Skip to main content
Facebook Twitter YouTube Telegram

بعد اختيار بلادهم لاستضافة المونديال والألعاب الأولمبية: البرازليون قادمون!

-1-
كان لاختيار البرازيل لاستضافة المونديال عام 2014 ، واستضافة الألعاب الأولمبية القادمة 2016، وقْعٌ ودويٌ غير عادي في الأوساط السياسية والرياضية العالمية. رغم أن البرازيل رياضياً وخاصة في كرة القدم وفي المونديال قد فازت عدة مرات ببطولات مختلفة رفعت من شأنها رياضياً وسياسياً ودفعتها إلى بطولات مختلفة.

فالبرازيل أكبر الدول مساحة وأكثرها سكاناً في أمريكا الجنوبية. وتُعدُّ خامس دولة في العالم من حيث المساحة. وتشتهر بإنتاج البن والسكر وكحول وفول الصويا. وتُعدُّ البرازيل دولة ذات اقتصاد قوي، إذ تُصنف العاشرة في قائمة الدول حسب دخلها السنوي. ويمرُّ فيها خط الاستواء. وفيها أجزاء كبيرة من نهر الأمازون، ولذا، فأراضيها مليئة بالغابات الاستوائية، أو المناطق الصالحة للزراعة.

-2-

اتساع البرازيل، جعل منها بلداً غنياً بالحضارات والتقاليد. فرحل إليها المهاجرون من جميع أنحاء العالم، واختلطوا بالسكان الأصليين. ولهذا السبب، لا يوجد ثقافة برازيلية تراثية أصيلة لهذا البلد، وإنما يوجد مزيج من الحضارات والثقافات التي كوّنت الثقافة البرازيلية. وبذا، فحال البرازيل شبيه جداً في هذه الناحية بالولايات المتحدة الأمريكية. كذلك فإن النظام الفيدرالي البرازيلي شبيه إلى حد كبير بالنظام الفيدرالي الأمريكي. وما زالت الحضارة والثقافة البرتغالية هي المؤثرة على البرازيل. ومازالت اللغة البرتغالية اللغة الرسمية التي تجمع جميع الثقافات، وذلك بعد 300 سنة من الاحتلال البرتغالي، الذي انتهى في عام 1825 ، ونالت البرازيل استقلالها . كما أن لثقافة المهاجرين كالأفارقة، والايطاليين، والعرب الشوام، واليابانيين، أثراً ملحوظاً في تشكيل الثقافة البرازيلية عامة.

-3-

وتُعدُّ البرازيل بلداً سياحياً مرموقاً. فقد زار البرازيل في 2005 حوالي 5 ملايين سائح، وتُمثل السياحة دخلاً للبرازيل يعادل 4 مليارات دولار أمريكي. ولعل البنية التحتية المتوفرة لصناعة السياحة، هي التي رشّحت البرازيل لكي تكون البلد السياحي الرياضي. فمناسبة المونديال والألعاب الأولمبية ليست سياحة رياضية خالصة، ولكنها أيضاً سياحة ترفيهية. وفي هذه الحال، فالبرازيل لن تقوم ببناء بنية تحتية كبيرة نتيجة لاستضافتها لكاس العالم في كرة القدم (المونديال) عام 2014 واستضافتها للألعاب الأولمبية عام 2016، سيما وأن البرازيل سبق لها واستضافت المونديال في عام 1950 كما يعتبر فريقها لكرة القدم من أشهر الفرق في العالم، وحمل بطل العالم في هذه اللعبة خمس مرات.

-4-

واختيار البرازيل لاستضافة الألعاب الأولمبية القادمة 2014 كان مثيراً لأن البرازيل، ستكون أول دولة في أمريكا الجنوبية تستضيف الألعاب الأولمبية منذ قيامها عام 1896، والتي لا تُستضاف إلا من قِبل دول قادرة على هذه الضيافة قدرة مالية، وسياسية، ورياضية، وأمنية، وثقافية، واجتماعية، وصناعية. ولو استعرضنا الدول التي استضافت الألعاب الأولمبية على مدار تاريخها، لوجدنا أنها تلك الدول المتفوقة في كافة المجالات، وليس في المجال الرياضي فقط.

-5-

فما هو التفوق البشري والحضاري العام التي تتمتع به البرازيل الآن، والذي أهَّلها لأن تستضيف دورة الألعاب الأولمبية القادمة في 2016. وتفوز بهذا التأهيل على شيكاغو وطوكيو ومدريد؟

وهل حقاً ستتفوق على الصين التي كانت آخر من استضاف هذه الألعاب؟

فكما أُعلنَ بأن الصينيين قادمون، بعد استضافتهم لدورة الألعاب الأولمبية الماضية، فقد أُعلنَ كذلك بأن البرازيليين قادمون، بعد فوزهم باستضافة المونديال 2014، واستضافة الألعاب الأولمبية 2016، حيث أصبحت استضافة بلد ما لهاتين المناسبتين الرياضيتين العالميتين رمزاً وعنواناً للتفوق الحضاري في كافة وجوهه.

فما الذي يتميز به العملاق البرازيلي الجديد، الذي بدأ يخرج من قمقمه، بعد فوزه باستضافة هاتين المناسبتين العالميتين؟

1- اقتصاديا: تُعتبر البرازيل من الاقتصاديات القوية عالمياً، إضافة إلى أنها أقوى اقتصاد في أمريكا الجنوبية. وفي البرازيل مخزون كبير من البترول. ويقول بارباسا رئيس أكبر شركة (بتروبراس) لإنتاج البترول في البرازيل، إن المستثمرين في حقول البترول اعتادوا رؤية الصحراء والجمال في الخليج العربي وثلوج روسيا في حقول البترول، ولكنهم الآن ولسنوات قادمة سوف يرون مياه جنوب الأطلنطي حيث يكمن مخزون ضخم من البترول، سوف يُمكِّن البرازيل من أن تصبح بعد عشر سنوات وفي عام 2020 ، من بين خمس أكبر الدول في إنتاج البترول، حيث ستبلغ صادرات البرازيل خمسة ملايين برميل يومياً، وهو ضعف إنتاجها اليوم. هذا إضافة إلى إنتاجها من الغاز الطبيعي، مما سوف يدفع بالاقتصاد البرازيلي إلى مقدمة الدول الغنية. كما أن سياسة البرازيل في إيجاد بدائل للوقود، جعلها تنجح في توليد 73% من الطاقة من السدود الكثيرة التي بنتها. ولدى الدولة خطة لبناء 4-8 مفاعلات نووية للحصول على الطاقة السلمية في نهاية 2030. وقد أهّلت البرازيل مواطنيها تأهيلاً معرفياً وصناعياً وحرفياً سليماً، ومكَّنت الفرد من أن يصبح معدل دخله السنوي 7800 دولار، في حين أن دخل الفرد في معظم الدول العربية غير النفطية، لا يتجاوز 1200 دولار. وتدعم الزراعة الاقتصاد البرازيلي، بحيث أصبحت البرازيل عملاقاً زراعياً تميَّز بضخامة وتنوع إنتاجه الزراعي. فالبرازيل تحتل المرتبة الأولى في العالم في إنتاج البن، والحوامض، والكاكاو. كما أن استصلاح أراضي الأمازون مكنت البرازيل من زيادة المساحات الزراعية التي أصبحت مزارع حديثة متخصصة في المحاصيل الزراعية.

2- سياسياً: تعتبر البرازيل من أكثر دول أمريكا اللاتينية استقراراً، وذلك بفضل نظامها السياسي الفيدرالي، حيث تمَّ تقسيم البرازيل إلى 27 ولاية فيدرالية. ونظامها السياسي كما قلنا شبيه جداً بالنظام السياسي في الولايات المتحدة الأمريكية، من حيث الشفافية، وتطبيق الآليات الديمقراطية.

3- ثقافياً: قال روكي دي باروس لاريا الأستاذ الفخري بجامعة برازيليا، في معرض الكتاب بالرياض: حتى نفهم البرازيلية لابد أن نكون على علم بما أسهمت به مختلف الجماعات العرقية التي سكنت البرازيل. وهكذا ما أكده الشاعر الأرجنتيني سيزار فرناندث مورينو في كتابه (أدب أمريكا اللاتينية: قضايا ومشكلات) بالنسبة لأدب أمريكا اللاتينية عامة، التي تعاني من التعدد اللغوي والثقافي. وتظل البرازيل كما هي متفوقة في الرياضة والسياحة والاكتشافات البترولية، البلد المتفوق أيضاً في الثقافة وفي الأدب. فهي البلد التي أنتجت الشاعر العظيم، الذي يُقرن دائماً بالشاعر الألماني "غوته"، وهو ماشادو دو أسيس (1839-1908) الذي كان على رأس الكلاسيكيين البرازيليين الخالدين. ثم اقليدس داكونيا (1866-1909) الذي يعتبر أول كاتب برازيلي أصيل. وفي الأدب الحديث لمعت أسماء شعراء برازيليين كبار أمثال جورج دي ليما، وروي ريبيرو كوتو، وسيسيليا ميرليس وغيرهم. وفي الرواية لمعت أسماء أمثال أنطونيو كايادو، وإيريكيو فيرسيمو، وجوزيه فيغا. وفي البرازيل عشرات الشعراء والكتاب والروائيين المبرزين عالمياً، مما يشير إلى التفوق الثقافي في هذا البلد المتميز.



Opinions