Skip to main content
تنامي العنف الأسري في العراق .. بين العوامل الاجتماعية وقصور المنظومة القانونية Facebook Twitter YouTube Telegram

تنامي العنف الأسري في العراق .. بين العوامل الاجتماعية وقصور المنظومة القانونية

المصدر : باس نيوز

تشير الإحصاءات والبيانات الرسمية الإقليمية والدولية، إلى أن العنف الأسري في العراق هو ظاهرة متنامية ومقلقة، وأن النساء والأطفال هم الأكثر تضررا منها. بعض المصادر تشير إلى أنه تم تسجيل 5 آلاف حالة تعنيف للنساء في بغداد وبقية المحافظات في عام 2021، و16.861 حالة عنف أسري في عام 2019. كما تشير إلى أن العراق يفتقر لقانون ضد العنف المنزلي، وأن هناك تجاذبات حول مشروع قانون الحماية من العنف الأسري الذي لا يزال معلقا في مجلس النواب. بالإضافة إلى ذلك، يوجد نقص في الملاذات الآمنة والمحاكم المختصة والخطط الوطنية لمكافحة هذه الظاهرة.

أرقام وبيانات

وفقاً لمجلس القضاء الأعلى، سجلت المحاكم العراقية خلال عام 2021 نحو 18602 حالة عنف أسري ضد النساء، و 1141 حالة ضد الأطفال، و 2622 حالة ضد كبار السن. وفي النصف الأول من عام 2022، بلغت حالات العنف الأسري 10143 حالة، منها 500 حالة ضد الأطفال، و 7947 حالة ضد النساء، و 1696 حالة ضد كبار السن. وكانت محافظة بغداد تحتل المرتبة الأولى في عدد حالات العنف الأسري، بينما كانت محافظة كركوك تحتل المرتبة الأخيرة.

وتشير دراسة إلى أن معدل العنف الأسري ضد الأطفال في العراق بلغ 19.6 لكل 100000 طفل في عام 2020، وأن نسبة التعنيف كانت أعلى للإناث (54.1%) منها للذكور (45.9%)، وأن هناك تباين مكاني وبيئي في نسب التعنيف.

وفي مجال العنف الأسري، فإن العراق يشهد نسب عالية من هذه الظاهرة، حيث أظهرت دراسة أجرتها منظمة الصحة العالمية في عام 2017 أن 36.4% من النساء المتزوجات في العراق تعرضن للعنف الجسدي من قبل زوجهن، و19.8% تعرضن للعنف الجنسي، و83.7% تعرضن للعنف النفسي.

كما أظهرت دراسة أخرى أجرتها منظمة ساندها لحقوق المرأة في عام 2020 أن 67% من الأطفال في العراق تعرضوا للعنف الأسري، سواء كان عنف جسدي أو نفسي أو جنسي أو اقتصادي.

ترتيب العراق من حيث العنف الأسري عربياً ودولياً

وإذا ما قورن العراق مع دول عربية أخرى، فإنه يحتل مكانة متدنية في مجال مكافحة العنف الأسري، حيث إن بعض هذه الدول اتخذت خطوات إيجابية في هذا المجال، مثل إصدار قوانين خاصة بحماية المرأة والطفل من العنف، أو إلغاء أو تعديل المواد القانونية التي تبرر أو تخفف من مسؤولية المعتدين، أو إنشاء محاكم وملاذات وخدمات خاصة بضحايا العنف.

وبحسب التقارير المتوفرة ، فإن دول عربية مثل المغرب وتونس والأردن ولبنان والبحرين والإمارات قد سبقت العراق في هذه المجالات، بينما لا يزال العراق يفتقد إلى قانون ضد العنف المنزلي، رغم تصويت الحكومة على مسودة مشروع قانون الحماية من العنف الأسري في عام 2020.

وفقاً لتقرير منظمة الأمم المتحدة للمرأة، فإن العراق يحتل المرتبة 147 من أصل 189 دولة في مؤشر المساواة بين الجنسين لعام 2021. وهذا يعني أن المرأة العراقية تواجه تحديات كبيرة في مجالات التعليم والصحة والسياسة والاقتصاد والأمن.

أسباب تنامي العنف الأسري في العراق:

- الأزمات السياسية والأمنية والاقتصادية التي تؤثر على الاستقرار النفسي والاجتماعي للأسر.

- ضعف المنظومة القانونية وعدم وجود قانون ضد العنف المنزلي أو تفعيله بشكل كافٍ.

- تأثير الأعراف والعادات العشائرية والدينية التي تبرر أو تغطي على حالات العنف ضد المرأة أو الطفل.

- نقص الملاذات الآمنة والمحاكم المختصة والخطط الوطنية لمكافحة هذه الظاهرة.

- فقدان الثقة بين أفراد العائلة والخلافات الزوجية أو الأسرية.

- الإفراط في المشروبات الكحولية أو المخدرات.

قصور المنظومة القانونية في العراق

من الممكن أن نقول بشكل عام أن المنظومة القانونية العراقية تحتاج إلى تطوير وتحديث للحد من ظاهرة العنف الأسري، وخاصة ضد المرأة، التي تعاني من نسب عالية من التمييز والإهمال والإساءة، وفقاً لبعض المصادر، لا يزال العراق يفتقر إلى قانون ضد العنف المنزلي، رغم تصويت الحكومة على مسودة مشروع قانون الحماية من العنف الأسري في عام 2020، حيث لا يزال المشروع ينتظر المصادقة في مجلس النواب وسط تجاذبات حادة حوله تشريعياً وسياسياً.

كما أن القانون العراقي يسمح للأزواج والآباء بـ «تأديب» الزوجات والأولاد ضرباً، بحسب المادة 41/أ من قانون العقوبات رقم 111 لسنة 1969. وهذه المادة تتعارض مع حقوق المرأة والطفل كما هي مكفولة في الدستور العراقي والمواثيق الدولية.

وليس هذا فحسب، بل إن المرأة تواجه صعوبات كبيرة في الإبلاغ عن حالات العنف أو التقدم بالشكوى ضد معنفها، نظراً للضغوط الاجتماعية والثقافية والدينية التي تفرض عليها سكوتها أو التسامح مع المعاناة، خشية من فضح شرفها أو تفكيك أسرتها أو تهديد حياتها. كما أن المرأة تجد نفسها في مواجهة نظام قضائي غير مؤهل للتعامل مع قضايا العنف الأسري بشكل فعال وحمائم، حيث تفتقر إلى محاكم خاصة بالأسرة أو ملاذات آمنة أو خدمات قانونية وصحية ونفسية متخصصة. وغالباً ما تُخضَع المرأة لإجراءات إثبات صارمة أو شروط شهادة قاسية أو عقوبات رادعة ضد معنفها.

ولذلك، فإن هناك حاجة ماسة إلى إصلاحات جذرية في المنظومة القانونية العراقية لمناهضة العنف الأسري، وتشمل هذه الإصلاحات:

- إلغاء أو تعديل المواد القانونية التي تبرر أو تخفف من مسؤولية المعتدين على المرأة أو الطفل، مثل المادة 41/أ من قانون العقوبات أو المادة 128 من قانون الأحوال الشخصية.

- إقرار قانون الحماية من العنف الأسري بشكل عاجل وبما يتوافق مع المعايير الدولية لحقوق الإنسان، وتحديد مفهوم وأشكال وأسباب وآثار وعقوبات العنف الأسري، وتحديد آليات وإجراءات للوقاية منه والتصدي له والمساءلة عنه.

- إنشاء محاكم خاصة بالأسرة تتولى التحقيق والمحاكمة في قضايا العنف الأسري، بما يضمن سرية وسرعة وعدالة المعاملة، وتدريب القضاة والمحامين والمحققين على التعامل مع هذه القضايا بشكل مهني وحساس.

- إنشاء ملاذات آمنة لضحايا العنف الأسري، توفر لهم حماية وإيواء وإغاثة وإعادة تأهيل، وتضمن حقهم في التعليم والصحة والعمل والمشاركة.

- توفير خدمات قانونية وصحية ونفسية مجانية أو رخيصة لضحايا العنف الأسري، تشمل المشورة والدعم والإرشاد والعلاج.

- توعية المجتمع بخطورة ظاهرة العنف الأسري على حقوق المرأة والطفل والتنمية البشرية، وتغيير الثقافات والمفاهيم التي تبرر أو تستهين بهذه الظاهرة، وتشجيع المجتمع على التبليغ عن حالات العنف أو التدخل لإيقافه.

Opinions