Skip to main content
Facebook Twitter YouTube Telegram

سيناريوهات الحروب القادمة على ضوء الحرب على لبنان الصراعات المرتقبة بين إمبريالية الشر ومحور الشر

توقفت أنفاس آسيا قبل فترة وجيزة عندما تناهت إلى أسامعها أن كوريا الشمالية أطلقت صواريخ باليستية بعيدة المدى سقطت في مكان ما في مجاهل بحر اليابان. ومن بين تلك الصواريخ ذلك الصاروخ المخيف بعيد المدى من طراز تايبودنغ 2 الذي من المفترض بعد التجريب وإجراء التعديلات والتحسينات عليه أن يصيب ألاسكا.
لقد أعربت المجموعة الدولية برمتها تقريباً ـ بما فيها الصين وروسيا ـ عن قلقها وشجبها لهذا الاستفزاز الذي اعتبرته بمثابة هزيمة وتقهقر ونسف لجهود الحل السياسي والدبلوماسي للأزمة النووية في شبه الجزيرة الكورية، والتي كانت وما زالت تهدد بنشوب حرب مدمرة في كل لحظة . بيد أن جوقة الاستنكارات والاحتجاجات القلقة العالمية لم تكن سوى ترنيمة هادئة في آذان الحكومة الكورية الشمالية غير المكترثة والتي أعربت عن امتعاضها من مطاطية المحادثات السداسية بشأن برنامجها النووي ، وبالتالي صمم الزعيم الكوري كيم يونغ إيل على أخذ هذا الملف على مسؤوليته الخاصة ووضعه تحت سيطرته المباشرة على أمل حث الولايات المتحدة الأمريكية ، قائدة الجوقة الدولية الاحتجاجية، على إجراء مفاوضات مباشرة لاسيما بعد أن وضعت القوة العالمية الأولى دولته كوريا الشمالية على لائحة محور الشر الذي كان يضم العراق وإيران إلى جانب كوريا الشمالية . وبعد خروج العراق من هذه اللائحة، إثر تعرضه للغزو وإطاحة نظامه الديكتاتوري، عملت الولايات المتحدة على استبداله بسورية التي وضعتها بدلاً من العراق على لائحة دول محور الشر مع إيران وكوريا الشمالية.
لاتمتلك كوريا الشمالية أية مقومات من شأنها أن تضعها في مصاف الدول المهمة على المسرح الدولي سوى شيئين هما سلاحها النووي البدائي الذي لا يتعدى بضعة عشرات من الرؤوس النووية والصواريخ المتعددة المدى والتي تستخدمها وتبيعها لدول ومنظمات تسعى لامتلاكها كإيران وسوريا والعراق سابقاً قبل الحرب ومنظمات كالقاعدة وحماس وحزب الله، وهي تقوم بتصنيع هذه الأسلحة بالرغم من هشاشة وتدهور اقتصادها وبناها التحتية وتفشي المجاعة بين مواطنيها . بيد أن هذا الابتزاز من وجهة نظر الغرب، والذي يسميه البعض الآخر سلاح ردع الضعفاء ، قد أوتي ثماره. فقد وعدت كونداليزا رايس وزيرة الخارجية الأمريكية في العام الماضي 2005 بتعهد بلدها الولايات المتحدة الأمريكية بعدم توجيه ضربات عسكرية ضد كوريا الشمالية وأنها ستسعى بجدية للتوصل إلى حل للأزمة الكورية عن طريق المباحثات والمفاوضات السلمية والدبلوماسية ولن تلجأ إلى القوة المسلحة إلا كآخر خيار يتبقى أمامها.
تابع الشرق الأوسط بشغف هذا الباليه الدبلوماسي ـ العسكري ولغة الترهيب والترغيب حيث رسخت عملية غزو العراق في أذهان الخصوم المعنيين رسالة مفادها إن من الأفضل للدول المستهدفة والواقعة في مرمى الإصابة الأمريكية، والمدرجة على لائحة محور الشر، أن تمتلك وبأسرع وقت ممكن أسلحة تدمير شامل حقيقية وليس مجرد أوهام قوة ودعايات ومكابرة فارغة، إذ من لم تمتلك منها هذا النوع من الأسلحة الرادعة، وإن كانت بدائية، فسوف لن تتوانى الولايات المتحدة عن ضربها إن آجلاً أم عاجلاً، وهذا ينطبق أولاً وقبل أي جهة أخرى، على إيران التي يستخدم رئيسها محمود أحمدي نجاد أسلوب الخطاب الشعبوي والتعبوي الجماهيري والاستفزازي ، ويستفز برنامجها النووي المجموعة الدولية وإسرائيل ويثير قلق الجميع خاصة الأوروبيين الذين شحذوا ماكينتهم الدبلوماسية بلا جدوى على أمل التوصل إلى حلول مرضية للجميع قبل فوات الأوان.
بات معلوماً للجميع أن طهران استوردت صواريخ باليستية كورية الصنع وبكميات كبيرة وطورتها وأقامت علاقات متينة ومميزة مع العالم النووي الباكستاني الدكتور عبد القادر خان ، وباعتراف هذا الأخير بنفسه، على غرار حليفتها كوريا الشمالية ، إلى جانب كون إيران منتج كبير للنفط مما يمنحها مساحة إستراتيجية هائلة مما يعني أن الولايات المتحدة الأمريكية ستضطر ، شاءت ذلك أم أبت، إلى فتح حوار مباشر ومفاوضات جادة مع طهران للتوصل إلى حل مقبول بشأن معضلة تخصيب إيران لليورانيوم.وهكذا دمجت جهود البلدين المستهدفين عسكرياً من جانب الولايات المتحدة الأمريكية، بغية دفع المجموعة الدولية إلى الإقرار بالأمر الواقع أو المواجهة العسكرية التي لايمكن حساب وتوقع تداعياتها وانعكاساتها الإقليمية والدولية. ولذلك ارتأت بعض الدول الأوروبية تسميتها بدول محور الابتزاز بدلاً من دول محور الشر . ففي عام 1994 حصلت كوريا الشمالية على وعود وحوافز مشهية ومساعدات اقتصادية واستثمارات أجنبية كبيرة إذا ما أوقفت برنامجها لتخصيب اليورانيوم بيد أن تلك الحوافز والوعود والمساعدات كانت نظرية وعلى الورق فقط ولم تكن بمستوى الطموحات الكورية الشمالية ولم يف أحد بوعوده كما نصت الاتفاقيات. لذلك بادرت كوريا الشمالية إلى إلغاء كافة الاتفاقيات والالتزامات من طرف واحد وواصلت برنامجها في تخصيب الايورانيوم وهاهي إيران تقف في نفس المربع الأولي. فبعد أن أوقفت مؤقتاً برنامجها لتخصيب اليورانيوم على أراضيها وبجهودها الذاتية سنة 2004 لم تحصل على شيء يذكر مقابل ذلك. بل العكس هو الذي حصل. فقد ازدادت الضغوط والتهديدات عليها من جانب الولايات المتحدة الأمر يكية وإسرائيل وسكوت أو تواطؤ الدول الأوروبية . وهي واعية اليوم لأهمية وخطورة خطواتها في استئناف تخصيب اليورانيوم بأي ثمن كان وتهدد بالانسحاب من معاهدة منع انتشار الأسلحة النووية التي وقعت عليها، كما فعلت قبلها بيونغ يانغ سنة 2003 . فالإستراتيجية لدى البلدين متشابهة إذ تلجأ الدولتان إلى بث الفرقة في صفوف الخصوم والغموض في اتخاذ المواقف ومحاولة كسب الوقت واللجوء إلى التهديد باستخدام كافة الوسائل في حوزتها لعرقلة وتحجيم المخططات الدولية المعادية وتوفير المناعة والحماية للأنظمة القائمة فيها.
من هذه المقدمة التحليلية المختصرة يمكننا الولوج إلى موضوع السيناريوهات المعد"ة والمحتملة أو المتوقعة لحروب القرن الواحد والعشرين. فالتاريخ يتسارع حيال إيران وكوريا اللتان وضعتا في مرمى الإصابة الأمريكية وحلفاؤها الأوروبيين بشكل جد"ي وهيأت قوات حلف الناتو الخطط العسكرية اللازمة لذلك الأمر. بينما أعلنت الصين عن قلقها من لامبالاة وغباء نظام كيم يونغ إيل الشيوعي وسعيه لامتلاك صواريخ بعيدة المدى قادرة على حمل رؤوس نووية وهذا ما لن تقبله واشنطن ودول الاتحاد الأوروبي فضلاً عن اليابان وكوريا الجنوبية ، بل وحتى روسيا ، لأن من شأن ذلك تقديم الذريعة لشن هجمات إستباقية أمريكية وأوروبية ـ أطلسية لتدمير الآلة العسكرية الكورية الشمالية والإيرانية في حالة عدم خضوعهما لإرادة المجتمع الدولي الذي تتحكم به دول الغرب واليابان . وكذلك تشعر بعض الدول العربية بالتهديد والخطر وعدم الأمان من تنامي القدرة العسكرية الصاروخية والنووية الإيرانية . ولكن يمكن أن تقود تلك التوترات الكامنة إلى تدخلات عسكرية مباشرة ومواجهات ساخنة. بيد أن لغة التصعيد ماتزال لفظية في الوقت الحاضر فمازالت واشنطن تتمسك علناً بالدبلوماسية الوقائية وبمقاربة دولية للملفات النووية الكورية والإيرانية، وذلك من خلال مؤسسات الأمم المتحدة والوكالة الدولية للطاقة الذرية التابعة للمنظمة الدولية ومجلس الأمن كآخر ورقة دبلوماسية في يدها. إلا أن مشاريع التدخل العسكري الأمريكي ضد إيران قد أخذت طريقها للعلن والتداول الإعلامي. إذ قررت واشنطن بعد إجراء التجارب الصاروخية الكورية الشمالية والإيرانية ، نصب بطاريات صواريخ مضادة للصواريخ من طراز باتريوت المتطورة جداً من آخر جيل، في كوريا الجنوبية واليابان وإسرائيل، وتوجيه بعضها إلى كوريا الشمالية مباشرة كهدف مباشر وكذلك باتجاه إيران . إن منطقتي التوتر العالمي الحاليتين وما يدور في فلكهما أو يرتبط يهما، له غاية وأصل وهدف مشترك: الرغبة والإرادة الدولية في منع هاتان الدولتان من امتلاك الأسلحة النووية المتطورة ووسائل نقلها واستخدامها على نطاق واسع أو بعيد المدى كالصواريخ الباليستية .
وهو نفس المبرر أو الذريعة التي تحججت بها واشنطن لمهاجمة وضرب العراق وغزوه عسكرياً وإطاحة صدام حسين ونظامه المقبور سنة 2003 . لكن الأزمات لاتتشابه فلكل أزمة ومنطقة خصوصيتها وميزاتها ومنطقها الخاص. فبعد انزلاقها في المستنقع العراقي منذ عام 2003 ، لم تعد لأمريكا سنة 2006 نفس الصورة البراقة كحامية للحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان، لقد تشوهت تلك الصورة في أنظار الرأي العام العالمي وكذلك تحولت من بلد ضحية للإرهاب الدولي الأعمى وبلد محرر للشعوب المضطهدة، إلى بلد معتدي متغطرس ومحتل . فحتى عندما وضعت واشنطن طهران وبيونغ يانغ على نفس الخط إلا أن نوايا كل واحدة من هاتين العاصمتين تختلف عن الأخرى بشكل عميق. فإيران تريد أن تثبت أقدامها وترسخ مواقعها كقوة إقليمية لايمكن تجاهلها أو إهمالها في لعبة السياسة والاستراتيجيا العسكرية ولايمكن إغفال دورها في أية تسويات أو حلول أو تخطيطات أو مشاريع إقليمية تمس أمنها واقتصادها ومصالحها الحيوية. والثانية أي بيون يانغ، فهي تريد الحصول على أكبر قدر ممكن من التنازلات مما يستدعي وجود مقاربة ومعالجة مختلفة لكل منهما على الصعيد النظري على الأقل. إن تفاقم هاتين الأزمتين المتعلقتين بانتشار السلاح النووي كانتا في صلب جدول أعمال قمة الدول الثمانية الأغنى في العالم والتي عقدت في تموز 2006 في سانت بطرسبورغ في روسيا. وكشفت نتائج القمة عن أن العالم لم يستفد من عوائد وثمار السلام العالمي والتي بدأت من لحظة سقوط جدار برلين وتداعيات ذلك الحدث قبل سبعة عشر عاماً. بل على النقيض من ذلك مازال العالم تتقاذفه أمواج عاتية كالسفينة بلا قبطان.وبات كأنه غارق في دوامة من الفوضى والحروب الجانبية الصغيرة والكثيرة في كل مكان من العالم بعد انتهاء نظام القطبية الثنائية واختفاء الاتحاد السوفيتي من معادلة التوازن العالمي. لاسيما بعد ظهور أطراف فاعلة ومؤثرة على ساحة الصراع العالمي لاتمتلك ملامح دولتية كما هو الحال مع منظمة القاعدة وتزايد عدد الصراعات المحلية أو الإقليمية وعمليات الاقتتال والتطهير العرقي والطائفي وما ينطوي عليها من مجازر وضحايا كثيرون من المدنيين الأبرياء فهناك الصراع الدموي الشيشاني الروسي، وصراع الكوسوفو في يوغسلافيا السابقة ، هذا إلى جانب الهوة العميقة التي برزت بين الغرب والأصولية الإسلاموية المتشددة والتكفيرية العنيفة والجهادية المنحى والسلوك التي يسميها الغرب بالإرهابية ـ الانتحارية.
أكد المعهد الدولي للبحث عن السلام في ستوكهولم مؤخراً أنه سجل في الأربعين سنة المنصرمة تحولاً في المواجهة القطبية الثنائية المحدودة بوضوح إبان الحرب الباردة إلى محيط استراتيجي أكثر تعقيداً وغموضاً. دون أن تفلح أي من التسميات الإعلامية المبسطة في تشخيصها من أمثال : الشمال والجنوب، الشرق والغرب، الإمبريالية الأمريكية الجديدة، الإرهاب الإسلاموي، الخ ... حيث لايمكن لأي من هذه التسميات تقديم تعريف علمي واضح ومقبول وتحديد التهديدات الحقيقية الماثلة النزاعات الساخنة خفت نسبياً آنذاك . فمنذ نهاية الحرب الباردة شهد العالم 57 نزاعاً مسلحاً مهماً . ولكن في عام 2005 ، وحسب إحصاءات معهد ستوكهولم للبحث عن السلام انخفض عدد النزاعات المسلحة إلى 17 في 16 منطقة مختلفة في العالم. وهو المستوى الأكثر انخفاضاً الذي عرفه العالم بعد الحرب الباردة. وقد أحصى معهد هيدلبيرغ للبحث في النزاعات المسلحة للسنة المنصرمة فقط 249 صراعاً سياسياً في العالم إثنان منهما فقط اعتبرهما المعهد المذكور حروباً مفتوحة وهما حرب دارفور في السودان وحرب العراق. بعد أن صنف الحرب في جمهورية الكونغو الديموقراطية على أنها مجرد أزمة حادة وحدث ساخن . واليوم يمكنه إضافة حرب إسرائيل العدوانية على لبنان ومضاعفاتها المتوقعة التي قد تتوسع وتمتد إلى سوريا وإيران لاسمح الله وتأجيج المنطقة برمتها وقد تتحول إلى مواجهة بين العالم الإسلامي والغرب تحقيقاً لنبوءة صاموئيل هينتغتون المشؤومة في صدام الحضارات.
يمكن تفسير تلك التهدئة الظاهرية بفعل التدخلات الدولية لحفظ السلام ولكن لايجب أن نغرق في الوهم فالعالم لم يعد آمناً أو ليس أكثر أمناً عما كان عليه إبان فترة الحرب الباردة. فأقدم مهمة دولية لحفظ السلام قامت بها الأمم المتحدة في الشرق الأوسط تعود إلى عام 1948 ولم تؤد إلى حل الصراع العربي ـ الإسرائيلي والإسرائيلي ـ الفلسطيني بل زادت من تفاقمه وذلك لأسباب عديدة يأتي على رأسها التحيز الأمريكي السافر والأوتوماتيكي لصالح إسرائيل وتساهل المنظمة الدولية مع الدولة العبرية في عدم تطبيق القرارات الدولية الصادرة عنها وعن مجلس الأمن الدولي إذ أن جميع قراراتها المتعلقة بإسرائيل هي قرارات غير ملزمة. وحتى منطقة التيمور الشرقية التي عاشت هدوءاً نسبياً بفضل التدخل الدولي عادت وتوترت من جديد في نيسان 2005 وتفاقم الوضع الأمني فيها مما دفع المجموعة الدولية إلى إعادة نشر القوات الدولية في المنطقة ولكن إلى متى؟ وبعد مرور أكثر من أربع سنوات على سقوط نظام طالبان في أفغانستان لم يعد السلام والاطمئنان والهدوء إلى ربوع أفغانستان بالرغم من انتشار القوات الأمريكية وقوات التحالف الدولي هناك .
يبدو العالم اليوم متأهباً ومتحفزاً إزاء نشوب الأزمات الحادة التي يمكن أن تتفاقم وتنزلق نحو مواجهات دولية وحروب أهلية طاحنة وربما حرب عالمية جديدة تأكل الأخضر واليابس. فللنزاعات والمواجهات المسلحة الداخلية تكاليف عالية في الأرواح البشرية والخسائر المادية وتأثير سلبي في مجالات التنمية والتطور دون أن ننسى التكلفة المالية الهائلة التي تثقل كاهل الميزانيات خاصة الميزانية الأمريكية ونفقات التسلح والحروب التي تشنها القوات الأمريكية خارج حدودها الوطنية. فقد أنفقت مليارات الدولارات سدى بسبب حربها على العراق . فحسب معهد ستوكهولم فإن النفقات العسكرية في العالم بلغت 1.100 مليار دولار لسنة 2005 فقط منها 48بالمائة حصة أمريكا وحدها مما يجعل توقع نشوب الأزمات ومحاولة احتوائها أمرا عاجلاً جداً وغاية في الأهمية لذلك وضعت العديد من الدول مؤشرات وتوقعات ومعايير اقتصادية بالتعاون مع صندوق النقد الدولي والبنك الدولي لرصد الأزمات وتوقعها واحتوائها قبل تفاقمها وانفلاتها وتحولها إلى حروب دامية وذلك وفقاً لعدد من المؤشرات والمعايير الوقائية بالاستعانة بالمعلومات الاستخباراتية والدبلوماسية المتواجدة في قلب المواقع المقصودة والتي يتوقع نشوب أزمات فيها. من هنا نظمت وزارات الخارجية في العديد من الدول الغربية مؤتمرات وندوات دراسية في هذا المجال كما حدث في باريس مؤخراً تناولت سبل التكهن والاستباق والتحليل والتحرك والاحتواء لوقف الأزمات في العالم. من هنا تأتي حاجة وزارات الخارجية إلى دبلوماسيين أكفاء ومتابعين لفهم الاتجاهات العامة والتغييرات الحاصلة في العالم على كافة الصعد . فكان من السهل توقع الموقف الفرنسي والتصريحات الفرنسية إزاء أزمة العراق لأنها استشعرت مبكراً آفاق الحدث وتداعيات العدوان الأمريكي منذ سنة 2000 وخاصة في أواخر 2002 وبداية 2003 وقد صدقت التنبؤات الفرنسية بخصوص ما وصل إليه العراق اليوم من مخاطر انشقاق وتقسيم وفوضى وحرب أهلية وطائفية وانتشار الدمار والخراب والفوضى وانعدام الأمن. في حين لم يتوقع الفرنسيون تفتت وانقسام يوغسلافيا بينما استعد الأمريكيون لذلك. أحداث الحادي عشر من أيلول 2001 قوضت تلك الجهود الدولية في توقع واستباق الأزمات الحادة بسبب سياسة أمريكما الأحادية الجانب في مجال محاربة الإرهاب الدولي بقي أن نعرف ونشخص ردود أفعال الجهات والمنظمات والشخصيات المعنية . فالحرب على العراق كانت نموذجاً كان يجب أن تستخرج منه الدروس والعبر وكان بالإمكان تفاديه . وعلى غرار ذلك مايحصل اليوم تجاه إيران وكوريا الشمالية وسورية وحزب الله وحماس وتنظيم القاعدة الذي مازال يصول ويجول في أفغانستان والعراق وباقي دول العالم الإسلامي والغربي فكل شيء يعتمد اليوم على سلوك القوة الأعظم في العالم وحليفاتها وكذلك على سلوكيات وتصرفات قادة وزعماء الدول المدرجة على لائحة محور الشر أو الدول المارقة أو الخارجة عن القانون كما تسميها وسائل الإعلام الغربية وكذلك على أوضاعها الداخلية فلا أحد يمكنه أن يتكهن ويعرف مسبقاً نوايا الرؤساء في إيران وكوريا الشمالية وسوريا وما يدور في رؤوسهم إزاء ما يحدث حولهم . فإيران تدفع نحو التصعيد حسب الفهم الأمريكي وهي تحرك حلفاؤها في المنطقة كالميليشيات الشيعية الموالية لها في العراق وقوات حزب الله في لبنان مما دفع إلى نشوب مقدمة لحرب شاملة بدأتها إسرائيل التي فقدت أعصابها إثر خطف جنديين لها في جنوب لبنان وجندي ثالث في الأراضي الفلسطينية المحتلة في غزة وتهديدات تل أبيب وواشنطن لطهران ودمشق وتحميلهما مسؤولية ما يجري على الأرض من تصعيد وخراب ودمار مما قد يدفع إيران لتصعيد المواجهة بالوكالة على ساحة أخرى محترقة بالأساس هي الساحة العراقية وهي تمتلك المقومات لفعل ذلك وقد تفقد إسرائيل السيطرة على آلتها العسكرية التي يمكن أن تندفع وتشن حرباً شاملة تدميرية وتتبع سياسة الأرض المحروقة بدفع ودعم وتأييد أمريكي صارخ بغية تثبيت دعائم وأسس جديدة لشرق أوسط جديد عزيز على قلب كونداليزا رايس وجورج دبليو بوش مهما كان الثمن الذي ستدفعه المنطقة لذلك الهدف المنشود
اليوم يتواجه العقل في جانب والعواطف الجياشة والرغبة في القتل والتدمير والانتقام في الجانب الآخر فمن منهما سينتصر؟ Opinions