تداعيات انسحاب القوات الامريكية على الاخوة الاعداء وحلفائهم.
ملاحظة مهمة جدا:المعني بألفاظ ك"الشيعة والاكراد"هم فقط قيادات الاحزاب السياسية فقط وليس المواطن الا في حالة اصرار المواطن نفسه على القول بما تقول به هذه القيادات.كثر الحديث جدا في الاونة الاخيرة حول انسحاب القوات الامريكية من العراق بموجب الاتفاقية المبرمة بين الجانبين العراقي والامريكي كما تقول الاخبار،ولو تدبرنا حجم وعدد حجج وذرائع من يدعوا الى ابقاء هذه القوات، سنجدها مساوية ولكن متناقضة تماما مع تلك التي يسوقها من يطالب بمغادرة هذه القوات على وجه السرعة(اوعلى الاقل خلال التاريخ المحدد في بنود الاتفاقية)،وعلة هذا التناقض كما لا يخفى ناتجة عن ريبة وعدم ثقة هذه الاطراف ببعضها لشدة تقاطع مخططاتها السياسية اولا، ولتضارب مصالحها الشخصية ثانيا،ومن سخرية القدر ان تكون هذه الاطراف متنفذة في مواقع جغرافية معروفة من وطننا لتميزها بالثقل البشري(وهذا يصح ايضا على الحالة الكردية، حيث صار عدد الاكراد يكبر في محافظات شمال العراق بعد سقوط النظام بنسب تجاوزت الحد المقبول علميا بدرجات كبيرة جدا على حساب تناقص ابناء الكيانات القومية والدينية الاخرى،علما ان ما تقول به قيادات الاحزاب الكردية حين تتحدث حول ما تعرض له الشعب الكردي من مآسي لا ينسجم مطلقا وهذه الزيادة المهولة انما العكس هو الذي ينطبق عليه منطق العلم) والسياسي على الساحة العراقية لاستحواذها على اموال طائلة جدا اثبتت التجربة انها توظف هذه الاموال لخدمة مشاريعها الخاصة رغم انف المواطن كون هذه الاموال هي محصلة دمه ودمعه وعرق جبينه ومع ذلك تسخر من اجل تدميره،وبين هؤلاء واولئك نجد ان الكيانات القومية والدينية الصغيرة تبدو في هذه المعادلة كما العناصر الخاملة في التفاعل الكيمياوي،فأن قالت ببقاء هذه القوات اتهمت بالعمالة وخيانة الوطن وان قالت بمغادرة هذه القوات وصفت بالتزلف والتملق الى هذا الجانب دون الجانب الاخر،ولعل حالة الناطقين بالسريانية من الكلدو اشوريين السريان(هذا لا يعني بالضرورة ان يكون هؤلاء جميعا مسيحيون،فهناك الملحد والاديني ولكنه ناطق بالسريانية) واليزيدية والصابئة هي الاوضح(لقد اعرضت عن ذكر التركمان والشبك كونهم مسلمين اصلا اضافة الى ان التركمان لهم بعض الضمانات القومية التي تكفلها لهم الجارة العزيزة تركيا خاصة وان كل الدلائل تشير الى تراجع الفكر العلماني فيها امام بذخ المؤسسات الدينية المبرقعة بالوشاح الوهابي/الشيعي الثري جدا والذي صارت له نشاطات عالمية تجاوزت حدود العالم العربي الاسلامي).
ان النتائج التي افرزتها انتخابات مجالس المحافظات ربما جاءت مخيبة لنا نحن الذين كنا نطمح الى مشاركة اكثر فعالية واكثر شفافية لجميع شرائح المجتمع العراقي رغم كل الظروف السيئة التي تكتنف الوطن(الا يعد خروج الحزب الشيوعي العراقي من هذه الانتخابات صفر اليدين وخالي الوفاض خيبة حقيقية؟)،الا انه وعلى الرغم من خيبتنا هذه وجدنا فيها ما يبرهن على ان الخيار الذي ندعوا اليه ونروج له بالحب،اي الخيار الوطني الديمقراطي الليبرالي الداعي الى فصل المؤسسة السياسية فصلا تاما عن كل التأثيرات الدينية والقومية هو الخيار الامثل والاصلح لانتشال وطننا من مستنقع العصبية الدينية والقومية(المعني هنا هو الجماهير وليس القيادات السياسية التي يصعب جدا على المراقب المحايد ان يمنحها شهادة براءة الذمة من الجرائم التي ارتكبت وما زالت ترتكب في وطننا،فقد اثبتت العملية الانتخابية عدم نزاهة هذه القيادات ونزوعها الصريح الى تحقيق مصالح شخصية بحتة،لا بل ان الامر وصل حد التأثير السلبي جدا على المفوضية العليا المشرفة على الانتخابات ايضا،هذا اذا اغفلنا اسماء الكثير من كبار موظفي هذه المفوضية المتهمين اصلا بالاختلاس وغيره من المفاسد الكثيرة ما زالوا وجوها لامعة لهذه المفوضية،فقد اثبتت الوقائع التي لا ترد، ان بعض ازلام هذه المفوضية قد ساهموا بشكل مباشر بالعبث بصناديق الاقتراع في العديد من المناطق الانتخابية لحساب قوائم احزاب متنفذة، ولعل اعلان فوز قائمة عشتار بالمقعد المسيحي في مجلس محافظة بغداد المتأخر دليل صارخ على استرشاد هذه المفوضية بأرشادات القوى المتنفذة في الوطن ).
تعد الاحزاب الشيعية والكردية اليوم هي الماسك الحقيقي لزمام امور الوطن العراقي،وانحسار دائرة نفوذ المجلس الاعلى للثورة الاسلامية بقيادة عمار الحكيم في مجالس محافظات الوسط والجنوب بعد الانتخابات لا يعني مطلقا رضوخ هذا التنظيم والعمل طواعية بموجب نتائج الانتخابات،لان هذا القبول سوف يجر عليه الويلات، خاصة اذا تحقق بالدليل المادي ما يقال عن ممارسات عمار الحكيم ووعاظه وبطانته التي تناقض كل دساتير الارض والسماء(وهذا يصح ايضا على قيادات الاحزاب الكردية وعوائلهم)،وفوز قائمة دولة القانون بزعامة السيد نوري المالكي زعيم حزب الدعوة ورئيس الوزراء لا يعني مطلقا اننا مقبلون على مرحلة تتميز بالنهج الديمقراطي حتي لو تمت عملية تبادل مراكز النفوذ سلميا،فحزب الدعوة ما زال حزبا دينيا مشبعا بالنفس الطائفي الذي يعتمد الفكر الاقصائي(ليس هناك في الكون دينا تأسس على العصبية القومية المشبعة بالقبلية والسيف يقبل بالديمقراطية سواء فكريا او سياسيا والذي يشاع ويروج له ليس سوى من قبيل تحريف غاية ورود النص الديني وتسخيره في غير ما اريد به اصلا، وان كان هناك من يعترض على ذلك، انا مستعد ان اقدم له الادلة التي لا يمكن دحضها مطلقا الا اذا جئنا بسيبويه جديد ليضع لنا قواعد جديدة لللغة العربية) وما نادى وينادي به السيد المالكي ورغم تقديرنا الكبير له،الا اننا نجد انفسنا مضطرين الى اخضاع طروحات السيد المالكي لميزان العقل ومدى تناسبها وواقع الحال المغلول بأغلال فرضتها مصالح امريكا المستقبلية العليا،فطروحات السيد المالكي خلال الاشهر الماضية تلبس ثوبا وطنيا جميلا،ولكن هل هي فعلا الصحوة الوطنية ام انها لعبة السياسة وفق منطق التقية الشيعية الذي يحلو للبعض ان يسمونها "الكلاو الشرعي" خدمة للمشروع الانتخابي واقصاء الغرماء؟
قيل ان السيد المالكي قابل السيد علي السستاني بعد انتخابات مجالس المحافظات يشكو له سلوكيات مليشيات المجلس الاعلى(وقيل ايضا ان السستاني رفض مقابلة عبد العزيز الطباطبائي الاصفهاني)وهذا يعني ان السيد المالكي ما زال اسير ما تقول به المرجعية المرتبطة بأيران بشكل من الاشكال،خاصة ونحن جميعا نعرف ان السيد المالكي صار يوجه كلاما موجعا الى حلفائه كافة سواء من الاحزاب الشيعية او الكردية حتى وصلت الامور بالقيادات الكردية الى وصف المالكي بالفاظ لا تنسجم وتحالفاتهم المركزية التي يقسمون السلطة والثروة بينهم اليوم وفقها،ولو صح ما اشيع عن اسباب زيارة المالكي فعلا،فأن معنى هذا ان السيد المالكي يقف احد موقفين:اما انه اضعف من ان يطبق القانون الذي ينادي به على من شكاهم الى السستاني،واما انه يتلقى تعليماته من جهة خارجية،فالسستاني هذا ما زال يرفض حتى حمل الجنسية العراقية التي تبيح له حق التدخل في الشأن العراقي.
مما لا شك فيه ان رئيس الوزراء قدر ان يستقطب مشاعر العراقيين المغلوبين على امرهم بطروحاته الاخيرة التي تتقاطع غالبا وطموحات المجلس الاعلى وقيادات الاحزاب الكردية وخاصة الديمقراطي الكردستاني(رغم انه يشاع بأن المجلس الاعلى يوظف خبرات ضباط مخابرات النظام السابق في عمليات الاغتيالات وتصفية الخصوم السياسيين جسديا) ،والتحالفات الاستراتيجية بين هؤلاء قد تدفع بهم الى سحب الثقة عن حكومته في حالة اصراره على نهجه ووفائه بما وعد به فيما يتعلق بفضح كافة الملفات،اذن السؤال الساذج هو:من اين يتأتي للمالكي هذا الدعم الذي يجعله يتحدى هكذا مراكز قوى؟
في الجانب الاخر من المعادلة تقف الاحزاب الكردية والمجلس الاعلى(اغفلت ذكر من يدعون بالصدريين رغم تحقيقهم نتائج طيبة في الانتخابات لانهم ما زالوا على مسافة بعيدة من مراكز القرار المؤثر ولثقتي ان لا مستقبل سياسي لمثل هكذا تيار في العراق اذا سنحت الفرصة وتسمت الاشياء بأسمائها الحقيقية)،وهؤلاء يعرفون حق المعرفة ان اي تفعيل لدور السلطة المركزية يضع مشاريعهم على المحك،فقائمة الاسئلة التي يرغمون على الاجابة عليها طويلة جدا وتمس العصب الحساس من حياة المواطن العراقي الذي لا بد سوف يكسر قيد التعصب الديني الطائفي والقومي العنصري يوم يتيقن ان هناك في الوطن مؤسسة قادرة على تشريع القوانين التي تكفل له ممارسة حريته وتمتلك القوة والمقدرة اللازمة على حماية هذه التشريعات،اذن بات من ضرورات المنطق ان تسعى هذه الجهات سعيا حثيثا بأتجاه المحافظة على ما استحوذت عليه من مصالح ومنافع شبه شخصية بحراسة الحراب الامريكية التي توفر لها بالاضافة الى ذلك درعا سميكا يقيها عاقبة المثول امام القاضي لتدفع الحساب عن ممارساتها المخالفة للقانون،اذن لا بد من اطالة امد الحماية الامريكية،ولا بد من خلق مبررات دوام هذه الحماية،ولكي تتحقق هذه المعادلة لا بد من خلط الاوراق واظهار عجز السلطة المركزية عن توفير الامان للمواطن، وهذا الايمان رغم ضعفه قد يلعب دور الشعرة التي قد تقصم ظهر البعير.
اثبتت نتائج انتخابات مجالس المحافظات: أن الانسان الشيعي لو توفرت له فرصة التعبير عن مشاعره بشكل صحيح فأنه سيرفض دعاوى الاحزاب الدينية الطائفية التي اعتمدت اصلا الخطاب الطائفي من اجل ان تكبر مساحة القطيعة بين ابناء الدين الواحد والقومية الواحدة واحيانا القبيلة الواحدة والوطن الواحد،فنسبة الشيعة الذين شاركوا في العملية الانتخابية لم تتجاوز 45% في احسن الاحوال وهذا يعني:ان المواطن اقبل على المشاركة في الانتخابات بضمبر شبه متقلقل بين الولاء للوطن والولاء للمذهب،اما المواطن الكردي الذي اعتقده اقل التصاقا بالدين فلا اظنه يشذ عن هذه القاعدة مطلقا،وما يعاني منه هذا المواطن اليوم من ازمة ثقة بالانسان العربي سوف تزول حتما حين يتيقن ان المواطن العربي كان ايضا مثله ضحية للنظام السابق،وعليه ان يتيقن انه ليس من موجبات الضرورة ان يكون كل مواطن عربي نسخة من صدام حسين كما لقنوه لعقود طويلة من الزمن،لا بل ربما كان حاله في الكثير من الاحايين افضل من حال المواطن العربي الذي كانت يد النظام قادره ان تطاله آن شاءت وحيثما كان.
ياقو بلو
للمقالة صلة.