صباح ياقو توماس : عرفتُ نفسي بعد الخمسين
من الضروري جداً ان يعرف الإنسان نفسه، وهذا لا يتم الا بعد المرور بمراحل التطور/ تطور الانسان من الطفولة الى الصبوة - المراهقة (الشباب) – النضوج - الى الثبات في قِيم الحياة، وكلمة الثبات هنا تعني ما بعد النضوج التي تكون نتيجتها : القرار الصائب، كونه أتى من الخبرة العملية وليس النظرية وحسب، وشتان بين النظرية والتطبيق! انه استقرار داخلي يشعر به الإنسان المناضل الذي كافح من اجل مبادئه وافكاره التي تصب لمصلحة شعبه، انها تضحية حتى الشهادة من اجل خير وسعادة وطنه، والدليل انه أُصيب أربع مرات في جبهات القتال ضد الديكتاتورية والفردية المصلحية، وفي احداها فقد إحدى عينيه هدية لشعبه! انه صباح ياقو توماس (ابوليلى)، الذي القيناه في (لاس فيغاس / غرب امريكا) ، حيث صرح لأول مرة : عرفتُ نفسي بعد الخمسيننعم ايها الأخ (ابو ليلى) ان هذا القول هو قول الحكماء حقاً، انه يسير مع قول الفيلسوف العظيم "سقراط" "أعرف نفسك ايها الإنسان" وها انت عَرفت نفسك بعد الخمسين، وكانت ثمرة هذا التطبيق العملي لمسيرة الحياة، بسلبياتها وايجابياتها، هي زرع شجرة "الجبل الأخضر" في القوش الحبيبة، التي هي احدى منظمات المجتمع المدني التي تدعو وتناضل من اجل صحة الإنسان، كل انسان، وخلق بيئة صحية خالية من سموم وفضلات المصانع والمعامل، لكي يعيش الانسان في جو "أخضر" بكل ما للكلمة من معنى، وكان الإنطلاقة والتأسيس في القوش، ومنها ننطلق في سماء الوطن في المستقبل
كيف ولدت الفكرة عند (أبو ليلى)؟ هذا ما سنعرفه بعد لقائنا معه، حيث أجاب :
س : من أنتَ؟
أبو ليلى : اني صباح ياقو توماس – من اهالي القوش – انتميتُ الى الحزب الشيوعي العراقي منذ نعومة أظفاري، التحتُ بالحركة الكردية من 1963 – 1969، وبعد ان جرحت في عيني في احدى المعارك المتميزة ضد النظام الدكتاتوري، سافرت للعلاج الى خارج العراق، وعندها درستُ وحصلت على دكتوراه – اقتصاد النفط – موسكو 1979، عدتُ الى الوطن في نفس السنة والتحت بالانصار من سنة 1979 لغاية 1989
س : بمن تأثرت في مشوارك؟
ابو ليلى : في بداية مشواري كان للأخ "سعيد اسطيفانا" الفضل في فتح افاق السياسة امامي، بعدها تأثرتُ بالمرحوم والقائد الفذ "توما توماس" حيث كان له دور كبير في تربيتي وثقافتي الحزبية، لأنه قائد سياسي متزن وملتزم، ومهما قلنا لا نفي الإنسان والمناضل (ابو جوزيف) حقه، ومن الناحية العسكرية تأثرت بالمرحوم البطل "هرمز ملك جكو" الذي استشهد قرب سميل على يد الجيش السوري كما هو معروف
س : قلتَ انك أصبت 4 مرات، ما هي اهم المحطة الصعبة في هذا الموضوع؟
أبو ليلى : نعم كانت اصابتي في عيني وقلعها من اهم المحطات في الموضوع، ولكن لا أنسى أبداً ما حدث عند الضربة الكيمياوية عام 1988 في منطقة زيوا – الزاب – المقر العام للأنصار- حيث اصبت مع 150 إصابة اخرى من رفاقي وزملائي وكانت اصابتي خطرة جداً مع تسعة آخرين حيث استشهد (أبو فؤاد – يزيدي) و (أبو رزكار- من زاخو)، وتم معالجتي في ايران ثم الى روسيا
س : ماذا بعد 1989؟
أبو ليلى : هاجرت الى السويد 1990 - 1991 واستقريت هناك، اعتبرها محطة استراحة! مع مراجعة للنفس وما آلت اليه الامور في العراق، اما اليوم كانت لنا مبادرة لتأسيس منظمة من منظمات المجتمع المدني تحت اسم (الجبل الاخضر) التي هي رسالة انسانية اجتماعية لتطوير البيئة والصحة من خلال الالتقاء والتقارب مع الطبيعة الخضراء في منطقة القوش – ومنها ننطلق نحو كردستان والى العراق في المستقبل، كان هذا في 2006 والتي ضمت المنظمة عند التأسيس 400 عضو، اما اليوم فإن عدد الاعضاء والمناصرين بازدياد تجاوز الالاف، وبخصوص التمويل اننا نمول ذاتياً وبتبرع الاعضاء والاصدقاء في هذا المجال، وهناك اهتمام بحقوق الانسان من خلال اللجان المختصة والهيئات الاستشارية
س : هل يعني هذا انكم اصبحتم من اجل؟
ابو ليلى : خلق الانسان ليكون مفيد، اي ليقدم الخدمة للآخرين، انه رجل المساعدة محبة بالاخرين، وهذه هي نقطة انطلاقنا، لاننا نؤمن بفلسفة الحياة، وخاصة عندما تكون روح الانسان نقية، عندها يكون جسده (عمله) نقي حتماً، وهذه غاية منظمتنا هي الدفاع عن حقوق الانسان – صحياً وبيئياً! من خلال العمل الجماعي
س : هل عندك "سر" تبوحه لمحبيك؟
ابو ليلى : نعم هناك حقيقة اكتشفتها الا وهي : عند ما راجعت نفسي ومسيرة حياتي، عرفتُ نفسي من انا بعد الخمسين من عمري!! نعم انا في قمة السعادة لهذا الاكتشاف الذي اعطاني جواباً لمعظم اسئلتي عندما اكتشفت نسبية الاشياء! هذا عندما دخلت الى اعماق مسيرة حياتي كلها، انه نموذج الحياة الصحية للإنسان، وخاصة من خلال اتباع اسلوب او نمط حياة نباتية كما نحن اليوم، لذا وجوب مراجعة النفس عند كل فترة زمنية وكل منعطف في الحياة وهذا ضروري جداً للإنسان المنضل والحكيم والمحافظ على قيمه، وعندما يقرر ان يكون من اجل الدفاع عن حقوق الانسان، كل انسان، وهذا هو الشعور بالمسؤولية تجاه الاخرين، هنا اقول : اني ولدتُ لاكون قائداً
ودعته بحفاوة كما استقبلناه هنا في لاس فيغاس، وتمنينا له ولزملاءه كل خير وصحة وبيئة خضراء من اجل سعادة الإنسان اينما وجد، المهم لدى كل واحد ان لا ينام ويضع راسه على وسادته الا وان يقول لنفسه : ماذا عملت لأخي واخواني الاخرين وحقوقهم، هل حقاً سعيتُ للمحافظة على كرامتهم البشرية؟
"تصبح أخي عندما تعايشني"
shabasamir@yahoo.com