Skip to main content
Facebook Twitter YouTube Telegram

تسـييـس الديـن وأخطـار الحكـم الثـيـوقـراطـي في العراق

الأنسان حيوان ناطق ، وهو تعريف أرسطو للأنسان باعتباره الكائن الوحيد القادر على النطق عبر اصوات وأحرف وكلمات وجمل وهو ما يعرف بالكلام ، وثمة سمة مميزة أخرى للأنسان وهي ظاهرة ( التديّن ) التي يتميز بها الأنسان من بين المخلوقات الأخرى . لقد كان الدين قرين الأنسان منذ فجر حياته الأجتماعية ، وكان للدين التأثير الفكري والروحي والأخلاقي عبر سيرورة الأنسان وتطوره الحضاري .

لقد استلهم الدين ـ لا سيما الأديان السماوية الثلاث اليهودية والمسيحية والأسلامية ـ في امر كينونته البنى الميتافيزيقية البحتة ، ولكن بمرور الوقت امتزجت العناصر الميتافيزيقية مع العناصر الحياتية المجتمعية ليصبح من العسير الفصل بينهما .

والدين له فعله في المعتقد الأنساني حيث يترك في نفسه شئ من الرضا والراحة ويقول م . رافيل : إن الدين هو اشتراط الحياة الأنسانية بالأحساس بالأتصال بين العقل الأنساني وعقل خفي يتحكم بالكون، وما ينجم عن ذلك من شعور بالغبطة ( فراس السواح ، دين الأنسان24 ) .

الدين حالة انسانية مطلوبة حينما يتركز على متطلبات اخلاقية تسامحية تمثل الحالة الأنسانية بين التنوعات المجتمعية الرسية والدينية واللغوية والمذهبية ...

لكن المسألة تختلف حينما يجري تحقيق وحدة الدين والسلطة وإضفاء الطابع الثيوقراطي المقدس على النظام الحاكم . لقد كانت السلطة في العصور التاريخية القديمة في بلاد ما بين النهرين ومصر لها طابع ثيوقراطي ، وإن الآلهة تقرر مصير البشر وكان كهان الهياكل يشكلون القنطرة الرابطة بين الآلهة والبشر او بتوسط الملوك والحكام مباشرة .

في المجتمع الأوروبي استمرت النزعة الثيوقراطية وسادت طوال تاريخ المجتمعات المسيحية منذ القرن الثالث الى عصر الثورات البرجوازية الحديثة ( سمير أمين : مناخ العصر180 ) ، واتخذت الثيوقراطية موقفاً مبدئياً يقوم على مفهوم وحدة الدين والسلطة ، دون ان يمنع ذلك في واقع التاريخ إخضاع الكنيسة للسلطة وتوظيفها كما كان الأمر عليه في العلاقة بين الخلافة ورجال الدين في الأسلام .

في الحقيقة نستطيع ان نزعم ان الديانة المسيحية قد حسمت أمر فصل الدين عن الدولة بقول السيد المسيح : أعطو ما لقيصر لقيصر وما لله لله ( متي 22 : 21 ) ، لقد قال السيد المسيح إن مملكته لا تقوم ولن تقوم أبداً على الأرض ولهذا لم يشرع قانوناً لأدارة السلطة على الأرض أسوة بالديانتين اليهودية والأسلامية .

لقد تضمنت الشريعة الأسلامية مثلاً تفاصيل دقيقة عن حياة المسلم الاخلاقية والسلوكية في الحياة الشخصية والأجتماعية والعائلية من زواج وطلاق وأرث .. وكل مفاصل الحياة الواردة في هذه النصوص اكتسبت بعداً مقدساً وبات من العسير تغييرها ، وفي البلاد الأسلامية عموماً كان الطابع الثيوقراطي للحكم ، وفيها مزج وتشابك بين الدين والسلطة ولا تلوح في الأفق القريب دلائل تنبئ بفصلهما .

ولكي لا نتيه في متاهات هذا الموضوع الشائك ننتقل الى الحالة العراقية ، إذ بعد سقوط الحكم الملكي في العراق ، بدأت الأحداث الدراماتيكية تعصف في الحياة السياسية والأجتماعية لهذا البلد .

ـ التيار اليساري الذي استقطب الشارع العراقي يومئذِ ، وكان الحزب الشيوعي العراقي يمثل العمود الفقري لهذا التيار ، لكن هذا التيار لم يفلح في تسلم السلطة في العراق ، ولسنا في صدد التطرق الى الأسباب .

ـ لكن التيار القومي الذي كان يتزعمه حزب البعث ، ورغم ضعف رصيده في الشارع العراقي فقد استطاع بالتعاون مع جهات خارجية من تدبير انقلاب عسكري واستلام السلطة في العراق في شباط عام 1963 م . ورغم انتقال السلطة عن طريق الأنقلابات العسكرية ، فإن الخطاب القومي العربي كان عنواناً بارزاً لهذه السلطات ، لكن انقلاب تموز عام 1968 وضع حداً لهذه الأنقلابات ، فيشهد الوضع الأجتماعي والسياسي العراقي نوعاً من الهدوء والأستقرار ، وينتعش الأقتصاد العراقي ويرتفع مستوى المعيشي للفرد . لكن هذا الوضع تغير بعد انتصار الثورة الأسلامية في ايران في عام 1979 ورفعها شعار تصدير الثورة ، ونشوب الحرب بين البلدين الجارين عراق وأيران ، وكان الشعار الذي رفعه العراق هو : كل شئ من أجل المعركة ، فيدفع ثمنه الشعب العراقي من قوّته البشرية ومن ثرواته الوطنية .

إن العراق رزح تحت وطأة حكم دكتاتوري قومي شمولي ، ولم يكن في العراق قوة معارضة داخلية تتصدى للحكم وتقدر على اسقاطه ، لكن بمساعدة قوات التحالف وفي مقدمتها الولايات المتحدة ، كان يوم 9 نيسان عام 2003 يوماً مشهوداً في تاريخ العراق ، حيث ثم القضاء على الحكم الدكتاتوري .

الى هنا كل شئ يسير على ما يرام ، ولكن ... حالما سقط الحكم كانت الأحزاب الدينية قد شمرت عن ساعدها لكي تظفهر بحصة الأسد من الكعكة على الساحة السياسية العراقية .

إن التيار الليبرالي الذي اعتمد النهج السلمي والأسلوب الديمقراطي في التعامل والعمل بين الجماهير أزيح عن الساحة السياسية بقوة التيار الديني الذي اكتسح الساحة السياسية العراقية ، إذ ان هذا التيار لا يؤمن بالأقناع والعمل السياسي السلمي والمدني ، لذلك أفرزت العملية الديمقراطية في العراق حكماً ثيوقراطياً .

اصبح العراق ظاهرة إحيائية دينية بثقلها السياسي والأجتماعي والطقوسي ، وكانت أولى نتائج الصحوة الدينية هذه ، إذكاء نار الحقد الطائفي والديني بين أبناء الشعب العراقي الواحد ، فكان الخطاب الديني الشرعي الذي يعبر عن حقائق أزلية ثابتة لا تقبل التغيير عبر الزمكانية . وهكذا بعدما خرج العراق من نفق الحكم الشمولي القومي كان قدره ان يلج نفق الحكم الثيوقراطي المتكئ على المقدس في خطابه .

في الحقيقة إن رجال السياسة في العالم الأسلامي عموماً والعالم العربي خصوصاً يهابون جانب رجل الدين وغالباً ما يغازلون الخطاب الديني فيتجملون بالرداء الديني ، وقد رأينا الحملات الأيمانية للحكم السابق بقصد مغازلة الخطاب الديني وتجارب الأحتماء بالدين من أجل تمرير إجراءات سياسية والأمثلة كثيرة في الوطن العربي .

سوف لا يكون لنا تحفظ إن كان الحكم الثيوقراطي الديني يلبي مطالب الشعب العراقي ببناء وطنه وتقديم الخدمات الحياتية الضرورية له واستتباب الأمن والأستقرار في ربوعه ، لكن الحكم الديني الذي تسلم الحكم بعد الأنتخابات كان أبعد ما يكون عن تلبية مطاليب الشعب العراقي ، وفشل فشلاً ذريعاً في قيادة سفينة العراق نحو مرفأ السلام والوئام والأمان .

بدلاً من الأحتكام الى منافسة أحزاب سياسية في جو من الديمقراطية والحرية ، لجأوا الى تشكيل ميليشيات عسكرية دينية ، كل واحدة من هذه التنظيمات تأخذ اوامرها من مسؤوليها وتطبق أجندتها على العراقيين بقوة السلاح دون حساب أي اعتبار لهيبة الدولة والحكومة التي انتخبها الشعب .

وعوضاً عن تمجيد واحترام الهوية العراقية الموحدة التي تجمع العراقيين ، بعثت الأحقاد الدينية ، وأذكيت نار الحقد الطائفي والديني والسياسي في المجتمع العراقي فكانت عنواناً للعنف الطائفي والقتل والذبح والخطف والتشريد لأبناء العراق من مختلف الملل والنحل ، كما أصبحت ثروات العراق العامة هدفاً مستباحاً لأصحاب النفوذ ، ويجري السباق على نهبها .

وهكذا طفق العراق غابة للميليشيات وللفصائل المسلحة كل يريد ان يفرض بقوة السلاح أجندته ورؤيته على الناس المساكين ، فلا مكان للنقد السياسي ، ولا مجال للمناقشة او إفحام الحجة بالحجة ، فالفكر والرأي يقابلان بطلقة في الرأس ، وكفى المؤمنون شر الجدال .

يحتفظ الفرد المواطن في الدولة العلمانية بحقوقه كاملة مهما كان دينه او لونه او مذهبه ، لكن تنعكس هذه المعادلة في الدولة الثيوقراطية فهي فوق الفرد والمجتمع لأنها ظل الله على الأرض .

الملف السياسي العراقي بحاجة الى حكومة ليبرالية علمانية نابذه لكل انواع الأصطفافات الطائفية والدينية ، وتحتل مكانها المهيب في الوطن العراقي ، وأن يكون القانون سيفاً مسلطاً على رقاب الجميع دون تمييز . أما الدين فيبقى مرجعية محورية للقيم والأخلاق والتسامح والمحبة بين العراقيين ، بدلاً من استغلاله وتوظيفه لتمرير المصالح الأنانية الحزبية الضيقة .

حبيب تومي / اوسلو

Opinions
الأرشيف اقرأ المزيد
اعتقال 18 شخص مشتبه بهم قرب جامع في بغداد نركال كيت/ اعتقلت القوات العراقية وقوات التحالف 18 شخص مشتبه بهم اليوم السبت في عملية استهدفت تنظيم القاعدة قرب جامع ام القرى بيان صادر عن وزارة الداخلية العراقية حول عملياتها الامنية والعسكرية شبكة اخبار نركال/NNN/ اصدرت وزارة الداخلية العراقية بيانا حول عملياتها العسكرية والامنية وفيما يلي نص البيان: يشوع هداية شهيد الوطن العراقي يشوع مجيد هداية شخصية عراقية اصيلة ، كانت له طموحات متواضعة لتحقيق أمل العراقيين من السريان بان يكون لهم اسماً مذكوراً في الدستور العراقي ، وأن يكون لهذه الشريحة العراقية الأصيلة ( السريان ) مكانة على الخارطة السياسية العراقية منتظر الزيدي يُرمى بالأحذية في باريس و الخيّاط يصرخ "هذه قبلة الاشتياق" شبكة اخبار نركال/NNN/ اتجاهات حرة – خاص – باريس / قام الصحفي العراقي سيف الخياط، برشق فردتي الحذاء باتجاه الصحفي العراقي الآخر منتظر الزيدي، و ذلك خلال
Side Adv2 Side Adv1