Skip to main content
Facebook Twitter YouTube Telegram

داعش وأمريكا وتصدع الوحدة الوطنية العراقية

 

ما كان لداعش " التنظيم الإسلامي للعراق وبلاد الشام " ذلك التنظيم الإرهابي والإجرامي المنتحل صفة الدين أن يدك الحدود العراقية ويستبيح ثاني أكبر مدن العراق " الموصل " ويهدد بإسقاط الحكم في بغداد والقضاء على العملية السياسية برمتها ومحاولاته في إضعاف الروح المعنوية للجيش العراقي, إلا وقد استند إلى هشاشة الوضع السياسي العام في العراق وتدهور مقومات الولاء للوطن لدى المتواطئين مع داعش, بما فيهم أطراف وقيادات في العملية السياسية " الديمقراطية " في العراق, إلى جانب استغلال حالات الاستياء العام من سوء الأوضاع العامة, من امن وخدمات واستقرار شامل, جعلت من المواطن متفرج على الإحداث أكثر منه فاعلا فيها وفي تحديد مساراتها !!!.


لقد تركت أزمة ضعف المشاركة السياسية والشعبية الواسعة إلى أحساس شرائح اجتماعية واسعة بالهامشية واليأس والمنبوذية "خاصة الفئات التي يجب أن تستهدفها عمليات التغيير",مما يدفع إلى شعور مضاد للانتماء,أي العزلة والاغتراب الاجتماعي وضعف الشعور بالمسؤولية ومن ثم التطرف بألوانه والى الفوضى والعنف,وأصبحت إحدى البؤر المولدة للعنف والتطرف الديني وغير الديني,لتشتد الحياة أكثر عنفا لتصبح بيئة مواتية للتحريض وارتكاب الجرائم الكبرى بحق الناس وبواجهات مختلفة( القاعدة,فلول البعث السابق,ضغط دول الجوار التي لا تعي حسن الجوار وعدم التدخل في الشؤون الداخلية),أن الجبهة الداخلية السليمة والصحية هي وحدها القادرة على دحر أعداء العراق في الداخل والخارج وعلى خلفية بقائه وطنا صالحا للجميع.ويذكرنا ذلك تماما بإخفاق جيوش النظام السابق الجرارة والمليونية في الإنابة عن المجتمع دفاعا عنه وعن سيادة البلاد من الاحتلال والتي حصلت على خلفية انعدام الثقة المتبادل بين النظام والشعب وضعف المساهمة السياسية الحقيقية في صنع القرار,فأين الملايين التي كانت تصفق "لقائد الضرورة" كذبا ودفعا للأذى عنها,أن حالات الاستبداد السياسي والطغيان وتكبيل أعناق المواطنين وترويضهم على الخنوع والذل والانشغال بسد رمق العيش هي التي تمرر مشاريع اختراق الوطن من الداخل والخارج !!!!.


أن سياسات الإقصاء والتهميش والمحاصصات وما يرافقها من تدهور مستمر لحياة المواطنين قادرة على حرف حالات المساهمة السياسية من أجل تثبيت النظام" الديمقراطي" إلى حالات عداء سياسي للنظام وأركانه,باعتباره يجسد حالة الاغتراب السياسي بينه وبين المواطن,وهي نتاج طبيعي لحالة عدم الثقة والشك في القيادات السياسية ونواياها,متزامنا ذلك مع اتساع وتعمق دائرة الفئات الاجتماعية المهمشة والتي تقدر بالملايين جراء ظروف العراق التاريخية والحالية,ومن شأن ذلك أن يخلق ما يسمى " بالفجوات النفسية المدمرة ",حيث تنشأ هذه الفجوات على خلفية الشعور بالإحباط الناتج من التدهور المستديم لظروف العيش الحر والآمن,وهي شروط مواتية ولازمة لخلق وإعادة توليد سلوك العنف والعدوان باعتباره نتيجة للشعور الشديد بالإحباط ,وعلى خلفية اتساع الهوة بين النظام والشعب وتعزيز حالة عدم الاكتراث تجري الاستفادة الكاملة من قبل المجاميع السياسية وفلول الإجرام والمرتزقة الغير مؤمنة أصلا بالعملية السياسية لدك النظام السياسي والتأثير على قراراته السياسية,وعلى عدم استقراره,مستغلة الفساد والعبث بالمال العام وسرقته كوسائل سهلة في الإغراء والتمويل وشراء الذمم. 


لقد استخدمت السياسية الأمريكية الغبية في العراق " وهي صاحبة الباع في التقدم العلمي والتكنولوجي والفكري " سياسة التبضيع والتقطيع لأوصال المجتمع العراقي ونسيجه الفكري عبر مختلف الإجراءات منها: قانون إدارة الدولة, اجتثاث البعث, حل القوات المسلحة العراقية, شكل المنظومة السياسية, الدستور, قانون مكافحة الإرهاب, ودمج الميليشيات في القوات المسلحة...الخ, وكلها إجراءات ميدانية غير مدروسة أسست لحالة الاحتراب الديني والطائفي والعرقي والاثني, وقد تركت الوطن فريسة للاحتراب والارتهان للقوى الدينية المتطرفة والاحترابات العرقية الداخلية وفريسة لدول الجوار, وقد أسست هذه الممارسات للتعصب الديني الأعمى والغلو في الدين الواحد وبين طوائفه المختلفة واستباحة العنف بين مكونات الدين الواحد وبين الأديان الأخرى, وإثارة النعرة التعصبية الدينية وغير الدينية, وكلها سلوكيات تضعف من مكانة الدين والتدين والوحدة الوطنية, وكأن الأمريكان أسسوا لحالة اهانة الأديان في العراق قاطبة عبر تأسيس حالة الاحتراب وسلوكيات الكراهية الظاهرة والخفية المستديمة بينها !!!.


أن هذه الممارسات تقف بالضد من مكانة الدين الحقيقية, التي كان بالإمكان لها أن تؤسس لحالة أكثر حضارية مما هو سائد الآن, بل بإمكان هذه الأديان والطوائف أن تساهم في بناء المشروع الحضاري للعراق المعاصر, من خلال استنفار لماهية الخطاب الديني الكلاسيكي المسالم بطبيعته السمحاء, ووضع الدين في مكانته الصحيحة, لا عبر استخدام الدين في إعاقة النهضة الاقتصادية والاجتماعية والثقافية في العراق, وشل الحركة والتواصل الاجتماعي بين مكونات المجتمع. 


واليوم اذ يستدعي منا الموقف الوطني الواضح الوقوف بوجه " داعش " لدحر وإفشال مخططها الإجرامي والإرهابي الذي يستهدف مستقبل واستقرار الجميع باختلاف انتمائهم القومية والدينية والمذهبية والعرقية, نحن بأمس الحاجة لمشروع دفاع وطني عابر للانتماءات الدينية والمذهبية والعرقية وبعيدا عن الاشتراطات المسبقة قوامه: تعبئة كافة الجهود من اجل نصرة الوطن ومزيدا من التلاحم الصادق مع القوات المسلحة العراقية, دون إغفال لمحاسبة كافة العملاء والمتواطئين والمقصرين والمتخاذلين من مواطنين عاديين إلى قيادات سياسية وعسكرية في الدفاع عن الوطن !!!. 


كما إن الموقف الوطني الشجاع لكافة المرجعيات الدينية ومن مختلف الطوائف دون استثناء في التعبئة الشعبية المدروسة قوامها نصرة الوطن وليست ألطائفه سيكون له اثر فعال في لجم اندفاعات داعش والإرهاب, شريطة أن تكون هذه التعبئة بإشراف قيادات عسكرية وميدانية ذات الخبرة والولاء الوطني, كي لا تنجر هذه التعبئة نحو مصالح أنانية أو آنية مؤقتة تخرجها عن سياقها الوطني العام !!!. 


كما يجب في غمرة هذا النزاع المصيري عدم التعويل على الدعم الأمريكي واشتراطاته من جديد. فأمريكا تقف ضد داعش في العراق, ومع داعش لإضعاف النظام السوري, والإرهاب هو الإرهاب في كل مكان, وعلى أمريكا بثقلها العالمي وقدراتها في التأثير الإقليمي هو انتزاع موقف موحد من الدول الإقليمية, العربية وغير العربية في عدم دعم الإرهاب وتمويله ومنع التدخلات الخارجية في الشأن السياسي الداخلي للعراق !!!.

 

Opinions