Skip to main content
Facebook Twitter YouTube Telegram

بطريرك بابل وبابا روما والموقف من الإسلام وشؤون مهمة أخرى

توطئة

قد يرى البعض عنوان المقال مثيرا بعض الشيء. وكي أزيل اللبس أدخل الموضوع مباشرة وفي الفقرة الأولى من المقال كما يفعل أي صحفي قدير عند نقله للخبر حيث يعمد إلى إتباع قالب الهرم المقلوب، أي منح القارىء ما هو الأهم في الفقرات او الجمل الثلاث الأولى وبعدها تأتي الأمور الأقل أهمية.

أنا لست مداحا وكنت ربما الكاتب الوحيد من أبناء شعبنا ينتقد التصريحات التي أدلى بها البطريرك لويس ساكو  بشأن لغتنا السريانية. ربما فعلت ذلك بعجالة لأن ما ورد في بيانه الأخير من طلب من الفنانين والموسيقيين والأدباء للتأليف الموسيقي والشعري بلغتنا المحكية كي ننشده سوية في الكنسية بعد فحصه وترخيصه من البطريركية قد أزال غيمة كبيرة كانت تؤرقني حيث إزدادت موجة التعريب التي لا حاجة لها حتى في بعض كنائسنا في المهجر بينما الغالبية الساحقة تتكلم لغتنا المحكية الساحرة.

وكنت أيضا واحد من المنتقدين البارزين في الصحافة العربية والعالمية وفي كتاباتي الأكاديمية لمواقف محددة للبابا السابق بندكتوس. وهذه الأمور موجودة على الشبكة العنكبوتية وفي الإمكان الإطلاع عليها.

ولكن والحق يقال هناك مسألة لا يجوز إغفالها في مسيرة بطريرك بابل الحالي وبابا روما الحالي فرنسيس لأنهما من وجهة نظري يريدان إدخالنا في زمن جديد من حيث العلاقة مع الأخر المختلف عنهما  دينا وفكرا وتوجها وهنا أقصد الإسلام الذي يبلغ تعداد أتباعه حوالي مليار ونصف من البشر وهم من حيث الإلتزام الحرفي  بتعاليمه يشكلون أكبر الأديان طرا في الدنيا حسب الإحصائيات المستقلة.

العلاقة مع الأديان الأخرى لا سيما الإسلام

شخصيا أنا أكتب في هذا الخصوص إن في الصحافة او من خلال  كتاباتي الأكاديمية لأن تحليل الخطاب جزء مهم  وأساسي من إختصاصي الجامعي. 

وشخصيا وبتواضع لدي مساهمة متواضعة في حوار الحضارات والأديان من خلال علاقتي الوطيدة والتي أعتز بها جدا مع رئاسة الكنيسة الكاثوليكة في إسكندنافيا ومعهد نيومان الكاثوليكي في جامعة اوبسالا. وقبل فترة كنت قد رتبت للقاء مهم جدا بين مسؤول كنسي كبير منخرط في حوار الحضارات والأديان وبين رجل دين مسلم كبير جرى في الدوحة. وحسب علمي كان اللقاء مثمرا.

مساهمة بطريرك بابل

ولكن أفضل ما وقعت عليه عيناي قراءة وممارسة وقربا من رسالة السماء المسيحية التي أساسها المحبة وقبول الأخر كما هو وليس كما أريده أنا كانت كتابات البطريرك  لويس روفائيل لا سيما كتابه القيم "حوارات مسيحية إسلامية" ومؤلفه  الأخير "المسيحية والإسلام ... العقيدة والممارسات والأعياد" إضافة إلى ممارساته اليومية والعملية  عندما كان رئس أساقفة كركوك،  حيث كان يرى ولا يزال يرى اليوم وهو  في منصب البطريرك، انه ليس أسقف وبطريرك الكلدان وحسب بل أسقف وبطريرك أشقائنا الأشوريين والسريان ايضا وليس أسقف وبطريرك المسيحيين وحسب بل اسقف  وبطريرك المسلمين أيضا. 

اليوم لا يستطيع أي دين او فكر او مذهب او عرق ان يختفي وراء دينه او مذهبه اوطائفته اوكتبه وينظر إلى نفسه وما لديه أنه السليم والحق المطلق والطريق الوحيد الرشيد والقويم للإنسانية بينما ما لدى الأخر من مذهب  ودين وفكر ومعتقد وكتاب لا يوائم الإنسانية ويجب إعتباره أدنى مرتبة  مما لديه وعلينا التصرف نطقا وكتابة وعملا حسب ذلك.

في كتاباته ومواقفه وممارساته يدحض البطريرك هذا الموقف وهذه النظرة ويرى الأمور من منظور إنساني أخلاقي مسيحي مشرقي حيث نتساوى كلنا امام الله بغض النظر عن أدياننا ومذاهبنا وكتبنا . أي بمعنى أخر لا يجوز لأي واحد منا أن يتخذ ما لديه نظريا من دين ومذهب وكتاب ورجال دين مطية للعبور إلى ملكوت الله. ما يوصلنا إلى ملكوت الله  كبشر والله صار بشرا في سر التجسد حسب المفهوم المسيحي هو أعمالنا الصالحة أي ممارساتنا اليومية والعملية وليس كوننا كذا وكذا وكون كتبنا ومذاهبنا وأدياننا كذا وكذا. هذه لا تمنحنا أبدا أحقية على الأخرين او حصانة لا امام الضمير الإنساني كحكم للأخلاق ولا أمام الله كديان.  في أقل تقدير هذه قرأتي الشخصية لكتابات البطريرك ومواقفه وممارساته.

بابا روما

وعزز هذا الموقف ما قام به البابا فرنسيس في عيد الفصح. كم كان رائعا هذا البابا وكم كان قريبا من تعاليم الإنجيل عندما إنكب هو وصليبه وهو يغسل ويقبل أقدام إمراءة  مسلمة إنتخبها كي تمثل واحدا من حواري اي تلامذة المسيح الإثني عشر. قبلها هي وكتابها ودينها ومذهبها وعقيدتها كما هي وجعلها بمثابة تلميذة للمسيح ولم يفرض او يطلب منها ان تبدل او تغيرأي  شي مما هي عليه وهو  يعرف ان دينها ومذهبها ومعتقدها وكتابها مختلف تماما عما لديه.  المسيحية التي لا تأوي المختلف عنها وتنظر إليه كما تنظرإلى نفسها ليست من المسيح بشيء. وتواضعا اقول أنني شخصيا كنت قد توصلت إلى هذه الرؤى المسيحية منذ زمن طويل بعد  تعمقي في الليتورجيا والأدب الكنسي والإرث الإنشادي الذي لا تملك أمة أخرى مثله في العالم والذي يعود حصرا لكنيستي المشرقية المجيدة العظيمة التي كانت سباقة ليس في المفاهيم المسيحية والإنسانية الحقة والسليمة لا بل في كل شؤون الحياة الأخرى.

مسلمون في كنيسة العذراء في بغداد

في بغداد كنت كل شهر تقريبا انا وعائلتي وأحيانا مشيا على الإقدام نحج إلى كنيسة العذراء في الميدان. وما كان يدهشني هو الوجود الكثيف للأخوة والأخوات من المسلمين في الكنيسة وهم يركعون ويذرفون الدموع أمام العذراء وبعضهم يقرأ بأعلى صوته سورة مريم من القرأن الكريم.

مسيحية في جامع النبي يونس

وقبل خروجي من بغداد في عام 2000 أخذت والدتي رحمها الله تلبية لرغبتها كي تحج إلى ضريح او جامع النبي يونس في الموصل لأن يونان النبي كان شفيعها. وعند الضريح أخرجت والدتي سبحة الوردية وبدأت بأبانا الذي في السماوات والسلام لك يا مريم وبصوت عال وبخشوع. وعندها دخل إمام الجامع فطلبت من والدتي خفض صوتها وإخفاء سبحتها إلا أن الإمام المتنور أنبني وقال دعها يا ولدي إنها تناجي ربها الذي هو ربي وربك. الف رحمة عليك وعلى والديك  يا أيها الإمام الجليل. ما أحوج عالمنا اليوم إلى أمثالك. ولم أخرج من الجامع إلا بعد أن أكلمت  والدتي صلاة الوردية بأكلمها، خمسون مرة السلام لك يا مريم وعشر مرات ابانا الذي في السماوات ليتقدس إسمك. ولهذا فإنني أثني على البطريرك واحد بياناته الأخيرة وهو يدين تفجير حسينية في كركوك وقوله إن الجوامع والحسينيات والكنائس كلها بيوت الله.

ضجيج بعض الأخوة من الكلدان

وأظن من حقي  القول إن ممارسات وكتابات بطريرك بابل وبابا روما هي أفضل رد على منتقدي بعض كتاباتي ومقالاتي في الصحافة العربية والتي مع الأسف الشديد لم تُنتقد إلا من ثلاثة او أربعة اشخاص ومع الأسف الشديد جدا أن كلهم من المكون الكلداني للشعب المسيحي والبالغ عدده أكثرمن 30 مليون شخص في الشرق الأوسط من الذين بإستطاعتهم قراءة العربية. وأقول هنا وبثقة شبه مطلقة ان هؤلاء الأنفار لم ينطلقوا من مسيحيتهم في إنتقادها ولم ينطلقوا من حرصهم على ألإنجيل في إنتقادها بل منطلقهم كان مذهبيا وطائفيا بحتا فيه مسحة من الشخصنة والمباشرة.

  ومن المحزن جدا أن يكون بينهم الأستاذين جاك الهوزي ويوحنا بيداويد لأنه مشهود لهما كتاباتهما وتعليقاتهما الرصينة والحكيمة التي ترى في التسامح وقبول الأخر كما هو  ومن منظورالبطريرك والبابا قيمة أخلاقية إنسانية حيث لا مسيحية بدونها. وما أستغربه أن الإنتقاد كان في غير محله وفي غير سياقه أي كأن يتحدث شخص عن قانون العرض والطلب وتأثيره على مبيعات النفظ وإذأ بأخر يقحم نفسه بسؤال وتعليق خارج الموضوع عن أساليب منع الحمل الإصطناعية وموقف الكنيسة الكاثوليكية منها. هذا ليس معناه انه لا يجوز إنتقاد ما أكتبه. بالعكس النقد البناء الذي يرفض الإستناد إلى منطلقات مذهبية وطائفية وشخصية مرحب به. وانا أرحب اليوم وغدا باي مقال منفصل رصين ومتزن تحكمه الكياسة وأداب المخاطبة عن أي شيء كتبته او موقف إتخذته لأنني سأكون المستفيد الأول منه.

خاتمة

أكرر مرة أخرى أنني لم أت بكل هذه الأمثلة الحية والممارسات العملية  كي يكف إثنان او  ثلاثة من إخوتي الكلدان عن إنتقادي. بالعكس إنهم يؤدون فضلا كبيرا لي من مناح لا أود  ذكرهأ. فأهلا وسهلا بنقدهم وتشبيههم لي بالوهابي والعبد المتسعود وغيرها من ألقاب نابية لأنني على يقين وثقة ان القراء حكماء وبإستطاعتهم الكشف أنهم لا ينطلقون ابدا من حرصهم على مسيحيتهم وإنجيلهم وممارسات المحبة والتسامح وقبول وإيواء الأخر المختلف عنا وكما هو التي يدعو الإنجيل إليها في كل صفحاته.أنا على ثقة ان القراء على دراية تامة أنهم ينطلقون من مفهوم مذهبي وطائفي مقيت يضع غشاوة على العيون كي لا ترى إلا ما تريد المذهبية والطائفية لهما أن ترى ووضع قفل على العقل كي لا يفكر إلا بما تريد المذهبية والطائفية له ان يفكر.

 

Opinions