Skip to main content
Facebook Twitter YouTube Telegram

خسارة أقسى من خسارة: العراقيون في المرتبة الأولى!!

أشار تقرير للمفوضية الدولية العليا لشؤون اللاجئين صدر قبل بضعة أيام إلى أن العراقيين احتلوا وللسنة الرابعة على التوالي المرتبة الأولى على لائحة طالبي اللجوء السياسي في العالم، يليهم الأفغان ثم الصوماليون.

وقال المتحدث باسم المفوضية في جنيف "جاك ريدن" لوئاسل إعلام عالمية: "تظهر الإحصائية للنصف الأول من عام 2009 أن العدد الكلي لطالبي اللجوء السياسي في الدول الصناعية ارتفع بنسبة 10 بالمئة، حيث بلغ نحو 185 ألف شخص. وما يزال العراقيون يشكلون القسم الأكبر من طالبي اللجوء وذلك للسنة الرابعة على التوالي، ووصل عددهم إلى حوالى 13 ألف و200 عراقي".

وعزا ريدن ارتفاع أعداد طالبي اللجوء العراقيين إلى اضطراب الوضع الأمني في العراق، موضحا قوله: "إن حل هذه المشكلة يتطلب بسط الاستقرار في ربوع العراق، وتوفير وضع أمني يُـطمئن اللاجئين العراقيين في الخارج ويشجعهم على العودة إلى بلادهم، غير أن هذا الأمر لم يتحقق حتى هذه اللحظة".

ولا شك.. فإن نزيف الهجرة هذا يطال مختلف مكونات وشرائح الشعب العراقي لكن بدرجات متفاوتة في التأثير.

ومن هنا.. وبقدر تعلق الأمر بمسيحيي العراق نقول: من المعروف إن من مقومات كل أمة: الأرض والشعب فاللغة والدين والتاريخ والثقافة والتقاليد المشتركة، ومحورها جميعا البشر.

ومعروف أيضا أن وجود المسيحيين في العراق، كمكون أصيل من مكونات الشعب العراقي، قديم يمتد إلى ما يزيد عن الألفي عام، فضلا عن أن تاريخهم بهويتهم القومية يمتد إلى نحو سبعة آلاف عام من حضارة بابل وآشور النهرينية، لكنهم باتوا اليوم أمام تحديات قد تهددهم في جودهم هذا.. وأبرزها نزيف الهجرة هذا والمتأتي من عوامل عديدة.

لقد كان من شعارات حملة التغيير التي شهدها العراق عام 2003 القضاء على الدكتاتورية والقمع والتغيير العرقي والديموغرافي وانتهاج الديمقراطية والمساواة واحترام حقوق الإنسان وما يقوم على ذلك من آمان وازدهار وأحلام وردية أخرى لم يتحقق منها إلا النزر اليسير فكانت الخسارة أكبر أو تكاد.. ومن ذلك هذا الكابوس الذي عصف بالمسيحيين العراقيين وعلى عدة مراحل كان أكبرها بعد التغيير الأخير.

فقد سبق تقرير المفوضية العليا للاجئين هذا تقرير آخر لبعثة الأمم المتحدة لمساعدة العراق "يونامي" يشير إلى أن 44 في المائة من العراقيين الذين يطلبون اللجوء إلى سوريا هم من المسيحيين، ويمثل المسيحيون المجموعة الأكبر من طالبي اللجوء إلى الأردن، وهناك هجرة واسعة إلى تركيا والسويد وألمانيا واستراليا والولايات المتحدة وكندا، والنزوح إلى كردستان.

وكانت الأمم المتحدة قدّرت في تقريرها لعام 2007 أن 1.5 مليون مسيحي كانوا يعيشون في العراق قبل عام 2003، وأن نحو نصفهم غادر البلاد في السنوات الأخيرة.

وهكذا.. وباختصار شديد نقول: إن استمرار المشهد الطائفي وتحول أرض العراق إلى ساحة صراع بين قوى محلية وإقليمية متعاونة ومتعاطفة مع جهات مختلفة لأجل القضاء على التجربة العراقية الديمقراطية والحرّة، باتت تهدد بإفراغ العراق من أبنائه وخاصة الشعب المسيحي بتنوعاته، فبات على شفا خطر حقيقي وانقراض قومي وشيك، وتشتت جغرافي وعقائدي.

لهذا فإن مسألة المحافظة عليه وحمايته تقع على عاتق جهات عديدة محلية وأقليمية ودولية وبدرجات متفاوتة كل حسب دوره وتأثيره:



* المؤسسة الكنسية التي تعلم رئاساتها الجليلة وتُعلّم أن الكنيسة إنما هي مجموعة الناس المؤمنين وليس الجدران والمباني التي لن تكون لها أية منفعة إذا صارت خالية خاوية من الأصوات المبتهلة إلى الله والممجدة لاسمه القدوس. وعليها بالتالي أن تواصل السعي لتأدية واجبها كما أراده المخلص: "أنتم ملح الأرض.. أنتم نور العالم".. فتساهم بقدر المستطاع بكل ما يصب في خانة توفير الأجواء السليمة التي تبعد هذا الهاجس عن أذهان المؤمنين، وذلك لما للجانب الإيماني من دور كبير في حياتنا كشرقيين.



* الأحزاب السياسية والحركات والمؤسسات القومية العاملة في أوساط شعبنا التي يُحتم عليها الواقع المؤلم أن تسعى للتصدي للفرقة والتشتت، وتحرص على توحيد الخطاب قدر الإمكان والتركيز على المشترك وتقديم الصالح العام على المصالح الحزبية والشخصية، تحقيقا لتمثيل أفضل.. وبالتالي لثقل وتأثير أكبر في حمل القضية والمطالبة بالحقوق، وهو أمر طالما دعونا إليه في مناسبات عديدة.



* المؤسسات والأندية الثقافية والإعلامية والاجتماعية ومختلف مؤسسات المجتمع المدني التي عليها أن ترفع من وتيرة دورها التوعوي والإعلامي في هذا المجال بمختلف الوسائل المتاحة.



* الحكومة العراقية ومختلف مؤسساتها المعنية بالأمر، والتي يُفترض أن تواصل الاجتهاد للخروج من مستنقع الطائفية والفئوية والحزبية.. والتصدي للفساد بكل أشكاله وانتهاج المواطنة مقياسا للعمل، ثم وبالتالي السعي لتعزيز الأمن والاستقرار.. يعقبه إنعاش الاقتصاد ومن ثم ترسيخ مفاهيم التآخي والعيش المشترك.. والتوجه إلى البناء الحقيقي.. بناء الإنسان أولا.. ثم بناء البلد.



* القوى الإقليمية التي لا بد لها أن تساهم في دعم ترسيخ الأمن والاستقرار في البلد من منطلق حسن الجوار واحترام سيادة الآخر والمصالح المشتركة، وعدم جعل العراق ساحة لتصفية حسابات أو تقاطع مصالح وتحقيق غايات يقع الشعب العراقي ضحية لها.



* القوى الدولية من بلدان ومنظمات والتي تتحمل الوزر الأكبر في هذه البلوى وقد صارت خلال السنوات الأخيرة تقدم من التسهيلات وتبذل من الجهد والمال لتسهيل هجرة العراقيين ما كان يُفترض أن تبذله من أجل المساعدة في دعم الأمن والسلام والاستقرار في البلد وما ينتج عنه من حالة طمأنينة عند المواطن، وإقامة المشاريع التنموية وتوفير فرص العمل وما إلى ذلك من ظروف تساعد الإنسان العراقي على البقاء في أرضه ووطنه وتزيل عنه هم التفكير بالهجرة، وذلك من أجل ديمومة المُـثل الإنسانية السامية والسلوك الحضاري والفكري، والحفاظ على تعايش الشعوب المشترك، تحت لواء ثقافة الإنسان.



Opinions