Skip to main content
Facebook Twitter YouTube Telegram

بين الظلم والعدالة

لا ادري لماذا تبادر الى ذهني الحديث عن موقفٍ مسؤولٍ ونبيل .. كان قد حدث مع اخي وصديقي العزيز د.اياد الحسيني ، فور وصول رسالته البهية ، التي بشرنا فيها فوزه بجائزة الشيخ زايد (رحمه الله) الدولية للكتاب .. عن كتابه الموسوم (فن التصميم في الفلسفة والنظرية والتطبيق) - بثلاثة اجزاء - وهو فوز كبير له اكثر من دلالة ايجابية علمية ومعنوية وثقافية وفنية .. وقد قمتُ في لحظتها باعادة رسالته مباشرة لتهنئته بهذا الانجاز الكبير الذي يفخر به كل عراقي وعربي اصيل ..


د. اياد حسين عبد الله الحسيني

من ناحية اخرى ، يبدو ان ايماني العميق ، بقيمة واهمية الاخلاق الحميدة والمبادئ النبيلة في انجاز اي عمل ابداعي ، او الفوز بمدالية او وسام ، او الحصول على جائزة ما .. هو السبب الاكثر رجحانا لهذا الايمان ولهذا الفوز .. فالاخلاق الحميدة في مقدمة كل شيئ ، وهي التي تعبر عن القيمة الحقيقية للنجاحات .. ولعل جزء كبير في سبب نجاح هذا الرجل الفنان د.اياد الحسيني كان خلقه الجميل المهيمن على تفكيره وخياله وشخصه ..

سمعت عنه الكثير ، كفنان ومثقف واداري ناجح ، كذلك كانسان مهذب بخلق عالي .. كل ذلك دون معرفتي القريبة له ، ثم تعرفت عليه شخصيا في وقت متاخر نسبيا .. كان ذلك بعد الاحتلال البغيض لبلدنا العزيز .. وبالتالي فان الصورة التي كنت احملها عنه جيدة بصورة عامة ، فنان تشكيلي شامل ورائع ، ومثقف ذو علم ووعي كبيرين ، واداري ناجح استطاع ان يقود كلية الفنون الجميلة بنجاح كبير رغم الظروف القاهرة التي نمر بها خلال الاحتلال البغيض لبلدنا ..

اما الفرصة التي تعرفت من خلالها عليه شخصيا منذ سنوات قليلة مضت .. فانها قربت لي اجمل الصور عن هذا الفنان الكبير .. اخلاقه وتواضعه الجم المهيمنين على كل كيانه الشخصي .. هذه الاخلاق وهذه الفرصة زودتني بالكثير من المعرفة عن هذا الرجل الفنان الانسان .. وبهذه المقومات الشخصية التي يحملها اخي وصديقي العزيز د.اياد الحسيني .. بقي ذكره عالقا في مشاعري وفكري حتى يوم الناس هذا .. رغم الظروف التي عملت على تفريق الاخوة والاهل والاصدقاء والاحبة في ارض الله الواسعة بسبب الاحتلال ..

استلمتُ ادارة معهد الدراسات الموسيقية في العام الدراسي ( 2003 - 2004) وحال تخرج دورة هذا العام .. وهي اول دورة خلال وجودي كمدير للمعهد .. جاءني جمع من الطلبة المتخرجين لهذا العام يشكون متالمين وقد بدا واضحا عليهم التاثر والاسى بسبب رفض قسم الموسيقى في كلية الفنون الجميلة قبولهم في القسم ، وللسنة الثانية على التوالي ..!!! فضلا عن سنوات اخرى مضت تعثر فيها قبول طلبتنا في قسم الموسيقى بكلية الفنون الجميلة .. حتى اصبحت هذه الحالة ، حالة مستدية ومزمنة تتكرر بين سنة واخرى حسب الجهود التي ينجح بعضها ويفشل بعضها الآخر ، منذ ان اسس هذا القسم في كلية الفنون الجميلة عام 1987..!! ولهذا الموضوع بالذات قصة طويلة اسردها في مناسبة اخرى ان شاء الله ..

اخواتي اخوتي الاعزاء
للظلم ثلاثة انواع .. اولها ظلم الانسان لله عز وجل .. وذلك بالكفر والشرك والنفاق وانكار نعمته .. قال تعالى (ان الشركَ لظلمٌ عظيم) – لقمان 13 –
والنوع الثاني .. ظلم الانسان للناس .. وقوله تعالى (انما السبيلُ على الذين يَظلمون الناسَ ويبغونَ في الارض بغير الحق) – الشورى 42 –
اما النوع الثالث ، فهو ظلم الانسان لنفسه .. قال تعالى (فمنهم ظالمٌ لنفسهِ) – فاطر 32 –
حكايتنا في هذه السطور تتصل بالنوع الثــــــاني من الظلم .. ظلم الانسان للناس .. ظلم ادارة قسم الموسيقى في كلية الفنون الجميلة لطلبة معهد الدراسات الموسيقية ولسنوات كثيرة ..!!! ويؤشر احد الشعراء بهذين البيتين جانبا من ظلم الانسان لأخيه الانسان ..!

(لا تظلمنَّ اذا ما كنتَ مقــتدرا / فالظــــلمُ آخرهُ يأتيكَ بالندمِِ
تنامُ عيناكَ والمظــلومُ منتبهٌ / يدعو عليكَ وعينُ اللهِ لمْ تنمِ)

على كل حال .. بسبب معرفتي الدقيقة بتاريخ واسباب هذا الظلم والرفض الخاطئ والمجحف بحق طلبتنا في معهد الدراسات الموسيقية .. وقناعتي الاكيدة باحقية قبولهم في قسم الموسيقى بكلية الفنون الجميلة .. عقدت العزم على محاولة حل هذه القضية بصورة نهائية ..

في صباح اليوم التالي ، حملت اوراقي الرسمية والقانونية ، القديمة والجديدة ، وتوجهت الى كلية الفنون الجميلة القريبة من معهدنا بحي الوزيرية من قضاء الاعظمية .. التي كان عميدها في هذه الفترة فناننا الكبير د. اياد حسين الحسيني .. الذي استقبلني استقبالا جميلا اكثر مما كنت اتوقعه .. وتبادلنا احاديث مختلفة وكأننا يعرف احدنا الآخر منذ زمن طويل ..! حتى شعرت باللحظة المناسبة لطرح الموضوع الذي جئتُ من اجله .. فشرحت له الحالة بدقة ووضوح كبيرين ، من جذورها الاولى عندما كنت انا واخي الفنان محمد حسين قمر اول الطلبة المقبولين من معهد الدراسات الموسيقية في هذا القسم بكلية الفنون الجميلة بعد انتصاف الثمانينات من القرن العشرين ، حتى السنوات الاخيرة .. الامر الذي اثار استغراب ودهشة السيد العميد د.اياد الحسيني من الظلم الواقع على هؤلاء الطلبة وزملائهم السابقين الذين عانوا نفس الظلم والاجحاف من قسم الموسيقى في كلية الفنون الجميلة .. وقد بدتْ على ملامح وجهه القناعة التامة بما شرحته ووضحته له ، واضعا امامه كل الامور القانونية التي لا تقبل الجدل والنقاش مما حدا بهذا الرجل العادل ، إلا أن يضع حدا لهذا الاجحاف والظلم .. مؤكدا تعاونه لحل هذه القضية بصورة نهائية .. طالبا مني ارسال طلبة هذا العام ، بل وحتى طلبة العام الماضي ممن بقي دون كلية او من يرغب العودة الى قسم الموسيقى في كلية الفنون الجميلة لاجل قبولهم في القسم الموسيقي .. شاكرا لي هذا التوضيح الدقيق لمظالم كثيرة كانت تقع بحق طلبة معهد الدراسات الموسيقية بصورة خاصة منذ اول دورات قسم الموسيقى في كلية الفنون الجميلة ببغداد منتصف الثمانينات من القرن العشرين .. !! نتيجة امزجه خاصة لافراد قدِّر لهم ان يمسكوا بمقاليد ادارة هذا القسم الحيوي ..

وهكذا اعاد هذا الرجل الفنان الانسان .. د. اياد الحسيني عميد كلية الفنون الجميلة .. حقوقا كانت مسلوبة لطلبتنا في هذه السنة والسنة الماضية .. مع الشعور بالاسى والحزن من جريمة ضياع حقوق طلبة سابقين رفض قبولهم في السنوات الماضية ، حيث ظلموا ظلما كبيرا بعد ان اغتيلت رغباتهم وطموحاتهم وضاعت منهم فرصة العمر في تحديد مستقبل حياتهم الموسيقية ..

هكذا تخلد المواقف النبيلة ، وتذكر بكل احترام وتقدير ، وهكذا يخلد اصحابها المقتدرون .. وهكذا تكون الاخلاق والعدالة ، الورقة الرابحة لكل عمل غيور وكل انجاز وكل فوز مبين .. فما بين الانسان الظالم والانسان العادل ، خيط رفيع .. يمكن له ان يكون ظالما او عادلا في لحظة حياة او موت آنية للضمير ..

هنيئا لك يا اخي الفنان والانسان الخلوق ، وصديقي العتيد المسؤول عن بقاء ضميره حياً على الدوام د. اياد الحسيني ، فوزك الكبير بجائزة الشيخ زايد .. وهنيئا لعائلتك واهلك واصدقائك المحبين .. وهنيئا لكل العراقيين والعرب .. ودمت فنانا وانسانا معلما للاجيال فناً ومعرفةً وعلماً واخلاقاً .. وما علينا إلا أن نستمد كل قوانا من قدوتنا العليا في قول الله عز وجل لنبيه العظيم في محكم كتابه المبين (وانك لعلى خلق عظيم) ..



حسين الاعـظمي
عمان 3/2/2010

(سبحان الله)
من اعمال د. اياد الحسيني

Opinions