Skip to main content
Facebook Twitter YouTube Telegram

بلغ العراق مرحلة الحسم: فأما الإعمار وأما الدمار

المحاصصة مدانة:
يُلاحظ أنه ما من جماعة سياسية ولاسياسية في العراق إلا وكالت أشد اللعنات على نظام المحاصصة. الغريب أن الأكثر لعناً وطعناً للمحاصصة هم الذين طالبوا بها وحصلوا عليها وإنتفعوا منها بالإبتزاز، ولعب الأمريكيون لعبتهم في هذا المجال. ويُلاحظ أن كثيرين ممن تلعلع أصواتهم، من أجل الدعاية والكسب الإعلامي السياسي، لا يعرفون ماهية وسمات المحاصصة وما هو ملعون فيها وما هو ضروري ودستوري. وأجزم أن بعضهم لا يعرف بأن الحكومتين البريطانية والألمانية، مثلاً، شكلتا بالمحاصصة؛ وأن المحاصصة هي جبهة وطنية، ولكنها مشوهة ومفرغة من محتواها تنفع الطرف الضعيف في الإئتلاف وتضر القوي الذي يسكت على مضض ومكرهاً حرصاً على مصلحة وطنية عليا. كما يُلاحظ أن جميع التكتلات والأحزاب العراقية تتمنى وتطمح، ولو بالكلام والإدعاء ذي الضجيج الصاخب بالنسبة لبعضها، إلى أن يرتقي العمل السياسي العراقي إلى الأسلوب الديمقراطي المعهود والمعمول به في جميع أنحاء العالم الديمقراطي ألا وهو إدارة شئون الدولة عبر ممارسة وتفعيل مبدأ “الحكومة والمعارضة” أي بإعتماد مبدأ "الأغلبية السياسية" وفقاً لما تفرزه صناديق الإقتراع أولاً وما يُنجز من تحالفات لاحقة ثانياً، علماً أن التحالفات عرضة للتفكك وإعادة التشكيل بعناصر ومكونات مختلفة ولعدة مرات أثناء الدورة البرلمانية الواحدة ، وهو أمر طبيعي لا يحتاج إلى قانون أو تشريع بقدر ما لا يحتاج تنفس الهواء أو شرب الماء أو تناول الطعام إلى تشريع دستوري.

مخاطر تأخير تشكيل الحكومة الجديدة:
لا أريد أن أخوض في التفاصيل والمسببات بإسهاب، إلا أن تقديراتي تشير إلى أن تشكيل حكومة عراقية جديدة قد يجعله البعض، تعمُّداً بهدف تسفيه النظام الديمقراطي، في غاية الصعوبة ما سيستغرق وقتاً طويلاً ربما أطول مما مضى أي أطول من المدة الفاصلة بين إنتخابات 7/3/2010 حتى الآن.

إن أي مدة إضافية لن تعود محتملة سواءاً على صعيد المصالح الوطنية العليا والسفلى أو على صعيد مزاج ومعنوية الشعب العراقي. كما إنها أضرت إضراراً بالغاً بالعملية الديمقراطية فقد جرى خرق الدستور رغم أن ذلك الخرق إعتبره الواعون لتداعيات محاولة الإنقلاب الأبيض الفاشلة يندرج تحت باب “ الضرورات تبيح المحظورات” على حد قول الخبير القانوني السيد طارق حرب، إلا أن طغموية وتحيُّزَ كثير من السياسيين وسطحية كثير من الإعلاميين وخباثة الكثير الآخر منهم الذين روَّجوا وصوّروا، لحد التهريج، تأخرّ تشكيل الحكومة كما لو كان صراعاً على المناصب والكراسي والمنافع الشخصية وأغفلوا حقيقة الضرورات التي أباحت، للبعض بكل تأكيد، محظورَ خرق الدستور والتأخير، تلك الحقيقة المتمثلة بتلافي إحتمال إلتئام مجلس النواب دون إتفاقات مسبقة ما قد يؤدي إلى تفكك المجلس، خاصة في ظل غياب إقرار مسبق من جانب الكتل السياسية، وبالأخص من جانب إئتلاف العراقية، بإحترام نتائج التصويت داخل مجلس النواب دون اللجوء إلى المقاطعة وما يترتب عليها من تداعيات قد تكون خطيرة، أقول إلا أن تلك السطحية والخباثة قد شوَّشتا رؤى قسم من المواطنين رغم أن الغالبية أثبتت تفهما لحقيقة الصراع ولم تلتفت للتشويش.

إلا أن إدامة أمد هكذا فرص للتشويش وأن تكررها سينالان، إن عاجلاً أو آجلاً، من ثقة الشعب بجدوى الديمقراطية، علماً أن تنفير ونفور الشعب منها هما ديدن وهدف الطغمويين* وحلفائهم التكفيريين، وقد تجعل الناس يتقبلون فكرة “الدكتاتور العادل” الخرقاء، مما يقتضيان معالجة مسألة تشكيل الحكومة بيسر، وتفعيل دور مجلس النواب ورفع كفاءة أداءه وإنتاجه، ومعالجة موضوع خلق علاقة صحية بين مجلس النواب والحكومة وفق الأسس الديمقراطية السليمة، وتنشيط القضاء، وتفعيل حرمة القانون، مع إعتبار هذه أموراً في غاية الأهمية.

ولكن ما هو السبيل إلى ذلك؟
بادئ ذي بدء يجب الإقرار بأن جميع الفرقاء العراقيين المنخرطين في العملية السياسية، قد حصلوا على فرصهم بمطلق الحرية في ظل نظام المحاصصة واللامسئولية، للعمل بموجب ما حلا لهم وما سمحت به ضمائرهم ومفاهيمهم وإجتهاداتهم وخِبَرُهم الحياتية من أعمال ربما كانت إيجابية وربما كانت سلبية. وكمواطن عراقي تهمه مصلحة البلد أقول للكتل السياسية المختلفة: بما أن الأمور نسبية، فأنسوا تحديد فاعل السلب وفاعل الإيجاب وتجنبوا تبادلَ الإتهامات وأنسبوا الإيجاب للجميع وسجلوا السلب ضد مجهول إفترضوه عدواً لجميعكم بلا إستثناء.
لقد وصل الفرقاء حالة فهم أحدهم الآخر وبلغ المجتمع حالة الإستقرار، بمعنى أن لا يستطيع أحد كسب ملا يبيحه له الدستور بوسائل غير الوسائل الدستورية والقانونية. إن ذلك تعبير عن حالة التوازن؛ وتستوجب المصالح الوطنية العليا المحافظة على تلك الحالة وتطويرها فما عاد الوضع يحتمل التناحر أو محاولة تغيير الواقع الجديد بغير الوسائل الدستورية وبالأخص بإنتهاج طريق القوة أو التمرد إذ هي وسائل لا تؤدي إلا إلى الكارثة الحقيقية والخراب التام بدءاً بتشظي العراق وإنتهاءاً بحروب الطوائف على النمط الأندلسي ولكن بأسلحة حديثة للدمار الشامل أكثر فتكاً وهولاً.

وجوب نبذ التطاحن وإعتماد التعايش والتصافي:
من هنا فلا ينفع بعد الآن إلا التصافي وفتح صفحة جديدة للعمل بروح تنافسية وطنية وديمقراطية شريفة عادلة عالية بعيدة عن العناد والتعصب بأي شكل من الأشكال، يقدم فيه كل فريق أجود ما لديه للشعب والوطن ويقبل بحكم الشعب عبر صناديق الإقتراع وإحترام الدستور والنظام، الذي يسعى الجميع لإستكمال ديمقراطيته بالتقويم والتطوير، فيصلاً ووسيلةً لتداول السلطة السلمي، على أن تكون نقطة الإنطلاق هي الوضع الدستوري والتشريعي الراهن الذي بلغته العملية السياسية.

أما السبيل فيتمثل بالأخذ بمبدأ الأغلبية السياسية. وبما أن جميع الأطراف أصبحت تلح على تشكيل حكومة "شراكة وطنية" فلا بأس من البدأ بهذا الخيار على ألا تتحدد به الكيانات إلى ما لا نهاية حتى الخراب.

شرطان لتشكيل حكومة "شراكة وطنية":
يقتضي الأمر، إذاً، بذل أقصى الجهود والجدية من قبل جميع الأطراف لتشكيل حكومة “شراكة وطنية” على أن يُراعى في عملية تشكيل حكومة الشراكة الوطنية، بكل دقة وحزم، الشرطان التاليان الآنيّان وذلك لكسر الحلقة المفرغة وتمكين عجلة النظام البرلماني من الدوران ليتسنى لاحقاً تشريع القوانين اللازمة في مختلف جوانب الحياة وكذلك تعديل الدستور بموجب الآليات الدستورية النافذة:

أولاً: أن تكون تركيبة الحكومة وإسلوب عملها كتركيبة وإسلوب عمل أية حكومة في دولة ديمقراطية في العالم، وهذا يعني توفر الكفاءة والمقدرة المهنية والإدارية لدى كل وزير (ترشحه كتلته من بين عدة مرشحين يختار رئيس الوزراء أحدهم) والإنصياع للإنضباط الإداري أي أن يلتزم رئيس الوزراء وكل وزير بالسياسة التي يقرها مجلس الوزراء (التي يفترض أن تكون منسجمة مع التشريعات التي يقرها مجلس النواب حسب الحدود الدستورية لكل منهما، ومنسجمة مع إتفاقات الكيانات السياسية التي قامت الحكومة على أساسها وهي إتفاقات تنسجم إفتراضاً وطبيعياً مع الدستور) وأن يكون الوزير مسئولاً أمام مجلس الوزراء ورئيس الوزراء. وفي حالة إختلافه أو إختلاف حزبه مع السياسة التي يقرها مجلس الوزراء أو مع رئيس الوزراء نفسه، المخوَّل دستورياً بمراقبة تنفيذ تلك السياسة، فعلى الوزيرالإستقالة من الوزارة ليستخلفه حزبه بمرشح بديل على أن يكون للحزب سماح معين من الإستبدالات. ولا يحق لأي وزير أو لآي متحدث رسمي بإسم أي كيان مساهم في الوزارة أن يطلق تصريحات علنية معارضة لسياسة أو مسيرة الحكومة إلا إذا إنسحب الكيان ووزراءه منها. كما لا يحق لأي وزير السفر خارج العراق والإجتماع ب/ أو دعوة شخصيات أو وفود أجنبية إلا بموافقة رئيس الوزراء، على أن يقدم الوزير ورئيس الوزراء تقريراً تحريرياً إلى مجلس الوزراء عن حيثيات هذه النشاطات. أما التنقل داخل العراق فيستلزم من الوزير إشعار أمانة مجلس الوزراء.

ولا يحق للمعارضة بحث أي موضوع سياسي عراقي داخلي خارج أو داخل العراق مع أية جهة غير عراقية وغير معنية بحقوق الإنسان، كما لا يحق للمعارضة دعم أية فعالية أو نشاط سياسي موجه ضد العراق في الخارج.

ثانياً: أن يوضع سقف زمني معقول وصارم لفترة المفاوضات لتشكيل الحكومة تتفق عليه الأطراف المتفاوضة سلفاً (أقترحه أن يكون ثلاثة أسابيع) على ألا يجري تجاوزه بأي حال من الأحوال وعلى أن يكون مفهوماً سلفاً بأن الحكومة ستتشكل، في نهاية المدة الزمنية المحددة، من الأطراف التي تشكل الأغلبية البرلمانية. أما الأطراف التي تتحفظ لسبب أو آخر ولا تريد المشاركة في الحكومة فالسبيل البنّاء الوحيد الذي تتيحه الديمقراطية لهم هو القيام بدور المعارضة النزيهة، والإبتعاد كل البعد عن السلوك السلبي كالمقاطعة والخروج من العملية السياسية وأشدها ضرراً اللجوء إلى التهديد أو التلويح بإستخدام العنف أو التأليب والتأجيج وهي أساليب يعاقب عليها القانون الجنائي في كل دول العالم المتحضرة، ويجب تطبيقه.

لماذا لا يرغبون في لعب دور "المعارضة البرلمانية":
ولكن مدى تقبُّل فكرة “المعارضة البرلمانية” إذا ما أخفق فرقاء العملية السياسية في تشكيل حكومة "شراكة وطنية" خلال المدة المحددة وأصبحوا أمام خيار لا مناص منه وهو تشكيل حكومة "أغلبية سياسية"؟

لم أسمع إئتلافاً سياسياً من الإئتلافات الأربعة الرئيسية الفائزة في الإنتخابات أبدى موافقته على لعب دور المعارض في البرلمان سوى إئتلاف دولة القانون على لسان زعيمه السيد نوري المالكي وقياديين أخرين لعدة مرات ومنذ فترة طويلة. وإذا توخينا الصراحة والأمانة فلستُ واثقاً من جدية هذا الإلتزام من جانب إئتلاف دولة القانون في ضوء إدراك الإئتلاف بإستحالة مقدرة الآخرين على تشكيل حكومة بدونه وإدراكه بحظه الأوفر لتشكيل الحكومة. أما إئتلاف العراقية فقد رفض المشاركة في حكومة يقودها السيد المالكي ولكنه لم يتقبل فكرة لعب دور المعارضة بل نوه بالخروج من العملية السياسية وأشار إلى إحتمال لجوء أنصاره ومنتخبيه إلى العنف ولو أنه تراجع عن ذلك لما إقترب موعد الحسم وأدركَ أن تهديداته بالعنف خطيرة لأنها سوف تدفع بإتجاه تقسيم العراق الذي قد يعقبُ حرباً أهلية وقد تعقبه، أيضاً، حروبٌ أهلية.

لماذا، إذاً، لا يريد أحداً أن يلعب دور المعارض البرلماني حسب مقتضيات الأصول الديمقراطية المعهودة في العالم؟
أعتقد أن هناك مبررات حقيقية لرفض لعب دور المعارض في أوضاع العراق الحالية التي يعتريها نقص في المؤسسات الديمقراطية، وهو السبب الأساس وراء الرفض. فالمُعارض قد يُهمَّش ويُنسى وبالتالي قد يضمحل أو قد يُدفع إلى مستنقع العنف؛ والعراق في مرحلة التأسيس، أي من يشكل الحكومة قد يكسب الجماهيرً ويعزل الآخرين. غير أن هذه الظاهرة هي من سمات النظام الدكتاتوري وقد لا تكون من سمات النظام الديمقراطي، إذا أحسنت الأحزاب التصرف كأحزاب حاكمة وكأحزاب معارضة نزيهة وإذا ما تواصلت مع الجماهير وثقفتها بأن النظام الديمقراطي هو نظام مشاركة فما يُنجز هو حصيلة عمل الجميع وليس الحكومة والحزب الحاكم وحسب.

إستمعتُ إلى تفسيرات عدد غير قليل من الأكاديميين والسياسيين والمحللين العراقيين، حزبيين ومستقلين، في ندوات تلفزيونية تطرقت إلى هذا الموضوع. أجمعت كل التفسيرات على القول “بأن العراقيين لا يمتلكون ثقافة المعارضة".
لا أعتقد أن هذا التفسير دقيق بالقدر الكافي، لأن عقلية التعارض مع الحكومة أو النظام برمته كانت موجودة وما تزال في أوساط الشعب العراقي لا بل كانت طافحة وكادت أن تكون هي الحالة الإعتيادية للفرد العراقي المتذمر أبداً وهي حالة ولدتها ظروف تأريخية معينة لسنا بصددها الآن. فثقافة التعارض كانت ومازالت موجودة لدى العراقي غير أنها ثقافة فجة في أسلوبها تقترب من العنف والتدمير وفي طرحها الفكري تميل إلى السلبية لحد التعصب والتطرف والشمول والإفتراض والتعميم الصارخ وذلك لإفتقاد المجتمع إلى إعتراف السلطات (وكذلك إلى ممارسة الأحزاب) بحق التعارض وإلى الشفافية في تصريف أمور الدولة والمجتمع وإلى الإنفتاح على العالم ؛ كما لعب تلوث الفكر السياسي للحاكم والمحكوم بأمراض الحرب الباردة دوراً في هذا المجال. لذا إفتقد المجتمع وسائل التعبير المعارض إذ كان القمع سيد الموقف الأمر الذي ولد تلك السلبية في أسلوب التعارض والسطحية في الفكر. مثّلَ النظام البعثي الطغموي حالة السلطة القامعة بأعتى معانيها ما زاد تعقيد الحالة المعارضة.

بعد سقوط النظام البعثي، وهو آخر النظم الطغموية في العراق، شهد العراق لأول مرة في تأريخه حكومة ومعارضة بهذا القرب من الشعب وهذا الإلتصاق بشرائحه وذلك بفضل ما تحقق لحد الآن من الأخذ بالنهج الديمقراطي. قطعت الديمقراطية الوليدة أشواطاً مهمة جداً ولكنها مازالت تنتظر المزيد لإستكمالها. أعتقد أن الإفتقار إلى وجود معارضة برلمانية، واضحة الفكر والأسلوب وواثقة بنفسها، يقف على رأس المعوقات التي تحول دون إستكمال البناء الديمقراطي. إننا الآن أصبحنا في حال مشابه لحالة أيهما الأول: "الدجاجة أم البيضة" ؟ أي هل نستكمل البناء الديمقراطي أولاً ومن ثم ننتقل إلى حكم الأغلبية السياسية؟؛ أم نأخذ بمبدأ حكم الأغلبية السياسية أولاً لننتقل إلى إستكمال البناء الديمقراطي؟

تمهيد الطريق للقبول بدور المعارض البرلماني:
أعتقد أن الأصلح هو بإعتماد الطريق الثاني، وهو الحال الذي قد ترسو عليه القوى السياسية إذا ما أخفقت في تشكيل حكومة شراكة وطنية في مؤتمر أربيل الذي دعا له رئيس إقليم كردستان السيد مسعود البرزاني. وبذلك تصبح المهمة العاجلة الآن هي تمهيد الطريق ليتقبل الفرقاء السياسيون لعب دور المعارضة. وإذا تم هذا وفق تعهدات وكلمة شرف مسبقة يطمئِّن لها المعارضُ (داخل وخارج البرلمان)، يستطيع المعارض ومجلس النواب بأكمله والحكومة وبقية أركان الدولة والمجتمع عندئذ الإنصرافَ إلى إستكمال البناء الديمقراطي وإصدار القوانين اللازمة بضمنها تعديل الدستور وفق آلياته. لذا فأول تعهد ينبغي إبرامه بين الفرقاء هو توفير الضمانات اللازمة للمعارض كي لا يتعرض إلى/ ولا يشعر بأنه قد يُهمَّش ويُنسى وبالتالي قد يضمحل أو قد يُدفع إلى مستنقع العنف.

فما هي هذه الضمانات؟ وما هي المفاهيم التي تبنى عليها الضمانات؟
المفاهيم:
أولا: إحترام الدستور وخاصة في مسألة التداول السلمي للسلطة،
ثانياً: احترام القضاء،
ثالثاً: عدم السماح بازدواجية السلطات،
رابعاً: مصلحة الشعب فوق مصلحة جميع الأفراد والكيانات ولا أحد فوق القانون، وتُشَكَّل الحكومة بموجب هذه المصالح لا غير،
خامساً: التأكيد على عدم منح حق النقض (الفيتو) لأية جهة الا دستورياً أي إحترام مبدأ انصياع الأقلية للأغلبية بموجب التصويت والدستور،
سادساً: إقرار مبدأ "كل تعصب مدان"،
سابعاً: إقرار مبدأ "وجود تشريع منقوص خير من عدم وجوده"
ثامناً: إقرار مبدأ "إن النظام البرلماني الديمقراطي والدستور هما المحققان والكافلان للشراكة الوطنية وتقاسم السلطة بمعنى المشاركة"،
تاسعاً: وضع معيار الكفاءة فوق أي إعتبار آخر
عاشراً: وجوب تجنب أسلوب العرقلة فهو تخريب والتخريب عمل جنائي يعاقب عليه القانون.

الضمانات:
أولاً: السلامة الأمنية لقيادات وكوادر وجماهير الكيانات المعارضة سواءاً تلك التي تمتلك مقاعد نيابية أو لا تمتلك. ويعني هذا عدم القيام بأية ملاحقة أو مضايقات من أي نوع خارج ما تبيحه القوانين المرعية.
يستدعي هذا مواصلة تعزيز السلوك المهني والمحايد للجيش والشرطة والأجهزة الأمنية كما لباقي مؤسسات الدولة.

ثانياً: مراعاة العدالة والإنصاف في إشغال الوظائف العامة: يقتضي هذا مراعاة المادة الدستورية التي تدعو إلى مراعاة النسب السكانية للمكونات المختلفة في إشغال الوظائف بجميع أنواعها مدنية وعسكرية وفي جميع أجهزة الدولة. (ويعني هذا بالمطلقً تلافي تقسيم أجهزة الدولة على هيئة حصص متكاملة بما يشبه منح إقطاعية للوزير ومن يختارهم بحكم صلة الدم أو القومية أو الدين أو المذهب أو الطائفة** أو الإنتماء السياسي والحزبي أوالمعرفة الشخصية فتصبح الوزارة أو المؤسسة من صنف واحد من اللمواطنين.)
لضمان الإنصاف تقسم الوظائف إلى ثلاثة أقسام كالتالي:
الأول: الدرجات الخاصة
الثاني: الوظائف العسكرية العليا
دستورياً يقدم مجلس الوزراء مرشحين لهذه المناصب لهذين الصنفين ويقرها مجلس النواب
الثالث: الوظائف المدنية العامة: وتتم عن طريق ما كان يطلق عليه سابقاً إسم "مجلس الخدمة العامة" الذي يقوم مجلس النواب بتشكيله، على أن تُضمن حمايته من فساد الوساطات والرشى وغيرها.

ثالثاً: إتاحة فرص إعلامية مناسبة للحكومة والمعارضة في وسائل الإعلام الرسمية التي ينبغي عليها مراعاة الحياد في برامجها ونشراتها الإخبارية وتُدار من قبل مجالس إدارة بإشراف مجلس النواب . أكرر وأقول إنه يتعين على الأحزاب تثقيف الجماهير بأن ما تحققه أية حكومة هو إنجاز لا يحسب لها وحسب وإنما لكامل النظام بضمنه المعارضة. كما يتعين تثقيف الجماهير بممارسة حقوقهم الديمقراطية مثل: مراقبة أداء النائب والطلب منه الحضور لدائرته ومناقشته، مراقبة مواقف الحزب الذي ينتمي إليه النائب داخل قبة البرلمان ومقارنتها بالوعود التي قطعها ومطابقتها مع برنامجه الإنتخابي المعلن، وغير ذلك من الحقوق العديدة.

رابعاً: ضمان كافة الحريات العامة وخاصة حرية الصحافة وحرية التظاهر والإحتجاج.

ملاحظات:
أولاً: إن جميع هذه المفاهيم والضمانات وكثيرة غيرها مدرجة في الدستور بشكل أو آخر أو أنها بديهية ولكن لابأس من إبرازها لأن بعضها قد ضاع وبعضها قد تم تأويله وتشويهه ...إلخ.

ثانياً: أعتقد أن مقترح تأسيس مجلس وطني للسياسات الستراتيجية هو لمداراة كسل في أداء بعض قياديي الكتل البرلمانية الذين لا يحضرون لمجلس النواب. إنهم يريدون خلق مجلس نواب غير منتخب يحكم مجلس النواب المنتخب عبر نواب يصبحون مسخرين لا أحرار. مجلس النواب المنتخب هوالمطبخ الذي يجب أن يصوغ السياسات (يطبخ الوجبة الغذائية) كما هو الحال في مجلس العموم البريطاني. وعلى الزعماء السياسيين مغادرة اسلوب / ونبذ عقلية ترتيب الأمور من وراء الظهور وخلف الكواليس. عليهم الجلوس في مجلس النواب وطرح المواضيع بصراحة ووضوح وشفافية وعلانية (إلا في الجلسات السرية) ليتعرف الناس على مواقف الكتل ونوابها كي يستفيدوا منها في التقييم وتحديد الموقف في الإنتخابات القادمة أو ربما في استفتاءات طارئة.

ثالثاً: أعتقد أن الإصرار على تقاسم السلطة أياً كان مصدره يرمي إلى خلق ثلاثة تكتلات لا تعكس في قوتها واقع المجتمع العراقي ويراد منه خلق مبدأ حق النقض "الفيتو" وهو أمر مرفوض وقد يكون الهدف من وراءه اللعب على هواجس ومخاوف مكونا ت الشعب العراقي بدل زرع الثقة وروح المواطنة.

*
الطغمويون والنظم الطغموية: هم أتباع الطغم التي حكمت العراق وبدأت مفروضة من قبل الإحتلال البريطاني في عشرينات القرن الماضي، ومرت النظم الطغموية بمراحل ثلاث هي: الملكية السعيدية والقومية العارفية والبعثية البكرية-الصدامية. والطغمويون لا يمثلون أيا من مكونات الشعب العراقي القومية والدينية والمذهبية بل هم لملوم من الجميع ، رغم إدعائهم بغير ذلك لتشريف أنفسهم بالطائفة السنية العربية وللإيحاء بوسع قاعدتهم الشعبية. مارستْ النظمُ الطغمويةُ الطائفيةَ**والعنصريةَ والدكتاتوريةَ والديماغوجيةَ كوسائل لسلب السلطة من الشعب وإحكامالقبضة عليها وعليه. بلغ الإجرام البعثي الطغموي حد ممارسة التطهير العرقي والطائفي والإبادة الجماعية والمقابر الجماعية والجرائم ضد الإنسانية كإستخدام الأسلحة الكيمياوية في حلبجة الكردستانية والأهوار. والطغمويون هم الذين أثاروا الطائفية العلنية، بعد أن كانت مُبَرْقعَةً، ومار سوا الإرهاب بعد سقوط النظام البعثي الطغموي في 2003 وإستفاد الإحتلال من كلا الأمرين، فأطالوا أمد بقاءه في العراق بعد ثبات عدم وجود أسلحة الدمار الشامل. كان ومازال الطغمويون يتناحرون فيما بينهم غير أنهم موحدون قي مواجهة الشعب والمسألة الديمقراطية؛ كماإنهم تحالفوا مع التكفيريين من أتباع القاعدة والوهابيين لقتل الشعب العراقي بهدف إستعادة السلطة المفقودة.

**
الطائفية: للطائفية معنيان: أحدهما عقائدي وهي طائفية مشروعة إذ تبيح لائحة حقوق الإنسان الصادرة عن الأمم المتحدة حق إعتناق أية ديانة وأي مذهب ومعتقد ديني أو سياسي أو إيديولوجي شريطة ألا يدعو إلى الكراهية والعنف والحرب. إن محاولة توحيد أصحاب المذاهب من الديانة الواحدة هو ضرب من الخيال. فالطريق الأسلم والحل الصحيح هو أن يحترم كلُ شخصٍ قوميةَ ودينَ ومذهبَ وفكرَ الآخر على ما هو عليه دون قمع أو إقصاء أو تهميش أو إكراه على التغيير القسري؛ ويتم كل ذلك في إطار الدولة المدنية الديمقراطية التي يتساوى فيها الجميع في الحقوق والواجبات. أما الطائفية المقيتة والمدانة فهي الطائفية السياسية، بمعنى إضطهاد وإقصاء وتهميش طائفة على يد طائفة أخرى أو على يد سلطة طغموية لا تمت بصلة لأية طائفة. لو تعمقنا في موضوع الطائفية السياسية لوجدناها ترتبط بمصالح طبقية. والطائفي هو من يمارس الطائفية بهذا المعنى أو يؤيدها أو يدعو لها.طائفية السلطة الطغموية ضد الشيعة وغيرهم هي التي حصلت في العراق إبان العهد الملكي السعيدي والقومي العارفي والبعثي البكري- الصدامي؛ ولم يحصل إضطهاد طائفة لطائفة أخرى. وعلى يد تلك النظم الطغموية مورست العنصرية، أيضا، ضد الأكراد والتركمان والقوميات الأخرى، كما مورس إضطهاد الأحزاب الديمقراطية واليسارية وخاصة الحزب الشيوعي العراقي والحزب الوطني الديمقراطي بسبب أفكارها الديمقراطية والوطنية والتقدمية. وقد حوربت الأحزاب الدينية الديمقراطية بوحشية خاصة أثناء الحكم البعثي الطغموي. الحل الصحيح للقضاء على الطائفية السياسية يكمن بإعتماد الديمقراطية بكامل مواصفاتها اساساً لنظام الدولة وعدم حشر الدين في الشئون السياسية. لا نجد اليوم في الدستور العراقي والقوانين ما ينحو بإتجاه الطائفية. وحتى برامج الأحزاب الدينية لا تحتوي على هكذا إتجاهات. وهو أمر يدعو إلى التفاؤل والتشجيع، آخذين بنظر الإعتبار ضرورة التمييز بين ما هو شأن سياسي وما هو شأن ثقافي تراثي شعبي قابل للتطوير في أشكاله الطقوسية.


Opinions