Skip to main content
تصاعد الدعوات لإنقاذ أطفال العراق من الكارثة Facebook Twitter YouTube Telegram

تصاعد الدعوات لإنقاذ أطفال العراق من الكارثة

المصدر: صحيفة القدس العربي

مصطفى العبيدي

تتصاعد دعوات إنقاذ الطفولة في العراق من أوضاعها الكارثية، من قبل منظمات وهيئات إنسانية واجتماعية محلية ودولية، بعد تصاعد مؤشرات تدهور أوضاع حقوق الأطفال وتفاقم الانتهاكات التي يتعرضون لها، وسط عجز الحكومة وإهمال البرلمان لإقرار قانوني حماية الطفل وحماية الأسرة.

ولا يمر يوم إلا وتعلن السلطات الأمنية العراقية، عن المزيد من حالات القبض على شبكات «خطيرة» مختصة بالإتجار بالبشر، وإلقاء القبض على العديد من الرجال والنساء أثناء قيامهم ببيع أطفال بمختلف الأعمار، إضافة إلى ملاحقة تجار البشر الذين يقومون باستغلال الأطفال في مختلف الأغراض غير القانونية.
فقد أكدت النائبة سهام الموسوي عضو لجنة المرأة والأسرة والطفولة النيابية، أن مؤسسات الدولة المعنية بالأطفال والمشردين لا تتلقى الدعم الكافي، وحذرت من عصابات تستغل الأطفال.
وقالت الموسوي في حوار تلفزيوني، تابعته «القدس العربي» قبل أيام، إن» قانون حماية الطفل تمت قراءته قراءة أولى في البرلمان، وكانت هناك اعتراضات عليه من قبل بعض الجهات السياسية ما أدى إلى توقف إكمال قراءته». وأقرت أن «هناك استغلالا للأعمار الصغيرة من قبل عصابات منظمة، تقوم باستخدام الأطفال في عمليات التسول وتجارة المخدرات والبشر، وكثير من القضايا التي تديرها العصابات المنظمة الموجودة في العراق حاليا».
وطالبت الموسوي الحكومة «بالبدء بخطوات أولى لمعالجة هذا الملف الخطير الذي يمس بناء المجتمع والأسرة، لاسيما أن هناك الكثير من الجيل الحالي وتحديداً الأطفال هم متسربون من المدارس ويتعرضون لشتى أعمال العنف وبينها أعمال غير أخلاقية، ما ينذر بنشوء جيل خطر وغير متعلم داخل المجتمع» محذرة من انه «قد تكون لدينا أجيال تمتهن قضايا خطرة على المجتمع مثل تجارة المخدرات والتحرش الجنسي».
وأشارت النائبة إلى أن» مشهد وجود الأطفال عند إشارات المرور والتقاطعات وأماكن متعددة في العاصمة بغداد والمحافظات أصبح ملاحظا، إضافة إلى قيام البعض منهم بعمليات سرقة، وبالتالي من الممكن أن يمتهن هؤلاء الأطفال الكثير من المهن الخطرة على المجتمع».
ونبهت إلى أن» هناك مؤسسات في الدولة تعنى بالأطفال والمشردين لكنها غير مدعومة بشكل كبير، كما انها عرضة للخروقات والاستغلال، بسبب غياب الرقابة عليها». وشددت على «ضرورة أن يتم تأهيل الأطفال من قبل الدولة، وتعليمهم مجموعة مهن ومراقبتهم بغية إنشاء جيل منهم يكون مفيداً للمجتمع».
د. ندى محمد الجبوري رئيسة منظمة المرأة والمستقبل والعضوة السابقة في البرلمان، أكدت لـ«القدس العربي»: انه «مع ازدياد معدل العنف الأسري، ازداد العنف ضد الأطفال وخاصة الأطفال في الأماكن الهشة والعائلات المنفصلة، أو في الاسر الفقيرة، أو التي فقدت المعيل الوحيد لها» مؤكدة «ضرورة تعاون المجتمع والأسرة والحكومة لحماية الأطفال، وضرورة إصدار تشريعات قانونية تحمي الطفل والأسرة، مع التركيز على أهمية المدارس ومعالجة مواطن الخلل فيها وأبرزها التسرب الواسع منها».
وترى الجبوري، أن أزمة الأطفال في العراق من الأسباب التي تهدد المجتمع والسلم الأهلي في المراحل المقبلة، ولذا يحتاج الأطفال إلى رعاية كبيرة تبدأ من البيت ، ثم المدرسة والمجتمع، وهناك حاجة إلى مراقبة من الهيئة التربوية لحياتهم في البيوت، لأن الطفل صانع المستقبل وباني هذا الوطن وعلينا رعايته والاهتمام به، داعية إلى «تعليمهم وإيجاد المهن لهم في حالة عدم إكمالهم الدراسة».
وأشارت إلى ظاهرة خطيرة وهي تسرب الطلاب من المدارس وخاصة في المراحل الابتدائية كما رأينا أثناء النزوح من المناطق المحتلة من داعش وبعد تحريرها وعدم العودة إلى المدارس، إضافة إلى انتشار العمالة المبكرة للأطفال بعيدا عن مقاعد الدراسة.
وعن الحلول الممكنة لكارثة الطفولة في العراق، تذكر الجبوري «ان مجلس النواب في طور إعداد قانون لحماية الطفل، وقد ساهمنا في جلسات الاستماع لمناقشات القانون لضمان عدم افراغه من محتواه، خاصة ان الدستور كفل حماية الطفل، إضافة إلى توقيع العراق على الاتفاقيات الدولية حول حماية حقوق الطفل» ولكن دون تنفيذها مع الأسف.
وشددت الجبوري على أهمية التربية والتعليم لبناء طفولة سليمة من خلال توفير الأموال الكافية للمدارس ولرعاية الأطفال ودعمهم وخاصة ممن يقعون ضمن الفئات الفقيرة والذين تركوا المدارس وفاقدي المستقبل، مبينة ان «من أهم الخطوات الصحيحة لحماية الطفل هو تشجيع الأمهات لمنع أولادهن من التسرب من المدارس». وأكدت النائبة السابقة على واجب الحكومة والمجتمع لحماية الأطفال، قائلة إن «علينا حمايتهم من الوقوع في أيدي عصابات الجريمة المنتشرة في كل المدن، والتي تمارس تجارة المخدرات والإتجار بالبشر وإدارة التسول وتجارة الأعضاء، إضافة إلى حمايتهم من العمالة المبكرة، وهذه كلها عوامل تحرم الطفل من حقوقه الأساسية الصحيحة» حسب قولها.

جيل قادم مهدد

ومن جهتها حذرت شيرين الخزاعي عضو هيئة رعاية الطفولة في وزارة العمل والشؤون الاجتماعية، من أن البلاد أمام منعطف خطير يُهدد مستقبل جيل بأكمله، مشيرة إلى افتقار الطفل للبيئة التربوية السليمة، ووقوعه ضحية أخطاء مجتمعية وأسرية بحتة.
وأكدت الخزاعي، إن «الطفل في العراق يحتاج إلى بيئة تربوية سليمة، الأمر الذي نفتقده في معظم الأحيان، لذلك يقع ضحية أخطاء مجتمعية وأسرية بحتة، منها ارتفاع نسب الطلاق والفقر وعمالة الأطفال».
وحذرت من «نحن الآن أمام منعطف خطير يهدد مستقبل جيل بأكمله، حيث أن هذه المشاكل تنعكس بشكل مباشر على نفسية الطفل، وتجعله عرضة للانزلاق نحو الانحطاط والتدني الخُلقي، بل تدفع بالأطفال للاتجاه نحو أساليب منها تناول المخدرات والكحول والسرقة وما إلى ذلك».
ونوهت إلى «أن عدد الأطفال المشردين أو الذي يعيشون في بيئة معقدة، نسبهم مرتفعة جداً خاصة في الآونة الأخيرة، ما يتطلب البدء بعلاج هذه المشاكل بداية من الأسرة ومن ثم المجتمع، فالأسرة والمجتمع عليهما ان يوفرا العيش الكريم للطفل، والبيئة التربوية المناسبة لتنمية ثقافة الطفل، فضلاً عن إطلاق حملات ثقافية توعوية لإرشاد الأطفال إلى جادة الصواب».

التحذيرات الدولية

ونتيجة لتنامي ظاهرة انتهاك حقوق الطفل في العراق وغياب دور الحكومة، فقد انبرت العديد من المنظمات الدولية للتدخل لإنقاذ الطفولة من أوضاعها الكارثية.
وتقرير اليونسيف الموسوم «25 عاما من الأطفال والنزاع المسلح» في 28 حزيران/يونيو 2022 أشار إلى أوضاع الأطفال في العراق، مبينا «أن العراق واحد من أعلى ثمانية بلدان في العالم من حيث عدد الأطفال المحتجزين نتيجة للنزاعات المسلحة».
وكشف التقرير «يبقى الأطفال من الأسر الأكثر فقرا، والأطفال الذين لديهم وضع أو سمة محددة كاللاجئين، وأطفال النازحين، وغيرهم، يبقون أكثر عرضة لمخاطر الانتهاكات الجسيمة» وحسب التقرير، فإن البيانات المصنفة بحسب الجنس، تشير إلى حالات مؤكدة من الانتهاكات الجسيمة قد أثرت بشكل بالغ الأثر على الأولاد، وأن الطفل الواحد قد يتعرض للعديد من الانتهاكات في الآن نفسه. كما ورد في التقارير توثيق العديد من حالات اختطاف الأطفال، وتهريبهم قسراً عبر الحدود، لأغراض التجنيد والاستخدام، أو الاستغلال الجنسي، فضلا عن ممارسات زواج الأطفال والاستغلال الجنسي التي استخدمتها المجاميع المسلحة على نطاق واسع.
وكانت منظمة الأمم المتحدة للطفولة «يونيسف» في العراق، أعلنت ان نحو 90 في المئة من الأطفال العراقيين لا تتاح لهم فرصة الحصول على تعليم مبكر، وان إكمال المرحلة الابتدائية بين أطفال الأسر الفقيرة لا يتجاوز 54 في المئة. فيما أشارت دراسة لليونيسف ان 81 في المئة من الأطفال في العراق تعرضوا للتعنيف الجسدي أو النفسي. وتشير إلى أن الأسر تميل لضبط سلوك الأطفال من خلال معاقبتهم. ولذا يعد العراق ضمن أخطر 10 دول لعيش الأطفال في العالم، وفق تقرير أصدرته منظمة «أنقذوا الأطفال» المعنية بحماية حقوق الأطفال.
ولا يختلف المراقبون والأوساط الشعبية على تقصير الحكومة والبرلمان في حماية الطفولة في العراق، رغم توفر جميع الامكانيات المادية والبشرية لديها. ولا شك ان تدهور أوضاع الطفولة في العراق هو جزء مهم وخطير ضمن الانهيار الشامل في البلاد، والذي انعكس عبر ظواهر خطيرة على المجتمع ابرزها التسرب من المدارس وازدياد الامية ، وازدياد العنف ضد الأطفال باعتبارهم الفئة الأضعف، واستغلالهم من قبل عصابات الإتجار بالبشر والمخدرات والتسول. في وقت يبدو فيه ان أحزاب السلطة لا تعير اهتماما لهذا الموضوع رغم أهميته وخطورته بدليل عرقلتها تمرير قانون العنف الأسري وحقوق الأطفال في البرلمان منذ سنوات بالرغم من المناشدات المحلية والدولية لاقرار تلك القوانين الحيوية، ورغم الارتفاع المتواصل لمعدلات الضحايا من الأطفال، والتداعيات الكارثية على المجتمع لظاهرة انتهاك حقوق الأطفال.

Opinions