Skip to main content
Facebook Twitter YouTube Telegram

ذكـريات مـوصلِيَّة ... بالخبز والملح نْصِيرْ أهلْ

سأضطر في هذا المقال الى ذكر بعض الأسماء ، إعتزازاً وتقديراً لأصحابها لدورهم التربوي المتميّز في تربيتنا وتنـشـئتـنا ..... رحم الله من كان منهم قد توفاه ، فهم أهلنا في الجنةِ خالدون بإذنه تعالى ... وأطال الله في عمر من لايزال منهم في هذه الحياة ، ولـيَـمُـنَّ عليهم ربنا بالنعمةِ والصحة ودوام العافية .
يطيب لي أن أكتب اليوم في موضوع العلاقات الإجتماعية المتميزة والأصيلة التي ارتبطت بهاعوائلنا المسيحية منذ القدم ولاتزال؛ مع عوائل مسلمة فاضلة ومحترمة ،مجاورة لنا ضمن أحياء سكنية بسيطة في مدينة الموصل العزيزة ، ليس ذلك من باب الإجتهاد أو ألإطراء ، لكنه الواقع الذي يفرض نفسه على الجميع.. رغم بعض التصرفات السيئة التي لم ولن تصدر أبداً من أبناء هذه المدينة الجميلة ، ولا أستبعد أن تكون يداً أجنبية ، غريبة ، وراء تلك الأفعال التي تستهدف كل ما هو صالح ومفيد في هذه الأرض الطيبة ... وقد أثبتت الأيام والأحداث حقيقة التعايش والتآلف الصادق والحقيقي بين كل مكونات مدينة الموصل العزيزة وأهلها الكرام .
ولقد طالعت قبل أيام عدد من المقالات ذات الصلة .. منها خاصةً( مقالة الأستاذ صباح السناطي ـ موقع عنكاوة ومقالة للأستاذ خالد عيسى طه في موقع بحزاني ) اللذان إختزلا فيّ زمن الذاكرة لتُعـيـدني الى فتـرة الستينات من القرن الماضي ،، عندما كنت طفلاً مع إخوتي الخمسة ضمن عائلة متواضعة في بيت صغير من بيوت مجمع الغزل والنســيج بالموصـل حيث كان يعمل فيه والدي ( رحمه الله ). وكانت معظم العوائل الساكنة في المجمع ذات الدخل المحدود ؛ تتسم بنمط معيشى متشابه ، بسيط ، ومتواضع ، لكنه كان مقروناً بمحبةٍ فطرية جمعت ووحدت الكل ،، بكل إختلافاتهم الدينية والقومية والطائفية (من التى نسمع بها اليوم ) !!!... الكل أهل ، الكل يتفقد الكل ، الكل يشارك الآخرين أفراحهم وأحزانهم ، مسراتهم وهمومهم ،،،،، االكل يتعايش بهدوء وصفاء ويتمازج مع الكل بلا كُلفة ولاتكلفة !!! .
كان بيتنا يتوسط أربعة بيوت ، تلك التي كانت الأقرب إلينا ، وقد حفِـظتْ لهم ذاكرتي أروع وأجمل الصور في الود والرقة وبراءة الحياة .... فكانت الخالة حسنية وزوجها عمو جاسم وأولادهم يونس وحازم ومحمد ... وكانت أيضاً الخالة لمعة زوجة ملاّ ثامر... الرجل الفاضل وأولاده محمد ومحمود وسعد .... ثم الخالة أسمى زوجة حجي مصطفى ، وكانوا أكراد حيث كُنتُ أفتقر للكلمات التي تسمح لي بالتحدث مع أولادهم ؛ وَيسي ومحمد وعمر ... كما كان مقابل بيتنا عائلة سيّد أحمد الكبيرة .... كنّا جميعاً نشكل عائلة كبيرة لها رصيد هائل من التناغم والإنسجام والمحبة ، فأتذكر كيف كنّا ننتظر قدوم عيد الفطر السعيد والأضحى المبارك لنزور هذه العوائل لنحصل من رب العائلة على العيدانية ، وكانت آنذاك ( 10) فلوس أو أقل ، فكـنّا نتغـنى ونغتـني بها ، نظراً للـقيـمة المادية والمعـنوية لـهذه الهـدية . ..... وهكـذا كانوا يـبادلونـنا الزيارة في زمن أعيادنا ؛ الميلاد( العيد الصغير ) والقيامة ( عيد الكبير). ولاتزال رائحة ( الكليجة ) تملأ أنفي ، وكانت سيدات المحلة يجتمعون منذ الفجر لعمل الكليجة بفرح وسعادة ، وعند الإنتهاء تقوم ربة البيت بتوزيع جزء منها على الجيران ، فكانت والله كل قطعة منها تضاهي كل ما نتناولة من حلويات ومعجنات هذا الزمن ، لأنها كانت تصنع( بنَفَسٍ طيِّب) بالتنور حيث لم يكن آنذاك الأفران والمشاوي الكهربائية او الغازية .
أما الرجال فكان لهم طقوسا يومية خاصة ،، حيث كانوا يجتمعون عصراً قرب البيوت وحواليها ، ويتسامرون ويتحدثون بهدوء وشفافية ؛ لاعن الإرهاب او القتل او الموت الذي يهدد الناس اليوم ( بالجملة ) !! بل كان حديثهم يدور حول أمور الحياة اليومية والإجتماعية ( زواج / خطوبة / طهور/ حج / أحوالنا المدرسية /أمور المعيشة اليومية.....الخ ) وكنت أجدهم مجتمعين ، متلهفين لمراقبة لعبة ( الدّاما ) وهم يفترشون الأرض غير مبالين لرطوبتها أو جفافها ، تماماً كما كنا نحن الأطفال ، لانلبث أن نخرج من البيت حتى نفترش الأرض المتربة ونلعب ونلعب حتى نتعب !! فنعود للبيت عند المساء لننام بدون عشاء !! لإعتقاد أهلنا إن ذلك أمرُ صحِّي ، وقد اثبتت الأيام فعلاً صحة هذا المعتقد . وعند الصباح كان موعدنا مرة أخرى للذهاب الى المدارس .
كانت أُمهاتنا حكيمات ومدبرات في حياتهن ، وكنّ يتحملن أعباء تربيتنا وتـنشـئتـنا بوسائل بدائية ، بسيطة ،!! لكنها كانت فعالة وناجعة . وكانت السيدات في المحلة تشترك في الإستشارات العائلية وتتقاسم الخبرات فيما بينها ، دون ان يشار الى واحدة دون الأخرى ، وكان لابد من جهودٍ جبارة لتدبير أمور الحياة ، خاصة مع تزايد عدد أفـراد العائلة سنوياً ! فلم يعرف آباؤنا شـيئاً إسمه ( تحديد النسل ) !! وكان الإعتقاد أنّ كل مولود يأتي ومعه رزقه !! وبالإضافة الى تربية الأولاد كان لابد من جهود إضافية لمساعدة الرجل في تأمين مستلزمات العيش ، لأن الرواتب كانت ضعيفة جداً ، فبعض السيدات كنّ يعملن في صناعة السيكاير( المزبّن) أو في خياطة الملابس ، ومنهم من كانت تخبز الخبز وتبيعه في السوق ، أو من كانت تربى الأبقار أوالدواجن لتبيع منتوجاتهم للأهالى ..... الخ . ورغم كل ذلك الإرهاق والجهود فقد كنت أشعر بفرحهم ولم أقرأ يوماً ما أي علامة حزن أو قلق على وجوههم ،، كانوا سعداء بأزواجهم وأولادهم ، وبجيرانهم وجاراتهم .
آباؤنا وأمهاتنا كانوا ( مصنعاً ) للمحبة والتعايش مع الآخرين ،،، كانوا المدرسة التي تعـلّـمْـنا فيها حب الله والجيران ، أولئك الناس الطيبين اللذين لم نكن نفرقهم كثيراً عن أهلنا ، فسيدات االمحلة كانوا أمهاتنا والرجال آباؤنا . وقد تركوا فينا تقاليد وعادات أصيلة وعريقة حتى أصبحت بصمة و( مُهرْ ) يميزنا عن غيرنا !! ولاأنسى خالة .... عندما كانت تجلب لنا خبز التنور ( العرب ) كانت تقول لأمي عندما كانت تتحفظ أحياناً في أستلام الهدية ، ياأم صباح ( هذا خبز وملح كُلوا منّوا حتى يغزّرْ ونظَل أهلْ ) ، وهكذا أصبح ذلك تقليدا من تقاليد العوائل ، حيث كانت أمي ترسل ( خبز رقاق) كلما خبزت منه ( رقّّهْ أو ترْى لكل عائلة ) ، فلم يكونوا يعرفوا طريقة صناعته ،، فكنّا جميعاً نتـلـذّذ بذلك .
هكذا عشنا طفولة هانئة، هادئة، مليئة بالفرح والسرورمع أهلنا وجيراننا، رغم العوزالمادي الذي كان العلامة الفارقة للجميع، فلم يكن هناك غني أو فقير!! الكلّ كان واحداً ، وبقي الكل واحد حتى آفترقنا ....... واليوم عرفت لماذا وفّـقـنا الله ونجحنا فيما نحن عليه !!؟ ذلك أن المحبة التي كانت تجمعنا معهم جلبت لنا ولهم البركة ،، وما أروع المحبة عندما تجمع الغرباء لتجعلهم أهلْ وحبايب !!! .إن حلاوة وخبرة الماضي ينبغي ان تكون لنا عبرة ثمينة لنعيش الحاضر ونبني المستقبل !!! وعلى أصحاب القرار والمسؤولين أن يتخذوا من دروس الماضي هذه العبرة ، فمكاننا هو بينهم ومعهم !! وليس بعيداً عنهم ... هكذا علمتنا أمهاتنا وآباؤنا .. فرجاءً ، رجاءً احسبوها جيداً قبل الإقدام على عزلنا عن أهلنا ومحبينا في الوطن ،، لأنّ كل الوطن لنا ، ونحن للوطن .

صباح سليمان كويسا
مالبورن / استراليا
Sabah_youhana@yahoo.com Opinions
الأرشيف اقرأ المزيد
كي يكون المجلس الشعبي برلمانا بعد ايام سيتوجه المشاركون لانتخاب هيئة جديدة للمجلس الشعبي الكلداني السرياني الاشوري ، سيشارك في هذا المؤتمر جمع كبير يختاره القائمون بدون (محمد صخي جوده العتابي) مبدعا من العراق بالمصادفة البحتة عرفت هذا الرجل ,,كاتب ومخرج مسرحي الإبداع وسيلته للتعبير,, الكثير من الكتاب والنقاد أجمعوا على بيان مركز الإمام الشيرازي للدراسات والبحوث ينعي فيه رحيل آية الله السيد محمد رضا الشيرازي (رضوان الله عليه) شبكة اخبار نركال/NNN/ اصدر مركز الإمام الشيرازي للدراسات والبحوث بيانا ينعي فيه رحيل آية الله السيد محمد رضا الشيرازي (رضوان الله عليه)، وفيما يلي نص البيان: "مجلس النواب يناقش الاثنين قرار تكريم لاعبي المنتخب وآليته" نكته هي أم إستغباء للعقول الصاحيه سأسترسل في تعليقي على الموضوع ورأسي منحنيا ً إجلالا للأمهات العراقيات اللواتي أنجبن هذه الكوكبه العراقيه الرائعه من لاعبينا الأعزاء , لأقول للساده البرلمانيون أكرمونا لو تفضلتم بقليل من الإنصات ,لأن الأبطال قد فعلوها وهم يعلمون بأنّ الشعب العراقي بات
Side Adv2 Side Adv1