تذكار الشهيدة مارت شموني وأولادها السبعة
القراءات الطقسية:القراءة الأولى: دانيال 3 / 25 _ 45 ووقف عزريا وفتح فاه وسط النار . . .
القراءة الثانية: 2 قورنتس 12 / 1 _ 14 ألا بد من الافتخار؟ إنه لا خير . . .
القراءة الثالثة: متى 10 / 37 _ 42 من أحب أباه أو أمه أكثر مما يحبني . . .
+ متى 16 / 24 _ 27 ثم قال يسوع لتلاميذه: من أراد أن . . .
+ متى 19 / 27 _ 30 فقال له بطرس: ها قد تركنا نحن . . .
الشهيدة شموني وأولادها: ورد ذكر هذه المرأة الجبارة في إيمانها وثباتها وعاطفتها في سفر المكابين الثاني الفصل السابع. وذلك في عهد الملك أنطيوخس الطاغية. " وقبض على سبعة إخوة مع أمهم فأخذ الملك يُكرههم على تناول لحوم الخنزير المحرمة ".
فلما أبوا أن يتناولوا شيئاً منها أمر بضربهم، فجُلدوا بقساوة بالمقارع والسياط. فقال أكبرهم للملك: " ماذا تبتغي وعمَّ تستنطقنا. إنا لنختار أن نموت ولا نخالف شريعة آبائنا ".
أمام هذا الكلام الصريح: " حنق الملك وأمر بإحماء الطواجن والقدور ولما أحميت أمر لساعته بأن يقطع لسان الذي انتدب للكلام ويُسلخ جلد رأسه وتُجدع أطرافه على عيون إخوته وأمه ".
يا للفظاعة البشرية، وللوحشية الإنسانية: " ولما عاد جُدمةً أمر بأن يؤخذ إلى النار وفيه رمقٌ من الحياة ويُقلى. وفيما كان البخار منتشراً من الطاجن كانوا هم وأمهم يحض بعضهم بعضاً أن يقدموا على الموت بشجاعة قائلين إن الرب الإله ناظر وهو يتمجد بنا ".
وبعد أن قضى الأخ الأول نحبه انقلبوا على الأخ الثاني: " ولما قضى الأول على هذه الحال ساقوا الثاني إلى الهوان ونزعوا جلد رأسه مع شعره ثم سألوه هل يأكل قبل أن يعاقب في جسده عضواً عضواً. فأجاب بلغة آبائه وقال لا. فأذاقوه بقية العذاب كالأول. وفيما كان على آخر رمق قال إنك أيها الفاجر تسلبنا الحياة الدنيا ولكن ملك العالمين إذا متنا في سبيل شريعته فسيقيمنا لحياة أبدية ".
وبعده أتى دور الأخ الثالث: " وبعده شرعوا يستهينون بالثالث وأمروه فدلع لسانه وبسط يديه بقلب جليد. وقال إني من السماء أوتيت هذه الأعضاء ولأجل شريعته أبذلها وإياه أرجو أن أستردها من بعد . فبهت الملك والذين معه من بسالة قلب ذلك الغلام الذي لم يبال بالعذاب شيئاً ".
ثم عذبوا الرابع ونكلوا به بمثل أخيه الثالث: " ولما أشرف على الموت قال حبذا ما يتوقعه الذي يُقتل بأيدي الناس من رجاء إقامة الله له. أما أنت فلا تكون لك قيامة للحياة ".
ثم ساقوا الخامس وعذبوه فالتفت إلى الملك وقال: " إنك بما لك من السلطان على البشر مع كونك فانياً تفعل ما تشاء ولكن لا تظن أن الله قد خذل ذريتنا. إصبر قليلاً فترى بأسه الشديد كيف يعذبك أنت ونسلك ".
وبعده ساقوا السادس فلما قارب أن يموت قال للملك: " "لا تغتر بالباطل فإنا نحن جلبنا على أنفسنا هذا العذاب لأنا خطئنا إلى إلهنا ولذلك وقع لنا ما يقضي بالعجب. وأما أنت فلا تحسب أنك تترك سدى بعد تعرضك لمناصبة الله ".
أما شموني فكانت واقفة، كما سوف تقف مريم أمام الصليب. فكان الأولاد أبطالاً في جلادتهم وثباتهم، وكانت الأم جبارة في صبرها وإيمانها. فكانت هي تذكي الشجاعة والإقدام في قلوب بنيها. ويقول عنها الكتاب المقدس: " وكانت أمهم أجدر الكل بالعجب والذكر الحميد فإنها عاينت بنيها السبعة يهلكون في مدة يوم واحد، وصبرت على ذلك بنفس طيبة ثقة بالرب. وكانت تحرض كلاً منهم بلغة آبائها وهي ممتلئة من الحكمة السامية. وقد ألقت على كلامها الأنثوي بسالة رجليه قائلة لهم إني لست أعلم كيف نشأتم في أحشائي ولا أنا منحتكم الروح والحياة ولا أحكمت تركيب أعضائكم. على أن خالق العالم الذي جبل تكوين الإنسان وأبدع لكل شيء تكوينه سيعيد إليكم برحمته الروح والحياة لأنكم الآن تبذلون أنفسكم في سبيل شريعته ".
أما أنطيوخس العاتي فإنه خشي أن يستخف عبيده به بعد أن خذله الأخوة المكابيون الستة وهزأوا به وبعذاباته، فتوجه إلى الأخ السابع وهو أصغرهم: " فأخذ يُحرض بالكلام أصغرهم الباقي بل أكد له بالأيمان أنه يغنيه ويسعده إذا ترك شريعة آبائه ويتخذه خليلاً له ويقلده المناصب ".
لكن ذلك الغلام الصغير رفض بعزة نفس وإباء ما كان الملك يعرض عليه من جاه وثروة. فدعا والدته شموني وحثها أن تقنع ولدها، وألح عليها حتى وعدت بأنها تشير على ابنها. ثم انحنت إليه واستهزأت بالملك العنيف وتوجهت إلى ابنها: " وقالت بلغة آبائها يا بني ارحمني أنا التي حملتك في جوفها تسعة أشهر وأضعتك ثلاث سنين وعالتك وبلغتك إلى هذه السن وربتك. أنظر يا ولدي إلى السماء والأرض وإذا رأيت كل ما فيهما فاعلم أن الله صنع الجميع من العدم وكذلك وجد جنس البشر. فلا تخف من هذا الجلاد لكن كن مستأهلاً لإخوتك واقبل الموت لأتلقاك مع إخوتك بالرحمة ".
ما أعظم هذا الإيمان ما أكبر قلب هذه الأم! ولكن ما أضعف عقل الغاصبين العتاة وما أذلَّه! فإن واحدهم لولا سلطانه وجنوده لكان أحقر خلق الله، وأضعفهم همة وأقعدهم مروءة. فهذا أنطيوخس يميت ستة من الشبان على مرأى والدتهم المسكينة، بعد أن ينكل بهم وينزل بهم من العذابات ما تقشعر له الأبدان، وتنفر منه الوحوش الضارية. ثم لأجل رغبة صغيرة في مجد خسيس باطل، يبتذل ابتذالاً ويتوسل توسلاً، ولا يستحي من أن يتقدم إلى تلك الأم المفجوعة، ويرجو منها أن تحمل ابنها الصغير على الخضوع لإرادته والكفر بإله آبائه.
أما الغلام البطل فإنه لم يدع أمه تتابع كلامها له، واستنهاضها لهمته. بل اندفع بشهامة وقال: " ماذا أنتم منتظرون إني لا أطيع أمر الملك وإنما أطيع أمر الشريعة التي ألقيت إلى آبائنا على يد موسى ".
ثم ألتفت إلى الملك وقال له بجسارة: " وأنت أيها المخترع كل شر على العبرانيين إنك لن تنجو من يدي الله. فنحن إنما نعاقب على خطايانا. وربنا الحي وإن سخط علينا حيناً يسيراً لتوبيخنا وتأديبنا سيتوب على عبيده من بعد. وأما أنت أيها المنافق يا أخبث كل بشر فلا تتشامخ باطلاً وتتنمر بآمالك الكاذبة وأنت رافع يدك على عبيه. لأنك لم تنج من دينونة الله القدير الرقيب. ولقد صبر إخوتنا على ألم ساعة ثم فازوا بحياة أبدية وهم في عهد الله وأما أنت فسيحل بك قضاء الله العقاب الذي تستوجبه بكبريائك. وأنا كإخوتي أبذل جسدي ونفسي في سبيل شريعة آبائنا وأبتهل إلى الله أن لا يبطئ في توبته على أمتنا. وأن يجعلك بالمحن والضربات تعترف بأنه هو الإله وحده ".
فتميز الملك غيظاً وأمر بذلك الغلام، فتفننوا في تعذيبه حتى أماتوه كإخوته. ثم الحقوا تلك الأم الجبارة ببنيها، فقضت قريرة العين، وذهبت تنتظر مع أولادها ورود المخلص الرب، ليفتح بصليبه المحيي لها ولبنيها ولسائر الصديقين والأبرار والشهداء أبواب السماء.[1]
لقد رأى آباء الكنيسة في قصة استشهاد شموني وأبنائها الذين سطروا أروع ملحمة إيمانية أنهم مسيحيين قبل أن يحملوا ذلك الاسم. فقد سالت دماؤهم فامتدت لتصل إلى قوافل شهداء العهد الجديد، فخصوهم بكثير من عظاتهم.
وليس ثمة ذكر لمكان استشهادهم. قد يكون في اليهودية. لكن التقليد الأنطاكي يحدد مكان العذاب في أنطاكية، بسبب وجود أنطيوخس في أنطاكية أيام الاضطهاد الديني في اليهودية، معتقدين أن الشهداء نقلوا إلى هناك.
ويعتقد أن سفر المكابين الثاني وضعه ياسون القيرني[2] حوالي السنة 124 ق.م بعد وفاة يهوذا المكابي بقليل. وكان ياسون من شتات القيروان، وهو يهودي مؤمن بالرغم من ثقافته الهلينستية، وكان مطلع على أحوال أورشليم.[3]
وليس ثمة ذكر لأسماء أبناء شموني السبعة في سفر المكابين الثاني. أما طقس كنيسة المشرق الكلدانية الآشورية فيذكر أسمائهم في طقس تذكارهم، مشبهاً استشهاد كل منهم بشهادة أحد شهداء الكنيسة الأوائل:
فالابن الأول يدعى كدي، وقد شبه استشهاده باستشهاد مار قرياقوس.
والابن الثاني يدعى مقبي، وقد شبه استشهاده باستشهاد مار كيوركيس.
والابن الثالث يدعى ترسي، وقد شبه استشهاده بشهادة مار سركيس.
والابن الرابع يدعى حِورون، وقد شبه استشهاده بشهادة مار باكوس.
والابن الخامس يدعى حِوصون، وقد شبه استشهاده بشهادة مار بثيون.
والابن السادس يدعى باكوس، وقد شبه استشهاده بشهادة مار إسطيفانوس.
والابن السابع يدعى يونادوا، وقد شبه استشهاده بشهادة مار يعقوب أخو الرب.[4]
وتحتل هذه الشهيدة وأبنائها مكانة خاصة ومهمة في كنيسة المشرق، حيث تُذكر عدة مرات في الأسبوع خلال صلاة الشهداء التي تتلى في فرض صلاة الصباح والمساء. وهي تأتي في المرتبة الثالثة من حيث إكرام المؤمنين لها بعد العذراء مريم والشهيد مار كيوركيس. فأقيمت لهم في عدة مدن وقرى كنائس ومزارات، حيث يؤمها المؤمنون في يوم تذكار استشهادهم للعبادة والصلاة وطلب شفاعتهم.
وتحتفل كنيسة المشرق بتذكار الشهيدة مارت شموني وأولادها السبعة في يوم الثلاثاء الأول من شهر أيار.
وسابقاً كانت كنيسة المشرق تحتفل بهذا التذكار في الجمعة الخامسة من سابوع القيظ " الصيف ".
--------------------------------------------------------------------------------
1_ السنكسار المشتمل على سير القديسين المطران ميخائيل عساف ج2 ص 5 _ 7.
2_ ياسون القيريني: ياسون اسم يوناني معناه " يشفي " ألف تاريخ حرب اليهود الاستقلالية 175 _ 160 ق . م. قاموس الكتاب المقدس ص 1045.
3_ مجلة نجم المشرق السنة الخامسة 1999 العدد 20 قصة استشهاد الإخوة السبعة المعروفة بالشهيدة شموني وأبنائها مقال الأب آزاد صبري ص 484 _ 486.
4_ الحوذرة " مدار السنة الطقسية ". الجزء الثاني ص ينكث.