Skip to main content
Facebook Twitter YouTube Telegram

شهادة للتاريخ / الحلقة الثانية

8/1/2010
الهجوم الرجعي في الموصل وموجة الاغتيالات
لم تكد تفشل محاولة الشواف الانقلابية، وتسيطر قوات الجيش الوطنية وجماهير الشعب على المدينة، حتى توارت القوى الرجعية خوفاً ورعباً، وخلال أيام قلائل عاد الهدوء والنظام إلى المدينة، وشعر أبناء الموصل لأول مرة بالثورة تدخل مدينتهم، بصورة حقيقية، فلم يكن قد حدث حتى وقوع محاولة الشواف الانقلابية، أي تغيير جوهري على أوضاع الموصل، وبقيت العوائل الرجعية المرتبطة مصالحها بالنظام السابق تحكم الموصل من خلال الأجهزة الإدارية، وهي وإن كانت قد ركنت إلى الانكفاء بعد الثورة، لكنها عاودت نشاطها من جديد، مستغلة الجهاز الإداري الذي لم يطرأ عليه أي تغير، والذي كانت تحتل فيه جميع المراكز الحساسة، وبشكل خاص جهاز الأمن الذي أنشأه ورعاه النظام الملكي.
وعلى أثر حدوث التصدع في جبهة الاتحاد الوطني، وإبعاد عبد السلام عارف عن مسؤولياته في قيادة الثورة، عاودت تلك القوى نشاطها التآمري، مرتدية رداء القومية العربية، وتحت راية الرئيس المصري عبد الناصر، وهي التي كانت حتى الأمس القريب من أشد أعدائه، ووضعت نفسها تحت تصرف العقيد الشواف، الطامح إلى السلطة، والمتآمر على الثورة وقيادتها. غير أن انكفاء الرجعية بعد فشل حركة الشواف لم يدم طويلاً بسبب سياسة عبد الكريم قاسم، الذي قلب ظهر المجن لتلك القوى التي حمت الثورة، ودافعت عنها، وقدمت التضحيات الجسام من أجل صيانتها، والحفاظ على مكتسباتها.
عبد الكريم قاسم يقلب ظهر المجن للحزب الشيوعي:
لقد بادر عبد الكريم قاسم باعتقال أولئك الذين تصدوا لانقلاب الشواف، مضحين بدمائهم من أجل حماية الثورة، ودفاعاً عن قيادته هو بالذات، وإحالهم إلى المجالس العرفية{ المحاكم العسكرية}، وحرض الأهالي على التقدم بالشهادة ضدهم، عبر مكبرات الصوت المنصوبة على السيارات العسكرية، والتي كانت تطوف شوارع الموصل، وتم الحكم على معظمهم بأحكام قاسية وصلت حتى الإعدام.
ومن جهة أخرى أقدم عبد الكريم قاسم على سحب السلاح من المقاومة الشعبية، حرس الثورة الأمين، ومن ثم أقدم على إلغائها، وأجرى تغييرات واسعة في أجهزة الدولة، أبعد بموجبها كل العناصر الوطنية الصادقة، والمخلصة للثورة، وأعاد جميع الذين جرى إبعادهم على اثر فشل محاولة الشواف الانقلابية إلى مراكزهم السابقة، وهكذا عاودت الرجعية المتمثلة بعوائل كشمولة، والعاني، و المفتي، والأرحيم، وغيرها من العوائل الأخرى، نشاطها المحموم مستغلة مواقف عبد الكريم قاسم من الشيوعيين الذين كان لهم الدورالأساسي في إخماد تمرد الشواف.
و بادرت تلك العوائل، تتلمس أفضل السبل للتخلص من العناصر الشيوعية والديمقراطية المؤيدة للثورة، ووجدت ضالتها في عمليات الاغتيال البشعة التي ذهب ضحيتها المئات من أبناء الموصل البررة، وأجبرت تلك الحملة الإجرامية أكثر من 30 الف عائلة على الهجرة الاضطرارية من المدينة إلى بغداد وبقية المدن الأخرى، مضحية بأملاكها وأعمالها ووظائفها، من أجل النجاة من تلك الحملة المجرمة.
لقد جرى كل ذلك تحت سمع وبصر السلطة ورضاها، سواء كان ذلك على مستوى السلطة في الموصل، أم السلطة العليا المتمثلة بعبد الكريم قاسم نفسه، حيث لم تتخذ السلطة أي إجراء، أو تجرِ تحقيقاً ضد عصابات القتلة ومموليهم، والمحرضين على تلك الاغتيالات، بل قيل آنذاك أن قاسم نفسه قد أعطى لهم الضوء الأخضر لتنفيذ الاغتيالات، وإن كل الدلائل تشير إلى موافقة السلطة العليا، ومباركتها لتلك الحملة، فلا يعقل أن تكون السلطة مهما كانت ضعيفة وعاجزة، عن إيقاف تلك الحملة الشريرة، وإلقاء القبض على منفذيها ومموليها المعروفين لدى كل أبناء الموصل، وسوف أورد فيما بعد قائمة بأسماء أولئك القتلة، الذين بقوا مطلقي السراح، يتجولون بأسلحتهم دون خوف من عقاب، متربصين بالأبرياء، ليسددوا رصاصاتهم الجبانة إليهم في وضح النهار .
إما أجهزة الأمن فقد كانت تكتفي بإلقاء القبض على جثث الضحايا، وحتى الذين لم يفارقوا الحياة، وأصيبوا بجراح، فكانوا يلاقون نفس المصير في المستشفى، حيث لم ينج أي جريح منهم أُودع المستشفى الذي كان يديره آنذاك، الدكتور[ عبد الوهاب حديد ]، وهو من أبناء عمومة[ محمد حديد] وزير المالية.
ولا بد لنا أن نلقي نظرة على أوضاع السلطة في الموصل في تلك الفترة التي امتدت منذُ حركة العقيد الشواف وحتى وقوع انقلاب 8 شباط 1963، لنتعرف على أولئك الذين كان لهم الدور البارز في تلك الأحداث.
من كان يحكم الموصل؟
1 ـ مدير الشرطة ـ إسماعيل عباوي: إسماعيل عباوي من مواليد الموصل، ومن عائلة رجعية معروفة، انتمى إلى الجيش العراقي كضابط، وكان مرافقا لبكر صدقي، رئيس أركان الجيش، الذي قام بانقلاب عسكري عام 1936،ضد حكومة [ياسين الهاشمي].
قام إسماعيل عباوي باغتيال[ جعفر العسكري] وزير الدفاع في حكومة الهاشمي، كما أشترك في محاولة اغتيال[ضياء يونس] سكرتير مجلس النواب، ومحاولة اغتيال السيد[مولود مخلص] الذي شغل لمرات عديدة منصب وزير الدفاع، ورئيس مجلس النواب، عندما وقع انقلاب الفريق [ بكر صدقي].
أُخرج إسماعيل عباوي من الجيش، بعد اغتيال بكر صدقي، وأعتقل عام 1939 بتهمة تدبير مؤامرة لقتل عدد من السياسيين، وحكم عليه المجلس العرفي العسكري بالإعدام، وجرى بعد ذلك تخفيض العقوبة إلى السجن المؤبد، وأُطلق سراحه عند قيام حركة رشيد عالي الكيلاني عام 1941، وخرج من السجن ليجعل من نفسه بطلاً قومياً.
وقبل أحداث حركة الشواف بأيام أعاده عبد الكريم قاسم إلى الجيش من جديد برتبة مقدم، وعينه مديراً لشرطة الموصل، لكنه لم يستطع استلام مهام منصبه إلا بعد فشل الانقلاب، والسيطرة على الأوضاع في المدينة بعد دخول الجيش إليها بقيادة العقيد حسن عبود الذي عين فيما بعد آمراً للواء الخامس بالموصل، وبقي المقدم إسماعيل عباوي مديراً لشرطة الموصل ليشرف على تنفيذ المذبحة الكبرى للعناصر الديمقراطية والشيوعية فيها خلال ثلاث سنوات متوالية، حيث جرت حملة اغتيالات منظمة ذهب ضحيتها ما يناهز 1000 مواطن دون أن يلقي القبض على واحد من القتلة، بل أكتفي بالقبض على جثث الضحايا، وسُجلت كل جرائم الاغتيالات باسم مجهول!!.
2ـ متصرف اللواء ( المحافظ) ـ العقيد الركن عبد اللطيف الدراجي:
متصرف الموصل العقيد الركن عبد اللطيف الدراجي، من مواليد 1923، ومن الضباط الأحرار الذين شاركوا في تنفيذ الثورة، في الرابع عشر من تموز 958، حيث كان آمر الفوج الأول، في اللواء العشرين، وزميل عبد السلام عارف، الذي كان آمر الفوج الثالث في نفس اللواء. عين الدراجي آمراً للواء العشرين بعد نجاح الثورة، وبسبب علاقته الحميمة بعبد السلام عارف جرى نقله إلى آمريه الكلية العسكرية، إثر إعفاء عبد السلام عارف من مناصبه، كإجراء احترازي من قبل عبد الكريم قاسم، ثم جرى بعد ذلك اتهامه بالاشتراك في المحاولة الانقلابية التي كان من المقرر تنفيذها في 4 تشرين الأول 1958 بالاشتراك مع عبد السلام عارف، وجرى اعتقاله لفترة وجيزة، ثم أُحيل على التقاعد وعُين محافظاً للواء الكوت، ثم نقل بعد ذلك إلى محافظة الموصل فيما بعد.
ولاشك أن الدراجي أخذ يكن العداء لعبد الكريم قاسم، بعد إعفائه من منصبه العسكري، وعمل جهده على إضعاف وعزل عبد الكريم قاسم عن الشعب، وذلك عن طريق حملة اغتيالات الشيوعيين وأصدقائهم، وتبين فيما بعد أنه كان من المشاركين في انقلاب 8 شباط 1963 ضد عبد الكريم قاسم، وقد عينه عبد السلام عارف، بعد انقلابه على البعثتين، وزيراً للداخلية.
لعب الدراجي دورا كبيراً في حملة الاغتيالات المجرمة في الموصل، شأنه شان رفيقه إسماعيل عباوي، ولم يبدر منه أي إجراء لوقفها، والقبض على المجرمين، وإحالتهم إلى القضاء، على الرغم من أن أسماء أولئك المجرمين كانت تتردد على كل لسان.
3 ـ مدير الأمن ـ حسين العاني:
حسين العاني، كما هو معروف، من عائلة رجعية إقطاعية عريقة، كان لها باع كبير في العهد الملكي ، كما كان لها دور كبير في دعم محاولة الشواف الانقلابية، وتم اعتقال العديد من أفراد تلك العائلة، مما جعل حقدها على الشيوعيين كبيراً، ورغبتها في الانتقام أكبر ، وكان وجود العاني على رأس جهاز الأمن، الذي رباه النظام الملكي وأسياده الإمبرياليون على العداء للشيوعية خير عون لعصابات الاغتيالات في تنفيذ جرائمها، والتستر عليها وحمايتها.
كان جهاز الأمن يفتش في الطرقات كل شخص معروف بميوله اليسارية بحثًا عن السلاح لحماية أنفسهم من غدر القتلة، في حين ترك القتلة المجرمين يحملون أسلحتهم علناً دون خوف أو وازع، ولم يحاول هذا الجهاز القبض على أي من القتلة، رغم شيوع أسمائهم، وتداولها بين الناس جميعاً.
ولابد أن أُشير هنا لحادث جرى لي شخصياً، لكي أعطي الدليل، وبكل أمانة وصدق،على دور ذلك الجهاز في جرائم الاغتيالات .
لقد وصلتني رسالة موقعة من قبل [شباب الطليعة العربية، لمحلتي الدواسة والنبي شيت]، وكانت الرسالة مليئة بالكلمات البذيئة، وتهديد بالقتل القريب، حيث جاء في الرسالة:[ لقد جاء دورك، وقد حفرنا لك قبرا،ً وسوف لن يمر وقت طويل، إلا ونكون قد دفناك فيه] .
أخذت الرسالة، مع عريضة شكوى، وتوجهت إلى المحافظ، ومدير الشرطة، ومدير الأمن، وكنت أنتظر أن يجري جهاز الأمن تحقيقاً مع مرسلي الرسالة، لكن الجهاز الأمني أرسل بطلبي دون أصحاب الرسالة.
توجهت إلى مديرية الأمن، ودخلت على المدير، و كان ضابط الأمن المدعو فاضل موجوداً في غرفته، وسبق لهذا الضابط أن اعتقلني عام 1956، وبعد أن عرفت مدير الأمن بنفسي بادرني بالسؤال عن سبب إرسال هذا التهديد بالقتل، وجرى بيني وبينه الحوار التالي أنقله حرفياً بكل أمانة:
سؤال : لماذا أرسل لك هؤلاء رسالة تهديد بالقتل؟
جواب: لماذا لا تسأل الذين أرسلوا الرسالة؟
سؤال : يبدو أنك شيوعي، أليس كذلك؟
جواب: وهل تبيحون قتل الشيوعيين في الشوارع، كما يجري الآن؟ سؤال : إذاً أنت شيوعي .
وهنا تدخل ضابط الأمن ثم بدأت الاستفزازات تنهال عليّ من قبل الضابطين، عندها أدركت أن لا فائدة من طلب الحماية من جهاز يحمي القتلة، ويدعمهم بكل الوسائل وقررت الانسحاب من التحقيق، وسحب الدعوى، والعودة إلى البيت، وأنا مدرك كل الإدراك أن حياتي في خطر أكيد.
ولم تمضِ سوى أيام حتى جرى تطويق بيتي من قبل تلك العصابة بغية قتلي، لكنني كنت قد قررت المكوث في بيت شقيقتي بضعة أيام من باب الاحتراس، حتى سنحت إلى الفرصة بمساعدة أحد الجيران، الذي تكفل بشراء بطاقة طائرة لي، واستطاع نقلي إلي المطار سراً بسيارته، حيث غادرت الموصل إلى بغداد، هذا مثال أنقله للقارئ،عن موقف جهاز الأمن والشرطة ومتصرف اللواء من تلك الاغتيالات بكل أمانة وصدق.
وهذا مثال آخر جرى لأحد أقرب أصدقائي هو الشهيد الأستاذ [ فيصل الجبوري] مدير ثانوية الكفاح بالموصل، الذي أُطلق عليه النار من قبل أحد أفراد عصابة التنفيذ المدعو[عايد طه عنتورة] في 10 أيار 1960، ولم يفارق الحياة، وتم نقله إلى المستشفى، وكان يصرخ بأعلى صوته[ قتلني عايد طه عنتورة . ولم يُتخذ أي إجراء ضد الجاني إطلاقاً، أما فيصل الجبوري فقد فارق الحياة في المستشفى في اليوم التالي.
وهذا مثال آخر، حيث أطلق الرصاص على الشهيد [حميد القصاب] في محله الكائن بمحلة المكاوي، وشخص الشهيد بأم عينه الجاني، وأخذ يصرخ بأعلى صوته، وهو يصعد سيارة الإسعاف برجليه ودون مساعدة: قتلني [ محمد حسين السراج]، وتم نقله إلى المستشفى، لكنه فارق الحياة في اليوم التالي، أما الجاني فلم يُستدعى للتحقيق، ولم تُتخذ أية إجراءات قانونية ضده.
وأذكر أيضاً أحد أصدقائي، الشهيد [أحمد مال الله]، الذي أُطلق عليه الرصاص أيضاً، وأُصيب بجروح، لكن أهله نقلوه على الفور إلى بغداد، حيث عُولج هناك في إحدى المستشفيات وتماثل للشفاء، لكن يد الغدر لاحقته بعد مدة واغتالته في أحد شوارع بغداد.
أما الشهيد المدرس [ زهير رشيد الدباغ ] فقد دخل عليه أحد تلاميذ المدرسة المدعو[عادل ذنون الجواري ] إلى داخل الصف، وهو يدرس التلاميذ ، ليطلق عليه وابلاً من الرصاص من رشاشة كان يحملها، أمام 45 طالباً، دون أن يمسه أذى، أو يجري معه أي تحقيق، أما زهير، فقد أستشهد في الحال. ليست هذه سوى أمثلة قليلة من مئات غيرها جرت للمواطنين الأبرياء، وذهبت دماؤهم هدراً على يد تلك العصابات المجرمة، ولم يفتح فيها جميعاً أي تحقيق إلى يومنا هذا.
4 ـ آمر موقع الموصل ـ العقيد حسن عبود:
العقيد حسن عبود، أمر اللواء الخامس، وأمر موقع الموصل، والضابط الذي قاد القوات العسكرية لقمع تمرد الشواف، وكانت له مواقف مشهودة في حبه لوطنه، ودفاعه عن ثورة 14 تموز، ولكن مع قرار عبد الكريم قاسم تقليم أظافر الشيوعيين، وتحجيم حزبهم، وبالنظر للعلاقة التي تربطه بهم، فقد أقدم قاسم على تجريده من كافة صلاحياته الإجرائية، فيما يخص حماية الأمن والنظام، وأناط ذلك كله بجهاز الأمن السعيدي، وشرطته التي يقودها إسماعيل عباوي، وبإشراف متصرف اللواء العقيد المتقاعد عبد اللطيف الدراجي.
كما أصدر قاسم أمراً بنقل كل الضباط الذين أظهروا تعاطفاً مع الشيوعيين، والذين كان لهم الدور الحاسم في قمع انقلاب الشواف، إلى وحدات عسكرية غير فعّالة، وفق منهج ُ تم إعداده في مديرية الاستخبارات العسكرية، ومديرية الإدارة في وزارة الدفاع، وبإشراف قاسم نفسه.
وهكذا أفرغ قاسم قوات الجيش في الموصل من كل العناصر الوطنية المخلصة، وجمد عملياً سلطات العقيد حسن عبود فيما يخص حفظ الأمن والنظام، ولم يعد له أي دور في ذلك، ثم أنتهي حسن عبود إلى الاعتقال، وأخيراً إلى التقاعد.

حملة الاغتيالات في الموصل :
1ـ منْ مول ، ونظم الاغتيالات :
بعد كل الذي جرى الحديث عنه حول أوضاع الموصل، وطبيعة السلطة فيها، ومواقف السلطة العليا، أستطيع القول أن تلك الاغتيالات لم تجرِ بمعزل عن السلطة العليا وموافقتها، بل وحتى مباركتها، وتقديم كل العون والمساندة للقائمين على تنظيمها وتمويلها.
لقد كان على رأس تلك العصابة يخطط ويمول لعمليات الاغتيالات عدد من العوائل الرجعية والإقطاعية المعروفة، والتي يمكن إجمالها فيما يلي:
1 ــ عائلة كشمولة 2ــ عائلة الأغوات 3 ــ عائلة كرموش .
4 ــ عائلة حديد 5 ــ عائلة العاني 6 ــ عائلة نوري الأ رمني
7 ــ عائلة المفتي . 8 ــ عائلة عبد الرزاق وعبد القادر الإ رحيم
كانت اجتماعات تلك العوائل تجري في منطقة [ حاوي الكنيسة ] بالقرب من ضواحي الموصل، حيث تمتلك عائلة العاني داراً هناك، بعيداً عن أعين الناس، وكانت تُعد هناك قوائم بأسماء المرشحين للقتل، وتحدد العناصر المنفذة للاغتيالات كما كانت التبرعات تجبى من العناصر الرجعية الغنية التي تضررت مصالحها بقيام ثورة 14 تموز.
ورغم العديد من المقالات للعديد من الشخصيات الوطنية التي نشرتها الصحف، مطالبة بوقفها ومعاقبة القائمين بها، والمحرضين عليها، والمخططين لها، لكن كل تلك الأصوات ذهبت أدراج الرياح، واستمر مسلسل القتل حتى وقوع انقلاب الثامن من شباط عام 1963.
2 ـ مَنْ نفذ الاغتيالات؟
إن أسماء منفذي الاغتيالات ليست بخافية على أبناء الموصل، فأصابع الاتهام تشير وتؤكد على شخصية القتلة واحداً واحدا، فقد بلغ بهم الأمر حد التفاخر أمام الناس والحديث عن ضحاياهم دون خوف من عقاب، ولماذا الخوف ما دامت السلطة هي التي تساندهم، وتمدهم بالعون، لينفذوا مخططاً واسعاً، أعد له سلفاً يرمي إلي ضرب الحزب الشيوعي، وتجريده من جماهيره ومؤيديه.
لقد أزداد عدد المنفذين يوماَ بعد يوم، وتحول الاغتيال ليشمل ليس فقط الشيوعيين وأصدقائهم، بل لقد تعداه إلى أناس ليس لهم علاقة بالسياسة، وكان دافعهم على هذا العمل الإجرامي هو التنافس على الأعمال التجارية، أو المحلات، أو المعامل، أو الوظائف، وتصاعدت جرائم الاغتيالات حتى أصبحت إجرة قتل الإنسان [50 دينار]!!،وهذه أسماء بعض أولئك القتلة الذين كانوا يفاخرون بجرائمهم البشعة والتي يتداولها الموصليون على ألسنتهم كل يوم:

أسماء بعض منفذي الاغتيالات :
1 ـ زغلول كشمولة .
2 ـ شوكت نوري الأرمني .
3 ـ محمد سعيد حسين السراج .
4 ـ طارق عبد كرموش .
5 ـ يعقوب كوشان .
6 ـ صبار الدليمي .
7 ـ نجم فتحي
8 ـ موفق محمود .
9 ـ فهد الشكرة .
10 ـ هادي أبن الطويلة .
11 ـ عادل ذنون الجواري .
12 ـ حازم بري .
13 ـ عارف السماك .
14 ـ أحمد جني .
15 ـ نجم البارودي .
16 ـ طارق قباني .
17 ـ طارق نانيك .
18 ـ محمود ، أبن البطل .
19 ـ قاسم ، أبن العربية
20 ـ عدنان صحراوية
21 ـ طارق شهاب البني .
22 ـ فوزي شهاب البني .
23 ـ جبل العاني .
24 ـ فاضل مسير .
25 ـ موفق ، أبن عم فاضل .
26 ـ مجيد ـ مجهول أسم أبيه .
27 ـ جنة ـ مجهول اسم أبيه .
28 ـ نيازي ذنون .
هذه القائمة بالطبع لا تشمل كل المنفذين للاغتيالات، فهناك العديد من الأسماء التي بقيت طي الكتمان، لان أصحابها أرادوا ذلك. لكن الأسماء المذكورة كانت معروفة تماماً لدى أبناء الموصل، حيث كان أصحابها يتباهون بجرائمهم بصورة علنية دون خوف من رادع أ و عقاب، ما دامت السلطة تحميهم وتدعمهم.
لقد اغتيل المئات من أبناء الموصل البررة، ولم يلقى القبض على واحد من القتلة، ولو شاءت السلطة كشف تلك الجرائم لكانت توصلت إلى جميع الخيوط التي تقودها إليهم، وكل المخططين، والممولين لتلك الجرائم.
لقد ذهبت دماء الضحايا هدراً، حتى يومنا هذا، ولم يُفتح فيها أي تحقيق، وطواها النسيان، لكنها ستبقى تسأل عن مَنْ سفكها، ومن ساعد، وشجع، وخطط، ومول تلك الحملة المجرمة بحق المواطنين الأبرياء، ولابد أن يأتي اليوم الذي تُكشف فيه الحقيقة، وخاصة فيما يتعلق بموقف السلطة العليا في بغداد، وجهازها الأمني، و الإداري في الموصل، ودور كل واحد منهم في تلك الاغتيالات.
لكن الذي أستطيع قوله بكل تأكيد، هو أنه لا يمكن تبرئة السلطة العليا من مسؤوليتها في تلك الأحداث، وعلى رأسها عبد الكريم قاسم بالذات، فالسلطة مهما تكن ضعيفة وعاجزة، وهي ليست كذلك بكل تأكيد، قادرة على إيقاف تلك الجرائم واعتقال المسؤولين عنها، وإنزال العقاب الصارم بهم إن هي شاءت.
ليست متوفرة لدي، وأنا أعيش في الغربة بعيداً عن وطني، قائمة كاملة بأسماء ضحايا الاغتيالات تلك، لكنني ما زلت أحتفظ بأسماء العديد من أولئك الضحايا أذكر منهم :

أسماء بعض الشهداء من ضحايا جرائم الاغتيالات
1 ـ كامل قزانجي ـ محامي وسياسي بارز.
2 ـ غنية محمد لطيف ـ طالبة مدرسة.
3 ـ العقيد عبد الله الشاوي ـ أمر فوج الهندسة .
4 ـ فيصل الجبوري ـ مدير متوسطة الكفاح.
5 ـ زهير رشيد الدباغ ـ مدرس .
6 ـ شاكر محمود ـ معلم .
7 ـ قوزي قزازي ـ تاجر .
8 ـ حازم قوزي قزازي ـ تاجر ( قتل مع أبيه ) .
9 ـ نافع برايا و عائلته ـ قتلت العائلة بواسطة قنبلة موقوتة، وضعت بسيارتهم
10 ـ ياسين شخيتم ـ قصاب، ونصير سلم .
11 ـ عبد الإله ياسين شخيتم ـ طالب إعدادي ( قتل مع أبيه).
12 ـ متي يعقوب ـ صاحب محل تجاري .
13 ـ إبراهيم محمد سلطان ـ تاجر أغنام .
14 ـ حميد فتحي الحاج أحمد ـ قصاب .
15 ـ كمال القصاب ـ قصاب .
16 ـ موسى السلق ـ محاسب بلدية الموصل .
17 ـ سالم محمود ـ معلم .
18 ـ متي يعقوب يوسف ـ موظف .
19 ـ فيصل محمد توفيق ـ مدرس .
20 ـ عبد الله ليون ـ محامي .
21 ـ زكر عبد النور ـ صيدلي .
22 ـ أحمد ميرخان ـ ( نقل إلى المستشفى جريحاً ، واغتيل هناك في اليوم التالي في المستشفى ) .
23 ـ عثمان جهور ـ كاسب ، كردي .
24 ـ محمد زاخو لي ـ كاسب ، كردي .
25 ـ سر كيس الأرمني ـ صاحب كراج .
26 ـ يقضان إبراهيم وصفي ـ مهندس .
27 ـ حنا داؤد ـ سائق سيارة .
28 ـ عصمت عبد الله ـ موظف .
29 ـ هاني متي يعقوب ـ سائق المطرانية .
30 ـ زكي عزيز توتونجي ـ توتونجي [ بائع تبغ]
31 ـ بدري عزيز توتونجي ـ توتونجي .
32 ـ نجاح ….. ـ طالب جامعي ، قتله المجرم جبل العاني ،أحد أفراد العصابة.
33 ـ أركان مناع الحنكاوي ـ كاسب .
34 ـ طارق نجم حاوة ـ عامل .
35 ـ طارق محمد ـ طالب إعدادي .
36 ـ طارق إبراهيم الدباغ ـ تاجر مواد صحية .
37 ـ سالم محمد ـ كاسب .
38 ـ حمزة الرحو ـ قصاب .
39 ـ وعد الله ـ أبن أخت عمر محمد الياس ــ طالب
40 ـ شريف البقال ـ صاحب محل تجاري .
41 ـ طه الخضارجي ـ بائع فواكه ، وخضراوات .
42 ـ هاشم الحلة ـ طالب .
43 ـ حاتم الحلة ــ طالب .
44 ـ ذنون نجيب العمر ـ تاجر .
45 ـ محمد أبو ذنون ـ قصاب .
46 ـ عبيد الججو ـ تاجر .
47 ـ خليل الججو ـ تاجر .
48 ـ زكي نجم المعمار ـ معلم .
49 ـ أحمد نجم الدين ـ موظف .
50 ـ أحمد البامرني ـ تاجر .
51 ـ أحمد مال الله ـ موظف .
52 ـ سعد الله البامرني ـ موظف .
53 ـ وديع عودة ـ تاجر .
54 ـ طارق يحيى . ق ـ طالب إعدادي .
55 ـ ثامر عثمان ـ ضابط في الجيش .
56 ـ جورج ـ سائق .
57 ـ أحمد حسن ـ موظف في البلدية .
58 ـ باسل عمر الياس ـ طالب .
59 ـ شاكر محمد .
60 ـ فريد السحار .
61 ـ واصف رشيد ميرزاـ تاجر.
62ـ جميل ألياس ـ طالب أعدادية
هذا بعض ما أتذكره من أسماء أولئك الشهداء، ضحايا تلك المجزرة التي عاشتها مدينة الموصل خلال تلك السنوات الممتدة من أوائل عام 1960 وحتى وقوع انقلاب 8 شباط عام 1963، وهي بالتأكيد لا تمثل سوى جانب ضئيل من أسماء الضحايا من أبناء الموصل البررة، ولم يكتفِ انقلابيي 8 شباط بالدم المسفوح هدراً بل نصبوا المشانق في شوارع الموصل للعشرات من السجناء.

أما الذين أعدمهم انقلابيوا 8 شباط 1963 فهم :
مجموعة الموصل
1 ـ مهدي حميد ـ ضابط في الجيش ـ قتل تحت التعذيب
2 ـ شاكر محمود اللهيبي ـ معلم
3 ـ إبراهيم محمد العباس [ أبراهيم الأسود ـ ضابط في الجيش
4 ـ عزيز أبو بكر ـ نائب عريف في الجيش
5 ـ غازي خليل محي الدين ـ نائب عريف في الجيش
6 ـ أحمد علي سلطان ـ نائب عريف في الجيش
7 ـ سيدو يوسف الحامد ـ نائب عريف في الجيش
8 ـ عز الين رفيق ـ جندي
9 ـ عصمت بيروزيني ـ جندي
10 ـ صالح أحمد يحيى ـ جندي
11 ـ جاسم محمد أحمد ـ جندي
12 ـ رمضان أحمد ـ جندي
13 ـ يوسف إبراهيم ـ جندي
14 ـ أنوردرويش يوسف ـ جندي
16ـ عبد محمد يونس ـ جندي
17 ـ شمعون ملك بكر ـ جندي
18 ـ محمد شيت صالح ـ جندي
19 ـ عمر بابكر ـ جندي
20 ميكائيل حسن اسماعيل ـ جندي
21 ـ خضر شمو ـ جندي
22ـ هاني مجيد هبونة ـ قصاب
23ـ متي اسطيفان ـ معلم
24 ـ وعد الله النجار ـ نجار موبيليا
25 ـ ساطع اسماعيل الغني ـ قاضي
26 ـ طارق الجماس ـ تاجر اغنام
27 ـ طه الفارس ـ جندي
مجموعة تلكيف
28 ـ إبراهيم داؤودـ معلم ـ
29 ـ حنا قديشه ـ معلم
30 ـ كوركيس داؤود ـ معلم
31ـ ميخائيل ججو
32 ـ بطرس سنكو
33 ـ يحيى مراد
34 ـ ثامر عثمان ـ ضابط بفوج الهندسة ـ قتل تحت التعذيب
35 ـ العقيد عبد الله الشاوي ـ آمر فوج الهندسة ـ قتله الانقلابيون لمقاومته لانقلاب الشواف
مجموعة دهوك
36 ـ عبد الرحمن زاويتي ـ معلم
37 ـ خيري نشأت ـ معلم
38 ـ طاهر العباسي ـ معلم
39 ـ عيسى ملا صالح ـ جندي
مجموعة كركوك
1 ـ حسين البرزنجي
2 معروف البرزنجي
3 ـ حسين خورشيد
4 ـ خليل إبراهيم عجم
5 ـ خورشيد محمد
6 ـ رحيم سعيد
7 ـ طالب عمر
8 ـ عادل حسين
9 ـ عبد الجبار بيروزخان
10 ـ عبد الحافظ شريف
11 ـ فاتح ملا داؤود الجباري
12ـ فتاح صالح
13ـ كريم رمضان أحمد
14 ـ مجيد حسن
15 ـ محمد حسن عزيز
16 ـ محمود علي
17 ـ محمود مجيد الشكرجي
18 ـ مختار برغش
19ـ مهدي مردان
20 ـ نجم الدين نادر شوان
21 ـ نعيم عنبر
22 ـ ملا نوري عبدالله
23 ـ أحمد محمد أمين
24 ـ إحسان حسين الصالحي
25 ـ نوري سيد ولي
26 ـ كريم خلف
27 ـ عطا جميل
29 ـ توفيق مصطفى


أما الذين قتلوا من أنصار الشواف خلال الانقلاب، وهم الذين قالت عنهم إذاعة صوت العرب 20 إلفا ، وتبين بعد اجراء محاكمات الشيوعيين من قبل المجلس العرفي العسكري برئاسة العقيد شمس الدين عبد الله بعد انقلاب 8 شباط أن عددهم كان 36 شخصاً نشرت صورهم الصحافة ، كما جرى تعليق صورهم اثناء الاحتفال الذي اقامه البعثيون في الموصل بذكراهم بعد انقلاب شباط ، وهم :
1 ـ أحمد السوري ـ صاحب مكتبة
2 ـ صالح حنتوش رئيس نقابة سواق السيارات
3 ـ حامد عبد الرحمن ـ عامل في الصحة
4 ـ إدريس كشمولة ـ تاجر
5 ـ فاروق إدريس كشمولة ـ طالب
6 ـ عبد الرحمن الأعضب ـ عامل أفران
7 ـ يونس خليل أحمد ـ رائد في الجيش ـ قتل خلال الانقلاب
8 ـ عزيز سليم ـ ملاحظ الاحصاء في التربية
9 ـ محمد فاتح البكري ـ طالب
10 ـ عبد الله محمد البزاز ـ عامل
11 ـ زكي عزيز الخشاب ـ عامل
12 ـ سعيد الخشاب ـ عامل
13ـ اسماعيل الحجار ـ صاحب ىمقهى
14 ـ هاشم الشكرة ـ معلم
15 ـ كريم كشمولة ـ ملاك
16 ـ شيت كشمولة ـ ملاك
17 ـ عادل سيد خضر
18 ـ احمد الحاج بكر
19 ـ عبد الرزاق شندالة
20 مصطفى الشيخ خليل
21 ـ نوري فيصل الياور ملاك اراضي
22 ـ حامد السنجري ـ غنام
23 ـ محمد خيري كشمولة ـ ملاك
24 ـ عقيل أحمد ملا إبراهيم
25 ـ داؤود السنجري ـ غنام
26 ـ فاروق عمر كشمولة ـ ملاك
27 ـ علي العمري ـ تاجر
28 ـ حفصة العمري
29 ـ عبد الله الجبوري ـ قائمقام قضاء دهوك
30 ـ سعدالدين إبراهيم الجلبي ـ طبيب في دهوك
31 ـ قاسم الخشاب ـ مفوض شرطة دهوك
32 ـ أمجد المفتي ـ قاضي
33 ـ قاسم الشعار محامي
34 ـ هاشم عبد السلام ـ إمام جامع عجيل الياور
35 ـ توفيق النعيمي ـ رجل دين
36 ـ مصطفى الخشاب ـ عامل

الضباط المشاركين في الانقلاب الذين إدانهم المحكمة واعدمهم عبد الكريم قاسم
في شهر آب 1959
1 ـ محسن عموري ـ ملازم أول
2 ـ غانم عموري ـ ملازم
3 ـ نافع داؤود ـ نقيب ركن
4 ـ هاشم الدبوني ـ مقدم
5ـ صديق اسماعيل ـ نقيب
6 ـ علي توفيق ـ مقدم ركن
7 ـ اسماعيل هرمز ـ مقدم
8 ـ مجيد الجلبي ـ مقدم
9 ـ محمد امين عبد القادر ـ نقيب
10 ـ خليل سلمان ـ عقيد طيار
11 ـ توفيق يحيى أغا ـ نقيب
12 ـ زكريا طه ـ نقيب
13 ـ عبد الله ناجي ـ عقيد طيار
14 ـ قاسم العزاوي ـ نقيب طيار
15 ـ فاضل ناصر ـ ملازم طيار
16 ـ أحمد عاشور ـ ملازم طيار
17 ـ ناظم الطبقجلي ـ عميد ركن ـ قائد الفرقة الثانية
18 ـ رفعت الحاج سري ـ عميد ركن ـ رئيس الاستخبارات العسكرية

نتائج الاغتيالات، والحملة الرجعية في الموصل:
بعد كل الذي جرى في الموصل على أيدي تلك الزمرة المجرمة، نستطيع أن نوجز نتائج حملة الاغتيالات، والحملة الرجعية، بالأمور التالية:

1ـ إلحاق الأذى والأضرار الجسيمة بالعوائل الوطنية، وإجبارها على الهجرة من المدينة، وقد هجر المدينة بالفعل، أكثر من 30 ألف عائلة إلى بغداد والمدن الأخرى طلباً للأمان، تاركين مساكنهم، ومصالحهم ووظائفهم، ودراسات أبنائهم، بعد أن أدركوا أنه ليس في نية السلطة إيقاف حملة الاغتيالات، واعتقال منفذيها، وأن بقائهم في الموصل لا يعني سوى انتظار القتلة لينفذوا جرائمهم بحقهم، وعليه فقد كانوا مجبرين على التضحية بكل مصالحهم، ومغادرة مدينتهم التي نشأوا وترعرعوا فيها حرصاً على حياتهم.

2ـ شل و تدمير الحركة الاقتصادية في المدينة، نتيجة للهجرة الجماعية، وعمليات القتل الوحشية التي كانت تجري أمام الناس، وفي وضح النهار، وانهيار الأوضاع المعيشية لأبناء الموصل، وخاصة العوائل المهاجرة .

3ـ تجريد عبد الكريم قاسم من كل دعم شعبي، وعزله عن تلك الجماهير الواسعة والتي كانت تمثل سند الثورة الحقيقي .
لقد كانت الرجعية، ومن ورائها الإمبريالية، وشركات النفط، ترمي إلى هدف بعيد هدف يتمثل في إسقاط الثورة، وتصفية قائدها عبد الكريم قاسم نفسه، و كل منجزاتها، التي دفع الشعب العراقي من أجلها التضحيات الجسام، من دماء أبنائه البررة.
لقد كفرت جماهير الشعب بالثورة، وتمنت عدم حدوثها، وأخذت تترحم على نوري السعيد، و العهد الملكي السابق، وانكفأت بعيداً عن السياسة، وتخلت عن تأييد قاسم وحكومته، وفقدت كل ثقة بها، وهذا ما كانت تهدف إليه الرجعية في الأساس لغرض إسقاط حكومة عبد الكريم قاسم فيما بعد.

ولم يدر في خلد قاسم، أن رأسه كان في مقدمة المطلوبين، وأن الثورة ومنجزاتها كانت هدفاً أساسياً لها، وما تلك الاغتيالات إلا وسيلة لإضعاف قاسم نفسه، وعزله عن الشعب، تمهيداً لإنزال الضربة القاضية به، وبالثورة ومنجزاتها، حيث تم لهم ما أرادوا، وخططوا هم وأسيادهم الإمبرياليين في انقلاب 8 شباط 1963.

موقف الحزب الشيوعي من حملة الاغتيالات؟
لم يكن موقف الحزب الشيوعي من الاغتيالات في مستوى الأحداث، حيث اتخذ منها موقفا سلبياً لا يتناسب وخطورتها، مكتفياً ببعض المقالات التي كانت تنشرها صحيفة الحزب [ اتحاد الشعب ] وبعض البيانات التي كانت تطالب السلطة العمل على وقفها !! دون أن تتخذ قيادة الحزب موقفاً صارماً من السلطة وهو يدرك أن لها اليد الطولى فيها، بهدف تجريد الحزب من جماهيره وإضعافه، تمهيداً لإنزال الضربة القاضية به، بعد أن أرعبتها مسيرة الأول من أيار عام 1959، التي لم يسبق لها مثيل، في ضخامتها وجموع المتظاهرين جميعاً تهتف مطالبة بإشراك الحزب الشيوعي في الحكم [عاش الزعيم عبد الكريمِ، حزب الشيوعي بالحكم مطلب عظيمِ ].
وفي واقع الأمر فإن تلك المسيرة، وذلك الشعار، أعطى عكس النتائج التي توخاها الحزب منهما، وجعل عبد الكريم قاسم يرتجف رعباً وهلعاً من قوة الحزب وجماهيريته، وصارت له القناعة المطلقة أن الحزب بكل تأكيد سوف يقفز إلي السلطة، ويبعده عنها، رغم أن هذه الأفكار لم تكن تدور في مخيلة الحزب إطلاقاً وقت ذاك، ولعبت البرجوازية الوطنية، المتمثلة بكتلة وزير المالية[ محمد حديد ] نائب رئيس الحزب الوطني الديمقراطي، دوراً كبيراً في إثارة شكوك عبد الكريم قاسم بنوايا الشيوعيين، كما اشتدت الحملة الإمبريالية الهستيرية التي كانت تصوّر الحالة في العراق أن الشيوعيين قد أصبحوا قاب قوسين أو أدنى لاستلام السلطة.
ما كان للحزب الشيوعي أن يلجأ إلى الشارع، ليستعرض قوته أمام عبد الكريم قاسم ويرعبه، من أجل المشاركة في السلطة، رغم أحقيته بذلك، في حين كان بإمكانه استلام السلطة بكل سهولة ويسر لو هو شاء ذلك، ولم تكن هناك قوة في ذلك الوقت قادرة على الوقوف بوجهه.
لكن الحزب الشيوعي استفز عبد الكريم قاسم، واستفز البرجوازية الوطنية، ثم عاد وانكمش، وبدأ بالتراجع يوماً بعد يوم، مما أعطى الفرصة لعبد الكريم قاسم وللبرجوازية المتمثلة بالجناح اليميني للحزب الوطني الديمقراطي بقيادة [محمد حديد] ورفاقه للهجوم المعاكس ضد الحزب، من أجل تقليم أظافره، وتجريده من جماهيره، تمهيداً لتوجيه الضربة القاضية له.
كان على قيادة الحزب إما أن تقرر استلام السلطة، وهي القادرة على ذلك بدون أدنى شك، لكن الخطوط الحمراء التي رسمتها الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي حول الخليج حالت دون إقدام الحزب الشيوعي على استلام السلطة، أو أن تسلك طريقاً آخر هادئاً لا يستفز عبد الكريم قاسم، عن طريق اللقاءات والحوار والمذكرات التي لا تثير أية حساسية، وأن تركز جهدها للمطالبة بإجراء انتخاب المجلس التشريعي، وسن دستور دائم للبلاد، وانتقال السلطة بطريقة دستورية إلى من يضع الشعب ثقته فيه، أو تشكيل حكومة إئتلاف وطني، تضم مختلف الأحزاب الوطنية وليكن عبد الكريم قاسم رئيساَ للجمهورية، إذا أختاره الشعب.
لقد أتخذ عبد الكريم قاسم موقفه من الحزب الشيوعي القاضي بتحجيمه وعزله عن جماهيره، تمهيداً لتوجيه الضربات المتتالية له، والتخلص من نفوذه ، بعد أن اصبحت لديه القناعة!! أن الخطر يأتيه من الحزب الشيوعي وليس من أحزاب اليمين المتمثلة بحزب البعث والقوميين رغم أنهم تآمروا عليه مرات عديدة، في حين لم يكن يدور في خلد الشيوعيين خيانة عبد الكريم قاسم ، بل ذادوا عن ثورة 14 تموز حتى النهاية، ودفهوا ثمناً باهظاً جداً .
أما قيادة الحزب فكانت بعد كل الذي جرى ويجري ما تزال عند حسن ظنها بقاسم آملة أن يعود عن الطريق الذي أتخذه ضد الحزب، وهكذا بدأ قاسم حملته الشرسة ضد الحزب لتجريده من جماهيريته، وإبعاده عن قيادة جميع المنظمات الجماهيرية، والجمعيات ، والنقابات، واتحادي العمال والفلاحين، وانتهى به المطاف إلى حجب إجازة الحزب، وصنع له بديلا ًمسخاً لا جماهيرية له، لدرجة أنه فشل في إيجاد عدد كافٍ لهيأته المؤسسة لثلاث مرات متتالية، في الوقت الذي جمع الحزب 360 ألف توقيع من رفاقه ومؤيديه.
لقد أصبحت قيادة الحزب في وادٍ، وقاعدته ومناصريه في وادٍ آخر، حين وجدت قواعد الحزب أن لا أمل في موقف السلطة، واستمرار تمادي العصابات الإجرامية وتنامي عدد حوادث القتل يوما بعد يوم في كافة أنحاء العراق، بصورة عامة، وفي الموصل بوجه خاص، حتى وصل الرقم اليومي لعدد الضحايا أكثر من خمسة عشر شهيداً.
لقد ألحت قواعد الحزب، بعد أن أدركت أن لا أمل في السلطة، بالرد على تلك الاغتيالات، ليس حباً بالعمل الإرهابي، ولا رغبة فيه، وإنما لوقف الإرهاب، وكان بإمكان الحزب لو أراد آنذاك لأنزل الضربة القاضية بالمجرمين ومموليهم، وكل الذين يقفون وراءهم .
إلا أن الحزب رفض رفضاً قاطعاً هذا الاتجاه، متهماً المنادين به بالفوضويين !! وبمرض الطفولة اليساري، وغيرها من التهم، التي ثبت بطلانها فيما بعد، والتي كلفت الحزب، وكلفت الشعب ثمناً باهضاً من أرواحهم وممتلكاتهم، ومصير وطنهم.
إن من حق كل إنسان أن يحمي نفسه ويدافع عنها، إذا ما وجد أن السلطة لا تقدم له الحماية، في أسوأ الأحوال، إذا لم تكن السلطة شريكاً في الجريمة. لكن الحزب كان يخشى أن يؤدي اللجوء للدفاع عن النفس إلى غضب عبد الكريم قاسم، وخاصة أن أحداث كركوك مازالت ماثلة أمامه، ومواقفه من الشيوعيين، واتهامهم بالفوضوية، واصفاً إياهم بكونهم أسوأ من هولاكو، وجنكيز خان !!؟ لكن الحقيقة أن مواقف قاسم تلك في الدفاع عن القتلى في كركوك كانت ستاراً وذريعة لضرب الحزب وتحجيمه.
لقد كان على قيادة الحزب أن تدرس بإمعان مسيرة الأحداث، وتتوقع كل شيء، وكان عليها أن لا تستفز عبد الكريم قاسم، ثم تتخذ التراجع طريقاً لها، وتتلقى الضربات المتتالية بعد ذلك، في حين كان الحزب في أوج قوته ، وكان بإمكانه أن يقف بحزم ضد كل ما يخطط له، ويعمل على وقف تلك المخططات، وأخذ زمام المبادرة من الأعداء.

حامد الحمداني
8/1/2010
Opinions