تداعيات انتخابات مجالس المحافظات والتحضير للانتخابات العامة القادمة
(1-2)أهمية ممارسة النقد في العمل الفكري والسياسي للأحزاب الديمقراطية
لا شك في أن قواعد الأحزاب السياسية الديمقراطية ذات الاتجاهات التقدمية وقياداتها تبذل جهوداً كبيرة للحصول على أصوات الناخبين من خلاا برامجها السياسية, وليس هناك من حزب لا يرغب في تحقيق نجاحات لصالح حزبه في المنافسات الانتخابية وفي تعزيز علاقاته بالأوساط الشعبية. إلا أن هذه المهمة لا ترتبط بالرغبات أو بالإرادات الذاتية فحسب, بل بالأساس في مدى ملموسية تلك البرامج وصواب صياغتها والأساليب التي تنتقيها وتمارسها تلك القيادات والقواعد للوصول إلى مختلف فئات المجتمع, وكذلك بالأدوات التي توظفها لهذا الغرض وبمدى حداثة الخطاب السياسي الذي تتحدث به وتنشره ومدى قدرته على الإقناع, وكذلك بمدى قدرة الإعلام الحزبي في الوصول إلى الناس وإقناعها بصواب سياساتها وتحويلها لصالحه. وقد لاحظ المتتبعون بأن الرياح غالباً ما كانت تسير في غير ما كانت تشتهيه السفن وباتجاه أقل ما يقال عنه أنه كان بعيداً عما كان يتصوره قادة وأعضاء هذا الحزب او ذاك. ولا بد لهذه الأحزاب أن تتحرى عن العوامل الكامنة وراء ذلك وأن تجيب عن الكثير من الأسئلة بهذا الصدد وبكل صراحة وصدق مع النفس ومع فئات المجتمع, لكي تحقق التعاون مع الشعب لتجاوز سلبيات العمل وتحقيق نتائج أفضل.
لا شك في أن الأسباب وراء مثل هذه النتائج كثيرة جداً في عراق اليوم. وحين يسعى الإنسان إلى التحري عن تلك العوامل الكامنة وراء خسارة هذا الحزب أو ذاك, سيجد الكثير من الأعذار والحجج التي يمكن أن تبرر مثل هذه الخسارة أو تلك, وهي ليست عملية صعبة في كل الأحوال لوضوح المشكلات العراقية. كما إنها ليست بنت الساعة, بل هي حصيلة تفاعل عوامل كثيرة عبر عشرات السنين المنصرمة, وخاصة بعد فترة وجيزة من سقوط الملكية في العراق حتى الوقت الحاضر. فتركة الدكتاتوريات القومية الشوفينية ثقيلة جداً, وكذلك الإرهاب والقمع الفاشيين, والسجون التي أطبقت على جمهرة كبيرة جداً من خيرة الناس, والقبور الجماعية التي ابتلعت بصيغ موت متنوعة وكثيرة الكثير جداً من الناس لأخيار, ومحاولة طمس ذاكرة الناس ومنع ذكر قوى سياسية بعينها في الإعلام أو في التربية الفكرية والتثقيف السياسي والاجتماعي لأجيال متلاحقة بهدف نسيانها, ثم في دور الأحزاب السياسية الإسلامية والمؤسسات الدينية والعشائرية ومستوى الوعي الاجتماعي بعد سقوط النظام الدكتاتوري والإرهاب الدموي الجماعي, وما نشأ عن كل ذلك على امتداد العقود الخمسة الأخيرة من تحولات سلبية في البنية الاقتصادية وما نجم عن ذلك من بنية اجتماعية خربة ومتخلفة ووعي مزيف ومشوه وهش وعلل نفسية وعصبية ومظاهر اجتماعية وأخلاقية سلبية, والفساد والتفسيد المالي, إنها مظاهر موجودة وفاعلة في الواقع المعاش يومياً, وهي كلها تؤكد صواب الصعوبات التي تواجه القوى السياسية الديمقراطية والتقدمية في خوض مثل هذه الانتخابات التي انتهت لتوها أو الانتخابات التي سبقتها, وربما ستواجه ذات النتيجة أو ما يقاربها في الانتخابات القادمة ولفترة غير قصيرة. كما يمكن ملاحظة ذلك في بعض بنود الدستور الذي يعكس توجهاً طائفياً وموقفاً سلبياً من المرأة أو في قانون انتخاب مجالس المحافظات في الموقف السلبي التمييزي إزاء اتباع القوميات التركمانيةو والكلدو-أشورية وأتباع الأديان غير الإسلامية ومن المرأة العراقية. كل هذا صحيح وليس صعباً الحديث عنه أو التنبؤ به, ولكن الحديث الأصعب حقاً هو الذي يتمحور حول دور هذه الأحزاب بالذات, وخاصة قياداتها, في تحمل مسئولية كبيرة في تلك النتائج, بمعنى آخر, ما هو دور وفعل الأفراد والهيئات القيادية على صعيدي العراق عموماً والمحافظات على وجه الخصوص؟ وما هو دور السياسات وأساليب العمل وأدواته؟ وما هو دور الانفراد في خوض الانتخابات أو التحالفات التي أقيمت وصيغ تلك التحالفات؟ وما هو دور الإعلام والعلاقات مع الناس في النتائج الضعيفة التي تحققت للأحزاب السياسية الديمقراطية والتقدمية في العراق؟
المعركة الانتخابية ليست معارك عسكرية حاسمة إما فيها الانتصار أو الانكسار, إذ أن المعارك السياسية السلمية تتكرر باستمرار, وما يمكن أن يخسره اليوم هذا الفريق يمكن أن يربحه غداً. ولكن هذا التقدير الصائب يتطلب وعياً باسباب الخسارة أولاً, ووعياً بالسبل الصائبة لمعالجتها ثانياً, والرقابة على اتجاهات التنفيذ العملية للقرارات والدروس المستخلصة ثالثاً.
ومن حيث المبدأ لا يجوز في السياسة العقلانية والمسئولة توجيه اللوم إلى القاعدة الحزبية أو القول أنها أنجزت المهمة على أفضل ما يكون رغم النتائج الضعيفة, وكفى القيادات شر القتال! كلنا يعرف بأن القواعد غالباً ما تنفذ توجيهات تلك القيادات وتلتزم بها, فالطاعة هي المطلوبة ونفذ ثم ناقش هي القاعدة التي لا تزال سائدة والثقة المطلقة التي يُبشر بها هي المطلوبة للقيادات, وغالباً ما تبذل القواعد المستحيل لتحقيق النجاحات, فهي التي تتأثر مباشرة بالنتائج من الناحية النفسية في حين تكون فوائد النجاح من حصة القيادات حيث تحتل المواقع.
ولكن هذا التشخيص لا يعني أن البعض في القاعدة لا يقصر, بل يفترض من حيث المبدأ توجيه الأنظار صوب قيادات تلك الأحزاب, إذ أنها ليست الموجهة للعمل فحسب, بل والمراقبة المباشرة على عمل القواعد والقادرة على تصحيح المسارات حين تبرز نواقص أو أخطاء وتقصيرات.
وحين يمارس النقد إزاء القيادات, ترتفع الاحتجاجات بشكل مباشر أو غير مباشر, إذ غالباً ما تُرفض تلك الانتقادات الهادفة إلى تصحيح أوضاع وعمل هذا الحزب أو ذاك. ولكن علينا أن لا نخضع لرفض النقد أو نسكت عنه, بل علينا مواصلته لا حباً بالنقد, بل سعياً وراء ممارسة التأثير والتغيير والبناء المنشود. فليس هناك نقداً من أجل النقد, بل النقد البنَّاء من أجل البِناء الأفضل, رغم وجود من يستهدف التخريب. كما لا يعني أن من وجه النقد, وأنا منهم, يمتلك الحقيقة كلها أو حتى لا يمتلك الحق بامتلاك الحقيقة.
حين يوجه النقد لحزب ما يفترض أن يؤخذ هذا النقد من حيث المبدأ بأريحية وحسن نية, بغض النظر عما يعتمل في داخل ممارس النقد من عوامل دفعته لممارسة النقد, إذ يفترض أن تبقى غاية هذا الحزب أو ذاك تتلخص في الإجابة عن السؤال التالي: كيف يمكن الاستفادة من ذلك النقد لصالح تطوير هذا الحزب أو ذاك أو تجنب العثرات المحتملة في طريق النضال الذي يخوضه لصالح المجتمع أو بعض فئاته؟
حين يؤخذ النقد بسوء نية لن يستفد منه المُنتقد بأي حال إذ ينطلق من حكم مسبق بسوء نية الناقد! وهو أمر غالباً ما يحصل في الحياة السياسية حين تغيب الديمقراطية عن البلاد أو عن عمل هذا الحزب أو ذاك, وتكون لذلك نتائج غير محمودة قطعاً.
يفترض في الناقد أن يأخذ بالاعتبار حساسية الأحزاب السياسية من النقد, بسبب طبيعة المجتمع ومستوى الوعي وصعوبة القبول بالنقد مهما كان بناءً, إضافة إلى ضعف الوعي بأهمية ودور النقد. والنقد, كما هو معروف, لا يتحرك باتجاه واحد, أي صوب الجوانب السلبية وحدها حسب, بل يتحرك صوب الاتجاهين السلبي والإيجابي من العملية التي يراد نقدها. ولكن غير مطلوب من الناقد أن يقدم البدائل, بل واجبه أن يجلب انتباه هذا الحزب أو ذاك إلى مواطن الخطأ وفق تقديره للأمور أو مواطن القوة, وعلى الحزب ذاته أن يفكر في سُبل تعزيز الجوانب الإيجابية وكيف يكافح الجوانب السلبية في عمله القيادي والجماهيري أو الفكري أو السياسي أو التنظيمي أو جميعها معا, إضافة إلى سياسة التحالفات التي مارسها حتى الآن. وإذا ما قدم الناقد بديلاًً مفيداً, فهذا لا يعفي القيادة من مبادرتها لوضع البدائل الممكنة والاستفادة من البديل الذي قدمه الناقد س أو ص.
كان وسيبقى النقد شارعاً باتجاهين. والنقد أداة فعالة لخدمة المُنتقد بالأساس, فهو المحرك الحقيقي للذهن وللتفكير باحتمال وجود أو ارتكاب الخطأ أو التقصير أو الأغفال أو لتطوير المسيرة. والنقاش الفكري أو الحوار السياسي حول النقد الموجه هو الذي يفتح الطريق على مصراعيه للتغيير المحتمل بما يخدم الجميع, فهل في مقدورنا القبول بذلك وممارسته فعلاً؟ هنا تكمن المشكلة لدى أغلب الأحزاب والشخصيات السياسية, إذ غالباً ما يعتبر النقد وكأنه إساءة او شتيمة, رغم أن أغلب النظم الداخلية للأحزاب تتضمن نصاً يؤكد أهمية ممارسة النقد والنقد الذاتي!
التجارب المنصرمة تشير إلى أن المشكلة الكبيرة تبرز في مدى القدرة على قبول النقد وفي مدى إبداء الاستعداد للنقاش حوله, إذ في هذا الموقع تسكب أغلب العبرات وتختلف أراء الناس والمواقف من الحياة السياسية ومن الديمقراطية ومن الوعي بضرورة ومهمة النقد في تصحيح المسارات. حين يمارس الناقد نقده, يأمل ان تؤخذ ملاحظاته النقدية بنظر الاعتبار. ولا يمكن الادعاء بأن كل النقد الذي يوجه إلى هذا الحزب أو ذاك, أو إلى هذا الشخص أو ذاك, هو نقد في محله أو صائب أو عادل أو مفيد, وليس هناك من عاقل يمكن أن يدعي ذلك, إذ في كل هذه القضايا وجهات نظر كثيرة ومتبانية وتنطلق من مواقع ومصالح مختلفة. ولكن يفترض من حيث المبدأ أن تؤخذ كل الملاحظات التي تقدم بحسن نية وانفتاح على الرأي الآخر. وهي الطريقة الوحيدة التي في مقدورها أن تفيد الجهة أو الجهات التي يوجه لها النقد. ليس كل ما يكتب يمكن اعتباره نقداً. فهناك البعض الذي يمارس الشتيمة والشماتة, وهناك من يسعى إلى نشر الهزيمة في صفوف هذا الحزب أو ذاك من خلال ذلك النقد. ولكن حتى تلك الأساليب من النقد الجارح وغير البناء يمكنها أن تكشف عن مواقع القوة والضعف في الحزب الموجه له النقد. ويتجلى ذلك في ردود الفعل وأسلوب التعامل مع النقد الذي يوجه له, وكيف يفوت الفرص على من يريد دحره ويعيد السهم إلى نحره. هنا تبرز قوة الفكر والسياسة والممارسة لدى قيادة هذا الحزب أو ذاك وفي القاعدة, وليس الهرب من مواجهة النقد بغض النظر عن سبل وصوله لقيادة وقاعدة هذا الحزب أو ذاك.
تشير المعلومات الواردة من الأحزاب السياسية التي خسرت الانتخابات الأخيرة وحصلت على أصوات قليلة لم تساعدها على إرسال ممثل أو أكثر إلى مجالس المحافظات, إلا أنها حتى الآن لم تدرس تجربتها في الانتخابات بشكل معمق وبروح نقدية بعيدة عن الرضا عن النفس والقناعة بأن كل ما جرى كان مفيداً ورائعاً, سواء أكان في القاعدة أم القيادة, في ما عدا الإشارات الضعيفة في التصريحات الصحفية إلى الرغبة في تغيير شيء ما, ورمي العبء على التزييف. التزييف له اثره السلبي طبعاً, ولكن لا يمكن تغيير نتائج بأكملها, بل بحدود معينة.
من السهل إغماض العين عن الخلل أو الاختلالات في المجالات الفكرية والسياسية والتنظيمية وفي التحالفات السياسية وفي التعامل مع السياسات الحكومية ودفن الرأس في الرمال كما تمارس النعامة ذلك, ولكن هذا لا يعني أن الآخرين لا يرون ذلك, بل يرونه تماماً؟ ولهذا فالصراحة والشفافية والجرأة في انتقاد الذات هي مصادر القوة لدى أي حزب من الأحزاب, والعكس صحيح أيضاً.
بإمكان الناقد أن يغض النظر عن أخطاء هذا الحزب أو ذاك أو مجموعة أحزاب متعاونة. ولكن هذا لا ينفع أحداً, بل يلحق الضرر بها جميعاً, والحكمة الشعبية تقول صديقك يقول: قلت لك, أما عدوك فيقول: كنت أريد أن أقول لك, والفرق بينهما كبير حقاً.
كل الظروف السائدة في العراق معروفة لنا جميعاً, النشاط الذي خاضته القوى السياسية والخلل في قانون انتخاب مجالس المحافظات والتجاوزات على هذا هي الأخرى معروفة لنا جميعاً, إضافة إلى إشكاليات ارتباط أعضاء في مفوضية الانتخابات المستقلة لأحزاب معينة بسبب التقسيم الحصصي, ولكن ما هو معروف ولم تقله الأحزاب السياسية المعنية هو : ما هي الأخطاء التي ارتكبت من جانب هذه الأحزاب وقوائمها بالذات في الانتخابات وقبل الانتخابات بفترة طويلة بحيث جعلت من غير الممكن الوصول إلى نتائج أفضل مما حصلت عليه؟ الناس ترى الأخطاء وتتحدث بها والأحزاب المعنية لا تريد أن تراها أو تتحدث بها وتسكت عنها لكي تتكرر ممارستها بعد حين. الأسئلة التي تدور في البال كثيرة, منها مثلاً: هل أصبحت هذه الأحزاب نخبوية؟ وهل تحول بعضها إلى أحزاب ارستقراطية لا علاقة له بالمجتمع, أم أنها أحزاب شعبية ولكنها لا تمارس أساليب وأدوات فكرية وسياسية وتنظيمية سليمة أو كافية؟ وهل يكتفي هذا الحزب أو ذاك بدور سياسي واجتماعي هامشي في السلطة وفي أحداث البلاد, أم يرغب في ممارسة التأثير الفعلي في أحداث البلاد؟ هذه وغيرها من الأسئلة هي التي تفرض نفسها, وعلى الأحزاب السياسية العراقية الإجابة عنها. لا يكفي طبعاً أن يكون لهذا الحزب أو ذاك برنامجاً جيداً وإنسانياً, كما في برامج "مدنيون" مثلاً, بل الأسئلة العادلة هي: كيف يسوق هذا البرنامج, وما هي نقاط الثقل التي يفترض التركيز عليها في عمل هذا الحزب أو ذاك كي يحقق النتائج المرجوة؟ هل التحالف مع السلطة يعني السكوت عن الكثير من أخطائها الكبيرة والصغيرة بذريعة التحالف؟ هل دهنت مواقع معينة في بعض هذه الأحزاب بحيث لم تعد قادرة على رفع الصوت عالياً بالنقد, كما في حالة الديك حين يدهن جؤجؤه, عندها يعجز عن الصياح؟ هل التحالف مع قوى سياسية يعني حين ترتكب تلك الأحزاب أخطاءً يفترض عدم توجيه النقد صراحة وبشفافية إليها, بل السكوت عنها؟ هل كانت علاقات هذا الحزب أو ذاك بالناس فوقية وسطحية ولم يتلمس طريق الغوص في مشكلاتها كقيادة لا كقاعدة فقط؟ هل كانت شعارات هذا الحزب أو ذاك سليمة وعملية وقادرة على ممارسة التأثير في الإنسان العراقي في ظروفه الراهنة؟
الجميع أمام وضع جديد, مجتمع جديد, بنية طبقية جديدة هشة ومخربة ووعي مزيف ومشوه, فكيف يمكن فهم هذا الجديد المتخلف بشكل جيد والتعامل معه بصورة أفضل؟
أتمنى أن يعي الأصدقاء بأن هناك الكثير الذي يفترض تغييره في عمل الأحزاب الوطنية الديمقراطية العراقية, سواء أكان في مجال الفكر أم في السياسة أم في التنظيم, أم في الممارسة اليومية وفي العلاقة مع الناس, وخاصة بالنسبة لقيادات الأحزاب الصديقة. ويفترض أن تأخذ هذه القيادات بعين الاعتبار بأن النقد يستهدف من وجهة نظري فائدة تلك الأحزاب أو شخصيات سياسية في تلك الأحزاب.
لم يكن أداء قيادات الأحزاب السياسية المتحالفة في "مدنيون" كافية لتحقيق نجاحات متواضعة في انتخابات مجالس المحافظات, وليس عيباً أن يقال ذلك, بل العيب في السكوت عنه أو تغطيته بعبارات لا جدوى منها ولن تقنع الكثيرين, ولكنها يمكن أن تقنع المؤمنون منهم بعقيدتهم الفكرية والسياسية, وهم في الغالب الأعم لا يرون الأمور على حقيقتها بل من خلال تلك العقائد التي يؤمنون بها أو الصيغ الجاهزة التي تردد في مثل هذه الحالات, وليس من خلال وعي ومعرفة فعلية بالفكر الذي اعتقدوا به أو القناعة الواعية به. فالعقيدة والإيمان بها شيء, والقناعة بمنهج ونهج علميين ومعرفة ممارستهما وفكر مادي عقلاني شيء آخر.
أتمنى على قيادات وقواعد أحزاب "مدنيون" الثلاثة ومن أيدهم وساندهم ومن يرغب أن يكون معهم لاحقاً أن يدرسوا التجربة سوية ويستخلصوا الدروس والاستنتجات منها لصالح الانتخابات العامة القادمة, وبغير ذلك سيعيد التاريخ نفسه, وإذا كان في المرة الأولى مأساة ففي الثانية سيكون ملهاة أو مهزلة لا غير. وعليهم أن يختاروا بين المراجعة الجادة وبين الاقتناع بأن "ليس في الإمكان أبدع مما كان"!
أتمنى أن يعلموا بأن خسارتهم وخسارة قوى ديمقراطية وعلمانية أخرى هي خسارة لكل القوى الديمقراطية العراقية, وهي خسارة لي أيضاً, ومن هنا أنطلق وهو رائدي في ما كتبته وما أكتبه في هذا الصدد.
5/3/2009 كاظم حبيب
انتهت الحلقة الأولى وتليها الحلقة الثانية والأخيرة.