رئيس الجمهورية جلال طالباني في أول حديث شامل لصحيفة "الشرق الأوسط" بعد الانتخابات: سننتصر على المشكلات ونشكل حكومة الشراكة الوطنية
23/05/2010شِبكة أخبار نركال/NNN/
أجرت صحيفة الشرق الأوسط حواراً موسعاً مع فخامة رئيس الجمهورية جلال طالباني، تناول الراهن السياسي العراقي، وفتح الحوار الكثير من المحاور المتعلقة بتشكيل الحكومة المقبلة وآليات عملها والظروف التي تعيق تشكيلها، ودور الرئيس طالباني المحوري في جمع الأطراف المختلفة، وتوحيد مواقفها من أجل مواصلة بناء العملية السياسية الجارية في العراق، وفي ما يأتي نص الحوار:
الشرق الأوسط / معد فياض:
حتى الآن، يبدو أن الكتل السياسية العراقية التي فازت في الانتخابات التشريعية الأخيرة اتفقت على أن تتفق أخيرا على موضوع واحد، ألا وهو تأييد ترشيح التحالف الكردستاني للرئيس جلال طالباني كرئيس للجمهورية لولاية ثانية. بهذا الاتفاق أو الاختيار شبه المجمع عليه تضع هذه الكتل ومنذ وقت مبكر مسؤولية فض الاشتباكات، وجمع الأطراف المختلفة، وتوحيد الرؤى على كاهل الرئيس طالباني الذي عرف بمهامه لإطفاء الحرائق السياسية الكبرى وجمع السياسيين العراقيين تحت خيمته ليخرجوا متراضين، ومتوافقين، وهذا ما قام به الرئيس العراقي في الوليمة السياسية التي دعا إليها الخميس الماضي.
لكن مهام المرحلة القادمة تبدو أكثر صعوبة، بدءا باختيار رئيس الحكومة الجديدة ومرورا بمناقشة برنامج وآليات عمل هذه الحكومة وانتهاء بتوزيع الوزارات السيادية على الكتل المشاركة. ويؤكد الرئيس طالباني بأنه كرئيس للعراق يقف على مسافة متساوية من الجميع، معلنا تفاؤله بالانتصار على كل المشكلات وتكوين الحكومة في وقت قريب. الرئيس طالباني خص «الشرق الأوسط» بحديث مطول وشامل، وهو أول حوار يجريه مع مطبوعة عربية بعد الانتخابات، تحدث خلاله عن دور السعودية وخادم الحرمين الشريفين في مساعدة العراق والعراقيين دون تدخل في الشأن الداخلي. وفيما يلي نص الحوار:
الشرق الأوسط: كيف تفسر إجماع الكتل السياسية على اختيارك رئيسا للعراق لولاية ثانية؟
الرئيس طالباني: الإجابة عن هذا السؤال صعبة، لأنني متعلم درس من جواهر لال نهرو الذي يقول: «عندما يمدحونني في حضوري، أخجل»، ولا أريد أن أضطر لمديح نفسي، لكنني في الحقيقة أرجع ثقتهم الكبيرة بي إلى علاقاتي المديدة معهم، وإلى علاقات الصداقة التي تربطني بالأخوة قادة الكتل السياسية، ورضائهم عن عملي خلال الفترة الماضية، وأعتقد أنهم راضون عن الدور الذي لعبته في الماضي وعلى قيامي بالمهام التي كانت على عاتقي ويريدون الاستمرار على هذا النهج وعلى هذا المنوال. و«كثر خيرهم». هكذا يبدون اللطف معي وحتى الآن أعلنت الكتل الأساسية كلها تأييدها لبقاء جلال طالباني رئيسا للجمهورية.
الشرق الأوسط: هل ترى أن المرحلة القادمة ستكون أكثر صعوبة مما مضى؟
الرئيس طالباني: الصعوبة والسهولة تعتمدان على القوى الفاعلة في المجتمع، فإذا تم الاتفاق بين هذه القوى وتعاونت فكل شيء يهون ويمكن القضاء على العقبات والعراقيل والمشكلات، وبعكس ذلك فإذا دب الخلاف والمشكلات بين القوى الفاعلة فسوف تبرز الصعوبات.
الشرق الأوسط: اعتمادا على خبرتكم وتجربتكم السياسية، كيف ترون المشهد السياسي اليوم؟
الرئيس طالباني: بصريح العبارة أنا متفائل، واعتقد أنه سيكون هناك اتفاق بين القوى السياسية على برنامج للحكومة القادمة، وستكون حكومة شراكة وطنية حقيقية، كما اعتقد أن أسلوبا جديدا في عمل الحكومة القادمة سوف يفرض نفسه على الجميع. أسلوب الشراكة والانسجام والتعاون بين القوى المشتركة، أسلوب يعتمد على وجود وزراء أقوياء وذوي كفاءة ترشحهم القوى المشاركة في الحكومة، وشروط توفر الكفاءة والقدرة على اتخاذ القرارات سوف تساعد الحكومة القادمة على أداء مهامها.
الشرق الأوسط: وماذا عن اختيار رئيس الوزراء المقبل؟
الرئيس طالباني: نعم، هذه مشكلة موجودة، وللأسف حتى الآن ليس هناك إجماع على تسمية رئيس وزراء حتى بين الكتل المتحالفة (تحالف ائتلافي دولة القانون بزعامة نوري المالكي رئيس الحكومة المنتهية ولايتها، والائتلاف الوطني العراقي بزعامة عمار الحكيم رئيس المجلس الأعلى الإسلامي)، الكتلة العراقية تصر على ترشيح الأستاذ إياد علاوي، وكتلة دولة القانون تصر على ترشيح الأستاذ المالكي، بينما كتلة الائتلاف الوطني لم تتفق حتى الآن على اسم معين.
الشرق الأوسط: وكيف ترون الخروج من هذا المأزق؟
الرئيس طالباني: أنا أعتقد أنه في النتيجة سيتفقون على اسم معين، إما أن يرشحوا شخصا واحدا ويجري تقييمه، أو أن يقدموا عدة أسماء ويكلفوا بصورة غير رسمية لتشكيل الحكومة ثم يتم الاستفسار من قبل الكتل البرلمانية فيما إذا كان احد هؤلاء المرشحين بإمكانه جمع الأصوات الكافية لتشكيل الحكومة، وباعتقادي هذا هو سيناريو المخرج الأخير لهذه المشكلة.
الشرق الأوسط: ألا تعتقد أن هناك إمكانية لأن يكون مرشح التسوية لا شيعيا ولا سنيا وإنما كرديا، كأن يكون جلال طالباني أو برهم صالح، مثلا؟
الرئيس طالباني: لا.. لا أرى مثل هذه الإمكانية، ولا أرى في الأفق مثل هذا المرشح الذي تقترحه، لأن الوضع العراقي اليوم يتطلب من الجميع التمسك بما يسمونه حقهم. البيت الشيعي يقولون إنهم أكثرية، وهم بالفعل كذلك، فهناك 159 نائبا شيعيا من القائمتين (الائتلاف الوطني ودولة القانون)، إضافة إلى مجموعة من النواب الشيعة موجودين في القائمة العراقية وكذلك هناك مجموعة منهم عند الكرد، إذن الشيعة الموجودون في البرلمان القادم يشكلون الأكثرية الكافية لتشكيل الحكومة، وكذلك مجموع الأصوات التي حصل عليها الشيعة، فدولة القانون حصلت على مليونين و794 ألفا و38 صوتا، والائتلاف الوطني حصل على مليونين و92 ألفا و682 صوتا، وهذا يعني أن الائتلافين حصلا معا على خمسة ملايين صوت، بينما حصلت «العراقية» على مليونين و443 ألفا و905 أصوات، وهذا يعكس طبيعة غالبية الناخبين.
الشرق الأوسط: هل سعيتم لمواجهة علاوي والمالكي بضرورة التوصل إلى حل لمشكلة رئاسة الوزراء؟
الرئيس طالباني: أنا في تجربتي السابقة بدأت بوليمة غداء على أمل أن تتحول إلى مائدة سياسية، وهذه هي التجربة ذاتها التي مررنا بها في الدورة السابقة، واعتبر دعوة الغداء الخميس الماضي خطوة إلى الأمام، خطوة لإذابة الجليد، وعلى الأقل جمعت القادة السياسيين وأعضاء من الكتل الانتخابية العراقية، وأعتقد أنها المرة الأولى منذ عدة سنين يجتمع هذا العدد الكبير من القادة السياسيين العراقيين والذين يمثلون مختلف الاتجاهات والكتل ويتبادلون آرائهم ويعبرون عنها، حيث جاءت هذه الآراء متقاربة وأجمعت على ضرورة تشكيل حكومة شراكة وطنية ويجب عدم تهميش أي جهة. هذا الاجتماع إن شاء الله يكون بداية جيدة، وسنستمر في هذه اللقاءات، وسأبذل جهدي للتوسط كلما طلبت الحاجة ذلك. وفي اعتقادي أنه في المحصلة سوف نتوصل إلى نتائج جيدة.
الشرق الأوسط: هل تعتقدون أن غياب إياد علاوي، رئيس القائمة العراقية، قد أثر على نتيجة الوليمة السياسية التي أقمتموها؟
الرئيس طالباني: غياب علاوي كان نتيجة مشاغله واجتماعاته خارج العراق وقد بعث لنا برسالة يوضح فيها سبب عدم حضوره، وهو صادق فيما كتبه ولو كان موجودا في بغداد لحضر.
الشرق الأوسط: هل تعتقدون أن اختيار مكان اللقاء بين علاوي والمالكي (منزل إبراهيم الجعفري رئيس الوزراء السابق) هو سبب عدم تحقيق هذا اللقاء؟ ألا يمكنهما مثلا اللقاء هنا في مقر رئاسة الجمهورية؟
الرئيس طالباني: بلى، الرئاسة مكان مناسب للقاء بين علاوي والمالكي، لكنني في الوقت ذاته اعتقد أن موضوع المكان ليس هو السبب في عدم تحقيق هذا اللقاء، وأنا اعتبر موضوع المكان عذرا، أو حجة، وإذا رغب الطرفان في اللقاء فبإمكانهما فعل ذلك في أي مكان وهذه ليست مشكلة.
الشرق الأوسط: في اعتقادكم، ما سبب عدم اللقاء بينهما؟
الرئيس طالباني: المشكلة تتعلق في عدم الاتفاق على البرامج والمواقف بينهما، وعلينا أن لا نتوقف عند الخلاف حول رئاسة الوزراء،وهذا الخلاف هو الذي طغى على السطح، بل إن الخلاف حول التفاصيل، فإذا اتفقنا على الوزارة ورئاستها، هناك برنامج الحكومة القادمة، وهناك خلافات كثيرة حول هذا البرنامج، منها:
إلى أين يتجه العراق؟ وبعد الاتفاق على البرنامج تبدأ مشكلة توزيع المناصب الوزارية، وبخاصة الوزارات السيادية، ثم هناك موضوع آلية إدارة الدولة في المستقبل، وهذه مسائل جوهرية على الرغم من أن الخلاف على رئاسة الوزارة هو الذي طغى على بقية الملفات.
الشرق الأوسط: عرفتم بجهودكم لإطفاء الحرائق السياسية الكبيرة، ترى ما مدى تدخلكم لحل المشكلات الراهنة؟
الرئيس طالباني: أنا سأبذل جهدي كي أكون عند حسن ظن الجميع، وكي أكون حارسا أمينا على الدستور وتطبيقه وراعيا للوحدة الوطنية ومؤديا لواجبي المنصوص عليه في الدستور.
الشرق الأوسط: في الدورة القادمة لا يوجد نائبان للرئيس أو كما عرف بمجلس الرئاسة، هل سيخضع هذا الأمر للتسويات والتوافقات السياسية؟
الرئيس طالباني: نعم، ليس هناك نائبان للرئيس حسب ما نص عليه الدستور العراقي. ولكني شخصيا أفضل وجود نواب لرئيس الجمهورية، على الأقل نائبين.
الشرق الأوسط: وبنفس التشكيلة، نائب سني وآخر شيعي..؟
الرئيس طالباني: ليس شرطا أن يكون النائبان من السنة والشيعة.
لماذا لا نفكر بنائب كفء من التركمان، أو من الإخوة المسيحيين، أو من الصابئة أو الأيزيديين، ولماذا نحصر الموضوع في السنة والشيعة، وماذا عن العراقيين الآخرين؟ ولأكون صريحا معكم، فأنا إذا انتخبت رئيسا للجمهورية فسيكون اختيار نائبي الرئيس حسب التوافقات السياسية، صحيح أن من حق الرئيس اختيار نوابه لكن تعيينهم من صلاحية البرلمان، لذلك لا بد من التشاور بين الكتل البرلمانية لتعيين نائب أو نائبين.
الشرق الأوسط: هل تعتقدون أن موضوع تشكيل الحكومة القادمة سوف يستغرق فترة طويلة؟
الرئيس طالباني: لا.. لا أعتقد ذلك، لأنني خلال أيام سأبدأ المشاورات مع الكتل البرلمانية وسأفهم منهم ماذا يريدون.
الشرق الأوسط: هل ستلتقون إياد علاوي؟
الرئيس طالباني: بالطبع. علاوي صديقي، وأنا أصفه بالصديق العتيد ورفيق درب النضال الطويل، وكشخص أكن له الاحترام والمحبة والمودة.
الشرق الأوسط: علاقاتكم الشخصية مع قادة الكتل هل ستساهم في لعب دور لتقريب وجهات النظر فيما بينهم؟
الرئيس طالباني: علاقاتي الشخصية مع القادة ساعدتني على أن العب الدور الذي تلمسونه الآن، وهو دور الوسيط والمنسق والجامع الشامل للجميع، وأنا أعتز بهذه العلاقة، فأنا لم ولن أفرط بهذه العلاقة إطلاقا، فمثلا علاقتي مع الأخ علاوي جيدة وعندما كان رئيسا للوزارة أشرك الأخ برهم صالح في حكومته (نائبا لرئيس الوزراء) بناء على طلبه، وساعدناه طوال الفترات الماضية، ثم إني وقفت معه عندما أرادوا وضع خط أحمر عليه وقلت إننا وباسم التحالف الكردستاني لن نقبل وضع خط أحمر عليه وإننا نتضامن مع الأستاذ إياد علاوي، وما زالت علاقاتنا قوية جدا، ولعلمكم، جرت لقاءات كثيرة بيني وبين علاوي حول الحكومة الجديدة ورئاستها ورئاسة الجمهورية، سواء في كردستان أو هنا في رئاسة الجمهورية، وفي بيتي وفي بيته، فأنا زرته وهو زارني وعلاقتنا الشخصية ممتازة.
الشرق الأوسط: هل ترى علاوي في الأفق القريب رئيسا للوزراء؟
الرئيس طالباني: نعم، إذا حصل على 163 صوتا، فأنا لن أمانع في ذلك، ولكن أنا ليس من دوري أو واجبي الدخول في صراع من هذا النوع، بل يجب أن أحافظ على مسافة متساوية من الجميع. ودعني أقل لكم شيئا، أنا تفضيلي الشخصي حول آلية العمل هو أن يجتمع البرلمان، وإذا بقيت الحال على ما هي عليه الآن فيتم تكليف الكتلة النيابية الأكثر عددا وهي الكتلة العراقية، فإذا نجح مرشحها لرئاسة الحكومة في تشكيل الوزارة فبها، وإذا لا، فعند ذلك يعتذر ويتم تكليف كتلة نيابية أخرى بتشكيل الوزارة. وحسب الدستور فإن الكتلة النيابية هي الكتلة التي تتألف في البرلمان، والكتلة النيابية تختلف عن الكتلة الانتخابية، لماذا؟ لأن هؤلاء الذين فازوا في الانتخابات لن يتم تسميتهم نوابا أو أعضاء برلمان إلا بعد مصادقة المحكمة الاتحادية عليهم وبعد أن يؤدوا اليمين الدستورية في البرلمان، عند ذاك يصبحون نوابا كاملي الصلاحية، وعند ذاك يمكن تشكيل الكتل النيابية المختلفة. وأنا شخصيا لا أرى أن هناك دواعي لتأجيج الموقف بحيث يقال إن هذا تكتل شيعي وذاك تكتل سني وهذا تكتل كردي، ولو جرت الأمور على رسلها وكلف الأستاذ علاوي ولم ينجح في تشكيل الحكومة، أعتقد أن الأخ علاوي، وكما أعرفه شخصيا، سيذهب إلى رئيس الجمهورية ويقول له:
أخي، اختر شخصا آخر لهذه المهمة، وأعتقد أن ذلك واضح في الدستور وهو مكتوب باللغة العربية الفصحى. أنا شخصيا أميل إلى التوافق الوطني حتى قبل اجتماع المجلس النيابي لأن العراق لا يحكم إلا بالتوافق الوطني، على الأقل في هذه المرحلة وحتى تتشكل أحزاب كبيرة شاملة جامعة كما كانت في العهد الملكي حيث كانت هناك أحزاب تغطي كل العراق من زاخو إلى البصرة، وحتى تتشكل مثل هذه الأحزاب التي تغطي العراق فإن الوضعية الحالية ستبقى قائمة، وهذه الوضعية تحتم الائتلاف والتوافق، ثم إن هناك حقائق ليست من صنع الإنسان، وهناك البعض عندما يكتبون يهملون هذه الحقائق، مثلا وجود المكون العربي الشيعي، وكذلك المكون العربي السني والمكون الكردي، هذه ليست فرضيات أو أوهاما أو نتاج مخيلة ما، بل هذه حقائق واضحة على أرض العراق منذ مئات السنين، فالشيعة مذاهب مختلفة وكذلك السنة، فالطائفة حقيقة تاريخية لكن الطائفية تختلف عن الطائفة، والطائفة موجودة مثلما القوميات، التي تأتي بعد الطائفة، فوجود القومية التركية والقومية التركمانية حقيقة والكلدو آشورية، إلى جانب القومية العربية حقائق ثابتة، هذه هي تركيبة العراق، وهذه التركيبة تحتم التوافق والائتلاف إلى فترة طويلة حسب اعتقادي، لهذا يجب أن نستند على الوقائع والحقائق وليس على الاعتقاد أو الرغبات الذاتية.
الشرق الأوسط: كيف تنظرون اليوم إلى علاقات العراق مع السعودية بعد زيارتكم الأخيرة إلى الرياض ولقاء خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز؟
الرئيس طالباني: شخصيا، أنا أعتز بأن لي علاقة طويلة وعميقة وجيدة مع المملكة العربية السعودية، وأنا شاكر للإخوة السعوديين لمواقفهم الطيبة معنا حتى عندما كانت علاقات السعودية جيدة مع العراق في عهد صدام، وكانوا يدعمون عمل المعارضة العراقية. وبعد انتخابي رئيسا للعراق بقيت علاقاتنا جيدة مع السعودية، وفي مؤتمرات القمة العربية شملنا خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بلطفه ومحبته، لهذا أنا عملت وما زلت بجهد لتطوير العلاقات بين العراق والسعودية، واعتقد أن هذه العلاقة مهمة جدا لاستقلال العراق واستقراره، ومهمة لدور العراق العربي كعضو مؤسس في جامعة الدول العربية، ومهمة لمصلحة الشعبين العراقي والسعودي، كما أنها مهمة لمصلحة الأمتين العربية والإسلامية، كما أن هذه العلاقات مهمة كي لا يقع فراغ عربي في العراق كما يحصل أحيانا. وقد وجدت في هذه المرة من ألطاف وكرم خادم الحرمين الشريفين تجاه كل العراقيين ما يشجعنا على الاستمرار بدورنا لتطوير علاقاتنا مع المملكة والمضي في هذه السياسة.
ووجدت خادم الحرمين الشريفين يقول صراحة: إن العراقيين كلهم إخواني، وإن المملكة تقف على مسافة واحدة من جميع الكتل العراقية. وأبدى خادم الحرمين الشريفين استعداده التام لمساعدة العراق على حل مشكلاته مع جيرانه، وكذلك مساعدته لتشكيل الحكومة الجديدة والوقوف مع العراق الجديد ودعم مواقفه.
وأنا، انطلاقا من ذلك، أجد أن الأجواء والأرضية صالحة اليوم لإقامة أحسن العلاقات بين العراق والمملكة العربية السعودية.
الشرق الأوسط: هل لمستم أن هناك نية من قبل الحكومة السعودية للتدخل في الشأن العراقي؟
الرئيس طالباني: لا.. لا، أبدا، بل لمست حرص الأخوة السعوديين على استقلال العراق واستقراره والحفاظ على سيادته وعلى عدم التدخل في شؤوننا الداخلية .
وقال خادم الحرمين الشريفين إن المملكة لا تتدخل في الشؤون الداخلية ولا تقبل أن يتدخل الإخوان في شؤون العراق الداخلية. بل إن المملكة تمارس سياسة الأخوة وحسن الجوار والمشاورة وتبادل الآراء الأخوية مع العراقيين جميعا.
الشرق الأوسط: هناك انتقادات انطلقت من الحكومة العراقية لزيارات بعض القادة السياسيين العراقيين إلى السعودية ومصر، وأنتم زرتم هاتين الدولتين أيضا، كيف تنظرون إلى هذه الانتقادات؟
الرئيس طالباني: أنا لا أؤيد أي انتقاد للمملكة العربية السعودية لأنها لم تقم بأي عمل يخالف مصالح العراق، بل على العكس، خادم الحرمين الشريفين كان وديا مع الجميع وناصحا للجميع من أجل تحقيق الوحدة الوطنية.
وفيما يتعلق بزيارة بعض الأخوة السياسيين العراقيين إلى مصر فأنا أرحب بها.
بل نحن نشعر بأننا قصرنا في علاقاتنا مع مصر، كان يجب أن نزور مصر أكثر، وأن نعطي اهتماما أكبر لمصر،
مصر ليست قليلة، وهي ليست أم الدنيا مثلما يقولون فحسب، بل مصر هي الشقيقة الكبرى، وهي حاضنة جامعة الدول العربية، ولمصر أفضال على كل الأمة العربية منذ تأسيس واستقلال الدول العربية، ولمصر أفضال علينا نحن العراقيين عربا وكردا، بل لها أفضال على الأكراد في العراق أكثر من العرب، فأول جريدة كردية صدرت في مصر، وكذلك احتضنت الأكراد وأول إذاعة كردية، ووقفت ضد الحرب على الأكراد ودعمت الحكم الذاتي للأكراد العراقيين منذ أيام الرئيس الخالد جمال عبد الناصر، ومن هذه الناحية لمصر حق العتاب على العراقيين، لذلك أنا أشجع زيارة الأخوة السياسيين العراقيين إلى مصر، كما طلبت من الأخوة المصريين أن يكون لهم حضور سياسي في العراق، إلى جانب الحضور الدبلوماسي، أما إذا حصل انتقاد، فيما إذا كان دقيقا أم لا حول التدويل وما إلى ذلك فأنا من الذين يميلون إلى هذا الانتقاد.
الشرق الأوسط: هل هناك تدخل إيراني كبير في الشأن الداخلي العراقي؟
الرئيس طالباني: أنا أعتقد أن كل دول الجوار تتدخل في الشأن الداخلي العراقي، وشخصيا ألاحظ في الفترة الأخيرة بأنه ليست هناك تدخلات إيرانية كبيرة، كما وصفتها أنت، بل إن الإيرانيين اليوم ينظرون من بعيد إلى ما يحدث في العراق.
الشرق الأوسط: وما رأيكم في وجود أحاديث عن ضغوط إيرانية أدت إلى تحالف الائتلافين، دولة القانون والائتلاف الوطني؟
الرئيس طالباني: الضغط لتوحيد الصف لشيعي يأتي من المرجعيات الدينية، سواء كان من المرجعية الدينية في النجف الأشرف أو من المرجعية الدينية في إيران، لأن المرجعية الدينية في العراق حريصة على وحدة الشعب العراقي وعلى وحدة الصف الشيعي، ثم وحدة الصف الشيعي مع الكرد ومع العرب السنة، وهذه نظرة واقعية وحقيقية، فمن دون تحقيق وحدة الصف الشيعي سيبدو التعامل صعبا للجميع، لهذا أنا أعتقد أن المرجعية الرشيدة تمارس دورا وطنيا عندما تعمل من أجل وحدة الصف العراقي ككل وليس الشيعي فقط، وأنا متأكد 100% من أن السيد علي السيستاني لعب دورا كبيرا في تهدئة الأمور في العراق وتجنيبه الحرب الأهلية حرصا على وحدة الصف العراقي بكرده وعربه السنة والشيعة.
الشرق الأوسط: اذن، فلماذا يشعر العرب السنة بانهم مهمشون؟
الرئيس طالباني: اعتقد ان ذلك يعود لسببين يتعلقان بالماضي، الاول كون الحكم كان باسمهم، مع انهم لم يحكموا بل تم الحكم باسمهم، ويخطئ من يعتقد ان السنة كانوا يحكمون العراق، بل ان الحكم كان باسم السنة، ولم يشترك في ظل النظام السابق العرب السنة،لا في اختيار نوابهم ولا في اختيار وزرائهم. ولاول مرة يختار العرب السنة نوابهم بعد سقوط النظام الدكتاتوري، فالحكم كان هو الذي يختار النواب ويعين الوزراء، ولا شك في ان الحكم السابق كان سنيا طائفيا..
في الانتخابات السابقة عام 2005 لم يشارك العرب السنة في الانتخابات ولم يساهموا في الحكومة وهذا ما اعطاهم انطباعا بانهم مهمشون. ولكن واقع الحال لا يدل على انهم مهمشون، لناخذ الرئاسات الثلاث، فرئيس الجمهورية سني، وأحد نائبيه سني (طارق الهاشمي)، رئيس البرلمان سني (اياد السامرائي) وأحد نائبيه عارف طيفور (كردي سني) ونائبا رئيس الوزراء من السنة (رافع العيساوي ونوري روج شاويس كردي سني) من تسعة اعضاء في الرئاسات الثلاث هناك ستة سنة وثلاثة شيعة..
الشرق الأوسط: لاول مرة يتحدث الرئيس طالباني عن نفسه باعتباره سنيا؟
الرئيس طالباني: من الناحية القومية جلال طالباني كردي، لكن سؤالك اثار موضوع تهميش السنة، وتحدثنا من الناحية المذهبية وليست الطائفية، وحتى اذا حسبناها من حيث المذهب والقومية فان هناك ثلاثة من الشيعة وثلاثة من السنة وثلاثة من الاكراد في الرئاسات الثلاث. انا من صميم قلبي، واقول باخلاص لم الاحظ اي محاولة حقيقية لتهميش دور السنة العرب، ومنذ ايام المعارضة كان هناك اصرارا على اهمية اشراك العرب السنة في العملية السياسية. واتذكر ان الشهيد محمد باقر الحكيم عندما عاد الى العراق بعد سقوط النظام السابق، توسطت بينه وبين الحزب السلامي وقلت للاخوة في الحزب الاسلامي اذهبوا وقابلوا الحكيم وستجدون ما يرضيكم، وبالفعل عادوا من زيارته وقالوا وجدنا اكثر مما يرضينا، وكذلك السيد السيستاني يشدد على اشراك العرب السنة في كل القرارات والحكومة، ودعني اقول لكم سرا، في ايام السعي للاتفاق على الاتفاقية الامنية بين العراق واميركا (اتفاقية صوفا) كان هناك اختلاف بين الكتل، وكان هناك اجتماع في القصر الجمهوري لمجلس الامن السياسي بمشاركة بعض الكتل، وكنت على اتصال دائم مع السيد السيستاني وقد اخبرني نجله السيد محمد رضا بان “الوالد يقول: من دون موافقة العرب السنة لا يكون اي وجود للاتفاقية”، اذن لا توجد مؤامرة او محاولة جادة لا بعاد او تهميش العرب السنة لكن هناك واقع جديد. طوال تاريخ العراق الجديد كان العرب السنة هم من يحكمون والعرب الشيعة والكرد مهمشون، فجأة ظهرت نتائج الانتخابات، واذا برئيس عراقي كردي للعراق. ولو ان علاقاتي مع القادة العرب اكثر عمقا من علاقات بعض السياسيين العراقيين العرب، ورئيس الوزراء شيعي ويحكم البلد، هذا ولد شعورا ثقيلا على قلوب بعض الناس، فالعراق لا يمكن ان يحكم من دون العرب السنة مطلقا ولا بد من اشراكهم بصورة حقيقية في الحكم وادارة الدولة.
الشرق الأوسط: هل أنتم متفائلون بما سيجري في المرحلة القادمة؟
الرئيس طالباني: نعم، أنا متفائل نحن واجهنا صعوبات أكثر من هذه، عندما بدأنا مناقشاتنا حول الدستور كان هناك من يقول إن هناك استحالة لإنجازه لكننا أنجزناه وتوصلنا إلى مسودة، وعندما عرضناه على الاستفتاء العام، قالوا لن تجدوا من يقبله لكن الاستفتاء عليه نجح وقبله العراقيون بأغلبية ساحقة، حيث صوت له 12 مليونا ونصف المليون من العراقيين، وكذلك قانون الانتخابات الذي كان يعتقد الكثيرون بأنه لن يمرر وتم قبوله وتمريره.
وهكذا مع اتفاقية صوفا التي تم توقيعها مع الإدارة الأميركية، ثم الانتخابات التشريعية التي قالوا عنها إنها لن تجري ولن تنجح لكنها جرت بصورة نموذجية وكانت ناجحة.
أنا أعتقد أننا سننتصر على الخلافات الموجودة وسنشكل حكومة الشراكة الوطنية.
عن: المركز الصحفي لرئاسة جمهورية العراق.