Skip to main content
Facebook Twitter YouTube Telegram

حالات الشيخوخـة

الجزء الثاني

ان علاج الحالات المرضية الطارئة او الدائمة للمسنين تتطلب من الجهد والمال ما لا يتطلبه علاج الحالات المرضية الاخرى في اي مرحلة حياتية اخرى ، وسبب ذلك يعود الى طبيعة الامراض التي يصاب بها المسن ومعظمها امراض متزايدة الشدة ولا تعد بالانفراج ، وقد تستغرق زمنا طويلا ،كما انها تعقد من الحياة النفسية للمسن وتزيد في تعقيدات واقعه العائلي والاجتماعي . ومع اننا في بلدنا العراق العزيز ما زلنا نتحمل امراض المسن ومعاناته ضمن الاطار والمسؤولية العائلية ، الا ان معظم المجتمعات المتقدمة قد تخلت عن هذه المسؤولية وسلمتها الى المجال الاجتماعي العام ، وهذا النمط من تصريف امور المسنين ومشاكلهم اصبح هدفا تسير اليه مجتمعاتنا النامية ، ويبدو انه لا بد لنا من الوصول اليه في زمن غير بعيد . ومع ان هذا التحول في العناية بالمسنين ودفعهم من المحيط العائلي الى المجال الاجتماعي او الصحي بمؤسساته المختلفة فيه دفع عن كاهل العائلة ، وفيه فوائد صحية هامة للمسن ، الا ان هذا الدفع فيه ما ينوه للمسن بالابتعاد عن محيط الحياة الطبيعية العائلية والاجتماعية ، وفيه النذير بانه وصل المحطة الاخيرة لحياته . وقد يكون في ذلك من المعاناة النفسية ما يفوق اي معاناة اخرى تاتي بسبب العجز والمرض .وقد دفع هذا الواقع المصممين لمؤسسات المسنين على الاهتمام بتوفير جو من الحياة للمسنين لا يبتعد كثيرا عن الجو العائلي المالوف من حيث طريقة المعيشة والاتصال الاجتماعي ، وقد ذهبت بعض المؤسسات الى الجمع في نطاق متقارب بين دور العجزة ودور رياض الاطفال مما له ان يشعر المسن بارتباطه مع الحياة منذ بدايتها . اما المعالجة النفسية فان لها فائدتها في علاج الاضطرابات النفسية وحتى العضوية العقلية الناجمة عن تلف في الدماغ . واهم هدف للعلاج النفسي هو اعطاء المسن الشعور بالعطف الذي لا بد ان يدب في نفسه اذا ما حظي برعاية وعناية ولو من فرد واحد في المجتمع . ولهذا الشعور ان ينفي او يؤجل شعوره بالنبذ والعزلة وبانه اصبح عالة وعبثا على غيره حتى اقرب اقربائه . ومثل هذا العلاج النفسي لا يقتضي توفر معالج نفسي متخصص بقدر ما يتطلب فردا يستطيع المسن ان يضع ثقته فيه ويركن بالاطمئنان اليه . ولعل اهم ما يحتاجه المسن في هذه المرحلة هو ان لا يحرم من الاتصال او التماس او التواجد في الاماكن والاشياء والناس والمقربين الى نفسه .كما ان من الخطا حرمانة مما تعود عليه وما يمتعه , على ان لا يكون في ذلك خطورة عليه (كالتدخين مثلا) وفي حدود الاعتدال . ولعل من اكثر الاخطار التي تقع على المسنين هو تغيير مكان سكناهم ,فقد يكون في هذا التغيير صدمة نفسية للمسن تؤدي الىالاكتئاب وتؤذن ببداية الانهيار في مقوماته النفسية والصحية العامة .وسبب ذلك يعود الى قطع الروابط المألوفة في حياة المسن والى عجزه عن تأسيس روابط جديدة. وبالنظرلارتباط مفهوم العمل بمفهوم الحياة في التفكيرالانساني ، فان المسن يجب ان يمكن من القيام ببعض الاعمال التي يستطيعها والتي يشعره انجازها بالفعالية والمقدرة والكفاءة وبالتالي بتقدير النفس . اذ ليس ما هو اشد وقعا على نفس المسن من ان يشعر بانه لا يستطيع القيام باي عمل او ان مساهماته هي عبثية وغير مجدية وقد يلجا الى الانتحار ولنا جميعا امثلة عديدة على ذلك .
ان علاج المسنين بالوسائل المادية لا يختلف عن العلاج بهذه الوسائل في مراحل سابقة من العمر غير ان هنالك بعض نواحي الاحتراز مما يجب الانتباه اليها خاصة عند استعمال الادوية والعقاقير . ومن هذه ان تحمل المسن لهذه العقاقير هو اقل من التحمل الذي كان عليه في فترات سابقة من عمره . ثم ان المسن بسبب الضعف في مقدرته على استقلاب الادوية والتخلص من نفاياتها ، فان هذه الادوية او النفايات تتجمع بالقدر الذي يؤدي الى مضاعفات قد تكون خطيرة لقد جرت محاولات علاجية عديدة هدفت اما لتاخير ابتداء العجز والخرف في المسنين او التقليل من شدة اعراضها والابطاء من سرعة تزايدها . ومن هذه المحاولات استعمال اغذية معينة تقلل من امكانية حدوث تصلب وتشمع الشرايين مثال ذلك استعمال الاغذية التي يتناولها الاسكيمو والذين تقل فيهم مثل هذه الحالات .
ان ما ادركه الانسان حتى الان في موضوع تحسين الصحة العامة وتلافي الامراض وعلاجها ليس بالانجاز القليل ، غير ان مسعى الانسان الدائب للعثور على ما يمنع من عجز الشيخوخة واطالة الحياة لم ينته الى توفيق ، ولعل اقصى ما يستطيع العلم ادراكه في هذا السبيل هو منع عملية التلف الجسمي والعصبي الى اطول مدة ممكنة مما قد يسمح للمسن ان يصل عمره الطويل وهو خال من العلل والامراض المعقدة ، وبهذا تقصر المدة التي تفصل بين عجز الانسان وبين نهاية اجله ، والى ان يكون ذلك ممكنا فان المشاكل العديدة التي تسببها الشيخوخة ستظل معنا ، وربما في تزايد مستمر . وهذا الواقع يفرض ملافاة هذه المشاكل بما تتطلبه من الرعاية والعطف التي يستحقها المسنون لانهم عملوا في حياتهم من اجلها كما يعمل كل واحد من اجلها حتى بدون ان يدري .

عادل فرج القس يونان

Opinions