Skip to main content
Facebook Twitter YouTube Telegram

حالات الشيخوخة/ الجزء الاول

1-الشيخوخة السليمة ( جسميا وعقليا ) :- ان وصف هذه الفئة بانها سالمة فقط ،يبين عدم وجود حالات مرضية جسمية او عقلية واضحة ، غير ان ذلك لا ينفي توفر تغيير بايولوجي في عضو او اخر من اعضاء الجسم وهو امر طبيعي ومنتظر في عملية الكبر ، وان كان ذلك يتفاوت درجة بين مسن واخر تبعا لاستعدادات الفرد الطبيعية وتبعا للمؤثرات الايجابية او السلبية التي رافقت المسيرة الحياتية للمسن ، فهذه تزداد سلبية كلما تبين اسراف الفرد في طاقاته الجسمية والنفسية والجنسية ، وكلما كثر تعرضه لمصادر الشدة والاجهاد في مراحل حياته السابقة لا سيما المسنين العراقيين . واهم ما يتصف به الفرد المسن والسالم ظاهريا من العلل والامراض هو ضيق افق اهتمامه بشؤون الحياة بصورة عامة ، وتقليص الصلات الاجتماعية وضعف الذاكرة خاصة لما هو جديد من التجارب والاحداث مع صعوبة في تعلم مهارات جديدة والبطء في مزاولة مهارات سبق اكتسابها والنقص في الطموح والحوافز لادراكها والاتجاه الى الركون الى حياة الماضي والى تامل الذات ومن ذلك الاهتمام باعضاء الجسم ووظائفه مما يؤدي الى قيام حالة الوسواس المرضي والميل نحو التشكيك في اراء الناس ونواياهم مع العناد والتمسك في الراى . وجميع هذه المظاهر قد تبقى ضمن الحدود التي لا تمس شخصية المسن ، ويبقى نشطا في جسمه صافي الفكر في عقله ، وقد يظل المسن على هذا الحال حتى السبعينات او الثمانينات او ما يزيد وهو متماسك الشخصية الى ان يصل اجله بعارض او مرض مفاجىء او ان يصل بالنهاية الى ما لا يمكن تفاديه من شيخوخة طاعنة في السن ومليئة بالعلة والمرض .وتفيد بعض الدراسات بان ما لا يقل عن 80 في المئة من الذين تجاوزوا سن الخامسة والستين يعانون من مشكلة او اخرى من المشاكل الطبية .
2- الشيخوخة المريضة جسميا : - هنالك وفرة من العلل والامراض الجسمية التي تصيب المسنين ومن هذه ما هو طارىء كالحوادث الطارئة من شدة او حمى ومنها ما هو نتيجة نهائية لعملية تدريجية من التغيرات العضوية المرضية كامراض القلب والشرايين والكلى والكبد والامراض السرطانية . ومهما كانت الحالة المرضية فانها تؤدي الى اخلال في توازن المسن مع ظروف حياته ، ولا بد للمرض من ان يجلب للمسن بعض شعور العجز والقلق والاكتئاب ، فالمرض في هذه المرحلة الحياتية يحمل في طياته نذيرا لصاحبه . وقد يكون بداية تحول جذري في سلوكه وتصرفاته وانفعالاته وعلاقاته مع الغير ضمن حدود العائلة او خارج هذه الحدود . ولعل من اهم خصائص الامراض الجسمية في الشيخوخة هو ارتباطها المباشر وغير المباشر بالعلل النفسية والعصبية والعقلية . وقد يكون هذا الارتباط وثيقا بحيث يصعب التفريق بين ما هو جسمي من الاعراض المرضية ، وبين ما هو عارض من اعراض الشيخوخة في حد ذاتها .

3 – الشيخوخة المريضة عقليا : - تاتي الاعراض العقلية في فترة الشيخوخة نتيجة لسببين
رئيسيين اولهما خرف الشيخوخة الناجم عن عمليات التلف والضمور في الخلايا العصبية الدماغية , وهي العمليات التي تحدث للمسن بشكل طبيعي عند بلوغة مرحلة مقررة وخاصة اذا ما امتد اجله الى هذه المرحلة .اما السبب الثاني للاضطرابات العقلية فانه ياتي عن طريق اصابة الجهاز العصبي بآفة او شدة على الدماغ سواء جاء ذلك بصورة مباشرة كالشدة الخارجية او الاورام او النزيف او الالتهاب , او اثرت في الدماغ من خارجة, كالسموم والعقاقير وافرازات وافر الجسم الضارة المتجمعة ونقص التغذية والاوكسجين وعجز القلب والدورة الدموية وغيرها من الحالات المرضية التي تنشا خارج الدماغ ولها ان تضر في حيوية الدماغ وفي وظائفه ، وجميع هذه العوارض في تزايد مستمر في عصرنا الحاضر ذلك ان الفرد في هذا العصر هو اكثر حظا في الوصول الى حياته المقررة من الاجيال السابقة له نتيجة لشدة الارهاق على الحياة العقلية والنفسية لا سيما نحن العراقيين ، وهو لذلك اكثر عرضة للوصول الى سن التغيير العضوي في الدماغ وما ينجم من خرف الشيخوخة . اما الامراض العضوية الاخرى فان من البديهي ان نتوقع تزايدها بسبب ارتفاع متوسط العمر ،وبذلك فان احتمال تاثيرها على الحياة العقلية للفرد بتزايد مع ارتفاع هذا المتوسط .
ان الاعراض والعلل النفسية والعقلية كثيرة الوقوع ومتفاوتة الدرجات من الشدة في المسنين وهي قد تظهر بصرف النظر عن وجود او عدم وجود افة او علة عضوية في الدماغ تؤثر فيه .ومن اهم الاعراض النفسية شعور المسن بالقلق وعدم الاطمئنان والوسواس المرضي والركون الى افكار الموت والخشية منه وهذا ما يثبت نظريتي (( خطا ان نطلب فلان ان يكون عمره مائة عام واكثر لان كلما يكبر الانسان كلما يدفع الثمن اكثر من معاناة وخوف وقلق وتفكير لاسيما في الموت الذي يرهب كل البشر ولا احد يستطيع ان يعترض سهم المنية كائن من يكون ))... !!! والتناقض في الثقة بالنفس وفي تقديرها . اما الاعراض العقلية فانها تاتي في معظم الاحيان بسبب التغيير العضوي في خلايا الدماغ وهي تتراوح شدة من الدرجات البسيطة للاضطراب في ادراك الاشياء وملاحظتها خاصة اوقات العشية والغروب ،الى حالات اكثر شدة كالنسيان او فقدان الذاكرة والبصيرة والتحكم في الاشياء والسيطرة على ردود الفعل العاطفية . ومثل هذه الدرجات الشديدة تكون دلالة على قيام حالة خرف الشيخوخة او تاتي بفعل اضطراب عضوي يؤثر في الدماغ او كليهما . ولعل من اكثر الصور المرضية حدوثا للمسنين في المجتمعات المتقدمة هو مرض الكابة وما قد ياتي عنه من محاولات انتحارية ، ولا بد لذلك من كشفها تمهيدا لعلاجها .
محاولة تفادي الشيخوخة ونهاية العمر هي من اقدم المحاولات التي سعى اليها الانسان وراح يبحث عن علاجها . ومع انه تعذر على الانسان اطالة الحياة فوق حدودها المقررة كما يتضح ذلك من عدم تزايد عدد المعمرين مع توالي العصور ، الا ان الانسان استطاع بفضل التقدم في العلوم الطبية وغيرها من العوامل من ان يرفع تدريجيا من متوسط عمر الفرد . ولعلنا لم نبلغ حتى الان الحدود العليا لهذا الوسط والذي تجاوز السبعين في بعض المجتمعات المعاصرة المتقدمة ، وما من احد يستطيع التكهن بالحد الاعلى لمتوسط العمر الذي نستطيع التوصل اليه في المستقبل . وان كان هنالك اعتقاد بان هذا الحد لن يتجاوز ما هو مقرر للطبيعة الانسانية وايضا قولنا ان كل واحد يذهب في ساعته او يومه من دون تقديم او تاخير رغم كل الظروف والمحاولات ...!!! وما هو معين من امكانيات كل فرد على حدة .
ان الوسائل الفنية التي استعملت لتاجيل وقوع الشيخوخة وللتقليل من سرعة التدهور اليها عديدة ومتنوعة وشملت الاهتمام بالرياضة الجسمية وبالتغذية وسد ما يتبين من نقص في الهرمونات والفيتامينات والبروتينات وغيرها من المواد الاساسية التي تساعد في الابقاء على التكوين البايولوجي . كما اتخذت اتجاها نحو اشغال المسن بعمل نافع ومفيد يتناسب مع امكانياته وميوله والى ضمان الصلات الشخصية والاجتماعية التي لاتشعره بالعزلة وتحافظ على احترامه وتقديره لنفسه وبجدوى الحياة ، وضمان توفر المتعة والسعادة للمسن ومن المصادر المقربة الى نفسه . هذا اضافة الى متابعة رصد الواقع الصحي للمسن احترازا من علة او افة عضوية قد تؤدي الى عجزه الجسمي او العصبي او العقلي . فاكتشاف مثل ذلك وعلاجه في الادوار الاولى من ظهوره قد يوفر الكثير من الجهد الطبي والاجتماعي والاقتصادي كما يقلل من حدة معاناة المسن وامد هذه المعاناة .


عادل فرج القس يونان

Opinions