Skip to main content
Facebook Twitter YouTube Telegram

تذكار مار يوحنا المعمدان

القراءات الطقسية:

القراءة الأولى: أشعيا 35 / 3 _ 10 قوُّوا الأيدي المسترخية وشددوا الركب . . + أشعيا 40 / 1 _ 8 عزُّوا عزُّوا شعبي يقول إلهكم خاطبوا . .

القراءة الثانية: أفسس 2 / 19 _ 22 فلستم إذاً بعد اليوم غرباء أو نزلاء . . . + أفسس 3 / 1 _ 2 لذلك أنا بولس سجين المسيح يسوع . . .

القراءة الثالثة: مرقس 6 / 14 _ 29 وسمع الملك هيرودس بأخباره لأن . . .

مار يوحنا المعمدان: لبث يوحنا في البراري إلى يوم ظهوره لإسرائيل. وفي السنة الخامسة عشرة من ملك طباريوس قيصر[1]، كانت كلمة الله على يوحنا بن زكريا في البرية. فجاء إلى بقعة الأردن[2] كلها يكرز بمعمودية التوبة لمغفرة الخطايا. وبقي يوحنا زماناً يعمد ويكرز والناس تأتيه إلى عين نون[3] التي بجانب ساليم[4] لكثرة الماء هناك. وكان يرشد كل طبقة من طبقات الشعب إلى ما به خيرهم وصلاحهم بكل جرأة وغيرة رسولية. وسمع رؤساء اليهود والفريسيون في أورشليم بكرازة يوحنا، فاضطربوا وأرسلوا إليه كهنة ولاويين ليسألوه من أنت؟، فاعترف ولم ينكر. واعترف أني لست المسيح. فسألوه إذن من، إيليا أنت؟ فقال: لست إياه. أنبي أنت؟ أجاب: كلا. فقالوا: فمن أنت لنرد الجواب على الذين أرسلونا؟ ماذا تقول عن نفسك؟ فقال: " أنا صوت صارخ في البرية قوموا طريق الرب، كما قال أشعيا النبي ". فسألوه: فلما تعمد إن كنت لست المسيح ولا إيليا ولا النبي؟ أجابهم يوحنا وقال: " أنا أعمد بالماء ولكن بينكم من لستم تعرفونه هو الذي يأتي بعدي، وقد جعل قبلي، الذي أنا لا استحق أن أحل سير حذائه ".

ورغم بغض الفريسيون ليوحنا لإقبال الناس عليه، ورغم حسدهم لشهرته ولروح النبوءة الذي حل عليه، لا يجسرون مقاومته. بل كانوا يتظاهرون بالاحترام لدعوته ولقداسة حياته.

وكان هيرودس[5] رئيس الربع على الجليل يجله كثيراً ويسمع له. بل كان يخاف منه لعلمه بأنه رجل بار وقديس. وعلق هيرودس هذا بهيروديا[6] امرأة أخيه فيلبس، وعلقت هي به، فتزوجها على حياة زوجها ضد كل الأنظمة والشرائع. فقام يوحنا يوبخه بجرأته الرسولية ويقول له: " لا يحل لك أن تكون لك امرأة أخيك ". فحنقت عليه هيروديا الفاجرة وأوغرت صدر هيرودس عليه. فأراد قتله ولكن خاف من الجمع لأن يوحنا كان يعد عندهم نبياً. لكنه امسكه وأوثقه وألقاه في السجن.

وباتت هيروديا تترقب فرصة لتحمل هيرودس على الفتك به، فترتاح منه ومن كرازته ظناً منها أنها إذا ما أسكتت ذلك الفم الملائكي تسكت صوت الضمير وصوت الشرائع وأصوات الشعب الساخط الناقم.

وفي يوم مولده صنع هيرودس عشاء لعظمائه وقواد الألوف وأعيان الجليل، وجرى الحفل في قصره المنيف القائم على ضفاف وادي " زرقا ماعين " في المكان المدعو ماكيرنت[7] حيث المياه المعدنية الحارة تتدفق بغزارة وتصب في ذلك الوادي، فتمتزج بمياهه الطيبة الباردة، في ذلك القصر البديع المشرف على بحيرة لوط[8] الشهيرة في تاريخ بني إسرائيل، قامت الأفراح ابتهاجاً بذكرى مولد هيرودس. وكان يوحنا موثقاً ومطروحاً في أقبية ذلك القصر، فسمع أصوات الطرب وجلبة العيد فبات يعلل النفس بالإفراج عنه، فيعود إلى رسالته على ضفاف الأردن. وعندما دخلت صالومي[9] ابنة هيروديا ورقصت، فأعجبت هيرودس والمتكئين معه. وكانت الخمرة قد لعبت برأس هيرودس فالتفت إلى الصبية وقال لها: " سليني ما أردت فأعطيك، ولو نصف مملكتي ". فخرجت تلك الفتاة وسألت أمها ماذا تطلب. فقالت لها رأس يوحنا المعمدان. فعادت الفتاة ودخلت على الملك وقالت له: " أريد أن تعطيني رأس يوحنا المعمدان في طبق ". فاستحوذ على الملك حزن شديد، ولكنه من أجل اليمين والمتكئين معه لم يرد أن يصدها. فأنفذ سيافاً وأمر أن يأتي برأسه في طبق. فأنطلق وقطع رأسه في السجن، وأتى برأسه في طبق ودفعه إلى الصبية، فدفعته الصبية إلى أمها.

هكذا كانت نهاية هذا النبي العظيم. فإنه ذهب شهيد الواجب نظير سائر الأنبياء. مات يوم عيد اعتاد الملوك أن يمنحوا عفواً عن المسجونين، ويطلقوهم من سجنهم ليعودوا فينعموا بالحياة. ولكن كؤوس الفجور والخمر كثيراً ما امتلأت من الدماء. وسمع تلاميذ يوحنا بقتل معلمهم، فجاءوا واخذوا جثته ووضعوها في قبر. ثم نقلت جثته إلى دمشق[10] وشيد على قبره كاتدرائية كبيرة وفخيمة. وبعد الفتح الإسلامي وفي عهد الدولة الأموية[11] حولت هذه الكاتدرائية إلى جامع عرف بالجامع الأموي[12]. ولا زال قبره في هذا الجامع حتى يومنا هذا. ويطلق المسلمون على مار يوحنا المعمدان اسم النبي يحيى.

أما الرأس فبقي في حوزة هيروديا وابنتها. فإنهما حملتاه معهما، ولفتا ذلك الرأس المبارك بلفائف ودفنتاه في أحدى زوايا القصر الشرقي على ضفاف البحر الميت[13]. وعندما انتقلوا إلى قصر أورشليم نقلوا معهم ذلك الرأس معهم ودفنوها في ذلك القصر، حتى لا يطمع أحد فيه فيأخذه.[14]

وبقيت تلك الذخيرة الثمينة مدفونة في أورشليم إلى القرن الرابع. فأوحي إلى اثنين من الرهبان بوجودها في ذلك المكان، فأخرجها المؤمنون وحملوها إلى القسطنطينية باحتفال عظيم، فخرج الملك ثاوذوسيوس مع البطريرك والأساقفة والرهبان ورجال البلاط والجيش إلى خارج المدينة لاستقبالها. وأخذها الملك بين يديه ولفها بأرجوانة ودخل بها المدينة بأبهة واحتفال.

ثم بنى لها كنيسة جميلة وجعلها فيها، ونال بواسطتها نعماً جزيلة. منها انتصاره على اقجانس المتمرد بشفاعة رأس يوحنا المعمدان. فبينما كانت المعركة قائمة كان الملك ساجداً في تلك الكنيسة يصلي أمام الذخيرة المباركة. ولما انهزمت جيوش الأعداء سمع الملك كأن واحداً يسرع في الخروج من الكنيسة وهو يصرخ: " لقد انتصرت عليَّ أنا الذي قطعت رأسك ". ثم على توالي الأجيال وبسبب الحروب والغزوات تعددت الكنائس التي حظيت من تلك الذخيرة الثمينة.[15]

وتحتفل كنيسة المشرق بتذكار مار يوحنا المعمدان في الجمعة الأولى من سابوع الدنح.





--------------------------------------------------------------------------------

1_ طباريوس قيصر: قيصر لقب رسمي للأباطرة الرومان أخذ من اسم يوليوس قيصر الشهير. وقد حكم طباريوس من سنة 14 ق . م وحتى سنة 37 م. قاموس الكتاب المقدس ص 754.

2_ الأردن: اسم عبري معناه " الوارد المنحدر ". وهو أهم أنهار فلسطين، وله أربعة منابع هي: المنبع الشرقي في بانياس التي هي قيصرية فيلبس قديماً وينبع هذا النبع من كهف في صخرة عالية. أما النبع الأوسط وهو أكبر المنابع جميعاً فهو في تل القاضي. أما منابعه شمالاً وأكثرها ارتفاعاً فوق سطح البحر فهو المنبع الذي ينبع من أسفل حاصبيا ويتكون منه نهر الحاصباني. وأصغر هذه المنابع هو نبع براغيث وهو أقصاها غرباً. قاموس الكتاب المقدس ص 46 _ 47.

3_ عين نون: اسم أرامي معناه " عيون ". وهي بلدة أو تجمع عدد من الينابيع بالقرب من ساليم حيث كان يوحنا يعمد بكثرة لتوافر المياه. ولم يتفق العلماء بعد على تحديد المكان. فهناك اعتقاد بأن ساليم وعين نون يقعان في وادي الأردن على بعد ثمانية أميال إلى الجنوب من بيسان. وهناك اعتقاد بأن عين نون كانت على منحدر وادي طباس الشرقي، إلى الشمال الشرقي من نابلس بعشرة أميال، وإلى الشمال من وادي فرعة بأربعة أميال. وبعضهم يعتقد أن عين نون في مكان ما من وادي فرعة المليء بالينابيع، وإلى الشمال من القدس بستة أميال. قاموس الكتاب المقدس ص 653 _ 654.

4_ ساليم: اسم عبري معناه " سلام ". مكان بالقرب من مياه عين نون حيث كان يوحنا يعمد. والمكان غير معروف الآن بالضبط. قاموس الكتاب المقدس ص 447.

5_ هيرودس: هو هيرودس انتيباس الابن الثاني لهيرودس الكبير من زوجته الرابعة السامرية ملثاكي. تثقف في روما، ثم عاد وعين حاكماً على الجليل. بنى عدة أماكن أشهرها مدينة طبرية. حملته زوجته على الذهاب إلى روما ليطلب أن يمنح لقب ملك. وهناك غضب عليه الأمبراطور كاليجولا ونفاه إلى ليون، ثم إلى أسبانيا. دام حكمه من سنة 4 ق . م وحتى سنة 39 م. وقد سماه يسوع ثعلباً. قاموس الكتاب المقدس ص 1011.

6_ هيروديا: هي ابنة ارسطوبولس وحفيدة هيرودس الكبير، وأخت هيرودس أغريباس الأول. تزوجت هيرودس ابن هيرودس الكبير ومريمنة، ويسمى في الكتاب المقدس فيلبس. ولكنها طلقته وتزوجت أخاه. وبقيت هيروديا مع زوجها هيرودس انتيباس حتى بعد أن نفي إلى ليون وسكنت معه هناك. قاموس الكتاب المقدس ص 1012.

7_ ماكيرنت: يذكر المؤرخ يوسيفوس بأنها الموضع الذي فيه قطع رأس يوحنا المعمدان. وهي قلعة عند المكور شرقي البحر الميت. قاموس الكتاب المقدس ص 832.

8_ بحيرة لوط: هي بحيرة النار والكبريت التي ظهرت بعد خراب مدينة سدوم. والمنطقة تقع جنوب البحر الميت وقد اكتست بالملح وربما كان سبب هذا انفجار تحت سطح الأرض حدث بعمل إلهي. قاموس الكتاب المقدس ص 821 _ 822.

9_ صالومي: اسم عبري مؤنث " سليمان ". وسليمان تعني " رجل سلام ". قاموس الكتاب المقدس ص 446.

10_ دمشق: عاصمة سورية. ورد ذكرها في الكتابات المصرية والآشورية والكتاب المقدس. سكنها الآراميون فجعلوها عاصمة مملكتهم سنة 940 ق . م. فتحها الآشوريون سنة 732 ق . م. والبابليون سنة 612 ق . م. والفرس سنة 539 ق . م. واليونان سنة 333 ق . م. والأنباط سنة 85 ق . م. والرومان سنة 66 ق . م. ازدهرت بانتشار المسيحية فيها وأصبحت مقراً أسقفياً تابعاً لأنطاكية. احتلها الساسانيون سنة 614 م. ثم العرب سنة 635 م وأصبحت عاصمة الأمويون. حكمها الطولونيون سنة 878 والأخشيديون والفاطميون. خربها المغول سنة 1260 م وسنة 1300 م. احرقها تيمورلنك سنة 1400 م. احتلها السلطان العثماني سليم الأول سنة 1516. وعادت إلى عزها في حكم أسعد باشا العظم سنة 1749 م. احتلها المصريون سنة 1832 _ 1840 م. المنجد في الأعلام ص 287 _ 288.

11_ الدولة الأموية: أسسها بنو أمية من سلالة الخلفاء المسلمين الذين تولوا الحكم بين سنة 660 وسنة 750. وكانت عاصمتهم دمشق. ولما قضى العباسيون عليهم في الشرق انتقل الأمويون إلى الأندلس وحكموها من سنة 756 وحتى سنة 1031 بعد أن جعلوا قرطبة عاصمة لهم. المنجد في الأعلام ص 68.

12_ الجامع الأموي: مسجد في دمشق شيده الوليد بن عبد الملك، وكان كنيسة كرست ليوحنا المعمدان شيدت سنة 379 على أنقاض هيكل وثني بناه الرومان في عهد ترايانس ( 98 _ 117 ). يعتبر الجامع من آيات الفن المعماري العربي، وهو شهير بفسيفسائه الرائعة. المنجد في الأعلام ص 68.

13_ البحر الميت: اسم البحر الميت اخترعه اليونان، ويسمى الآن بحر لوط. أما في الكتاب المقدس فيطلق عليه العديد من التسميات هي: بحر العربة. بحر الملح. البحر الشرقي. عمق السديم. وفي التلمود يدعى بحر سدوم. ويدعوه المؤرخ الشهير يوسيفوس البحيرة الزفتية والبحيرة السدومية. يبعد البحر الميت 16 ميلاً عن أورشليم شرقاً، تحيط به جبال تعلو عنه 1500 قدم. ومن المعروف عنه أن لا أحياء تعيش فيه. قاموس الكتاب المقدس ص 164 _ 165.

14_ السنكسار المشتمل على سير القديسين المطران ميخائيل عساف ج 2 ص 79 _ 83.

15_ السنكسار المشتمل على سير القديسين المطران ميخائيل عساف ج 1 ص 58.

Opinions