Skip to main content
Facebook Twitter YouTube Telegram

النقـد البنــّـاء يقـضّ مضاجـع الضـعـفاء

منذ أن خـُلقـتْ البشرية صار الناس يفـكـّرون ويتحـرّكون وحـواسّهـم يستخـدمون ، حُـباً بالإطلاع عـلى ما حـولهـم ويتكـلمون للتواصل مع غـيرهـم . ومع ضرورات ديمومة الحـياة إنبثـقـتْ من كـيانهـم سلوكـيات ذهـنية وعـملية هي الغـرائز ، تـدفـعهـم إلى ممارسات طبـيعـية نابعة من ذاتهـم تأخـذ طابع الليونة والنعـومة تارة كالرضاعة عـند الطـفل وإحـتضان أمّه له ، وتارة أخـرى تـرافـقها بعـض الخـشونة كالبحـث عـن الغـذاء والدفاع عـن النفس . وبمرور وجـبات من الأجـيال وبمرافـقة عـملية التطور ، ظهـرتْ أو تبلورتْ تطـلـّعات أخـرى عـندهـم أخـذتْ مظهـراً غـريزياً أيضاً كالتباهي بنـتاجاتهـم الفـكرية والمادية ، والعـمل عـلى ضمان مستقـبلهم المعـنوي والمعـيشي ، ومن هـنا بدأ صراعُهـم مع بـيئـتهم الطبـيعـية والإجـتماعـية من أجـل البقاء يأخـذ مَـنــْحَـيَـيْن متوازيَـين بسرعـتـَين متسابقـتين تخـتـلفان عـند الشخـص نفـسِه وكـذلك بـين الأشخاص ، المنحى الأول : إيجابيّ يفـكـّر عـنده المصارع بالمنطق والميزان المقـبول ، فـيخـوض السباق مثلاً بما يؤتى من قـوة وهـو يعـلم أن الفـوز للأحَـقّ دون أن يفـكـّر بالإستحـواذ عـليه مُسبقاً . والمنحى الثاني : سلبيّ يميل فـيه الإنسان إلى إقـصاء الغـير والتجاوز عـلى حـقـوقه ، ومنطِـقــُه بعـيدٌ عـن المنطق ولا يقـبل بالعـتلة الأفـقـية بل يريدها مائلة نحـوه ليأخـذ من قــُرْبـِها ويتشبّـث بها لوحـده ويلفّ الخـيمة الواسعة حـوله دون أن يكـترث بالآخـرين فـيحـرمهـم من الإستظلال بها . هاتـَان القـوّتـَان اللامتـآلفـتان تسيران جـنباً إلى جـنب في داخـل الإنسان ، فإن أسرعـتْ الأولى كان صاحـبها سلساً مسالماً طبـيعـياً في المجـتمع يقـبل الحـق عـلى نفـسه قـبل أن يَعـتدي عـلى غـيره ولا يعاني من أية مشكـلة مع مَن حـوله فـيُحـبه الكـثيرون . أما إذا تباطأتْ هـذه وسبقـتها الثانية كان الإنسان هـذا مرتبكاً عـند أول صافـرة لبدء السباق معـتبراً نقـطة الإنطلاق هـي خـط النهاية بالنسبة إليه ليحـتكـر النصر لنفـسه سواءاً إنطلق مع المُتسابقـين أم مكث في مكانه وهـذه هي شريعـته وهـو يعـرف أنها منحـرفة وبهـذا يصبح مكـروهاً عـند الآخـرين حـتى إذا هـزّوا ذيلهـم أمامه . ولكـن الإنسان السويّ وبتطوّره المستمر عـلمياً وأدبياً وإجـتماعـياً ، صار يتوجّه إلى إنسانيّـته شيئاً فـشيئاً ويطمح إلى تحـسين نشاطه مع إبداء رأيه في أداء ونـتاج الآخـرين حُـباً بهـم ولمواكـبة الحـياة سوية معهـم . ومن هـنا برزتْ الرغـبة في التميـيز بـين الفاضل والأفـضل ، وفـحـصه وتحـليله ثم عـرضه أمام الآخـرين كي يقارنوا ويقـيـّموا الأجْـوَد وهـذه العـملية قادتـْه إلى ما نسمّيه النقـد . فالنقـد عـملية يشـعّ صاحـبها - مِن وجـهة نظره - الضوءَ ويسلـّطه عـلى جـوانب موضوعٍ ما فـتـتوضـّح جَـودَتــَه من رداءتــَه بفارق يتـناسب مع ألوان الضوء هـذا وشِدتها . نعـم ، إن قابلية الفـرد اليوم محـدودة ولكـنها قابلة للتطوّر غـدا ، والناس صنفان : (1) أحـدهـما ينظر إلى نـتاجه فـيراه فـوق القـمة متباهـياً به في كل وقـت ومعـتبراً إياه كاملاً متكاملاً دون أن يسمح لحامل مصباح أن يقـترب منه فـتظهـر حافاته المثـلومة أو سُـطوحه الوعـرة إنْ وُجـدتْ ، إنه لا يريد التـنبـيه عـلى رداءة إنـتاجه ، إنه لا يقـبل بالمواجـهة الإيجابـية كأنْ يُـبديَ تــَـقـبّـله لآراء الغـير بما هـو مفـيد وصالح ، ولا بالمواجـهة السلبـية ليدافـع عـندها عـن كـيانه ومنـتوجه ، إنه لا يريد أحـداً أن ينـتقـده وهـذه عـلامة ضعـفه وما أكـثر الضعـفاء اليوم وهُـم يرتدون عـباءة الأقـوياء . (2) والآخـر يعـرف أن الكمال لله وكـلنا يعـوزنا مجـده ( كما يقـول مار ﭙـولص ) وإن آراءنا وأعـمالنا ونـتاجاتـنا بحاجة إلى تشذيب وصقـل كي تظهـر بمظهـر لائق وجـميل ، إنه فـعـلاً يقـبل النقـد منـتظراً غـَده الأفـضل فـهـو قـوي الشخـصية والإرادة لا يأبه بالأغـصان المهـتزة عـند هـبوب الرياح .
إن النموذج الأول من الناس مخـتـفـون خـلف رداء وقار وبعـضهـم اليوم يحـكـمون و يطمحـون إلى التحـكـّم بالغـير كالراعي والقـطيع ناسين أو متـناسين أن فـتاوى الأيام الظالمة : ( هـذا فـيه روح شـرّيرة إحـرقـوه ، وذاك ليس يطيع فـهـو مخـتـلّ العـقـل إحـجـزوه ) ولـّتْ ولن تعـود ، كما أنّ نشوة الموقـع لدى البعـض من هـؤلاء أنــْستــْهـم أنـنا في بلد حُـرّ وشعـب سعـيد في ديمقـراطيته ، ولهـذا فإن قادة المجـتمع العـصري إخـتبروا الحـياة وسَـنـّـوا قـوانين الحـرية في كل أنشطتها لتعـريف هـؤلاء بحـدّهـم ويقـفـون عـنده .
أما الصنف الثاني فإنهـم تجاوزا الأنا الضيقة وفـتحـوا الصدور الواسعة فإرتقـوا جالسين عـلى آخـر المدرّجات تاركـين الصفـوف الأولى لطلاب الإبتدائيات . ولنسأل الضعـفاء : هـل أخـطأتم لتخافـوا النقـد ؟ إنْ كـنتم عاجـزين ! نعاضدكم ، وإن إنحـرفـتْ عـربتكم ! فـلا يهـمّـكم ها نحـن جاهـزون لمدّ يد العَـوْن لتصحـيح مساركم ، وإنْ كـنـتم وصلتم درجة الكـمال! نفـرش سجادتـنا أمامكم ونعـبدكم . وقـد يسألنا سؤالاً جـريئاً ووجـيهاً ويقـول : ما لكَ ولنا يا رجـل ؟ نقـول له : إعـتـكـف في بـيتكَ فـلا أحـد يقـترب منك ، أما المجـتمع فـهـو مُـلـْـك الجـماعة ، فـما رأيك ؟
إن عـملية النقـد البنـّاء ضرورة مُلحّـة وإيجابـية التأثـير عـند الإنسان المتحـضر تــُـنـبّه صاحـب الشأن إلى سلبـياته ( حـتى إذا أبى ) فـيعـيد النظر فـيها لتصحـيحـها فـيطـوّر نـتاجه خـدمة للمجـتمع . فاللاعـب ينفـعـل في ساحة اللعـب لا ينـتبه إلى أخـطائه ولا يعـرفـها بل يعـتقـد أنه لا يخـطأ ، ولكـن المتفـرّج المتابع يركّـز من موقـع الراحة والرصد ويلتقـط الأخـطاء . ولِـمَن يهـمّه الأمر نذكـر له مثالاً ساطعاً تأكـيداً عـلى ما ذهـبنا إليه . فـلقـد كـتبنا مقالاً بتاريخ 28/8/2006 عـلى صفـحة المنبر الحـر من عـنكاوا . كوم ، كان له فـعـله ويمكن متابعـته عـلى هـذا الرابط :
http://www.ankawa.com/forum/index.php/topic,53636.0.html ولِمَن يرغـب التأكـّد من كـلامنا يمكـنه الرجـوع إلى نسخـتــَي النشرة ( واللتين أحـتفـظ بهـما ) حـين صدرتا إحـداهـما في يوم الأحـد 3/9/2006 قـبل ان يتسنى لمَن يهـمّه الأمر قـراءته ، والأخـرى في يوم الأحـد 17/9/2006 بعـد أن قـرأه ، وسيعـرف ما أسرع ما أثـمر هـذا المقال وأنّ الغاية هي الإصلاح والتطوير وتحـسين الإنـتاج وليس غـير ذلك . وليعـرف أياً كان أنّ مَن يبالِـغ في مدحه له يضرّه ومَن يُـبكـيه إنما يفـعـل ذلك لمصلحـته . وقـد قال سليمان الحـكـيم : لا تـنصح الأحـمق ، فإذا كان كـذلك ( ولا أعـتقـده ) إلى درجة لا يقـبل نصيحة لفائدته فـنقـول له : بئس المصير ، ولكـنه لا يُـثـنينا عـن عـزمنا في خـدمة المجـتمع عامة والقارىء خاصة وإنـنا في درب الصقـل والتشذيـب سائرون ، وفي مقالنا القادم سيستمتع الكـثيرون إلى قـصة حُـلم رآه مشاهـدٌ لنشاط إجـتماعي حـضره ، ويا حـبّـذا لو يُسْمِعـونـنا آراءهـم عـلى الملأ ليصحّـح المخـطئون أخـطاءهـم في تلك القـصة إنْ وُجـِدتْ ، ولكـنـنا لا نريدهم في الخـفاء يُـتمتمون .

بقـلم : مايكل سيـﭙـي / سـدني Opinions