Skip to main content
Facebook Twitter YouTube Telegram

بغداد اليوم وصراع المتناقضين والمتضادين

بين فترة وأخرى اقوم بزيارة سريعة للعاصمة الحبيبة بغداد لاسباب متعددة فالتقي خلالها بالاصدقاء والمعارف وكذلك باشخاص اتعرف عليهم لاول مرة ، حيث انني من خلال هذه الزيارات المتكررة واللقاءات السريعة اتلمس واقع العاصمة عن قرب واحاول ان احلل هذا الواقع من كل جوانبه من اجل رسم صورة في مخيلتي لكل مفاصل الحياة في بغداد الحبيبة ، فتراكمت الصور وتراكمت الافكار ولابد لها من ان تخرج من قمقمها لكي ترى النور فيستفاد منها الناس جميعا ، ولكي يكون تحليلي دقيق سوف استرسل ببعض التفاصيل الدقيقة علها تساعدني في انتاج صورة واضحة وتحليل دقيق لمجمل الحالة ، فالتمسك بجانب وترك الجوانب الاخرى قد يضر في اظهار النتائج المفيدة اللازمة لغرض العمل التصحيحي المطلوب .
كما هو معلوم من ان صراع المتناقضات والمتضادات لحالة ما سيعمل حتما على تقدم مسيرة تلك الحالة نحو الامام اذا كانت العوامل الذاتية لعناصرها مؤهلة وناضجة ، كما سيعمل على تراجع المسيرة الى الخلف ايضا بسبب العوامل الذاتية نفسها عندما لا تكون مؤهلة للمسك بزمام الامور من اجل القيام بحركة تقدمية وتطويرية ، وهذا ما نراه بالضبط قائم في ظل ظروف العاصمة بغداد بصورة خاصة والعراق بصورة عامة منذ سقوط النظام السابق الغير مأسوف عليه اطلاقا ، فمنذ منتصف عام 2003 بانت البوادر الاولى لظهور حزمة التناقضات التي تعيش فيها بغداد الان والتي شملت مجمل مفاصل الحياة ان كانت سياسية او اقتصادية او اجتماعية او ثقافية وحتى الرياضية أيضا ، والتي أثرت بصورة سلبية على الوجه الحضاري للعاصمة وكذلك على مجمل تفاصيلها ، فالتراجع الكبير الذي حصل لما كان موجود اصلا من مقومات العاصمة – والذي في حينها لم يكن يلبي طموحنا – فقد تراجع الى مستوى اصبح المواطن العادي يحن لتلك الفترة ، فقلب بغداد مثلا والمتمثل بمناطق الكرادة داخل والكرادة خارج والسعدون وحي الوحدة والمناطق التابعة لها نراه الان من دون شوارع لائقة به ، فطرقاته عبارة عن اطلال شوارع تتخللها حفر متعددة وباحجام واشكال متنوعة لا تبتعد الواحدة عن الاخرى سوى امتار قليلة جدا ، قد تمتلئ بالمياه نتيجة للامطار او للاضرار التي تحصل لشبكات الصرف الصحي ( وما اكثرها ) ، وكذلك الاوساخ في الشوارع التي كلما سافرت الى بغداد تكون اول الشواخص التي نراها ، بالاضافة الى ضعف اداء الدوائر الخدمية ايضا في هذه المناطق والتي كما بينت من انها قلب بغداد وتعتبر من اكثر المناطق كثافة سكانية نتيجة لكونها المركز التجاري الاكبر في بغداد والاكثر جذبا لسكان العاصمة وكذلك الزائرين والقادمين من مناطق العراق الاخرى من اجل التسوق او لاغراض العلاج او لقضاء الوقت ايضا خصوصا لعوائل مناطق بغداد القريبة منها ، فنرى الازدحامات المرورية لا بل الاختناقات المرورية في بعض الاوقات وخصوصا اثناء بدء الدوام الرسمي ، وبالإضافة الى هذه الامور والصور تبقى مشكلة الوضع الامني قائمة على الرغم من اختفاء حجم كبير من العمليات التي كانت موجودة وقائمة وبتكرار كبير في الفترة السابقة وخلال ثلاث سنوات (2005 – 2007 ) وانحسارها الان ولكن النشاطات الارهابية لازالت موجودة كالتفجيرات والخطف والاستهداف الشخصي ، أن هذه الحالات السلبية التي ظهرت بهذه الوتيرة التصاعدية منذ انتهاء العمليات العسكرية في نيسان 2003 – على الرغم من وجود بعض منها في ظل النظام السابق ايضا – كانت لاسباب متعددة ، وكانت المسببات لهذه الحالات السلبية متغيرة وتحمل ميزات كل فترة ومرحلة من فترات ومراحل ما بعد سقوط النظام ، فتردي الوضع الحضاري والاجتماعي الحاصل الان لم يأتي بسبب فجائي وانما باسباب تراكمية متعددة ، فخطأ معين ينتج خطأ آخر يؤدي بدوره الى خطأ ثالث وهكذا ، وهنا سألخص هذه الاسباب مقسما اياها الى مراحل معتمدا بعض المعطيات المتغيرة والمميزة خلال السنوات الست الماضية :
1. المرحلة الاولى
• العمليات الحربية وما رافقها من تدمير
• الاحقاد الطائفية الدفينة واستنهاض احداث الماضي
• الارهاب الدولي وغاياته
• العصابات المنفلتة
2. المرحلة الثانية
• الاحتلال وتدخلاته
• الصراعات الطائفية السياسية
• البؤر الارهابية النامية في الداخل
• الهجرة والتهجير
3. المرحلة الثالثة والحالية
• الصراع السياسي والحزبي
• المصالح الشخصية والتمسك بالمكاسب المتحققة في المراحل الماضية
• التباين ما بين الرغبات الاميركية من جهة ورغبات الشعب العراقي من جهة اخرى

ان هذه الاسباب والعلل التي ادرجتها اعلاه وبصورة مختصرة قد لا تكون امكانية تحديدها من ناحية الزمان ومن ناحية مدى التاثير بالامر السهل في كل حين ، ولكن بات من المسلم به من ان الاوضاع السلبية التي تعيشها العاصمة بغداد الان هي نتيجة الصراعات السياسية بين الكتل الحزبية وكذلك الصراعات الاميبية التي تنمو وتظهر ما بين الكتلة الحزبية الواحدة نتيجة التقاطعات المصلحية بين اطراف هذه الكتلة او تلك ، كما ايضا بسبب المشاكل الناجمة عن تداعيات واشكالات مشروع المصالحة الوطنية والتي سببها املاءات الادارة الاميركية التي تتقاطع احيانا وتتطابق احيانا اخرى مع طموحات هذه الفئة او تلك من فئات الشعب العراقي وكياناته السياسية ، وبذلك فان هذه المسببات التي لم تكن موجودة بنفس الصيغة في السنوات الاولى للتغيير، هي نتيجة لسلوكيات ونتائج رئيسية او عرضية للظروف الموضوعية التي كانت متحكمة بالوضع العام في الفترات الاولى من بعد التغيير وما آلت اليه تلك الظروف والاحوال ، ولكن يبقى العامل المشترك في كل هذه المتغيرات وفي كل انواع الصراعات لجميع المتناقضات الموجودة في الساحة العراقية ان كانت موضوعية او زمانية هو الوضع المتردي من الناحية المعاشية والاجتماعية والحضارية والسياسية المميزة بالعاصمة بغداد .
من خلال ماجاء في اعلاه نجد هنالك اما عجزا في تقدم المسيرة والحياة في عموم العراق وخصوصا في العاصمة بغداد ، او اصرار على ديمومة وضع بهذا السوء من اجل اغراض ذاتية مخفية ، وكلى الاحتمالين حقيقة هو بسبب تأخر في نضج العوامل الذاتية المتعلقة بقابلية الشعب في مساهمته بالتحكم في مسيرة الحياة هناك وفي عموم البلد ، فالتناقضات هي امر حتمي ومن الاستحالة وجود حالة احادية الوجهة ، لكن يفترض العمل وفق مبدأ خلق التوازن الضروري في عملية صراع المتناقضات هذه من اجل خلق حالة تقدم في المسيرة والحياة بصورة عامة ، ففقدان هذا التوازن سيؤدي حتما الى حالة التراجع الذي بالتأكيد لن يخدم الصالح العام ، كما هي عليه الحالة عندنا ، وكذلك تجدر الاشارة الى وجود حالة معينة من التوق الى حالة الاحادية الضامنة للاستقرار والخلو من الصراعات حتى وان كانت تلك الحالة مسيّرة بأمرة قوى ظالمة كتلك التي كانت متحكمة بالبلد منذ نيسان 1979 والى نيسان 2003 ، وهذا دليل ضعف وعدم ثقة بالنفس في قدرة الشعب بالدخول في خضم الصراعات من اجل تحويل الوجهة باتجاه يخدم المصلحة العامة ويحقق التقدم في مفاصل الحياة الضرورية .
يتضح من هذا أن العناصر المتناقضة في وحدة الساحة العراقية تعاني من حالة عرج بسبب تخلي أحد عناصرها من التفاعل الايجابي في هذا الصراع مما أدى الى اضاعة التوازن المطلوب ، وهذا العنصر الغائب هو عنصر الشعب الذي تبنى موقف اللاموقف ازاء هذا الصراع مما ادى بالنتيجة الى اقتصار التنافس في الساحة ما بين عناصر محددة هي فئات قد تبنت الوان سياسية فقط ولبست ثوب حزبيا رافعة لشعارت هدفها الناس ولكن اتضح من ان الهدف من تصارعها ليس من اجل تغيير نوعي نحو الافضل للناس ، بل ان صارعها كان من اجل اهداف ذاتية بها ، فالنتائج التي آل اليها الوضع بعد السنوات الست المنصرمة لم تاتي بالنفع على واقع الناس وواقع المدينة نفسها ، وبهذا يتطلب ان تعمل النخب الشعبية على تحريك الجماهير لكي تساهم في الساحة بشكل متساوي ومتكافيء مع باقي العناصر الاخرى المتحكمة على مفاصل الصراع التي تعتبر نفسها نابعة من الجماهير ، ولكن حقيقتها وبسبب طبيعة الصراع الذي تنفذه جعلها مبتعدة عن البييئة التي نبعت منها ، وهذا التكافؤ يتطلب تبني موقف جماهيري قوي من اجل خلق التوازن والتكافؤ المفقود والكفيل بايقاف حالة التراجع على اقل تقدير والعمل من اجل تطويرها وتقدمها نحو الامام بما يضمن تحقيق المصلحة العامة للجميع .
Opinions