Skip to main content
Facebook Twitter YouTube Telegram

شرِّعوا الأبواب أمام الآتي باسم الرب

 

  ما أن خرج الدخان الأبيض صبيحة يوم الخميس 31 كانون الثاني 2013 من قاعة اجتماعات السينودس الكلداني المنعقد في روما 2013، معلناً انتخاب المطران مار لويس ساكو السامي الاحترام بطريركاً على كرسي بابل للكلدان، حتى تنفس أبناء الكنيسة الكلدانية الصعداء، لما يحمله المنتخب من صفات تؤهله ليكون راعياً لكنيسة الشهداء في هذه المرحلة الدقيقة والهامة.

   وفي أول تصريح لغبطة أبينا البطريرك مار لويس روفائيل الأول ساكو الكليّ الطوبى، البطريرك السادس بعد المئة على كرسي مار أدي ومار ماري متلمذي المشرق، حدد غبطته بشفافيته المعهودة شعاره البطريركي ( الأصالة _ الوحدة _ التجديد ) ليكون برنامج عمل لمرحلة بطريركيته. وإذا ما تمعّنا بهذا الشعار نجد أن غبطته وضع إصبعه على الجرح، لينطلق بهمّته القعساء التي لا تنضب مضمداً هذه الجراح، من خلال ما يحمله من مؤهلات أخلاقية واجتماعية وعلمية وإدارية مشهوداً لها خلال فترتي كهنوته وأسقفيته. ولا بد لنا أن نقف متأملين عند كل كلمة من هذا الشعار، علّنا نستشف ما يدور في خاطر غبطته، ليحقق أماني أبناء هذه الكنيسة.

   1_ الأصالة: بالعودة إلى تاريخ كنيسة المشرق منذ البدايات، نجد أن هذه الكنيسة حملت لواء التبشير إلى بلاد بعيدة وشعوب كثيرة منذ بداية تأسيسها. وفي بداية القرن الثالث عشر بلغت عصرها الذهبي، وتوسع حدودها بشكل مثير، حتى بلغ عدد المؤمنين التابعين لها ما يقارب الثمانين مليون نسمة، موزعين على ثلاثين رئاسة أسقفية ومئتين وخمسين أبرشية،  تمتد من بلاد الصين والهند، ومادي وآشور وبابل وكل بلاد ما بين النهرين، مروراً بسوريا وفلسطين وقبرص ومصر، إلى بلاد الجزيرة العربية والخليج حتى أرمينيا وبلاد الكرج. وكانت جميع هذه الأبرشيات خاضعة لسلطة مركزية قوية، هي سلطة جاثليق ساليق وقطيسفون. وقد تقلصت هذه المراكز تدريجياً بسبب عوامل عديدة لا مجال لذكرها.

   ويعتبر تراث هذه الكنيسة غنياً جداً بسبب ما قدمه آباؤها الميامين من درر ثمينة، لا زلنا نفتخر بمؤلفاتهم وتصانيفهم أمثال: يعقوب أفراهاط الحكيم ومار أفرام النصيبيني ونرساي النوهدري وباباي الكبير وإسحق النينوي ويوحنا دلياثا وبرشينايا وبربهلول ويوسف حزايا والمرجي والصوباوي وغيرهم كثيرون. أمام هذا الكم الهائل من التراث العظيم نجد كنيستنا في العصر الحديث في خمول وجمود، فهل يجوز لنا أن نفتخر بما قدمه لنا الآباء فقط؟ مثل من يغني على الأطلال وكأنه في عالم أخر! أليس من الواجب علينا أن نحذو حذوهم لنكون بحق وحقيقة أبناء أولئك الجهابذة الذين أفنوا العمر ليعطوننا هذا الكنز الثمين.

   من هنا لابد لرئاسة الكنيسة أن تقود وتدعم بكل ما تملك المسيرة الثقافية في هذه الكنيسة، من خلال تنشئة الجيل الجديد من الكهنة على جميع أصناف العلوم والمعرفة، ليؤَدوا رسالتهم الروحية على أكمل وجه، بدل أن يتحولوا إلى معقّبي معاملات أو إداريّي أوقاف، وكأن الكنيسة قد تحولت إلى شركة استثمارية وهي بحاجة إلى موظفين لإدارتها؟. وكما طرد يسوع تجار الهيكل الذين انتهكوا قدسيته، هكذا يجب أن تطهر كنيستنا من الذين عاثوا بها فساداً.

   وعليه يتوجب على الرئاسة الكنسية أن تعمل على إنعاش الدعوات الكهنوتية المثمرة والفعالة، ويجب أن تضع معايير لقبول المنتسبين لهذا السلك، ليكونوا على قدر المسؤولية المناطة بهم، لأنهم رعاة النفوس في عصر تتسارع فيه الأحداث بشكل مثير.  

   كما يجب أن توجه الرئاسة الاهتمام البالغ لإنعاش الحياة الرهبانية، لأن قوة الكنيسة تكمن في قوة وفعالية الرهبانية فيها. وأعتقد أن هذا الأمر يتطلب بذل جهود مضنية وحثيثة، لكن إذا تعاون المصفّ الأسقفي مع بطريركنا الجليل، فإنهم سوف يحققون معاً هذا الهدف السامي.

   ولابد من الرئاسة الكنسية أن تبذل جهد المستطاع لإعادة الكهنة الذين تركوا كنيستهم والتحقوا بكنائس أخرى، من خلال معالجة الأسباب التي جعلتهم يتركون مراكزهم.

   2_ الوحدة: من المعلوم أن كنيسة المشرق اليوم يرعاها ثلاثة بطاركة. وهذا أمر مؤسف جداً، وجرح بليغ يؤلم أبناء هذه الكنيسة منذ الانقسام وحتى يومنا هذا. فهل يجوز أن تبقى هذه الكنيسة منقسمة على نفسها، علماً أن تاريخها واحد، ولغتها واحدة، وتراثها واحد. فالذي يجمعها هو أكثر بكثير مما يفرقها. وعليه يجب على الرئاسات الثلاث الجلوس على طاولة الحوار، ومناقشة كل الأسباب التي أدت إلى هذا الانقسام بشفافية ومصداقية. بعيداً عن العصبية والاعتبارات الغير جوهرية. بحيث تحترم كل الخصوصيات، والعمل بشكل جدي لإعادة الوحدة لهذه الكنيسة الرسولية، لتعود إلى سابق عهدها منارة تنير المتعثرين في دياجير الظلمة، ومركز إشعاع لنور الإنجيل البهي. وأشدد على تسمية كنيسة المشرق لأنه الإسم التاريخي لهذه الكنيسة منذ تأسيسها. وعندما تتم هذه الوحدة بالتعاون بين الجميع، نستطيع بكل فخر واعتزاز التوجه نحو جميع الكنائس الشقيقة لنكمل مسيرة الوحدة معهم. وبهذا نحقق وصية الرب يسوع: " ليكونوا واحداً ".  

   3_ التجديد: أعتقد أن هذا الهدف هام جداً لنهضة الكنيسة. فالفوضى الطقسية تعمّ كنيستنا، وكل رعية تؤدي الطقوس حسب مزاج راعيها، متناسين أننا نملك أغنى وأعرق تراث طقسي، يعود إلى زمن الرسل. من هنا ننتظر من رئاستنا أن تشكل لجنة من المختصين الأكفاء، تقوم بدراسة علمية وعميقة ورصينة لهذه الطقوس وبالعودة إلى الينابيع، حتى تحقق أمانينا بتوحيد الطقوس في جميع رعايا هذه الكنيسة. كما يجب أن تجهد رئاستنا على وضع نظام عصري ينظم الشؤون المالية والإدارية بشكل دقيق.

   وأدعو رئاستنا إلى التفكير بجدية لتأسيس رابطة كلدانية عالمية، ليتواصل أبناء الكنيسة في المشرق والمغتربات بشكل دوري، حتى يعملوا بما هو مفيد لخير كنيستهم، ويتعاونوا بروح الأخوة خصوصاً في القضايا المصيرية والهامة.

   وأتمنى أن تمنع رئاستنا رجال الدين من الانغماس في أمور السياسة، وتحويل منابر كنائسنا إلى أبواق للدعايات السياسية، فلتبقَ السياسة للسياسيين، أمّا هم فرسالتهم روحية تقود النفوس إلى مراعي الإيمان.

 وحيث أن بطريركنا الجليل دعانا إلى إعادة البيت الكلداني، لتكون الكنيسة الكلدانية علامة للشهادة والأمل والشّركة بالرغم من كل الصعوبات. فلنلبّي هذه الدعوة الكريمة، ملتفّين جميعاً حول غبطته، أساقفة وكهنة، رهبان وراهبات، شمامسة وعلمانيين. لنحقق معاً هذه الأماني الطيبة، لمجد الله وخير النفوس، ولنشرّع الأبواب أمام الآتي باسم الرب.               

Opinions