمر عبر المراحل والأهداف التي تحقق أسس التنمية الاجتماعية وتحقيق القدر الكافي من توفير الخدمات الأساسية للمواطن من اصلاح لشبكات الكهرباء وخزانات المياه وتوفير فرص العيش وصرف التعويضات المالية للمواطنين للبدء بعملية إعادة ترميم وبناء دورهم المهدمة وفتح محلاتهم التجارية وإعادة العمل في حقولهم الزراعية وتحقيق مستوى عالي من التماسك الاجتماعي في توجيه المؤسسات والوزارات الخدمية لتقديم أفضل الخدمات والمساعدات للعوائل الراغبة في العودة وتوفير متطلبات الحماية الأمنية واستقرار الوضع الأمني في المناطق التي عانت من ويلات الحروب ومنع أي تدخلات من قبل الفصائل والمجموعات المسلحة التي تؤدي إلى تعكير صفو الأمن والتدخل في حياة وعودة النازحين لأهداف سياسية وطائفية، وفي هذا نشير إلى العديد من المخاوف التي أصبحت العائق الأساسي لعودة الآلاف من العوائل لمناطهم خاصة بعد رفض المليشيات الانسحاب من مناطق (جرف الصخر-يثرب-العوجة-عزيز بلد- العويسات -النخيب- الصينية – مخمور ) ومناطق أخرى في شمال وغرب العراق مع عدم إمكانية إعادة بناء وترميم الدور والمنازل المهدمة بسبب منع بعض هذه المليشيات المواطنين من البناء والإعمار إلا بموافقات أمنية وحجج ومعوقات عديدة لمنعهم من العودة واستمرار المنهج والمشروع القائم على التغيير الديمغرافي للأرض .

ستبقى مشكلة العوائل النازحة قائمة وتهدد الأمن الاجتماعي للعراق كونها أصبحت وبفعل وسيطرة بعض الاحزاب السياسية على قرار عودتهم كونها تتعامل مع هذا الملف الانساني بصورة سياسية وليس اجتماعية، ويضاف لبقاء المشكلة انعدام الثقة بين العوائل النازحة والمؤسسات الحكومية في بغداد كونها تتبع صيغ الدعايات والتصريحات الحكومية والنيابية في موضوع إنهاء هذه الأزمة وعدم الارتقاء بمعاناة النازحين ووجود أدوات الفساد وحلقات المفسدين الذين يسعون لبقائها والتلاعب والاستفادة من الأموال المعدة للعوائل النازحة والتباطؤ في صرف مبالغ التعويضات المالية وتقديم العون في مساعدة العوائل وتمكينهم من إصلاح وترميم دورهم واستمرار عملية التسويف والمماطلة التي تتبعها بعض الجهات الحكومية والحزبية على حساب معاناة النازحين باستمرار تحقيق الأهداف السياسية والفئوية لهذه الجهات وضعف الإجراءات على مستوى المنظمات الدولية وقرارات الأمم المتحدة والهلال والصليب الأحمر وعدم وجود الجدية الفعالة في انهاء هذه المعاناة والمأساة الإنسانية.

Opinions