Skip to main content
Facebook Twitter YouTube Telegram

ختام السنة الطقسية في كنيسة المشرق وعيد يسوع الملك

الفكرة الطقسية: في الأحد الرابع من سابوع تقديس البيعة تؤكد الصلوات الطقسية بأن الكنيسة واثقة من أن المسيح الذي مات في سبيلها عازم على دعم مسيرتها وتحريرها من جميع خطاياها، لذا في غمرة فرحها بعريسها الإلهي تسعى لتكون عروساً نقية وأمينة مهما كانت التضحيات. وفي هذا الأحد نستمع إلى كلمة الله تعلن لنا من خلال ثلاث قراءات هي: الأول من سفر حزقيال يؤكد فيها أن الهيكل موضع سُكنى الله مقدسٌ وممجد. إنه رمز ناسوت المسيح الممجد والمنتصر على الخطيئة. والثانية من رسالة بولس إلى العبرانيين والتي تشير إلى تفوق ذبيحة المسيح على ذبائح العهد القديم وإلى بطلان الذبائح المادية. فذبيحة المسيح وحدها كافية لخلاص البشر. والثالثة من إنجيل متى تؤكد أن المسيح هو ابن داود وربه.[1] وقد أصبحت تقاليد الفريسيين وتفسيراتهم وتطبيقاتهم للناموس من الأهمية لديهم مثل الناموس نفسه. ولم تكن كل قوانينهم سيئة، فالبعض منها كان نافعاً، والمشكلة جاءت من أن القادة الدينيين اعتبروا القوانين التي وضعها الناس مساوية تماماً لشرائع الله. فلذلك أمروا الناس بإطاعة هذه القوانين دون أن يعملوا هم أنفسهم بها. ولقد أطاعوا القوانين ليس إكراماً لله، بل ليظهروا أنفسهم صالحين. ولم يدن الرب يسوع دائماً ما كانوا يعلِّمون به، ولكنه أدان ما كانوا عليه من الرياء. فعم يعرفون الكتب، ولكنهم لم يعيشوا بمقتضاها. لم يكن يهمهم أن يكونوا أتقياء، بل كان يكفيهم مجرد ظهورهم بمظهر التقوى ليحوزوا إعجاب الناس ومديحهم. لقد تحدى يسوه معايير المجتمع، فالعظمة عنده تأتي من الخدمة، أي البذل من الذات لخدمة الله والآخرين.[2]

وفي الأحد الرابع من سابوع تقديس البيعة تختم الدورة الطقسية لكنيسة المشرق. ومن خلال صلوات هذا السابوع نشتفي أن الكنيسة المادية المبنية من الحجر، ترمز إلى الكنيسة الروحية أي جماعة المؤمنين، من خلال التأمل في صفات الكنيسة، وفي تأسيسها على صخرة بطرس. وتتحدث صلوات هذا السابوع عن لقاء المسيح بعروسه الكنيسة المخلصة بدمه الزكي، وذلك في المجد الأبدي. ويتحدث الربان بريخيشوع[3] في مقال له عن هذا السابوع، حيث يعبر تعبيراً رائعاً عن روحانية زمن تقديس البيعة فيقول: " . . وفي الأخير ستخرج الكنيسة المقدسة، عروس المسيح، المكونة من القديسين والمؤمنين الصادقين، للقائه بفرح، فترافقه ممجدة إياه بكل اعتزاز وفخر. ويستقبل مخلصنا يسوع عروسه، ويدخلها معه إلى السماء، سيدخلها إلى خدره، ويجلسها عن يمينه، ويسعدها بكل أنواع الخيرات التي لا تزول ولا تنتهي، فتصعد له المجد بأنغام عذبة مع الأجواق السماوية ".[4] وفي هذا السابوع الذي تختم به الدورة الطقسية، تصلي كنيسة المشرق صلوات بديعة تتغنى بكنيسة يسوع التي افتداها بدمه الزكي، نذكر بعض منها: "لأنه هو إلهنا: أيتها الكنيسة الملكة، اشكري ابن الملك لأنه خطبكِ وأدخلكِ إلى خدره، وأعطاكِ صداقاً الدم الذي جرى من جنبه، وألبسكِ حلة النور الرائعة التي لا تزول، وعقد على رأسكِ تاج المجد والبهاء، وكالبخور النقي، طيب رائحتكِ أمام الجميع، وكالورد والأزهار وشقائق النعمان ضاعف جمالكِ، وحرركِ على الجلجلة من عبودية الأصنام، فاسجدي لصليبه الذي حمله في سبيلكِ وفي سبيل رفع ضعفكِ، وأكرمي الكهنة الذين زيحوكِ بأعمالهم ونادي المجد له.".[5]

" يا رب بقدرتك يفرح الملك: يا مخلصنا، لقد أنجزت بقدرتك العظيمة هيكلك المقدس، ووضعت بنعمتك أسس كنيستك التي اخترتها لإكرامك. ها هم السماويون والأرضيون يفرحون اليوم بعيد تكريسها، ويتضرعون بمحبة من أجل أن يملك أمنك على أبنائها، فتكون ملجأ للأجيال مدى الدهور، فيرفعون إليك الحمد والشكر والمجد يا مخلصنا. ".[6]

" ابنة الملك قامت بالمجد: إن الكنيسة خطيبة المسيح، قد خلصها بدمه من الضلال، ومنحها جسده طعام الحياة، وضحى على الجلجلة من أجل مغفرة خطاياها، ومسك بيديه كأس الخلاص، بالدم الثمين الذي سال من جنبه، بضربة الحربة.أصغي وأسمعي صوت العريس، وابتعدي من التيه والضلال، واصرخي لمخلصك، بالأصوات المملؤة بالإيمان،المجد لك. " .[7]

" المجد _ _ _ _ صنع ابن الله عرساً كبيراً لخطيبته الكنيسة، وعلى جبل سيناء نصب خدرها بيد ابن عمرام باحتفال كبير* دعا الأنبياء ونادى الرسل والملافنة والرعاة لعرسها* جرشت ملائكة السماء الطعام المَن والسلوى واللحم، ليكون غذاء لصبوتها* بموسى خطبها، وبيوحنا كتب صداقها في نهر الأردن، داوود الملك خدم وليمتها بتنظيم ألحان وترانيم* لأن كل مجد بنت الملك هو من الداخل، وهي مزينة أيضاً بالذهب الخالص* اشكريه أيتها الكنيسة واسجدي له، للرب إلهنا الذي أكمل جمالك، واهتفي له مع أبنائك قائلة المجد لك.".[8]

وخلال قداس هذا الأحد ترتل هذه الأبيات: " المجد: قدس يا مخلصنا كنيستك بحنانك، واسكب نعمك على الهيكل المخصص لعبادتك،وأقم فيه مذبحك الطاهر، حتى يحتفل بسر جسدك ودمك. ".[9]

وفي زمن تقديس البيعة ترتل كنيسة المشرق هذه الترتيلة، وهي عبارة عن حوار بين المسيح وكنيسته: " * أيتها الكنيسة قولي لي أين تُبنينْ تُبنينْ تُبنينْ، تُبنينْ على الشمس، لالا لالا لالا، لالا قد قيل وقيل وقيل وقيل، قيل وقيل في الإنجيل، الشمس تفقد أشعتها.

* أيتها الكنيسة قولي لي أين تُبنينْ تُبنينْ تُبنينْ، تُبنينْ على القمر، لالا لالا لالا، لالا قد قيل وقيل وقيل وقيل، قيل وقيل في الإنجيل، القمر يفقد ضياءه.

* أيتها الكنيسة قولي لي أين تُبنينْ تُبنينْ تُبنينْ، تُبنينْ على الكواكب، لالا لالا لالا، لالا قد قيل وقيل وقيل وقيل، قيل وقيل في الإنجيل، الكواكب تتساقط كالأوراق.

* أيتها الكنيسة قولي لي أين تُبنينْ تُبنينْ تُبنينْ ، تُبنينْ على الجبال، لالا لالا لالا، لالا قد قيل وقيل وقيل وقيل، قيل وقيل في الإنجيل، الجبال تذوب كالشمع.

* أيتها الكنيسة قولي لي أين تُبنينْ تُبنينْ تُبنينْ، تُبنينْ على الصخرة، نعم نعم نعم نعم نعم نعم، نعم نعم قد قيل وقيل وقيل وقيل، قيل وقيل في الإنجيل على الصخرة أبني كنيستي.".[10]

عيد يسوع الملك: إن هذا العيد حديث الوضع في الكنيسة الغربية. فقد أمر بالاحتفال به في يوم الأحد الأخير من شهر تشرين الأول من كل سنة السعيد الذكر البابا بيوس الحادي عشر،[11] في براءة عامة له بتاريخ 11 كانون الأول سنة 1925. والغاية من لإقامة هذا العيد هي حمل الأفراد والعيال والممالك على الإقرار العلني بملك السيد المسيح المطلق على العقول والمشيئات والقلوب، من حيث هو الحق الأزلي الذي أتى لينير كل إنسان، والقداسة السامية مصدر كل قداسة بشرية، والحب الفائق الذي يجذب كل القلوب بحنانه ووداعته. وخصوصاً من حيث أنه ابن البشر الذي أعطاه الآب السلطان والكرامة والملك إذ قال له: " أنت ابني وأنا اليوم ولدتك. سلني فأعطيك الأمم ميراثاً. وأقاصي الأرض ملكاً ". ( مزمور 2: 7 _ 8 ). و " عرشك يا الله أبد الدهور. وصولجان ملكك صولجان استقامة. أحببت البر وأبغضت الشر. لذلك مسحك الله إلهك بزيت الابتهاج دون أصحابك ". ( مزمور 44: 7 _ 8 ). فهو الذي يسميه الأنبياء " رئيس السلام " ( أشعيا 9: 5 ). و " نبتاً باراً ويملك مَلكٌ يتصرف بفطنة. ويجري الحكم والبر في الأرض " ( إرميا 23: 5 ). " وأوتي سلطاناً ومجداً ومُلكاً. فجميع الشعوب والأمم والألسنة يعبدونه. وسلطانه سلطان أبدي لا يزول ومُلكه لا ينقرض " ( دانيال 7: 14 ). وهو الذي بشر به الملاك جبرائيل بأنه: " سيكون عظيماً وابن العلي يدعى، ويوليه الرب الإله عرش أبيه داود، ويملك على بيت يعقوب أبد الدهر. ولن يكون لملكه نهاية ". ( لوقا 1: 32 _ 33 ). وهو الذي أجاب لما سأله بيلاطس: " أأنت ملك اليهود؟ فأجاب: هو ما تقول ". ( لوقا 23: 3 ). على أن مملكته ليست من هذا العالم، أي أن مملكته روحية لا زمنية. وهو الذي قيل عنه في سفر الرؤيا أنه مكتوب على ثوبه: " ملك الملوك ورب الأرباب ". ( رؤيا 19: 16 ).

فالكنيسة المقدسة التي هي مملكة المسيح الروحية، لم تزل على توالي الأجيال تنادي بمُلك مؤسسها وعروسها الإلهي، في صلواتها وطقوسها، وتعترف مع القديس كيرلس الإسكندري أن مُلكه هذا حق طبيعي فيه من جراء اتحاده الأقنومي بالكلمة الأزلي، وحق مكتسب بما أنه قدم ذاته فدية عنا، فصرنا مقتناه وغنم رعيته. فتحقيقاً لهذه الأمنية، وعملاً على إسعاد البشر بهدايتهم إلى المسيح مصدر كل سعادة حقة، والطريق الأمين للبلوغ إلى السعادة، أراد البابا بيوس الحادي عشر أن يعرض على العالم العبادة للمسيح الملك. وقد لاقت تعاليمه وتحريضاته نفوساً عطشى وقلوباً مستعدة. فاستمات في سبيله كثيرون، وبذل مئات ومئات من المسيحيين والكهنة والرهبان والراهبات حياتهم، وهم يصرخون في ساعاتهم الأخيرة: " ليحي المسيح الملك ".

فالمسيح هو ملك الدهور الذي لا يموت، وملك العقول بتعاليمه السامية، وملك الإرادات بشرائعه المقدسة، وملك القلوب بمحبته التي لا حد لها.[12]



--------------------------------------------------------------------------------

1_ حياتنا الليترجية الورقة الطقسية للقداس الكلداني لمدار السنة الأب ( المطران ) لويس ساكو ص 180.

2_ التفسير التطبيقي للعهد الجديد ص 87 _ 88.

3_ الربان بريخيشوع براشكافي: هو أحد رؤساء دير بيث قوقا. وهو من القرن الرابع عشر. وضع ملاحظات في تقسيم السنة الليتورجية الذي قام بها البطريرك إيشوعياب الثالث الحديابي. وتظهر هذه الملاحظات بمثابة مقدمة لكتاب الحوذرة " مدار السنة الطقسية ". وضع مخطوطتان لشعر ملحميّ عن قصة حياة أستاذه شملي. وله أيضاً مقطوعات شعرية على شكل ميمر، وله عونيثة واحدة. أدب اللغة الآرامية الأب ألبير أبونا ص 404.

4_ الفرض الإلهي لكنيسة المشرق الكلدانية الآثورية المطران جاك أسحق ص 117.

5_ الحوذرة " مدار السنة الطقسية " الجزء الثالث ص يظ.

6_ الحوذرة " مدار السنة الطقسية " الجزء الثالث ص يظ.

7_ الحوذرة " مدار السنة الطقسية ". الجزء الثالث ص يظا.

8_ الحوذرة " مدار السنة الطقسية " الجزء الثالث ص يظب.

9_ الحوذرة " مدار السنة الطقسية " الجزء الثالث ص يظذ.

10_ ضيبا ديىعىيا داوْزا " كتاوا دتشمشتا درازي " كتاب خدمة الأسرار الشماس يوسف ميري ص قد _ قذ.

11_ البابا بيوس الحادي عشر ( 1922 _ 1939 ): هو أكيللي راتي، ولد سنة 1857 في ديزيو قرب ميلانو لعائلة بورجوازية. رسم كاهناً سنة 1879. عين قاصداً رسولياً في فرصوفيا بولونيا سنة 1919. عين أسقفاً على ميلانو سنة 1921. أنتخب خليفة لبطرس سنة 1922. كان رجل علم كرس ذاته للدرس، فلم ينقطع أبداً عن الدرس والمطالعة. وفي عهده تم إنشاء دولة الفاتيكان، والتي فيها يمارس البابا سيادته. له العديد من الرسائل البابوية منها: " حيث مكونات الله " و " ما كنا بحاجة " و " شؤون الكنيسة " و نفوس البشر " و " بقلق بالغ " و " الفادي الإلهي ". وخلال حبريته مرت أزمنة عصيبة على العالم أجمع. وفي سنة 1938 توجه البابا بيوس عبر الإذاعة إلى البشرية معلناً تقديم حياته ثمناً للسلام. دعا إلى إقامة نظام اجتماعي يتوافق توافقاً تاماً ووصايا الإنجيل. توفي سنة 1939. معجم الباباوات تأليف خوان داثيو تعريب أنطوان سعيد خاطر ص 347 _ 352.

12_ السنكسار المشتمل على سير القديسين المطران ميخائيل عساف ج 1 ص 210 _ 212.


Opinions