Skip to main content
Facebook Twitter YouTube Telegram

ثلاث اخوات


مساء الأحد 16 – 3 - 2008 , كنا جان ياقو ودافيد روئيل وأنا , نشرب القهوة كعادتنا عند نهاية الاسبوع في مطعم وحلويات ( Heart to Heart ) . في ميريلاندس – سدني .
في جلساتنا دائما نتحدث ونتحاور ونناقش المسائل التي تتعلق احيانا بقضايانا الآشورية , وحينا عن موضوع الايمان والحياة والكون . تمر علينا ساعات وكأنها لحظات , من خلالها تتكون لدينا نتائج من شأنها أن تساعدنا على تطوير قدراتنا الفكرية والروحية والنفسية .
موضوعنا في هذه المرّة كان يدور حول ( الحكمة ) وعلاقتها في حياتنا , كونها عبر ودروس تفيدنا في اغناء معرفتنا وثقافتنا ووعينا . وحكمة هذه الأمسية كانت قصة يتعلق موضوعها بموضعنا الاساسي الذي كنّا نتحاور فيه حول وجود الله والحياة وهذا الكون اللامتناهي .
كنت اتحدث عن معلمي الأول والأخير في الحياة , يسوع ابن الانسان . وعن عظمة كل كلمة نطق بها للبشر . وللعالم .
انا استمد فلسفتي وايماني ومحبتي من روح كلماته التي لو فرشنا الأرض والسماء, فلن تكفي لتفسير علاقة كل قول نطق به بعلاقة الأحياء والأشياء , لكونها تتناسب مع كل صغيرة وكبيرة في حياتنا . وهنا اريد أن اوضح أنني على يقين تام أن رسالة المسيح ليست ديانة . بل هي ثالوث مقدس ( حب . ايمان . عمل ) وغير هذا هو تلفيق وتضليل من اجل غايات دنيوية لا تمت بصلة الى المفاهيم المقدسة التي وضعها لنا كقانون واحد , الا وهو قانون الحب لكل ما في الوجود . والحب هو البحر الذي تتألف قطراته من الايمان والصدق والعمل الصالح . وبعبارة اخرى أنا ليس لي دين بل لي ايمان , وايماني هو فقط لاغير كل كلمة من كلمات يسوع الآب والأبن والروح القدس ( انو انليل ايّا ) .
وهنا تدخل صديقي جان ياقو ليروي لنا قصة فيها من حكمة تدخل البهجة الى النفس, وتحرض الدمعة في العيون . وتمسح القلب بأنفاس المحبة . طبعا هذه عادة جان ياقو , كلما اعجبه موضوع ما , يأتينا بقصة لها علاقة بموضوعنا . احيانا يكون قد سمعها من والده او امه او من صديق . فيرويها لنا بلغتنا الآشورية المقدسة , اسأله عن كاتب القصة فيجيبني . غالبية القصص تعود الى ازمنة بعيدة ولا يعرف صاحبها , ولأنني اجد في مثل هكذا قصص الكثير من العبر والمعاني . اعود الى غرفتي لأترجمها للقراء الأحبة . كونها تحمل في طياتها حكمة تنفعنا في تأملاتنا و افكارنا واعمالنا .
قبل فترة كنت قد ترجمت اول قصة رواها اخي جان ياقو بعنوان ( لا تحكم على الآخر قبل أن تختبره ) وهي موجودة في موقعنا الغالي خابوركوم , في منتدى ( القصة والنثر والخاطرة ) .
اليكم الحكمة من القصة التي رواها اليوم صديقي واخي جان ياقو , املي أن تنال اعجابكم ورضاكم , مع كل المحبة .


في احدى الغابات كانت هناك ثلاث شجرات قريبة من بعضها , اقتربت الشجرة الكبرى من صديقتها الوسطى وسألتها : مارأيك لو كل منّا تمنّت شيئا لنفسها .
اجابت الشجرة الوسطى , اقتراح جميل , دعينا نسأل صديقتنا الصغرى .
التفتت الشجرة الصغرى وقالت : سمعتك يا عزيزتي , هيا , البداية لك .
تنهدت الشجرة الكبرى , وتمتمت بصوت حالم . اتمنى لو يأتيني احد الحطّابين ليأخذني ويقطعني ويصنع مني الصندوق الذي يحفظ المجوهرات وكل ما هو ثمين , ومن ثم يهديني لجلالة الملك .

ابتسمت الشجرة الوسطى ونظرت الى صديقتها الكبرى وبروح مرحة بدأت حديثها .
انا ايتها العزيزة , اتمنى لو يأتيني حطّاب ويصنع مني سفينة تليق بمقام الملوك والأمراء والرؤساء . هذه امنيتي وارجو من رب السموات أن يحققها لي . الأن ماذا عنك يا صغيرتنا ؟.

رفعت الشجرة الصغرى رأسها الى السماء , وراحت تصلي لرب الحياة وتطلب منه أن يحميها ويطيل عمرها لتكبر وتكبر حتى تصل السماء ليمد الرب يده على رأسها ويباركها .

مرت الأيام وهي تجرخلفها عربة الليالي لتعبر من خلالها بوابة الزمن , وتدخل الى اولى محطات التجربة البشرية , التي غيرت ملامح الظلام , كما غيرت وجهة ووجه التاريخ .
صرخت الشجرة الأولى لشدة الآلام التي نتجت عن قساوة ضربات فأس الحطاب وهو يقطع اوصالها , لكنها في ذات الوقت امتلأت نفسها من الفرح , لشعورها ان امنيتها قد اقترب موعد تحقيقها . لكنها سرعان ما احسّت بالاحباط حين وجدت حطابها يصنع منها مزود ا صغيرا , بدلا من صندوق لكل ما هوثمين .

في هذه الأثناء , كانت هناك فتاة حسناء تحمل في ملامحها براءة السماء وجمال النفس ونقاء الايمان , وكانت تبحث بقلق عن مكان تحمي فيه طفلها الذي ولد مع ولادة فجر جديد .
تأمّل حطاب الشجرة الأولى مشهد الطفل وامه , ثم انحنى مرحبا وقال : ليس لي غير هذه الزاوية المتواضعة . يمكنك استعمال هذا المزود لطفلك .
شكرته الأم من الأعماق وطلبت له المحبة الخير والبركات .

انتقلت الأيام الى المحطة الثانية وهي ما تزال تجر خلفها عربة الليالي.
كبر الطفل وصار شابا يافعا يحب الناس ويخدم الصغير والكبير . وكان يهوى تأمّل البحر والصيادين , حتى كوّن معهم صداقة حميمة .
وفي يوم هادىء وجو ساحر , ذهب الشاب مع رفاقه الى صيد السمك في قارب صغير , فجأة هبّت عاصفة هوجاء انزلت الخوف والرعب الشديدين في نفوس الصيادين . بينما الشاب اخذته غفوة فنام في الزاوية اليمنى من القارب . الكل يحاول انقاذ نفسه من الغرق , الا أن احدهم اسرع الى الشاب ليوقظه قبل أن يلقى حتفه .
وقف الشاب وتأملهم جميعا وابتسم ثم نظر الى البحر ومد يده وبلهجة الآمر نطق : اسكتي ايتها العاصفة وأخفض رأسك ايها البحر, وضم امواجك في صدرك . ..
سكتت العاصفة وسكن البحر.
وكان ذاك القارب قلب تلك الشجرة الوسطى التي احتوت على ما هواثمن من كل كنوز الدنيا .

كان حطاب الشجرة الصغرى قد ملّ من شجرته وهو يحاول أن يصنع منها ما يفيد اعماله اليومية , ولكنه كان في كل مرّة يخفق في الوصول الى مبتغاه , واخيرا رماها في مكان مهجور .

ثلاث سنوات مرّت على حادثة البحر والقارب , والشاب الذي انقذ رفاقه من موت محتم , القي القبض عليه بتهمة تحريض الناس على عقيدة رجال الدين وعلى محاولة تضليل ايمانهم .
الكل راح يبحث عن شجرة ليصنعوا منها صليبا يعلق عليه الشاب ويعدم صلبا حتى الموت .
سمع حطاب الشجرة الصغرى أن من لديه شجرة تصلح لصناعة الصليب , عليه أن يحضرها الى ساحة الاعدام مقابل مبلغ جيد .
تذكر الحطاب شجرته فأسرع واحضرها وقبض ثمنها الذي يساوي ما يعادل ثمن الخائن الذي اسلم معلمه .
وصلب مخلص العالم على تلك الشجرة التي تمنت أن تباركها يد الله .


نحن نتمتى الكثير , لكن الله يحقق لنا ما هو اعظم . بشرط أن نحب بعضنا بعضا .


جان هومه

سدني 19- 3 - 2008
john@johnhomeh.com
www.johnhomeh.com


Opinions