Skip to main content
Facebook Twitter YouTube Telegram

سياسة العراق الخارجية والاحترام الاستراتيجي

لطيف القصاب/
ثمة توصيفات عديدة لمفهوم السياسة الخارجية غير ان اكثرها واقعية هو الذي يعدها تجسيدا حيا لصورة دولة ما في عيون الدول الاخرى، وعلى ضوء هذه الصورة او تلك تأخذ هذه الدولة او تلك تسلسلها الطبيعي من حيث القدرة على التأثير في محيطها الخارجي.

ولكي تتشكل صورة السياسة الخارجية لبلد ما على نحو واضح المعالم لابد ان تؤخذ بنظر الاعتبار جملة من العوامل التي تتضافر فيما بينها لإخراج هذه الصورة ومن ثم اسباغ عليها صفات القوة والمنعة أو الضعف والانكسار. ومن اهم هذه العوامل ما يأتي:

اولا: الحجم العام للدولة

ويدخل في تحديد الحجم العام للدولة المساحة الجغرافية بما تتضمنه من حدود طبيعية او مصطنعة، ومن نافلة القول فان الدول الاكبر مساحة والمتمتعة بحدود طبيعية لا مرسومة بفعل بشري هي الدول الاكثر تحصينا ضد التحديات الخارجية، وبالتالي هي الدول الاعظم تأثيرا على صعيد محيطها الخارجي، والاكثر قدرة على تحويل تطلعاتها ورغباتها الى حقائق ملموسة بالقياس الى الدول التي تفتقر الى وجود حجم مماثل. وبقدر ما يتعلق الامر في العراق فانه يعاني من حدود مصطنعة طويلة تجعله باستمرار عرضة الى الاختراقات الخارجية لاسيما بعد عام 2003.

ثانيا: القوة الاقتصادية

تتناسب قوة السياسة الخارجية لدولة ما تناسبا طرديا مع ما تمتلكه من مقومات اقتصادية، فحتى على مستوى تشريع او تعطيل القرارات الدولية المغيرة لوجه العالم سياسيا يظل راس المال هو العنصر الاهم في عمليات النقض والابرام، فمن يدفع اموالا اكثر هو من يجني ارباحا اكثر في نهاية المطاف، وكم هو واقعي الربط بين القوة الشرائية لعملة دولة ما وبين قوة سياستها الخارجية. وبالنسبة للعراق فعلى الرغم من تمتعه بمقدرات اقتصادية هائلة غير ان هذه المقدرات تفتقر الى تنظيم الموارد بما يكفل حسن توزيعها بين المواطنين هذا اولا، وثانيا فان هذه المقدرات الهائلة لم تترجم على شكل تنمية شاملة تكفل للبلاد شيئا معتدا به من القوة الخارجية.

ثالثا: التقدم التكنولوجي

ان احراز انتصارات في المجال التقني لبلد ما لا بد له ان ينعكس ايجابا على مجمل النشاط العام لهذا البلد، وطبيعي ان تكون حصة السياسة الخارجية للبلدان الاكثر تقدما حصة الاسد من اجمالي ذلك النشاط خاصة ونحن نعيش في اجواء ثورة تكنلوجية يرى بعض المراقبين انها الثورة الاعظم في التاريخ البشري حتى الان، بيد ان ايدي هذه الثورة البيضاء ما تزال ابعد ما تكون عن دول كثيرة في المعمورة، ومنها العراق الذي تحول الى واحد من اكبر المستهلكين في العالم، بعد اندثار ما كان في حوزته من وسائل انتاج متواضعة.

رابعا: القوة العسكرية

قد يغالط البعض قائلا ان بريق القوة العسكرية على صعيد السياسة الخارجية بدأ يشهد خفوتا ملحوظا بفعل تنامي الرغبة العالمية في اشاعة السلام وحل بؤر الاختلاف والتوتر بين الدول بالطرق الدبلوماسية، وموضع المغالطة في هذا القول ان الدبلوماسية القوية لكي تكون كذلك لابد لها في المقام الاول من ان تستند الى قوة مهابة وليس هناك ما هو اكثر هيبة من القوة العسكرية لاسيما في دول عالمنا الثالث.

خامسا: الجهاز الاعلامي

لقد ادركت البشرية منذ امد بعيد مدى خطورة الاعلام وما ينطوي عليه من قوة شديدة التأثير في علاقات الدول بعضها مع بعض، وفي جميع الحروب القديمة والحديثة كان للإعلام وما يزال حضور حاسم، ومن الطريف فان قوة الاعلام لا تستمد فاعليتها عادة من قوة حقيقية مثلما هو الحال في الدبلوماسية التي تستمد قوتها غالبا من قوى اخرى كالقوة العسكرية او الاقتصادية، فقد تتفوق دولة ما اعلاميا وتكون لها كلمة نافذة في محيطها الخارجي بينما هي في حقيقتها الواقعية مجرد دويلة صغيرة قليلة القدر والقيمة من الناحية الموضوعية، والمثال التطبيقي الناجح الاجدر بالتأمل في هذا المضمار هو دولة قطر والعكس تماما مع دول اخرى كالعراق.

سادسا: النظام السياسي الحاكم

ان نوع النظام السياسي الذي تقع على عاتقه ادارة الملفات السياسية الخارجية للبلدان وطبيعة الرموز التي تمثل هذا النظام ذو تأثير كبير على منح او سلب الهيبة لهذه الدولة او تلك، فمن الطبيعي في العلاقات الدولية المعاصرة ان تُمتهن حقوق دولة ما على الصعيد الخارجي اذا ما تشاغلت نخبها السياسية عن المخاطر الاجنبية المتربصة ببلادها بصراعاتها على مراكز النفوذ ومواقع السلطة الداخلية، وليس في منطقتنا العربية والاقليمية في هذه المرحلة التاريخية نموذج اكثر شهرة وبؤسا من العراق مع الاسف الشديد.

إن المطلوب من كل من تشغل باله سياسة العراق الخارجية ويتمنى في سره لو انها تتعافى من كبواتها المستمرة واخر تلك الكبوات ما تمثل في الغاء قمة بغداد، ان المطلوب من هؤلاء ان يعمدوا فورا ومن دون اي ابطاء الى تحويل الامنيات الى حقائق ماثلة على ارض الاحداث لاسيما اذا كانوا من بين العناصر المشكلة للمشهد السياسي العراقي من رؤساء احزاب وكتل برلمانية.

ولعل غياب رؤية استراتيجية وخريطة للسياسة الخارجية جعل هذه السياسة تعيش ردود افعال ارتجالية جعلت العراق يفقد احترامه الاقليمي ويصبح الحلقة الاضعف في الاستقطابات الاقليمية تتقاذفه رياح الصراعات الدولية وتقاطعات الحروب المنطقية، ولعل مثال الكويت هو الابرز الذي يمثل دلالة واضحة في فقدان العراق لاحترامه الاستراتيجي اقليميا.

لقد استيقظ العالم قبل فترة وجيزة على حدث الثورة المصرية التي استطاع الوعي السياسي الجماهيري فيها ان يطيح بالألة القمعية لنظام دكتاتوري شرس ويروض الكثير من رموزه، ويوقظ في قلوب البعض منهم الحس الوطني الشريف بعد طول تخدير، وبفضل هذه الثورة فقد تحققت مكاسب شعبية كبرى على صعيد تصحيح المسارات السياسية الداخلية. ليس هذا فحسب فقد استطاعت هذه الثورة الفتية ان تستعيد هيبة مصر في محيطها الخارجي وتدخل من جديد بوصفها رقما صعبا في رسم السياسة الخارجية لبلدان الشرق الاوسط، وما كان لها ان تفعل ذلك في فترة زمنية متواضعة لولا ايمان غالبية السياسيين المصريين بمبادئ الديمقراطية التي تمنح الفرص السياسية والاقتصادية للجميع وتضيّق الى حد كبير من دائرة الاستثناءات لاسيما المبنية منها على اسس الولاءات الضيقة.

لقد استطاع الثوار السياسيون المصريون ان يفرضوا احترامهم على العدو والصديق بفضل احترامهم لأنفسهم في المقام الاول وتغليبهم المصلحة الوطنية على كل مصلحة سواها، واذا ما اراد العراقيون ان يتعلموا من هذا الدرس المصري البليغ فما عليهم الا الاقتداء بنظرائهم على صعيد تقديم الصالح العام وايكال ادارة الشأن السياسي والاقتصادي لمن هو اكثر كفاءة وجدارة من العراقيين، ولن يستطيع ساسة العراق تحقيق هذا الهدف النبيل ابدا اذا ما ظلوا سادرين في غي المحاصصة السياسة.

* مركز المستقبل للدراسات والبحوث

http://mcsr.net
Opinions