Skip to main content
Facebook Twitter YouTube Telegram

حكومة المعتدلين

لطيف القصاب/
كثيرة هي الأحداث التي رافقت اداء حكومة العراق التي افرزتها انتخابات عام 2005م غير ان من ابرز الظواهر التي طبعت مرحلة الحكم في الفترة الماضية هو التنافر بين العديد من القوى المشكلة للحكومة التنفيذية داخل قبة البرلمان او حتى داخل حدود وزارة السيد نوري المالكي نفسها، فليس بعيدا عن الذاكرة ما جرى من تجاذبات ومماحكات صبت جميعها في خلق حالة من التوتر نتج عنها تعطيل العديد من المشاريع والقوانين والصفقات المهمة لإحداث نقلة نوعية في تقدم مسيرة التجربة السياسية الناشئة في البلاد.

إن المطلوب بعد اعلان النتائج النهائية للانتخابات التشريعية ان يطوي سائر السياسيين الفائزين صفحة التناحر والاختلاف وان يشرع الجميع في عقد وتنفيذ ميثاق سياسي يؤسس لعلاقة سليمة تربط اوصال الدولة العراقية بحبال من المودة والعمل بروح الفريق الواحد لابروح الفرقاء المتشاكسين، كما شهدناه ابان واثناء وحتى انتهاية ولاية حكومة نوري المالكي.

ومن اجل تحقيق هذه الغاية المنشودة من قبل القطاع الاكبر من شرائح الشعب العراقي ينبغي عدم اقصاء القوى المؤثرة لاسيما التي نالت حظوظا متساوية الى حد بعيد وحصدت ذات القدر تقريبا من الاصوات وبالتالي من عدد المقاعد والتفرغ من اجل تشكيل حكومة شراكة وطنية حقيقية تنأى بنفسها عن التفكير الثأري.

ولكي يكون الكلام واضحا فان اقصاء قائمة دولة القانون على سبيل المثال من قضية تشكيل الحكومة سيؤدي الى نتائج عكسية على صعيد الاسراع بتشكيل حكومة تقود البلاد للسنوات الاربع المقبلة، كما ان ذلك الاقصاء سيلقي بظلال كثيفة على انصار تلك القائمة المتوزعين في مساحات جغرافية مما قد يؤدي بدوره الى اعادة الاحتقان الطائفي الذي لن يعدم مفكرين ومخططين يتفننون في خلق حوادث مشابهة لما مر به العراق من صراع اهلي في الاعوام السابقة.

ونفس الامر ينسحب عل القائمة العراقية في حال إقصائها هي الاخرى من تشكيل او مشاركة الحكومة المرتقبة لاسيما وان نسبة كبيرة من قادة التطرف في جمهور هذه القائمة يقف مستعدون في أية لحظة على اشعال الحرائق في اكثر من جبهة داخلية والعكس صحيح.

ان اجتماع هاتين القائمتين من شانه ان يضع بلسما شافيا على اكثر من جرح عراقي كما ان تفرقهما يعني احداث المزيد من تلك الجراح، ولا نعني باجتماع هذين الفريقين اقصاء الكتلتين الرئيستين الاخريين اللتين حققتا نسبا متقدمة على صعيد المضمار الانتخابي الاخير، والمقصود بهما قائمة الائتلاف الوطني والقائمة الكردستانية، واذا كان لابد من مرشح تسوية فليكن واذا كان لابد من الاستبعاد فليكن كذلك من خلال حرمان الرموز الاكثر تطرفا او من نعتناهم بزعامات التطرف من تسنم مواقع قيادية مؤثرة في الدولة ومن جميع الكتل المشكلة للائتلاف المأمول.

فباجتماع المعتدلين من هؤلاء وهؤلاء يمكن ان يتعافى الجسد العراقي باسرع وقت ممكن وباتفاقهم جميعا على برنامج موحد وشخصيات تحظى بقبول جميع الاطراف ستخف الى حد بعيد حالات التوتر التي طبعت المشهد السياسي السابق، اما من يضع العراقيل مقدما امام هذا التحالف الرباعي فلاشك انه ينطلق من حسابات ودوافع معينة.

ولكن اغلب هذه الحسابات كما هو المتصور لن تسلم من ثلاثة اخطاء قاتلة:

الاول يتوهم وجود كتلة برلمانية يمكن ان تحقق اغلبية سياسية وبالتالي قدرتها التلقائية على تشكيل حكومة دستورية.

والثاني يرى في الديمقراطية عدوا اذ لم تقف بجانبه دائما.

والثالث يستند الى قاعدة التبعية في النهج السياسي.

وبقدر ما يتعلق الامر بالخطأ الاول فان كل من اطلع على صورة النتائج الاخيرة المعلنة من قبل المفوضية العليا للانتخابات سيجزم قاطعا بان اغلبية سياسية قادرة لوحدها على رسم المشهد السياسي الجديد برمته لاوجود لها على ارض الواقع وحتى امد بعيد، اي حين يحدد فيه خيارات الناخبين حزبان سياسيان رئيسان على غرار ما هو الحال في الولايات المتحدة الامريكية مثلا.

اما الرهان على فرضية الكتلة الاكبر القادرة على حيازة الاغلبية السياسية المطلوبة فانه رهان غير محظوظ مع وجود تفسير قوي جدا يذهب الى ان الكتلة البرلمانية الاكبر هي التي تشكلت قبل الانتخابات لابعدها، ومع فرض بلورة كتلة تكون هي الاكبر بعيد اعلان النتائج فلن تقوى على انجاز المهام الموكلة اليها الا بوساطة عقد التحالفات مع الاخرين وامثلها هو التحالف الرباعي المذكور آنفا.

أما الخطأن الاخران فهما لايحتاجان الى امعان في التأمل للخروج بنتيجة مفادها انهما يتمحوران حول غايتين الاولى هي الرغبة في الاستئثار بمراكز السلطة والنفوذ حتى اشعار اخر وهو يمثل اقصى حدود الانانية وابشع صور الاستبداد الذي يفضي بدوره الى حرق الكارزمات لامحالة.

والغاية الثانية لاتعدو عن كونها انصياعا مشبوها لارادات خارجية نناشد جميع القوى السياسية ان تترفع عنها.

* مركز المستقبل للدراسات والبحوث

http://mcsr.net



Opinions