Skip to main content
Facebook Twitter YouTube Telegram

رسالة البابا بندكتوس إلى البطريرك الكلداني وأساقفته وكهنته وشمامسته وجوقاته ورعيته

مقدمة

 لقد بعث البابا بندكتوس السادس عشر رسائل عديدة إلى أتباعه من الكاثوليك الذين يبلغ تعدادهم حوالي 1.2 مليار بشر في بابويته القصيرة التي إستغرقت حوالي سبع سنوات. 

ولكن الرسالة التي قرأها في اليوم الذي أعلن فيه إستقالته والجهود الجبارة التي بذلها لإحياء وتنظيم وترتيب ليتورجيا كنيسته اللاتينية وإحياء وتجديد وبث الحياة في هويتها لها أكثر من مدلول لنا نحن الكلدان برئاستنا المتمثلة بالبطريرك والأساقفة والكهنة والشمامسة والجوقات والرعية. 

مقارنات 

 لن أجري مقارنات مستفيضة بين الجهود الجبارة التي بذلها البابا، الذي إستقال وغادر منصبه في نهاية شباط، لإحياء التراث الليتورجي اللاتيني للكنيسة الكاثوليكية وبين الجهود العظيمة والملفتة للنظر التي بذلها ويبذلها الكثير من الأساقفة والكهنة والشمامسة والجوقات الكلدانية لطمس هويتهم الليتورجية المشرقية. 

بيد أنني أقول إن بندكتوس كان مهندس المجامع والإجتماعات المسكونية التي عقدت في الستينات حيث كان عندئذ رئس اساقفة في ألمانيا بإسم جوزيف راتزينكر ولعلمه الغزير بتراث الكنيسة اللاتينية وهويتها ولاهوتها وليتورجيتها أصبح المستشار اللاهوتي لهذه المجامع. 

أذكر المجامع المسكونية لأن بعض ضعاف الأنفس من الأساقفة والكهنة الكلدان إتخذوها ذريعة لتهميش هويتنا الليتورجية وتراثنا المشرقي حيث رمى بعضهم كتب الليتورجيا والتراث في سلة المهملات وأنطلقوا ليس بدافع كنسي او مسكوني بل بدافع عروبي ويعربي لفرض التعريب علينا. 

ولكن هذه لم تكن سياسة البابا بندكتوس. إنه كان يحب هويته الكنسية اللاتينية حبا جما وبعث الحياة فيها إلى درجة كان المؤمنون في شتى أنحاء العالم يرونه وهو ينشد من تراثه اللاتيني في القداديس والصلوات مشاركا الجوقات والموسيقيين الذي كانوا يؤدون روائع موزارت وباخ وغيرهم.

 

لحظة لن ينساها العالم

 

ويوم إستقالته الذي هز الدنيا أبى إلا ان يقرأ بيان الإستقالة بلغة كنيسته اللاتينية رغم معرفته أنه ليس هناك في كل العالم أليوم أكثر من 100 شخص يتقنون التحدث بها. 

ومن بين مئات الصحفيين الذي كانوا حاضرين لم يكن فيهم من يفهم اللاتينية غير الصحفية الإيطالية جيوفانا تيري التي لقفت الخبر ومنحت صحيفتها سبقا سيدخل التاريخ.  

والبابا بندكتوس قد دخل التاريخ ليس فقط من خلال قراره الشجاع بالإستقالة بل لأنه أصر على إحياء لغة وليتورجيا كنيسته اللاتينية. واليوم بدأ الالاف يتعلمون هذه اللغة ويتعلمون الحان وروائع ليتورجيتها وأخذت الكنائس في كل اوروبا تنشد الأصالة – أي العودة إلى الجذور وإحيائها وتقديمها بشكل يناسب عصرنا الحالي. 

لم يكتف البابا بهذا بل شجع الجوقات الكاثوليكية اللاتينية على إنشاد روائع الطقس اللاتيني إن بلغاتها المحلية الكلاسيكة او باللاتينية. وكان نادرا أن يخلوا قداس او صلاة او مناسبة يقيمها من جوقات وعازفين يؤدون الليتورجيا اللاتينية التي تمثل هويته الكنسية. 

والبابا كما يعرف الكل ألماني، أي هويته الإثنية  واللغوية لا علاقة لها من قريب او بعيد باللاتينية. 

لكنه مع ذلك أسس الكلية البابوية اللاتينية لتشجيع الدراسات والممارسات الليتورجية بهذه اللغة.

 

هل سنتخذه قدوة؟

وقد قرأت في أخر مقابلة للبطريرك لويس روفائيل انه يتخذ البابا بندكتوس قدوة له.

 ما أحسن هذا القول.  

ونحن ننتظر بفارغ الصبر يوم التنصيب الرسمي لبطريركنا ونتوقع أن يترجم قوله هذا على ارض الواقع وأن يقرأ جزءا من خطبته بلغة كنيسته المشرقية الكلدانية وأن ينشد مع الأساقفة والكهنه الحاضرين روائع الطقس الكلداني والليتورجيا الكلدانية الخاصة بهذه المناسبة. 

وننتظر ان تقوم الجوقة المرافقة بإنشاد روائع طقسنا وتكف عن التغني بما أُقحم علينا من ليتورجيا دخيلة، مملة وباهتة. 

ونأمل أن يؤسس أكاديمية بطريركية سريانية تعتني بهوية كنيستنا المشرقية الكلدانية وتبث الحياة فيها كما فعل قدوته وهو البابا بندكتوس بخصوص اللاتينية. 

وبالطبع هناك فرق كبير جدا. بالنسبة لنا ولبطريركنا واساقفتنا وكهنتنا وجوقاتنا فإننا لسنا غرباء عن لغتنا التي هي هويتنا وليتورجيتنا التي هي هوية كنسيتنا لأننا منها وهي منا. البابا بندكتس الماني ولكن أحيا ليتورجيا هويته الكنسية اللاتينية – اللغة التي لا علاقة مورفولوجية او فونولوجية او سينتاكتية لها مع الألمانية. 

والأنكى أن المتحدثين بها بحدود المئة شخص مع ذلك جعلها اللغة الرسمية للفاتيكان. 

نحن لغتنا لا زالت الغالبية الساحقة من الكلدان يتحدثون بها – أي مئات الالاف من الأشخاص - وهي تقريبا ذاتها من كل النواحي لأن السورث التي نتكلمها ما هي إلا لهجة قريبة جدا من لغتنا الطقسية أي هويتنا كقوم وكنيسة.

 

البابا والموقف من الهوية الكنسية المشرقية

 

وكان البابا من أكثر البابوات في العصر الحديث الذين أكدوا على الهوية المشرقية للطوائف الكاثوليكية وكان يطالب بالحفاظ على الليتورجيا المشرقية وعدم إستبدالها باللاتينية او غيرها. 

وعندما إجتمع في مستهل بابويته بالأساقفة في الدول الإسكندنافية ألقى فيهم خطبة ولا زلت أحتفظ بنسخة منها يقول لهم اليوم في أبرشياتكم الكثير من الكاثوليك المشرقيين وأنا أطلب منكم ان تعملوا جهدكم كي يحافظوا على مشرقيتهم ولغتهم وليتورجيتهم. 

ولكن ما حدث ويحدث هو العكس تماما حيث تجمع أكثر من 700 كلداني في السويد مع كهنتهم قبل أشهر وهم ينشدون بالعربية في السويد وبعضهم يتغنى بالعروبة. 

ولتكن الكنيسة الكاثوليكية السويدية او غيرها قدوة لنا أيضا. نسبة السويديين لا تتجاوز 10% من مجموع الكاثوليك في هذا البلد البالغ حوالي 150 الف شخص. ولكن لن ترى أبدا في أي ممارسة ليتورجية لهذه الكنيسة غير تراثها السويدي وبعضه يعود إلى مئات السنين ومكتوب بلغة كلاسيكية صعبة جدا. 

الكنيسة الكاثوليكية السويدية حتى يومنا هذا تضع اللغة اللاتينية التي ليست لغتها القومية بجانب اللغة السويدية في أغلب ليتورجيتها. 

الكنيسة السويدية الكاثوليكية يحضرممارساتها الليتورجية كلدان وكروات وصربيون وفيتاميون وصينيون وأفارقة وغيرهم من أمم ولغات شتى ولكنها تتشبث بهويتها الليتورجية المتمثلة بكتابها الليتورجي الموحد الذي يلتزم به الكل. 

لو كنا نحن لجعلنا – كما هو شأننا الأن – ليتورجيتنا أمما متحدة وعزونا ذلك إلى "الروح القدس" وإلى تعليمات المجمع الفاتيكاني. يا لنا من مساكين. 

صار لي أكثر من عشر سنوات هنا أرتاد فيها الممارسات الليتورجية للكنيسة الكاثوليكية ولم ألحظ يوما واحدا أن الأسقف او كهنته قد تخلوا حتى عن زيهم التقليدي ويلتزمون بالليتورجيا حسب الروزنامة الليتورجية اللاتينية من حيث اللباس والتقليد. 

ومن التقاليد التي أرتادها سنويا هو اربعاء الرماد وهو اول يوم من زمن الصوم لدى أتباع الليتورجيا اللاتينية حيث يرتدي رجال الدين والشمامسة زيا خاصا ويحملون اواني فيها رماد ويرسمونه كإشارة صليب على جبين كل الحاضري ويرتلون وينشدون كلهم سوية وبلغتهم ولم يكترثوا يوما أن هناك كلدان او غيرهم كي يغيروا ليتورجيتهم او لغتهم على شأنهم.

 

اما نحن فحدث ولا حرج

 

بعض أساقفتنا وكهنتنا يرى في هذ الممارسات جزءا من التقليد فيطالب بكسر القيود ولا يعلم أنه يساهم في تحطيم هويته الكنسية المشرقية التي دونها لا هوية لنا. 

ولهذا لم أرى يوما اسقفا كلدانيا او كاهنا كلدانيا منذ تواجدي هنا في السويد وهو بزيه التقليدي. 

ولم أسمع جوقة تنشد من ليتورجيتنا المجيدة.  

 وبعض الكهنة الذي قدموا لدينا يرفض حتى إرتداء الزي الليتورجي الخاص بنا ويفضل الزي اللاتيني بينما لم يحدث أبدا أن قبل كاهن لاتيني إرتداء زيينا الكنسي. 

اما عن المخالفات الليتورجية فهذا يراد له مقالا او ربما كتابا خاصا. كل له ليتورجيته ولغته وزيه وقد يكون هناك ليتورجيا مختلفة كل يوم أحد ولا نعلم ما هي الليتورجيا الخاصة بالصوم وبدايته ووسطه ونهايته وما هي ليتورجيا الأسرار وكل له ترجمته وصلاته المملوءة بالأخطاء... وليكن الله في عوننا. 

أملنا كبير ببطريركنا المحبوب أن يحدث ثورة في ليتورجيتنا المشرقية الكلدانية تعتمد وتستند وتغرف من الأصالة المشرقية التي لم تلد المسيحية مثلها روعة وجمالا وأسلوبا ومحتوى وموسيقى.

 

وليكن مثلنا البابا بندكتوس

 

نعم كنت أنا ومعي المئات من الأكاديميين والعلماء الكاثوليك من المنتقدين للمؤسسة الفاتيكانية ولطريقة البابا بندكتوس لمعالجة بعض القضايا. وأنا شخصيا إنتقدت المؤسسة الكنسية في مقالات لي بالعربية والإنكليزية وفي كتاب مهم هو اليوم ضمن المناهج الدراسية لكثير من الجامعات. ولن أكف لأنني أرى ظلما وحيفا كبيرا جدا لحق بنا نحن المشرقيين الكلدان على أيدي المؤسسة الكنسية الغربية الإستعمارية أي الفاتيكان وقد وضحت ذلك في مقالات سابقة وسأعرج عليه لاحقا. 

ولكن كان قلب البابا بندكتوس مفتوحا ويسمع لنا ويقرأ لنا. 

وأروع وأبدع وصف لمسيرته كبابا كان في خطابه الأخير عندما قارن بين فترته وبين التلاميذ في مركب في بحيرة طبريا كاد يغرق من العواصف القوية بينما كان المسيح نائما. لكنه أردف قائلا: رغم كل هذه العواصف – وهو يشير إلى المشاكل الهائلة التي تمر بها المؤسسة الكنسية – لن يترك المسيح كنيسته وسينهض من النوم وبإشارة منه ستهدأ كل العواصف.

 

 

 

 

 

 

Opinions