الى الاستاذ جميل روفائيل – دفع العربة ضرورة ملحة
ربما يكون من الاجحاد عدم الاعتراف في ان الاستاذ الفاضل جميل روفائيل يمثل شخصية تتميز بخبرتها الطويلة في العمل الصحفي ومتابعتها القيمة لاداء شعبنا الكلداني السرياني الاشوري على مدى تاريخه الطويل الموغل في القدم , ولحرص الرجل الدائم على الامساك بالعصا من المنتصف طمعا في جذب اغلب الاطراف وخاصة الفاعلة فيها الى نقطة الاتزان فان ذلك قد منحه الحق في ان يكون مرجعية (على الاقل سياسية واعلامية ) ترى تلك الاطراف فائدة في الاستئئناس والاستماع اليها. لا اقول ذلك مجاملة او تزلفا وتملقا فالرجل لم يجمعني به لقاء كما لاتوجد بيننا اية مراسلات ولكنني كمهتم بموضوع شعبنا ومستقبله كما بمسقبل الوطن اجمالا اتابع بكل تأكيد مايكتبه غيري في هذا المجال, كما اعتقد ان اؤلئك ايضا يتصفحون في بعض الاحيان ما اكتبه وانشره في نفس المجال.يقينا ان وضع العراق بشكل عام بعد الاحتلال وسقوط التمثال يمثل احد الاسباب الرئيسية التي أصبح بسببها وضع شعبنا الكلداني السرياني الاشوري في حال لا يُحسد عليه, ولكن وضع شعبنا الداخلي المتمثل في حالة التشتت والتشرذم وعدم الاتفاق والانسجام والحفر والمشاغبة التي سادت اداء قواه السياسية والاجتماعية كانت ايضا سببا رئيسيا اخرا يضاف الى السبب الاول ترك النتائج التي حصل ويحصل عليها شعبنا في إضمحلال أُسي مستمر, وهكذا عندما طرح شعبنا نفسه , او طُرح من قبل اطراف اخرى, رقما يكاد يكون رئيسيا في مجلس الحكم المنحل نراه يتدهور بعد حين إثر الدخول بكل سافر في مستنقع التسمية حيث بدأت الاطراف السياسية الاخرى المشاركة في اللعبة اعادة وضعنا في الميزان من جديد طمعا في الاستيلاء على جزء من الحصة. ومع خطواتنا الموغلة في عمق هذا المستنقع كان الخط البياني للانحلال والانحدار يبدو للاخرين اكثر وضوحا . لقد وضعنا ( الكير ) على الباك في الوقت الذي وضعه الاخرون على ( الخامس ) وانطلقوا باقصى مالديهم للوصول الى طاولة تقسيم الكعكة , فكان الواصلون يسمعون صوتا خافتا ضعيفا يكاد لا تميزه الاذان يأتي من بعيد موصيا بالاحتفاظ بحصته حتى وصوله .عندما سمعوا بالكاد ذلك الصوت قرروا ان يكونوا امناء ( فيتمزمزوا ) قليلا بنصيب اخيهم و شريكهم ( المسيح ) ريثما يصل فيحتفظ بالباقي . منذ قرابة ألفي سنة ونحن في كل سنة وفي اسبوع السعانين تحديدا نستذكر درس الخمس الحكيمات و الخمس الجاهلات , لنكتشف انفسنا بعد كل هذه السنين الطوال اننا في السياسة كما في الكنيسة خرجنا الى ( العرس ) بلا زيت فأصبحت مهمتنا الوقوف على الابواب والمناداة بأن يُفتح لنا. ربما نكون جميعا مليئين بالثقة في ان باب الهيكل في الكنيسة سينفتح لامحالة , لكن الكثيرين يساورهم الشك في في ان ينفتح الباب في السياسة للكسالى والمشتتين والمتخاصمين والضعفاء. لقد كان الاداء القاصر لقوى شعبنا السياسية متمثلا في حالة الصراع التي سادته خلال السنوات الاربع الماضية سببا رئيسيا ترك الاخرين يمتلكون الجرأة في تعيير وزننا وثقلنا باستمرار الى الحد الذي اصبح ( وزن الريشة ) من نصيبنا مع رجائهم في ان نجهد انفسنا في المحافظة عليه لكي لانفقده في مراحل التعيير القادمة. ان واقع التشتت والتشرذم الذي نعيشه متزامنا مع ما يحدث في احياء في بغداد من تهديد وقتل وإجبار على التخلي عن الهوية الدينية وتهجير بحق شريحة واسعة من ابناء شعبنا جعل قضية هذا الشعب تعود من جديد الى المربع الاول في الدعوة الى حمايته فقط كما كان دائما ( شعب اهل الذمة ) تاركين حقوقه في اجازة مفتوحة.
ان مقالكم الموسوم ( سؤال الى السيد يونادم كنة ينتتظر توضيحا ) قد ذكرني بمشهد لايمكن ان انساه في حياتي , ذلك انني كنت اشاهد التلفزيون السوفيتي وكان ذلك في نهايات الثمانينات حيث كنت طالبا ادرس الدكتوراة. كان ميخائيل غورباتشوف بصفته رئيسا للاتحاد السوفيتي وامينا عاما للحزب الشيوعي يقوم بزيارة الى مناطق في ارمينيا نُكبت إثر الزلزال المدمر الذي حدث فيها. اتذكر المشهد لحد الان , شجرة يضع عليها الناجون قصاصة من الورق لتخبر من يمر بها من اقربائهم الذين يجهلون مصيرهم, الكل يبكي حتى غورباتشوف نفسه ورئيس وزرائه , نياح في كل مكان والرئيس السوفيتي يحاول ان يسلِي مواطنيه , وإذا بيد ترتفع من بين الجموع, انه احد الناجين يسأل وهو يبكي عن مصير منطقة ( ناكورني كارةباخ ) التي تتخاصم عليها ارمينيا واذربيجان. ثارت ثائرة غورباتشوف , قال له : أفي هذا الجو الملئ بالحزن الذي ينبغي ان نكون فيه جميعا واحدا تسأل عن منطقة كارةباخ ولمن ستكون. عذرا ايها الاستاذ الفاضل , ربما تعتقد ان المقارنة مبالغ بها ولكن الذي يحصل يوميا لبعض من ابناء شعبنا في الدورة والبياع وغيرها يرقى بالنسبة لهم الى زلزال ارمينيا.
لقد سئم شعبنا السباحة في هذا المستنقع فتسميات ( كلدواشورسريان ) او ( كلداني سرياني اشوري ) او ( الكلداني والسرياني والاشوري ) يرى الكثيرون منا انها تشبه قصة ( حسن كجل – كجل حسن ) طالما نؤمن اننا جميعا شعب واحد ,بتاريخ واحد , وجذور واحدة , وثقافة واحدة , ويستهدفنا الاخرون بسبب كوننا هذا المكون الذي لم نتفق على إسمه لحد الان ولايغيِر اختراعنا اوعدم اختراعنا للتسمية لديهم شيئا, فالذي يلقي رسائل التهديد وتغيير مجرى الحياة في الدورة وغيرها لايأبه ولايريد ان يعرف إن كان المقصود بالرسالة كلدانيا او اشوريا او سريانيا. اعتقد جازما ان الكثيرين ممَن سجلوا بعض المأخذ على مؤتمر عنكاوة كانوا سيكونون اكثر استعدادا للتعامل بمرونة وشفافية مع نتائجه لو انه شهد تفاعلا واتفاقا وانسجاما وبالتالي نتائج مشتركة بين مختلف الزعامات الدينية و القوى والتيارات السياسية والشعبية داخل شعبنا.
في هذا الزمن الصعب الذي يعيشه شعبنا وبعد ان اصبح واضحا للعيان خطأ فعل المرحلة الماضية عندما امتهن البعض مهنة رمي الاحجار امام العربة لتعطيل سيرها وأكتشف الجميع انها كانت لعبة عبثية ذات نتائج وخيمة لا اعتقد , ومن المؤكد يتفق معي في الرأي كثيرون , في ان لايكون لجميل روفائيل الدور الرائد كما كان دوما فيدفع بكفيه وما إستطاع سبيلا هذه العربة التي اصبحت حركتها ضرورة ملحة.
wadeebatti@hotmail.com