Skip to main content
Facebook Twitter YouTube Telegram

زفاف التاجي - فرصة لقطع رأس ميدوزا الإرهاب قبل أن يحولنا إلى صخرة



9 حزيران 2011

كتب الشاعر العراقي الأكبر يحيى السماوي تعليقاً على مقالتي السابقة "جريمة عرس التاجي واختطاف العراق نحو مضيف الشيخ محجوب" فقال: "أجدني عاجزا عن وصف حنقي ووجعي فالتمس لي عذرا أيها العزيز". آلمني أن يحس ساحر الكلمة القدير، بالعجز أمام حجم الوحشية. كتبت له "...إن لم يكن أنت فمن؟.... من يستطيع أن يربت على كتف أمته، ويحيطها بالحب والطمأنينة في عالم شديد والوحشة والوحشية، ويعيد لها الثقة بالنفس ويذكر الإنسان فيها أنه أنسان وله من يحبه ويحترمه، رغم كل الأصوات الصارخة : أنت حشرة!.... شاعرنا الكبير، إن لم يكن أنت فمن؟". (1)

ذكّرني ألم السماوي بما قرأت قبل عقد من الزمان رد لأحد الكتاب العراقيين حين لامه أحدهم أن الأدب العراقي لم يعكس ما مر به العراقيون من كوارث، فقال بصدق: " هول الأمر كان أكبر منا"!

ليس غريباً إحساس هذا الكاتب بالعجز، فكيف تصف مذابح صدام حسين، حين كان صديق أميركا الوفي، للشعب العراقي برواية؟ وكيف للشاعر أن يضع على الورق ما يكفي للتعبير عن وحشية جريمة زفاف التاجي في قصيدة؟ هناك حدود للغة، تعجز بعدها عن العمل، ويصاب عقل الإنسان عندها بالشلل!

لسنا الوحيدين في العراق الذين نجابه بمثل جرائم زفاف التاجي المثيرة للذهول، فقبل خمسة سنوات كتبت في مقالة لي عن حوادث مماثلة من أميركا الجنوبية اقتطف منها أثنتان هنا (والمقالة مازالت جديرة بالقراءة (2)) :

"- امرأة فلاحة عادت الى بيتها ذات يوم فوجدت أمها وأختها وأطفالها الثلاثة جلوساً حول المائدة وقد وضع الرأس المقطوع العائد لكل منهم على المائدة بعناية أمام جسده, ورتبت اليدان فوق الرأس على نحو "كأن كل جسد كان يضرب رأسه بيديه". وقد وجد المغتالون, صعوبة في تثبيت رأس احد الأطفال الثلاثة, البالغ من العمر ثمانية عشر شهراً في مكانه, فدقوا اليدين على الرأس بالمسامير. وقد عرضت في وسط المائدة بذوق رفيع, طاسة كبيرة مليئة بالدماء."

"لايقتل الناس من قبل كتائب الموت ويكتفى بقتلهم فقط – فرؤوسهم تقطع ثم تعلّق على أوتاد لتأشير حدود الأراضي. ولا تبقر بطون الرجال.... ويكتفى ببقرها فقط, فأعضاؤهم التناسلية تقطع وتحشى بها أفواههم. ولا تغتصب النساء ويكتفى بإغتصابهن فقط, فأرحامهن تنتزع من أجسادهن وتغطى بها وجوههن. ولا يكفي قتل الأطفال, إنهم يجرّون جراً على الأسلاك الشائكة حتى تتساقط لحومهم عن عظامهم والأباء والأمهات يجبرون على مشاهدة ما يجري.."

الحادثتان رواها ً الأب دانييل سانتياغو, وهو قسيس كاثوليكي يعمل في السلفادور, في صحيفة اميركا اليسوعية واصفاً أعمال الحرس القومي السلفادوري التابع للحكومة المدعومة من الحكومة الأمريكية، وقد قتل القس نفسه فيما بعد (3). كما اعترف سيزار مارتينيز, الهارب من جيش السلفادور للصحفيين ومساعدي أعضاء الكونغرس في واشنطن عن أشتراكه في عمليات تعذيب وقتل تنتهي بإلقاء الضحايا في مياه المحيط الهادي تقوم بها مجموعة القوات الخاصة المسماة ( GC-2) بعلم من المستشارين الأمريكيين. وقد نفت ادارة بوش (الأب) هذه الإتهامات ولو انها اقرت بأنها "خطيرة جداً" وزعمت ان التحقيقات جارية. لكنها حاولت اخراس مارتينيز وترحيله الى السلفادور قبل ان تسبب معلوماته الكثير من الضرر.

هناك بضعة قصص أخرى من نفس النوع في المقالة، وهي لا تختلف في نوعية فضائعها عن جريمة زفاف التاجي أو ما قيل عن اكتشاف رؤوس أطفال مثقبة بالدريل، وغيرها من الأهوال. هذه القصص التي تشبه ما يحدث في العراق، حدثت في الجزء الثاني من الكرة الأرضية، لكن ما قد يجمعها مع أحداث العراق هو أن جرائم أميركا الوسطى حدثت تحت إشراف جهات مدعومة من الحكومة الأمريكية، وقد افتضح رسمياً أن السفير الأمريكي كان "على علم بها" على الأقل، دون أن يعترض أو أن يؤثر ذلك على الدعم الأمريكي لتلك الجهات. والتشابه الآخر أيضاً أن تلك الأحداث قد وقعت في زمن ولاية جورج بوش الأب، ووقعت معظم أحداث ا لعراق في زمن جورج بوش الإبن (وقد تكون الباقية من إنتاج من ترك خلفه) ، وأيضاً "صدفة" أخرى هي أن السفير الأمريكي في تلك المنطقة، عندما كانت تشهد افضع المذابح، كان "جون نيكروبونتي" ، وهو "بالصدفة" أول سفير للولايات المتحدة في العراق!

إن القول بأن المجرمين المنفذين هم عراقيين في نهاية الأمر، ليس قولاً دقيقاً، فلا يوجد بلد ليس فيه ما يكفي من المجرمين، إنما السؤال هو فيمن ينظمهم ويجعل منهم قوة إرهابية مؤثرة، بدلاً من مجموعات فالتة ترتكب الجرائم المتفرقة كما يحدث في اي بلد في العالم، حتى المتقدمة منها. لم يعرف العراق قبلاً هذا "الإرهاب" كما لم تعرف أميركا الوسطى ذلك النوع والحجم من الإرهاب قبل ثمانينات ريكان ونيكروبونتي. إنها حقائق مهمة.

هؤلاء ، يريد البعض تمديد بقاء قواتهم في بلادهم! (أنظر الملحق في الأسفل رجاءاً)

****

عندما نصح مكيافيلي الأمير بأن عليه عندما يضرب، أن يضرب بقوة شديدة لا تدع مجالاً للضحية ومن حولها أن تفكر بالإنتقام، فقد كان يؤسس علماً للوحشية الحديثة، التي ربما لم يكن أول منظريها، لكنه كان من أشهرهم. وقد اتبع نصائحه تلك كل من كانت له أهداف مرفوضة، تحتاج إلى أن يرهب شعب البلاد ليقبلوها، سواء كان هؤلاء من المستعمرين أم من طغاة الداخل. فهي تتميز بالكفاءة العالية والتأثير السريع، وبالتالي فهي مغرية لكل فكر براغماتي. شعار الإرهابيين الحقيقيين البراغماتيين: إما أن تضرب بوحشية تعمي الضحية ومن حولها، أو أن لا تضرب. الحرص على التأثير المنتشر هو العامل المشترك في قصص الإرهاب، وهو العامل الحاسم لنجاحها في الوصول إلى أهدافها. ما اعترف بافتقاده هنا، هو أني لا أذكر أني سمعت بجريمة بهذه التفاصيل وقت وقوعها، وهو ما يفترض أن يحرص الإرهاب عليه. فهل كان تقصيراً في اطلاعي؟ أم أن الإرهابيون فشلوا في إكمال مهمتهم بجزئها الإعلامي؟ هذا ما لا استطيع الإجابة عنه حالياً.

وكما بينت جريمة كنيسة سيدة النجاة، فعندما يفشل الإرهابي البراغماتي من تحقيق الوحشية اللازمة، لأي سبب كان، توجب على فريق آخر أن يكمل عمله فينشر في الإعلام، ذلك المستوى المطلوب من الوحشية، وتصوري أنه على هذا الأساس كتب فراس الحمداني قصته المخيفة المزيفة عن جريمة كنيسة سيدة النجاة، أو تم تسريبها إليه. هو مازال يلتزم الصمت!

قصة الوحشية والإرهاب الذي يبعث على الشلل، تعود بنا إلى الأساطير الإنسانية القديمة، وبالذات أسطورة "ميدوزا" المرعبة التي كان شعرها من الأفاعي، وإن نظر الإنسان إلى عينيها، تحول إلى صخرة. ومن ينظر ملياً إلى وحشية جريمة زفاف التاجي، يحس بالشلل وعدم القدرة على الكتابة أو حتى التفكير. ربما تعلم أساتذة الإرهاب درسهم في الوحشية الباعثة للشلل، من وحي هذه الأسطورة، فصمموا على أساسها، وحشية جرائم أميركا الوسطى في الثمانينات، والعراق الحاضر.

ما الحل مع هذه المشكلة؟ إن لم تفكر بها وتتأملها، فلا أمل أن تجد طريقاً لمواجهتها، وإن فكرت وتأملت، اصابت وحشيتها رأسك بالشلل! لقد كان هذا هو سر قوة ميدوزا وطريقتها المنيعة لحماية نفسها، ولعله سر بقاء الإرهاب أيضاً.
لكن الأساطير لا تعلم الدكتاتوريات وحدهم، بل تعلم الشعوب أيضاً كيف ترد. "بيرسيوس"، أحد أبطال تلك الأساطير، وجد طريقة لقتل ميدوزا، فوضع في درعه مرآة تمكنه من رؤيتها، دون أن ينظر إليها بعينيه مباشرة، وهكذا تمكن من قطع رأسها، وهكذا علينا ان نفعل. أن لا ننظر إلى تلك الفضائع بكل مشاعرنا الإنسانية مباشرة، فتشلنا عن التفكير، بل أن نمنع القلب منها، وننظر إليها وهي تنعكس على مرآة العقل فقط، قدر الإمكان، فنحلل ما يحدث دون أن نغرق في الألم الذي يسببه النظر. هكذا يمكننا أن نواجه الوحش ونقطع رأس ميدوزتنا كما فعل "بيرسيوس". علينا أن نراجع قصص الإرهاب بشجاعة وننظر إليها من جديد بمرآة العقل وحده، وأن لا ندع للخوف أن يمنعنا من التفكير بأي متهم ممكن، مهما كان كبيراً.

لقد تم تحقيق نصر كبير، ولكنه قابل للتبخر كلياً، في قصة جريمة زفاف التاجي. لقد تمكنت الشرطة من القاء القبض على الجناة وتقديمهم للتحقيق، وايضاً عرضت اعترافاتهم على التلفزيون، وعرفت أيضاً، وهذا في غاية الأهمية، ارتباطاتهم ببعض كبار السياسيين من أمثال أياد علاوي وقائمته، وكشفت أمام الناس.
كل واحدة من هذه، إنجاز عظيم في المعركة، لكن كل هذه الإنجازات، يمكنها أن تتبخر تماماً، وتسجل نصراً كبيراً للإرهاب بدلاً من القضاء عليه. كيف؟

أولاً، حتى هذه اللحظة لم يتم الحكم على المتهمين، ولم يتم تنفيذ الحكم بهم، وهو الإعدام بلا شك. وما يجعل هذه نقطة مهمة، هي حقيقة احتمال تدبير أمر هروب هؤلاء قبل الحكم أو قبل تنفيذه. وهو أمر وارد تماماً بعد كثرة تكرار قصص الهروب من أهم السجون العراقية المحصنة.
فحتى هذه اللحظة كانت القصة كلها تخدم الإرهاب فقط! حتى هذه اللحظة، تمكن الإرهاب البراغماتي من أن ينظر بعين العراقيين بوقاحة تامة ويحكي قصته، ويثير فيهم الغثيان والإشمئزاز. بل أن أحد الإعلاميين كان من البلاهة أنه سأل أحد أهم هؤلاء القتلة الوحشيين إن كانت معاملته جيدة في السجن، وإن كان مرتاحاً ، وإن كانت الكهرباء تنقطع عنه! كل هذا من أجل أن يقوم بدعاية رخيصة للحكومة وجهازها الأمني، وكأن من واجب المجتمع أن يطمئن على راحة هؤلاء أكثر من راحة أبنائه أنفسهم! لم يكن هناك أثر للضغط على أي من المتهمين ولم يرف لأحدهم جفن، مما يعني أنه تم بالفعل معاملتهم وفق حقوق إنسان لا يتمتع بها المواطن العراقي ابداً. فالسؤال الأول : لماذا؟

والسؤال الثاني: كيف أمكن الحصول على كل تلك الإعترافات من خلال معاملة متناهية الرقة؟ فهل يعترف أحد بمثل تلك الجرائم دون أن يشعر أن راسه قريب من المقصلة وأنه شخص حقير وأنه أمام مجتمع يستطيع ويريد سحقه كما تسحق الذبابة؟ والسؤال الثالث هو، إن كانت هذه هي المعاملة، فما الذي يجبر هؤلاء أن يعترفوا بكل ما لديهم، وخاصة ان يبلغوا عن القوى التي تقف وراءهم وتمدهم بما يحتاجون من معونة أمنية استخاراتية وتدريب وغيره لتنفيذ جرائمهم؟
أليس الإحتمال الأكبر أنهم احتفظوا بهذا الجزء الخطير من المعلومات من أجل إتاحة الفرصة لهؤلاء لإنقاذهم بعملية ما من السجن؟ لو كنت أنت مكانهم، فرضاً ، واعتذر عن التشبيه، هل كنت تعطي أسماء من قد يستطيع أن ينقذك مما أنت فيه، وأنت تعامل بحذر كبير واحترام ودقة وتعلم أن أحداً لن يمسك، وأن الكهرباء تأتيك بلا انقطاع ومعها التبريد، كما ذكر الوحش بنفسه؟

الجزء الثاني من الموضوع، أن الأشخاص ذوي العلاقة بالموضوع، من قيادة الوفاق، لم يتم التحرش بهم أو ربما لم يتم حتى السؤال عن علاقتهم بالموضوع بشكل رسمي، وربما لم يتم سؤال المتهمين "المقدسين" عن ذلك! مازال علاوي حراً طليقاً هذه المرة ايضاً، مثل كل مرة يتم اتهامه بها بجرائم إرهاب بيده أو بمساندة الإرهاب، كما اشرت إلى ذلك في مقالتي السابقة عن الموضوع (1).

لقد تجرأ حزب علاوي على إنكار معرفتهم بالمجرم رغم الصور، وكانت كذبة رخيصة لا تستحق الوقوف عندها. لكن ما قد يستحق الوقوف عنده قليلاً في أجواء العراق المفعمة بالشك، هو ما كتبته (أو كتبه) "عشتار العراقية"، من تشكيك بصحة وقوع الحادثة أصلاً، وتصوير الأمر كمؤامرة من الحكومة من أجل الإساءة إلى أياد علاوي والقائمة العراقية. (4)
وبالفعل قرأت الموضوع باهتمام، فالثقة في هذا الوقت بلاهة لا أكثر. وفي أدلة الكاتب على كذب القصة، كانت هناك نقطتان أساسيتان، الأولى أنه بين أن الصورة التي نشرها أحد المواقع مع الخبر لا تمت للموضوع بصلة، ولكن هذا الموقع غير رسمي وحتى هو لم يدع أن الصورة للمتهمين بل وضعها دون تعليق.



وهناك نقطة أخرى هي أن ظهر أحد القتلة في الفلم يطلق النار وهو يرتدي ما اعتبره الكاتب "ملابس السجن" وقال أن هذا الخطأ كشف الكذبة، وانها كانت "إعادة تمثيل الجريمة" وأن الشرطة نسيت أن تلبس المجرم ملابس عادية.. الخ.
وبالفعل يظهر القاتل في الصورة بملابس قريبة من لون ملابس السجن، لكن التدقيق يكشف نقطتي ضعف في هذا التحليل وهما أن ملابس السجن التي تظهر في صورة مجموعة المجرمين، تتكون من قطعة واحدة، بينما يرتدي المجرم بدلة من قطعتين بشكل واضح. النقطة الأخرى هي أن بدلة المجرم بنصف ردن (نصف كم) بينما بدلة السجن ليست كذلك.
هكذا تفشل المحاولة لتبرئة اياد علاوي ومجموعته، من خلال الطعن في القصة. لننتظر المحاولة التالية.

من الواضح أن حلفاء علاوي في الحكم، مازالوا يخافون منه أكثر من خجلهم من ما سوف يمس سمعتهم أو ما قد يصيبهم من وجوده طليقاً بينهم بلا تحقيق ولا محاكمة ولا حتى رفض مشاركته، وهو ما تكفي لتبريره عادة الشكوك وحدها! عندما يتهم سياسي ما بتهمة كبيرة، ينسحب بنفسه أو يتخلى الحزب عنه حتى لو ثبتت براءته، مجرد بسبب احتمال السمعة المشبوهة التي يأتي إسمه بها إلى الحزب والمجموعة، أما في العراق فيتعامل الجميع، حتى الشرفاء، مع المشبوهين بتساهل تام يعرضون فيه شرفهم ومصير البلاد الى الخطر.

كل الذي فعلته الحكومة بعد الفضيحة أنها صارت أكثر قدرة على "المناورة" معه، وقالت له أنها ليست مضطرة لقبوله، وأنه إن رغب بالخروج فسيتم تشكيل حكومة أغلبية. وطبيعي أن علاوي تراجع عن مواقفه الصلبة، اما لأنه حسب الموضوع بنفسه أو لأن من يقف وراءه نصحه بالإنحناء للعاصفة حتى تهدأ، والتراجع إلى خندق خلفي في انتظار الفرصة التالية للضرب، وهو ما فعله بالضبط ، فهاهو ينكر بصلافته المعهودة عندما يحتاج للكذب، وبعد عشرات التهديدات بالإنسحاب. ورغم أن أكاذيب أياد علاوي والعراقية أصبحت تحصيل حاصل وأن الإشارة إليها وإثباتها أصبح أمراً مملاً ولم يعد يثير أهتمام أحد، فلا مفر من الإستشهاد ببضعة اسطر. ففي يوم الأحد 29 مايس، "أكد مستشار العراقية هاني عاشور في حديث مع إيلاف أن قائمته ستجمّد مشاركتها في العملية الثلاثاء، إذا لم يخرج الاجتماع باتفاقات محددة ومثمرة لتنفيذ مبادرة بارزاني.". وكان إياد علاوي قد "هدد عقب اجتماع مع قيادات القائمة وأعضائها، بينهم رئيس البرلمان أسامة النجيفي، أمس الاول، باتخاذ موقف شديد من العملية السياسية في حال عدم تنفيذ المحاور التسعة في اتفاقية بارزاني"(5)

وعندما فشلت محادثات الثلاثاء أعلنت القائمة العراقية تعليق اجتماعاتها إلى حين توضيح موقف المالكي من القضايا الخلافية، وقال الناطق الرسمي للعراقية هاني عاشور بأنه لا يستبعد "انسحاب العراقية من العملية السياسية او تعليق مشاركتها في مجلسي الوزراء والنواب."(6) وبعد كل هذا لا يجد علاوي صعوبة في القول بأنه حتى "الحديث عن احتمال انسحاب العراقية من العملية السياسية....ليس له صحة إطلاقاً" !! (7)

لا أدري اي مستوى من الكذب يجب أن يصل إليه جماعة العراقية ليتوقف من يأمل منهم بشيء عن الوهم، لكن السؤال الذي يهمني أكثر هو لماذا يترك أمر "حكومة الشراكة" لعلاوي ليقرره؟ إن حكومة الشراكة كما يعلم الجميع اليوم، وكما حذرت منذ ظهور هذا المفهوم قبل سنين في اكثر من مقالة، ليست سوى فخ (أمريكي) للقضاء على الحكومة العراقية القادمة كما في سابقاتها، وإبقائها في حالة فشل وشلل حتى يرضخ الناس لحكومة يرأسها علاوي وبقية البعث الأمني وكل من ليس له ضمير.

إن دعوات علاوي لإعادة الإنتخابات ليست سوى خدعة، فلا أحد اليوم يقف مع علاوي وزمرته بعد هذه الفضيحة، وحتى أميركا قد تفضل تجنب ذلك. لكن من الناحية الأخرى فليس هناك مبرر حقيقي للحكومة للقيام بذلك فلديها أغلبية كافية للحكم بالأغلبية، وبدون هذا الداء الخبيث، داء "حكومة الشراكة". وإن لم يتم معالجة هذا الداء الآن، ووقف هذه التمثيلية الدموية في العراق، فلن يتم ذلك في وقت آخر، لأنه لن يأت وقت آخر أفضل. كونوا حكومة اغلبية بدون علاوي وزمرته، وأمتنعوا عن تمديد القوات التي لا تريد البقاء إلا لفرض أمثال هؤلاء على الشعب العراقي، واحسموا الأمر. لو كان علاوي في مكان القوة، وأتيحت له اقل فرصة للتخلص من كل شركائه، بلا استثناء، لما تردد لحظة واحدة، ولما تردد الأمريكان في مساعدته لحظة واحدة.

لماذا يكون الحسم دائماً في الجانب الأمريكي البعثي دائماً، والتردد والميوعة في الجانب المقابل دائماً؟ لقد منحت هذه الميوعة غير المحدودة حرية الحركة لعلاوي لكي يجرب انسحابات عديدة وتهديدات عديدة بالإنسحاب، وليجس النبض في كل مرة إن كان الإنسحاب سيكفي لتحطيم الحكومة أم لا، دون أن يخشى أن تكلفه تلك التجارب شيء، فهو يعلم أن المقابل لن يقوم بأي رد فعل يستحق الذكر. إنها سياسة تشبه لعبة نرد قواعدها: إن جاءت الفرصة للبعث وأميركا، حسم الأمر لصالحهم، وإن جاءت للمقابل، نلعب النرد من جديد! لذلك لنجرب إلقاء النرد (التهديد بالإنسحاب) كثيراً، فليس لدينا ما نخسره، خاصة عندما يمكن نكران التهديد بصلافة دون أن يحتج أحد. إنها لعبة خاسرة بالضرورة، ولا تحتاج إلا لبعض الوقت لإنزال الكارثة البعثية الأمريكية من جديد في العراق، كما حدث في 1963 و 1968.

أن تشبيه ما يحدث في العراق بالميدوزا ليس مبالغة على الإطلاق، فأمامنا "ميدوزا" إرهاب منظم وبراغماتي بامتياز، يسعى من خلال وحشيته إلى إبعاد نظرنا عن تنظيمه وبراغماتيته ودقة عمله باتجاه أهداف سياسية محددة، وليست عشوائية مجنونة بالتأكيد. العراق مهدد بأن يكون ضحية هذا الإرهاب السياسي إلى الأبد، مالم يجد بين أبنائه من له ذكاء وإرادة "برسيوس" لفهم الخطر والشجاعة اللازمة للنظر إليه دون أن يصيبه الرعب بالشلل، والقدرة على إتخاذ موقف حاسم قبل فوات الأوان.

(1)http://www.almothaqaf.com/index.php?option=com_content&view=article&id=49777
(2) أبي يجد جواباً لحيرته: بحث عن الحقائق في موضوع العنف في العراق - 2
http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=76978
(3)Daniel Santiago, "The Aesthetics of Terror, the Hermeneutics of Death", America, 24/3/1990
(4) http://www.iraq11.com/index.php?option=com_content&view=article&id=7923
(5) http://www.elaph.com/Web/news/2011/5/658303.html?entry=articleTaggedArticles
(6) http://www.elaph.com/Web/news/2011/5/658717.html
(7) http://wifaq.com/more.asp?NewsID=2646&catID=19&lang=arb

ملحق

قبل مجيئه للعراق كان نيكروبونتي سفيراً للولايات المتحدة في هيئة الأمم المتحدة, وقد قوبل ترشيح الرئيس بوش لنيغروبونتي لهذا المنصب حينها باحتجاجات واسعة من قبل منظمات حقوق الانسان وغيرها, حول دوره في دعم الارهاب في اميركا الوسطى. وكانت الاحتجاجات من القوة بحيث دفعت بمجلس الشيوخ الى التحقيق في الامر, وتأخير استلامه لمنصبه لمدة ستة اشهر. لكن ادارة بوش اصرت على ترشيحه, بل حاولت اسكات الشهود الذين يعرفون معلومات قد تهدد تعيينه. ففي 25 اذار, كتبت "لوس انجلس تايمز" تقريرا عن الابعاد المفاجئ لبعض اعضاء فرق الموت الهندوراسية, الذين كانوا يعيشون في الولايات المتحدة.
كذلك اشار الصحفي بيل فان الى ان نيغروبونتي, والذي رشح لتمثيل الولايات المتحدة في الامم المتحدة بعد اسبوع واحد فقط من هجمات 11 سبتمبر, كان مسؤولا عن تنظيم دعم ال (CIA ) لمرتزقة الكونترا والتي تسببت في مقتل 50 الف انسان, وقال انها مسخرة ان يرشح شخص متورط بمثل تلك الاعمال الوحشية, ليتحدث للمجتمع الدولي عن "محاربة الارهاب". (*)

(*) http://www.globalresearch.ca/articles/VAN111A.html
(**) "نيغروبونتي: السجل الخطير لسعادة السفير" مقالة نشرتها في تموز 2004 على إثر تعيين نيغروبونتي سفيراً للولايات المتحدة في العراق.
Opinions