ثرثرة في زقاق إفتعال الأزمات
يقول الماركسي الأوكراني الشهير ليون تروتسكي(ليف دافيدوفيتش برونشتاين),إنّ أنواع الثرثرة حول عدم نضج الشروط الموضوعيه للإشتراكية ليست إلا حصيلة الجهل أو ضرب من الخداع الواعي.حين لا يعير الإنسان أية أهميّة لمستوى عقلية المتلّقي ولا لقيمة الوقت ألذي يضيعه في الكلام الإنفعالي والإجترار الممل فقط ليفرغ ما إحتبس في دواخله من توترات وقتية وهموم مزاجيّه , يكون في ذلك قد عزل كيانه بشكل طوعي عن سلطان العقل ألذي يتحكّم في تنظيم فعالياته الحياتيه , أي أنها ظاهرة تفقده حالة الإتزان الطبيعيه المثمره وتقللّ من مصداقيته كي تحيله بالتالي إلى ماكنة خاوية من أي مادة أولية للتصنيع وهي تدور بعتلاتها و أذرعها اّكِلَة ً من جسد أجزائها لا تقذف لنا سوى برادة إعتدنا أن نسميّها نفايات واجب علينا التخلّص منها.
ألثرثرة ظاهرة يعتبرها المفكرون من إحدى مشاكل الإنسان على مرّ العصور, وعصرنا اليوم لم يفلت منها , لذا دأبت بعض الاراء التي تحترم الزمن وعطاء الإنسان وبكل جرأة إلى فرض قانون يعاقب فيه الثرثارين الذين يضيعّون ساعات الوقت في الحديث مع الأخرين أثناء العمل وتأدية الواجبات.
وفي نفس الوقت , فقد أكدّت دراسات بحثية منها التي أجريت في جامعة أوكسفورد بأنّ الثرثرة يمكن ان تكون مفيده للصحة حيث تطيل أعمار الذين يمارسون الثرثرة المعقوله ألتي تزيد من علاقاتهم الإجتماعيه وتخفف عن هموهم.
.
لكن في مجال السياسة واعرافها و هكذا في حقول علم بناء المجتمعات المتقدمّه ,كما في تعليق تروتسكي حول الثرثرة وإنضاج مستلزمات الإشتراكيه , فالأمر مختلف تماما, لأنه عندما يزعم السياسي التقدّمي إندفاعه الواعي بإتجاه تبّني مهمّة محاربة الفساد والإستغلال وتحرير الإنسان , يتحتمّ عليه المبادره والعمل بدأب على كسر القيود ألتي صاغها العقل الديكتاتوري و فرضها الفكر القبلي و العشائري الذي يستمد قوته التسلطيّه من إستباحة وتبرير فكرة إستعباد الناس وإعتبار إستملاكهم ضمن مقاطعته هي إرادة فوقيه لايحق للذي دونها أن يناقشها, من هذا المنطلق نقول لكي يكون السياسي صادقا في طرح جهده كي يحذو حذوه الاخرون, يفترض به أن كان بحق يحترم عقول الناس و تحاشي الوقوع في فخ الثرثرة ألذي يوقعه في متاهات تقديس الطغاة بدلا من إعلان حملته ضد كل من يستفرد ويستغل موارد وقوت الشعب , على إعتبار أن الشعب ألذي جرّب وعانى من قاهري حقوقه في إفتعال الأزمات وتصنيع الكوارث, له همّ واحد ومشترك وهو السبيل الحقيقي للتحرر من أغلال هذا الظالم ألذي أجاز لنفسه ركوب صهوة الإنتقام وليس صهوة نجاة المظلومين , لأن عنجهيته(الظالم) وشهوته التسلطيّه لن تمنحه أي لحظة من التفكير بمصير شعبه سوى التكرار الممّل والمغلوط لإسطوانة المظلوميه الأحادية المشروخه , لذلك نرى أن ما يستهوي القائد المستقوي بمظالم شعبه هو تصديه لأي محاولة إصلاحية حقيقية تشكلّ سببا يفقده أو يضعفه في إحكام قبضته ومسكه لرأس الخيط , سواء أنطلقت المحاولة أو الصرخة من داخل مقاطعته العشائرية أو من شرائح أخرى خارجية أو مجاوره , وما إصراره على محاربة كل من يتجرأ على النقد أو الترويج لأي نهج ديمقراطي وتحرري, سوى الملاذ الوحيد ألذي لن يرى في سواه ضالّته المفقوده ,ومثل هذه المهام الملتويه لابد أن توكل لها واجهات كارتونيه مؤدلجة بفعل الدراهم ألتي تمكنّها من نشر إعلام قوي لإقحام تعابير عصرية تستخدم كأقنعة تسهلّ عملية التوغل والإندساس ثم إقتناص و إسكات أي صوت شعبي يصدر هنا أو هناك.
الإتهامات العشوائية و محاولات تبرير الظاهرة السلبية في وصفها بأنها إجراءات حيطة وحذر ضد نظرية التأمر والحقد الوهمي المقابل , مثل هذه التبجحات هي من صلب الأدوات ألتي يستخدمها المتخمون بشوفينية الأفكار والغارقون في قدسية الإنتماء القومي الضيق أو الديني ألذي يملي عليهم فريضة تأليه الكاريزمة المشايخية والروحية ,و من أجل فرض قاعدة تحريم نقد الرمز الخالد والبطل المغوار وإحلال نظرية ضرورة التوريث لأبن الرمز ونجل البطل, ولهذا توصلهم التخبطات إلى الحد ألذي تجتاز الثرثرة فيه حدودها القصوى إلى درجة سفاهة الإعلان عن ضرورة قمع المختلف معهم وكيل شتى الإتهامات الجزافيه للمنبر أو الموقع ألذي يفتح ابوابه أمام طرح البدائل ورفع المظلوميات المستجدّه.
ألنقد البنّاء له مقوماته وأصوله,و هو ملح الكلام الذي يعطي الطعم المستساغ للكلمة حين يكون الغرض منها إنجاح العمل الإنساني وتطويره , ومن يرفض النقد المعتدل أو يفرض عليه ما تشاءه كراسي المشايخ والطغاة ,عليه الإسراع إلى تصليح الخلل ألذي في داخله, أمّا الذي يتبجح بمبدأ حرية الرأي كي يشتم ويسب ويتهم كما يفعلها البعض من المهلوسين , فننصحه بالبحث عن مصح يداوي له مرضه قبل أن يستفحل وينتشر ليغدو طاعونا يفتك بالأخضر واليابس .
يؤسفنا القول بأنّ أقلام البعض من المحسوبين على النخبة المثقفة من مختلف أطياف شعبنا العراقي , قد ذهبت بهم ثرثرة أقلامهم من رغبة ممارسة هواية التزحلق إلى إختيار خطيئة المنزلق العبثي كوسيلة مفضلّه لن تجني منها الشعوب المظلومة سوى المزيد من التسويف والتهميش للقضية الأساسية , متناسين بأن الأمس القريب كان أدمغ مثالا لما ألت إليه فبركات دعاة تسلّط القومية الواحدة , فعلام كل هذا الإستخفاف بعقول أبناء شعبنا, وعلام كل هذه الحماسة في الدفاع عن سلطات الذين إستعانوا بجيش الطاغية صدام في تكرار قتل المظلومين وقمع أصواتهم؟ أليست هذه هي الثرثرة ألتي يتكلم عنها وليم تروتسكي بعينها ؟عقول سمجة لكنها تتزيّن بمصطلحات العصر كي تستغفل بني البشر , هذا التصرّف هو بعينه الذي يتجسد في تلاقي كتابات أمثال السيد(.......) الكردي , والأخر(.........) المحسوب علينا بالأشوري لتكتمل من هاتين الحالتين صورة غير إنسانية مولّدة ً أزمة مفتعله جراء ممارسة الثرثرة . مثل هذه النماذج الطارئة ألتي إعتادتها المجتمعات على مر العصور كما أشرنا أعلاه , لم نعد نرى أو نقرأ في ثنايا طروحاتها أي همّ أو إهتمام سوى مهنة إجادة إقتناص الفرصة للقذف والشتم وكيل التهم والتلفيقات لهذا الموقع أو تلك الحركة السياسية أو لتلك الشخصية!!! كيف تكون الثرثرة إذن؟؟؟.
على جيلنا الذي إختلطت عليه معايير وسبل تحقيق التغيير الأمثل ما بين مدّع ٍ بالديمقراطيه والتحرر وبين مثابر مخلص في تحقيق واجبات إحترام قيم ومعاني الحرية , علينا جميعا ومن دون أي إستثناء أن نعي جيدا بأن تحميل الأخر منيّة العيش هو رقص على الجراح, وإنّ زمن التلويح بالعصى الغليظة أثناء التكلّم عن الديمقراطيه والحرية لابدّ له ان يزول مع زوال أبطاله القرقوزيين وسماسرته النفعيين , وتتابع أحداث الساعة أثبتت وستثبت المزيد من إصرار الشعوب وتضحياتها من أجل دحر المتطاولين والمستغلّين لجروح وألام الشعوب .