سر الحياة؟!
لغز محير، ذلك الذي يكتنف الحياة، منذ اللحظة الاولى لسقوطنا من رحم الام الى فضاء الدنيا الرحب!فمن تلك اللحظة التأريخية، يبدأ الطفل بتحريك رأسه فاتحا فاهه الصغير باحثا عن الذي يغذيه بالقوة ليعيش، مفتشا عن سر بقائه الذي يظنه للوهلة الاولى في بضع قطرات حليب!
وكلما امتد الزمن بهذا المخلوق الغريب، كلما ازدادت رغبته بالبحث عن مصادر القوة ليعيش، سالكا طرقا – يظنها – سر خلوده العجيب!
ولو وضعنا الاطر الكبيرة التي يؤطر الانسان حياته من خلالها، لوجدناها تصب جميعا في عنوان واحد، ألا وهو (الخلود)، أو ما يمكن ان نصطلح عليه (سر الحياة). فالجميع يسعى للحصول على سر الحياة ليخلد أسمه وذكره، في معادلات متباينة وفهم مختلف لمعنى الخلود.
ولذلك كانت حيلة إبليس آنذاك لاغواء الانسان الاول، إغراءه بفكرة الخلود والبقاء (هل أدلك على شجرة الخلد)؟! فأول مفهوم تعامل معه الانسان الاول كان مفهوم الخلود، وأول أمنية سعى للوصول اليها كانت رغبته في الخلد والبقاء!
وفي رحلة طلب العلم، يظن الانسان ان حصوله على شهادة معينة وبالتالي وظيفة معينة او منصب معين، درجة من درجات الخلود، يرتقيها، ومن ثم يجني المال والثروة ليرتقى درجة أخرى، وفي هذه المعادلة تتباين نظرة الناس من شخص الى آخر تبعا للخلفية الفكرية والثقافية التي يحملها ذلك الشخص وكيف يمكن ان يدير تلك المعادلة ويجعلها مؤثرة وفاعلة في قانون الخلود.
وفي معادلة الحياة التكاثرية، وبحث الانسان عن شريك حياته ليديم النسل البشري، أو بعبارة أدق ليخلد أسمه في سجل النفوس! اذا سألنا شخصا عازما على الزواج عن سبب تلك الرغبة، فإنه يجيب: (لكي انجب اولادا يحملون إسمي)!!
وعندما نشرح كل أمانينا وآمالنا وأهدافنا في الحياة، سنجدها تصب في بوتقة الخلود، ورغبتنا في البقاء رافضين فكرة ان يلفنا النسيان او تركننا الحياة في زاوية مهملة منسية، فيسعى كل واحد فينا الى الخلود تبعا للطريقة التي ينظر فيها الى الحياة ويفلسف فيها وجوده، فيما اذا اعتبر وجوده منوطا بالحياة الدنيا فقط، او ان وجوده منشطر الى شقين، احدهما يكمل الآخر، والاول ممهد للثاني، بل الاول يحدد ماهية الثاني ويشرعن نوعيته!
وفي قراءة دقيقة وصادقة لسجل الزمن، لمعرفة كيف فهم الماضون فلسفة الخلود، وكيف تعاملوا مع سر الحياة، يطالعنا عنوان كبير لفئتين اختلفتا في فهم معنى الخلود، وبالتالي اختلفتا في اختيار الطريق الذي تسلكه للوصول الى هذا الخلود!
فئة كبيرة، ظنت ان الخلود منحصر في الملك والسلطان قاصرة فهمها للحياة على بضع أيام تؤرخ لما بين صرخة الولادة وشهقة الموت، فكان لها جولات وصولات وأدوار في صياغة فكر استبدادي حكم التأريخ لحقبة طويلة، ومازال هذا الفكر ساري المفعول، يحكم قبضته على مقادير الامور ويسير العباد كيفما شاء.
والفئة الثانية، الاقل عددا، هي التي أدركت ان كل شيء الى زوال، فما عند الانسان يفند، وكل شيء مقرون بالارض فهو زائل لا محالة، فمن أراد الخلود فعليه ان يصبغ أمانيه، آماله، اهدافه، سلوكياته بصبغة خالدة لا تعرف الفناء ولا الزوال، فكل ما قرن بالخالد الذي لا يفنى، فهو باق.
وهكذا حملت كل من الفئتين عقيدتها في الخلود، ووظفت كل طاقاتها وامكانياتها في الصراع الازلي ما بين رغبات الدنيا الفانية، وأماني الحياة الخالدة. فكانت كربلاء!!
فكل من طرفي الصراع في كربلاء، بحث عن الخلود... فمن الذي خلده الزمن؟!
هل الخلود، سنوات معدودة وان وصلت المائة؟!
هل الخلود، إسم لامع وثروة وجاه ومناصب؟!
هل فهمنا ما كتبه الحسين عليه السلام في سجل الزمن وأرادنا أن نقرأه بوعي ودقة وايمان؟!
هل استطعنا بعد هذه السنين الطويلة، أن ندرك لماذا قاتل الحسين عليه السلام بتلك الثلة القليلة في ظهيرة عاشوراء وهو يعلم جيدا أنهم مقتولون جميعا؟!
وهل نحن قادرون على تلبية تلك الصرخة الخالدة (ألا من ناصر ينصرني)، فيما اذا احتدمت مصالحنا الخاصة ومصلحة الاسلام؟! كما الحر بن يزيد الرياحي!!
ولماذا يخشى الطغاة دوما من ذلك الخلود الحسيني، فيحاربون أتباعه وشيعته، ويحاولون القضاء على ذكر الحسين عليه السلام فيما هم يسبحون لله ويشهدون لجده بالنبوة والرسالة؟! فيما يبقى ذكر الحسين مخلدا كلما مر عليه الزمان يتجدد.
اعتقد اننا نحتاج في موسم الذكرى الحسينية، الى وقفة صادقة مع النفس، فيما تحمله من أفكار ومعان لفكرة الخلود، مقارنة مع ما حمله الحسين عليه السلام وأنصاره، لنرى على أي أرض تقف أقدامنا، ونقيس مقدار قربنا من الله وكيف يمكن ان نؤسس لخلودنا!