Skip to main content
Facebook Twitter YouTube Telegram

تحية الى الكاردينال العراقي

NAZARHAIDAR@HOTMAIL.COM
لم اسمع لحد الان ان عراقيا القم الاعلام (العربي) الطائفي حجرا فاصابه في ام راسه، كطير ابابيل ارسله الله تعالى الى جيش ابرهة ترميهم بحجارة من سجيل لتجعلهم كعصف ماكول، كغبطة الكاردينال العراقي الاصيل مار عمانوئيل الثالث دلي، وهو يتحدث يوم امس الى قناة الفتنة القطرية (الجزيرة).

فالكاردينال تحدث اليها، بعد ان وبخها، كعراقي وليس كمسيحي، ولذلك رايناه يتحدث عن العراق كوطن لكل العراقيين، ابعد عنه الشبهات، ونفى عنه الدعايات التضليلية، وهو الذي يقول دائما (لا تسالوني عن المسيحيين، اسالوني عن العراقيين جميعا من دون تفرقة) .

لقد تحلى الكاردينال بشجاعة نادرة واعتداد بنفس يغبط عليه وهو يوبخ (الجزيرة) على نهجها الطائفي الداعم للارهاب والرامي الى الانتقاص من العراقيين، فيما لم تنبس المذيعة ببنت شفة، فجلست تصغي اليه كتلميذة مؤدبة، لا ادري ان كانت هي كذلك ام لا؟ الا انه علمها الادب، وعلمها كيف تصغي للمتحدث بعيدا عن التهريج الاعلامي والتضليل الدعائي الممقوت والاثارات غير المنطقية التي تعلمتها في دروس الدورات التدريبية التي ينظمها الاعلام الطائفي عادة للصحفيين، فجسلت تصغي اليه بعد ان يئست من امكانية جره الى الحديث بالطريقة التي تريد وليس بالطريقة التي اراد هو، او بعبارة اصح بالطريقة التي ارادها العراق والعراقيون.

ففي كل مرة تستضيف فيه قناة من هذه القنوات الفضائية مواطن عراقي، مسؤول في الدولة او غير ذلك، يبتلع المتحدث الطعم الذي ترميه له الوسيلة الاعلامية، بعد ان تخلط له السم بالعسل، فتراه ينساق الى حيث تريد القناة، فينتهي به المطاف الى ان يحقق مرامها ومآربها فيتحول الى اداة من ادواتها من حيث يريد او لا يريد، لتقضي به وطرها، الا الكاردينال الذي لم ينجر الى حيث ارادت القناة القطرية، ولذلك لم يبتلع الكاردينال الطعم، ولم يتحول الى اداة بيدها، يتحدث كما تريد من ضيفها ان يتحدث، انما نجح وبذكاء خارق، في تسخيرها ليقول من خلالها الحقيقة العراقية كاملة غير منقوصة.

اتمنى ان يتعلم بقية العراقيين، خاصة ضعاف النفوس من المتهالكين والمهووسين في الظهور بالاعلام من دون خبرة او ربما هدف، من الكاردينتال دلي ليستغلوا الاعلام (الطائفي) كلما طرق بابهم من اجل ايصال رسالة العراق الجديد الى الراي العام العالمي والاسلامي والعربي، من خلال الحديث بهويتهم العراقية وانتمائهم الوطني، كما فعل الكاردينال المبجل، وليس بهوياتهم الدينية او القومية او المذهبية.

فالى متى يظل بعض العراقيين حطب نيران الاعلام الطائفي الذي يسعى دائما للانتقاص من العراق الجديد والطعن بشعبه وبتجربته الديمقراطية الوليدة؟.

الى متى يستدرج هذا الاعلام بعضهم، ليصفوا حساباتهم بعضهم ضد البعض الاخر وعلى الهواء مباشرة؟.

لقد قدم الكاردينال العراقي خدمة كبيرة جدا لكل العراقيين عندما تحدث للقناة القطرية عن المبادئ الهامة التالية والتي يعيشها اليوم العراق الجديد:

الاول: التنوع، كمصدر قوة للمجتمع العراقي.

الثاني: التعايش، كافضل واسلم طريق لتحقيق السلم الاهلي، والنهوض بالعراق الجديد.

الثالث: حرية العبادة كنتيجة طبيعية للديمقراطية التي يبنيها العراقيون اليوم بعد سقوط الصنم، بعيدا عن سياسات القمع الديني او المذهبي.

الرابع: العمق التاريخي لهذا التنوع والتعايش، على الرغم من كل الظروف القاسية والصعبة التي مرت بالعراق خاصة خلال السنوات الـ (35) الماضية من عمر النظام الشمولي البائد.

ان ما اعجبني في حديث الكاردينال للقناة، وعموم احاديثه التي اعقبت جريمة الارهابيين في كنيسة (سيدة النجاة) في العاصمة العراقية بغداد الاحد الفائت، ما يلي:

اولا: اصراره على ان الشعب المسيحي في العراق هو شعب اصيل وهو جزء لا يتجزا من النسيج الاجتماعي لشعب بلاد الرافدين، ليصيب الارهابيين، الذين يتصورون بانهم شريحة طارئة على العراق، بالياس والقنوط.

ثانيا: اصراره على ان الشعب المسيحي سوف لم ولن يخلي العراق نزولا عند رغبة الارهابيين، ولقد تذكرت هنا قوله في حديث سابق (انني آخر مسيحي يترك بغداد).

ثالثا: اصراره كذلك على وحدة العراقيين بمختلف اطيافهم الدينية والقومية، ورفضه الانجرار الى اية حرب هامشية يسعى الارهابيون لفرضها على العراقيين بعد كل عملية ارهابية ينفذونها ضد الابرياء، خاصة تلك التي تستهدف دور العبادة بمختلف اتجاهاتها الدينية.

انه يقول هذا الكلام على الرغم من عظم المصاب الذي حل بالعراقيين، وخاصة المسيحيين، وعلى الرغم من حرارة النزف الذي سببته الجريمة التي استهدفت (سيدة النجاة).

استمعوا اليه وهو يتحدث عن الرب والايمان والتعايش والتنوع والحب وعن حرية العقيدة وعن العراق الجديد، ثم استمعوا الى فقهاء الارهاب ووعاظ السلاطين وفقهاء البلاط وهم يتحدثون عن القتل والذبح والتدمير والتكفير والحقد والكراهية والبغضاء والتمييز والتعصب الاعمى.

ان على العراقيين جميعا ان يفشلوا، بضم الياء، خطط الارهابيين بـ:

اولا: التمسك بالوحدة الوطنية، وزيادة اللحمة الوطنية حتى لا يتسلل من ثغراتها الارهابيون.

ثانيا: التمسك بالارض والوطن فلا يتركون البلاد، فمن المخجل حقا ان يجبر، بضم الياء، سكان العراق الاصليين على مغادرة بلدهم الام، ليحل محلهم الارهابيون ممن لفظتهم بلدانهم ليتسللوا الى عراق الانبياء والائمة والرسل والديانات، فيعيثوا فيه فسادا وقتلا وتدميرا.

ثالثا: في محنة المسيحيين الحالية، فان على كل العراقيين وبمختلف دياناتهم، ان يستعيروا دينهم وقوميتهم فيدافعوا عنهم كما يدافعون عن انفسهم، فالارهاب لا يستهدف المسيحيين، وانما يستهدف العراق، ولذلك ينبغي ان نفهم بان استشهاد اي مواطن مهما كان دينه او قوميته، انما هو استشهاد لكل العراقيين، والدليل على ذلك هو تزامن عمليات الارهابيين في يومي الاحد والاثنين الماضيين، فلو كان الهدف هو المسيحيين، فلماذا استهدف الارهاب المسلمين في اليوم التالي؟ والعكس هو الصحيح.

ان العراق الجديد هو هدف الارهابيين، لانهم يكرهون الانسان ويبغضون الديمقراطية ولا يحبون الحرية.

ليفتح العراقيون ابواب بيوتهم للمسيحيين، وليسكنوهم في حدقات عيونهم، ويقاسموهم لقمة العيش الحر الكريم، ليبعثوا برسالة واضحة الى الارهابيين ومن يقف خلفهم مفادها ان بيوت العراق كلها بيوتهم، واذا ضاقت البيوت بهم فمنزلهم العيون، وان دماء المسيحيين دماؤنا وارواحهم ارواحنا واعراضهم اعراضنا وكنائسهم مساجدنا، كما كان يقول امير المؤمنين علي بن ابي طالب عليه السلام دائما {اموالهم كاموالنا ودماؤهم كدمائنا} اولم يقل رسول الانسانية والرحمة نبي الله محمد بن عبد الله (ص) {من آذى ذميا فقد آذاني، ومن آذاني فقد آذى الله}؟ ولطالما شاهد الناس عليا امير المؤمنين عليه السلام يعتم بعمامته الخضراء ويردد على اسماعهم ما قاله مرة في مسجد المدينة {من آذى انجيليا فقد آذاني}؟ او لم يجز عليه السلام ان يموت المسلم كمدا وهو يرى المجرمين والارهابيين يعتدون على النساء غير المسلمات في حكومته؟ كما حصل ذلك عندما غزا سفيان بن عوف الاسدي، وبامر من معاوية بن ابي سفيان، مدينة الانبار فقتل واعتدى ونهب فقال عليه السلام {ولقد بلغني ان الرجل منهم كان يدخل على المراة المسلمة، والاخرى المعاهدة، فينتزع حجلها....فلو ان امرا مسلما مات بعد هذا اسفا ما كان به ملوما بل كان به عندي جديرا} اولم يفرد عليه السلام جملا خاصة للتوصية باهل الذمة، كما هو الحال في عهده الى محمد بن ابي بكر حين ولاه مصر، اذ بعث اليه يقول {اوصيك بالعدل على اهل الذمة}؟ او لم ينص عليه السلام في عهده الى نصارى نجران بقوله {لا يضاموا ولا يظلموا ولا ينقص حق من حقوقهم}؟ او لم يجعل عليه السلام دية النصراني كدية المسلم؟.

ابعد كل هذا تجيزون لانفسكم، ايها الارهابيون، قتل غير المسلمين بحجج واهية ما انزل الله تعالى بها من سلطان؟ فمن الذي خولكم لتجعلوا انفسكم اوصياء على الناس ودينهم ومعتقداتهم؟.

ان العراق لكل العراقيين من دون استثناء، وانه وطن المسلم كما هو وطن المسيحي، وهو وطن الصابئي كما هو وطن الايزدي، وهو وطن العربي كما هو وطن الكردي والتركماني وبقية شرائح المجتمع العراقي، انه وطننا جميع ولن نسمح لاحد ان يزايد على وطنيتنا ابدا، كما اننا لن نسمح لاحد بان يعتدي على اي مواطن عراقي بغض النظر عن دينه او قوميته او محافظته.

ان اعظم رد على جرائم الارهابيين هو الصمود وعدم الانسحاب او الانهيار، وهذا ما لمسته بكلمات وجمل واحاديث الكاردينال الشهم الذي اعاد الامل الى العراقيين وبعث في نفوسهم روح التحدي والصمود والثبات.

ان الحكومة العراقية تتحمل مسؤولية مضاعفة في حماية الاقليات، خاصة المسيحيين، من اجل ان لا يكونوا الحلقة الضعيفة واليد التي تؤلمنا فيؤذينا بها ومنها الارهابيون.

على الحكومة العراقية ان تضاعف من خططها الامنية لحمايتهم وكل ما يتعلق بهم، وان عليها ان تعيد النظر بالخطط الامنية الحالية من اجل تجديدها وتحديثها لتكون اكثر فاعلية واشد تاثيرا.

كما اتمنى عليها ان لا تتستر على اية معلومة او نتيجة ستصل اليها اللجنة التحقيقية الخاصة التي شكلتها للكشف عن ملابسات حادثة كنيسة (سيدة النجاة) المروعة، ليعرف العراقيون من هو عدوهم على وجه التحديد؟ والى من ينتمون؟ وكيف وصل الارهابيون الى الكنيسة؟ ومن اين جاؤوا؟ ومن الذي دعمهم؟ ومن الذي خطط لهم؟ ومن الذي حماهم؟ ومن الذي تستر عليهم ومكنهم من الوصول الى المكان؟ ومن الذي روج لهم وسوقهم في الاعلام العربي الطائفي؟.

ان اي تستر على اية معلومة من هذا النوع، يعد مشاركة في الجريمة، ولا نتمنى لاحد في كل مؤسسات الدولة العراقية ان يتورط بمثل ذلك.

والا...

فالى متى يظل الفاعل مجهولا دائما في مثل هذه الجرائم؟ والى متى تسجل الجريمة ضد مجهول؟ لا تقل لي انها (القاعدة) فذلك عنوان عريض بات يتستر خلفه البعض لاخفاء وجوههم الحقيقية، انما نريد ان تضع الحكومة العراقية النقطة على الحرف فتسمي الاشياء باسمائها، اما التعميم فلا ينفع ابدا، ولا نقبله منها بالمطلق.


5 تشرين الثاني 2010

مع الشكر والتقدير سلفا Opinions