Skip to main content
Facebook Twitter YouTube Telegram

سد الموصل في خطر: سياسة رعب أم كارثة مرعبة ؟

اثارت التحذيرات الاميركية والتقارير الصحافية حول انهيار سد الموصل، موجة عارمة من الرعب في مدينة الموصل وما أحاطها وتدانى عنها من المدن والارياف العراقية.. لقد سمع العالم كله بالتحذيرات الاميركية من انهيار سد الموصل، وهو من اكبر سدود الشرق الاوسط يقع شمال مدينة الموصل على مسافة 35 كيلومتراً. كان التحذير الاول في أيار الماضي، ويتجدد النداء اليوم كرة اخرى. وهذه مسألة خطيرة جدا سواء كانت ضمن اجندة سياسية لبث الرعب، ام كارثة حقيقية في طريقها للحدوث - لا سمح الله. واذا كانت الحكومة العراقية قد سارعت الى نفي التقارير الاميركية، فان كلا الجانبين يتحمّل مسؤوليته التاريخية في هذا " الموضوع " الذي لا يقبل المساومة ولا التأويل ابدا، كما لا يقبل المماطلة مهما كانت الظروف، ولا يُقبل ان يكون محل ابتزاز سياسي او جدل بين جانبين هما الاول والاخير، وهما الخصم والحكم في حكم العراق.
ربما لا يتخيل القراء الكرام ما الذي ينطوي عليه هذا "التحذير" الخطير ! ان انهيار سد الموصل، لا سمح الله، يعني اخطر كارثة ستحل في تاريخ البشرية، وستكون وصمة عار لكل من لم يعمل اليوم على اتقاء الكارثة، اذ ان طوفانا هائلا سوف لا يبقي ولا يذر في العراق كله، وسيقتل ملايين الناس ويكتسح الحياة والممتلكات والارض وما عليها، وسينتهي العراق بكل زراعاته واقتصاداته وخدماته وتتحطم كل قدراته الحضرية على امتداد سنوات طوال، خصوصا اذا ما علمنا حجم خزين مياه بحيرة سد الموصل المقدر باكثر من 11 مليار متر مكعب من المياه.
ان الامر ليس ورقة سياسية لبث الرعب او ممارسة الابتزاز، والموضوع برمته لا يقبل المساومة ولا الاخذ والرد. بل ان مصير العراق كله متعلق به، واذا كانت الحكومة العراقية تتحمّل مسؤولية سد الموصل، فان الحكومة الاميركية تتحمّل مسؤولية مضاعفة عنه، بل لا بد من مناشدة المجتمع الدولي باسره للقيام بما يمكن عمله من اجل ايقاف الكارثة ان صحّت هذه التقارير - لا سمح الله. ونفي الحكومة العراقية لما ورد من تقارير خطيرة لا يمكن ان يؤخذ على محمل الجد من دون عمل عاجل جدا وقيام حالة طوارئ وفتح موازنة غير محددة والاسراع الجاد لاخذ الاحتياطات الخاصة بالوقاية اللازمة.


لم يكن سد الموصل وليد عهد صدام حسين، لقد ولدت فكرته لأول مرة عام 1950 ايام العهد الملكي، اذ كان يعد واحدا من المشاريع العملاقة لمجلس الاعمار في العراق واستغرقت دراساته اكثر من ثلاثين سنة من جانب شركات بريطانية وسويسرية وفنلندية وسوفياتية واميركية وايطالية وفرنسية ونمسوية وتشيكوسلوفاكية وغيرها. اذ ليس هناك عهد من العهود السياسية في العراق لم يعقد اتفاقيات مع شركات عالمية عدة للدراسة ومعرفة طبيعة الارض وجيولوجياتها. وقد اختير اكثر من موقع، وكان يطلق عليه اسم مشروع سد اسكي موصل (بسبب وجود قلعة اسكي موصل والتي غمرتها اليوم مياه البحيرة). وتقول المعلومات ان موقع بناء السد كان الى الاعلى من موقعه الحالي عند قرية "ضوء القمر" (60 كيلومتراً شمال الموصل)، ولكن تغّير بعد ذلك الى الموقع الحالي. كما دُرست ايضا مشروعات جدوى سد الموصل، وتقرر ان تعقبه اربعة مشروعات كبرى للري، اثنان غرب دجلة (ري الجزيرة الشمالي وري الجزيرة الجنوبي) ثم اثنان شرق دجلة (ري الجزيرة الشرقي لكل سهول الموصل واربيل). وذُكر ان السد سيؤمن بعد اكماله الزراعة الدائمة الكثيفة لمساحة تقرب من ثلاثة ملايين ونصف مليون دونم من الاراضي القابلة للزراعة على جانبي نهر دجلة كما سيؤمن المياه لاحتياجات الزراعة الصيفية في اواسط العراق وجنوبه. ومن اغراض السد ايضا توليد الطاقة الكهرومائية والسيطرة على مياه نهر دجلة لدرء اخطار الفيضان وبخاصة في مدينة الموصل.


انتهت الدراسات والاتفاقات مع شركتين: المانية وايطالية ( جيمود ) فضلا عن شركة يابانية لبناء اكبر محطة كهرومائية لتوليد الطاقة الكهربائية التي تقدر بالف كيلو واط. وقد بوشر العمل به في 25 /1/ 1981 وانجز تماما في 24/7/1986، ايام الحرب العراقية - الايرانية. انه مشروع عملاق كان مخططا ان تنبثق عنه مشروعات اروائية استراتيجية من خلال بحيرته الكبرى التي تصل حوافيها الى الحدود السورية. كان العراقيون ينتظرون ثورة زراعية وحيوانية وكهربائية وسياحية هائلة. ونوع السد هو ركامي املائي ذو لب وسطي طيني واعلى ارتفاع له 113 مترا. ويبلغ طول قمة السد 3650 مترا (منها 50 متراً للمسيل المائي) وعرض القمة (10 امتار) ومنسوبها 341 متراً فوق سطح البحر. اما المنسوب التشغيلي للسد فهو 33 متراً وبحجم خزن 11.11 مليار م3 وبمساحة 380 كيلومترا مربعا. اما المنسوب الاعلى للفيضان في سد الموصل فهو 338.5 متراً وبحجم خزن 14.5 مليار م3 في حين ان اقصى منسوب للخزن هو 335 متراً فوق سطح البحر.


يبلغ الخزن الاجمالي للسد 13.13 مليار م3 وبمنسوب 335 متراً فوق سطح البحر، ومنسوب الخزن الاعتيادي هو 330 متراً فوق سطح البحر. والمحطة الكهرومائية تعمل بطاقة كلية هي 772 ميغاواط. اما انفاق التصريف Bottom outlet فعددها اثنان واقصى تصريف له هو 1170م3/ثا عند منسوب 300 متر في حين اقصى تصريف له هو 2435 م3/ثا عند منسوب 330 متراً.


كنت قد تابعت على مهل دراسة تاريخ هذا السد منذ ولادة فكرته حتى اليوم، وكنت اسمع منذ العام 1988، أن ثمة مشكلة تعاني منها اسس السد بسبب التآكل. ان طبيعة الارض كلسية، والاسس لا تتحمل ثقلاً كبيراً من المياه، وبقيت اسسه تحقن دوما بالاسمنت! وعليه، فلقد تقرر وخوفا من اي كارثة بناء سد وقائي آخر في منطقة بادوش ليكون سدّا وقائيا. ولكن الظروف الصعبة التي ألمّت بالبلاد لم تخدم بناء هذا السد الذي كان المهندسون العراقيون سينفذونه وطنيا.
كان العراقيون ينتظرون ثورة زراعية وحيوانية وكهربائية وسياحية هائلة. ولكن اوضاعهم الصعبة على امتداد ربع قرن جعلتهم يمشون في طريق آخر!


وهنا اطالب الحكومة العراقية باتخاذ الاجراءات الآتية:


1. الاسراع في تنفيذ سد بادوش الوقائي بالتعاقد مع اي شركة عالمية او اكثر ودعوة كل المهندسين السابقين في مشروع بادوش لتنفيذه بالسرعة القصوى. وهنا اناشدهم ان يشكلوا دائرة رصد فني خاصة بكل تفصيلات العمليات.

2. اطالب ان تتشكل فرق حماية عراقية خاصة من ابناء مدينة الموصل نفسها لتتم حماية السد حالا، ذلك ان حمايته اليوم لا نعرف بايدي من تكون، هل حمايته عراقية صرفة ام اميركية ام غيرهما؟
3. دعوة الحكومة العراقية للشركات الدولية التي نفذت مشروع سد الموصل لاطلاعها على اية مشكلات يتعّرض لها السد اليوم، فضلا عن كونها تمتلك كل المعلومات وهي مشاركة في المسؤولية من خلال العقود التي ابرمتها قبل التنفيذ.


4. على الحكومة العراقية ان تكون واضحة وصادقة في كل تصريحاتها وتقاريرها للعالم والمستندة الى تقارير فنية وهندسية، فالموضوع ليس سياسيا او ان يكون محل ابتزاز او مساومة من اي طرف كان محليا ام اقليميا ام خارجيا. ولا يمكن للحكومة ان تبقى ساكتة او ان تأتي تصريحاتها من قبل متحدث غير مختص.


5. ينبغي على رئيس وزراء العراق ان يتولى المسؤولية بنفسه بحيث ترتبط به ادارة السد وان يتولى بنفسه الاشراف يوميا على اعمالها مع تشكيل هيئة وطنية عليا من كبار المهندسين العراقيين للمراقبة.


6. اتمنى ايضا ان تؤخذ آراء وزير الموارد المائية في العراق بصدد تقليل مياة الخزان والاستمرار بعمليات حقن الاسس وتنفيذ الاجراءات الفنية الاخرى.


وأخيرا، ان سد الموصل اليوم يعد اهم قضية وطنية لا تحتمل التأجيل، وينبغي ان ينشغل بها كل العراقيين، وان الاستجابة لهذا التحدي سواء صدقت التحذيرات الاميركية ام لم تصدق، وسواء كانت هي قضية السد نفسه، ام استغلالها لمآرب اخرى في المستقبل. فانني ادعو الله ان يحرس كل اهلنا ويحميهم ويبعد عنهم كل الرعب والشرور والاذى.

سّيار الجميل
مؤرخ عراقي مقيم في تورنتو – كندا

استاذ سابق في جامعة الموصل Opinions