بؤس المقارنة
إذ نعيش أيام إطلالة عام 2012، ونقترب من السنة التاسعة التي مرت على العراق بعد التغيير في نيسان عام 2003، فان الخوف والقلق لا زالا هما السائدان في المزاج العام، فإذا لم يكن الإنسان مطمئنا على حياته، فأين التقدم الذي حصل؟يحاول الخطاب التبريري ان يوهمك بان المتنفذين هم من قاموا بعملية التغيير، وهم من أزاح الدكتاتور السابق، ومكافئتنا لهم بان نسكت عن كل عمل شائن يقومون به. ويبدو ان السلطة توهن الذاكرة، وتنسي صاحبها ان الشعب هو من اقر الدستور، وهو الذي زحف للانتخابات، وهو مصدر السلطات، وله يجب ان تقدم الخدمات.
وما ان تبادر بنقد الظواهر السلبية، وما أكثرها في العراق، حتى يتسارع الخطاب التبريري للمتنفذين، الى دعوتك لمقارنة الوضع السياسي الحالي مع الوضع في حقبة الدكتاتورية قبل 9/4/2003، معددا لك انجازات كبيرة تحققت، ومنها إقرار الدستور وإجراء الانتخابات وتحسين الرواتب ووجود الفضائيات وتعدد وسائل الإعلام، وكثرة السيارات، وكأنك لم تعيش تفاصيل الحياة اليومية!
يحاصرك الخطاب التبريري بين ثنائية اما الوضع الحالي او الوضع ابان الدكتاتورية. والخشية من هذه المقارن البائسة، كونها تشد العيون الى الماضي وتجعلنا متمترسين في أماكننا دون ان نتقدم، وحركة التاريخ الطبيعية تتطلب التطلع الى المستقبل، وهو الكفيل بنقل خطواتنا إليه. من يتطلع الى المستقبل لا يقارن بالماضي الا لأخذ العبر والدروس، فلو كان الماضي جيدا لما كافحنا ضده.
ومن جهة ثانية، فان المقارنة بين حقبتي ما قبل التغيير وما بعدها، لا تصلح لشاب بلغ الآن الثامنة عشر من عمره، فهو يوم التغيير كان طفلا بعمر تسع سنوات، ليست له ذاكرة سياسية عن تلك الحقبة كي يقارن في ضوئها، والمقارنة لديه تكون اليوم مع حياة شاب يعيش في البلدان المتطورة، حيث يتواصل عبر الانترنيت والفيس بوك، مع أصدقاء من مختلف بلدان العالم، ويتعرف على طرق حياتهم والخدمات التي تقدم لهم. فالشاب غير معني بالمقارنة مع الماضي، وانه يقارن ثروات تلك البلدان التي تبنى بها تقدمها، بينما ينهب الفساد ميزانياتنا السنوية، ويلتهم الإرهاب أرواح أقرانه في العراق.
يجهد الخطاب التبريري للالتفاف على الأزمة السياسية المستفحلة، ويجتهد بالتخفيف منها، وكما هي الاستحالة بمكان محاولة تغطية الشمس بغربال، كذلك عدم تشخيص الأزمة بدقة، وهي أزمة نظام للحكم، بني على المحاصصة الطائفية، وان " صراع الجبابرة " الذي يدور، ليس من اجل المواطن، ذلك ان حياة الموطن او معيشته، ليس هي من يتصارع عليها المتنفذون، انما صراعهم يشتد على السلطة والنفوذ والامتيازات والعقود، صراع من اجل المال والوجاهة.
غبي هو الخطاب التبريري كونه لا يعرف ان تركيبة الشعب العراقي، يشكل الشباب نسبة 60% منها، وهؤلاء غير معنيين بالماضي، عيونهم تتطلع الى المستقبل، هم مادته وأداته للتغيير، ليس في منهجهم الشيء الكثير عن الماضي المستبد، وانما أمامهم فرص المشاركة والتعلم والعالم مفتوح أمامهم، ولا يوجد غربال يسد نافذة النت!.