ضاعت لحانا بين كلدانية سيزار ميخا وأشورية مسعود النوفلي
جامعة ينشوبنكالسويد
leon.barkho@jibs.hj.se
لا أعلم لماذا أقحم السيد سيزار ميخا إسمي في أخر مقال كتبه. إن كان غرضه طلب النصيحة كوني أكبر منه سنا وبمثابة والده من ناحية وأكثر منه علما كوني أستاذ في واحدة من أرقى جامعات السويد من ناحية أخرى، فهذا ما أعتز به. بيد أن نبرة مقاله يشوبها السخرية والتهكم مما يدل أنه لا هذا ولا ذاك.
أقبل منه التهكم هذا كما قبلت منه الإساءة (وهو بمثابة ولدي) عندما وصفني في أحد مقالاته "دون دكتور" وهذا بلهجة السورث لا سيما في ألقوش يعني "دوني". ووصفني بأنني بمثابة "دون كيشوت". كل هذا أقبله منه برحابة الصدر وإن كان له المزيد من الإساءة فعلى الرحب والسعة.
كما أنني صعقت بالمواقف الأخيرة للسيد مسعود النوفلي التي يظهر فيها ميله إلى طرف واحد من أبناء شعبنا تسمية على حساب طرف أخر بينما كنت أعتقد أن شأنه شأني لا يعير أية أهمية للتسمية كوننا شعب واحد إرثا وتراثا وحضارة ولغة وطقسا ودينا.
حانا ومانا
وبين حانا السيد سيزار ميخا الكلدانية ومانا السيد مسعود النوفلي الأشورية، وفي خضم هذه السجالات الفارغة والعقيمة وغير العلمية، لم نضع لحانا فقط بل أضعنا وجودنا ولغتنا وثقافتنا وتراثنا الكتابي الذي يعود تقريبا إلى النصف الأول من الألفية الأولى قبل الميلاد.
لا خير في قوم يقفون على أطلال أقوام أخرى وامام أحجار وتماثيل في المتاحف العالمية ويتباهون بها وبخطوطها المسمارية وكأنهم هم من خطوها وهم ولا يستطيعون فك طلسم حرف واحد منها. لا خير في قوم يقفز أفراده المثقفون على تراث كتابي أدهش الدنيا والحضارت بكتابه وعلمائه وشعرائه وملافنته وطقوسه وفلكلوره ويعيدوننا إلى أحجار وتماثيل أقوام لا علاقة وجدانية وحضارية ولغوية لنا معهم.
وكنت سابقا قد كتبت عن الأثر السلبي الهائل الذي تركته وتتركه هذه السجالات وهذه المواقف العقيمة التي لا تنم إلا عن قصر نظر أصحابها وعدم درايتهم بالمخاطر الرهيبة والوجودية التي يتعرض لها شعبنا. حقيقة أنهم لا يدرون ولكنهم يفكرون ويكتبون ويتصرفون وكأنهم يدرون. وهنا تكمن الكارثة. وللتذكير، وكي أوضح مرة أخرى موقفي كواحد من أبناء شعبنا الذي يقف على مسافة واحدة فكرا وتصرفا من أسماء ومذاهب شعبنا الواحد، ارتأيت إعادة بعض ما كتبته سابقا في هذا الشأن منقحا ومضيفا إليه أحيانا.
نقاش حول جنس الملائكة
الجدال البيزنطي الذي يدور بين السيد سيزار ميخا وكلدانيته والسيد مسعود النوفلي وأشوريته مثال حي لما وصلنا إليه من إضمحلال وهوان. إنه دليل على أننا على شفا الإنقراض. لا يفعل ذلك إلا أبناء الشعوب التي هي على هامش التاريخ والتي، كما يقول أدونيس، فقدت طاقتها الخلاقة وأضمحلت مساهمتها في الحضارة الإنسانية ولهذا تبدأ بالقفز فوق وعلى التاريخ كما يفعل السيد سيزار بتشبثه بأحجار الكلدان وألهتهم من أمثال أكيتو وكما يفعل السيد مسعود النوفلي في إحتفائه بأحجار أشور.
نحن الشعب الوحيد في الدنيا الذي يتقاتل ويتصارع ويصرخ ويتباهى ويفتخر بشعوب وأمم لا يحفظ بيتا واحدا من قصائد شعرائها. نحن الشعب الوحيد الذي يتباهى بكلدو وأشور وهم براء منا. أجزم ليس هناك عالم يحترم نفسه وقلمه يستطيع حتى التفوه بأن لغتنا وحضارتنا وتراثنا وإرثنا الثقافي له علاقة مباشرة مع تللك الشعوب.
وفي كل تراثنا السرياني، وانا أقرأ هذه اللغة بطلاقة، أكاد أجزم انه ليس هناك إشارة إلى ذلك. وهذا التراث يمتد إلى أكثر من ألفي سنة. أنظر كيف يقفز السيد سيزار والسيد مسعود على وفوق التاريخ. لا الفرنسي ولا العربي ولا الكردي ولا الإنكليزي ولا أي شعب أخر يفعل ذلك، فقط نحن ندعي أننا الأحفاد الحقيقيين لأقوام لا نستطيع فك طلاسم حرف من لغتهم. كل شعوب العالم ذاكرتها تبدأ من نشأة تاريخها الكتابي الذي تنتمي إليه وتتدفأ به. العربي منذ بداية الشعر الجاهلي والإنكليزي منذ شوصر والكردي من مشفا رش وفائق تيران. كل الشعوب لها بداية كتابية تعرفها وتُعرف بها إلا نحن.
أين أصبحنا اليوم
اما نحن فتركنا تراثنا وشعرنا ولغتنا وبدأنا نعدّ عدد المرات التي ذُكر إسم الكلدان أو الأشوريين في العهد القديم. واليوم ليس هناك عالم يحترم نفسه يتخذ من العهد القديم مصدرا أساسيا. وأرجعنا رأس سنتنا إلى أكيتو وكأن أكيتو بالنسبة لنا بمثابة شكسبير للإنكليز. خيرنا لا يعلم شيء عن أكيتو وإن عرف لا يستطيع قراءة حرف من اللغة التي تحدث بها. ولم يحدث ان عرفه تاريخنا الكتابي او تحدث عنه وعن إنجازاته او الوهيته. فكيف يعقل ان ننسب رأس سنتنا إلى إله لم يذكره تاريخنا الكتابي المدون او الشفوي المنقول.
ألا يدل هذا على أننا على هامش التاريخ والحضارة يا سيد سيزار ويا سيد مسعود. كيف يعقل ان يقفز شعب على إرث ولغة وتاريخ يمتد إلى 2500 سنة وفيه وما فيه من العباقرة والفلاسفة والعلماء والكتاب والشعراء ما قد يبز ما لدى اي شعب أخر في العالم؟ إنه الخواء الفكري والعلمي والثقافي الذي يضرب الشعوب عندما تتقهقر حضاريا.
ما لنا وبابل وأشور
ولأننا لا نعرف شيئا عن تاريخنا ولغتنا وتراثنا او بالأحرى غادرناهم وأخشى إلى غير رجعة نسبنا أنفسنا إلى إله بابلي، قفزنا فوق كل ما نملكه لأننا لا نعرفه ولا نقدره. ألم يكن أفضل لنا أن نصرف وقتنا ونشحذ أقلامنا من أجل حضارتنا وتراثنا ولغتنا بدلا من التشبث بأكيتو وغيره. من أفضل لنا أكيتو ام مار أفرام او العلامة نرسي او قورلونا او يعقوب الرهاوي او خاميس القرداحي او يوحنا بر فنكاي او بريدصان او توما المرجي او إيليا بر شينايا او ابن العبري او متي بن يونس وغيرهم مما قد لا تتسع موسوعة في ضمهم. كل هؤلاء العمالقة غادرناهم رغم أنهم كتبوا بلغة لا زال بعضنا ينطقها ويقرأها ويتدفأ بها وهي لغتنا السريانية العزيزة.
أين أصبح صوت العلم
مشكلة السيد سيزار والسيد مسعود، وهي المشكلة الكبرى التي يعاني منها شعبنا، أنهما لا يصّغيان لصوت العلم ومنطقه وإختباره وممارساته. أنهما، ومعهم الكثير من أبناء شعبنا، يتصورورن أنهما أرفع شأنا من علماء التاريخ القديم والأثار لا بل من كل فطاحلة جامعة أكسفورد وهارفرد.
وهكذا صرنا جميعنا رهائن، رهائن الجهل بالتاريخ ولغة وتراث شعبنا. وأدعو السيدان سيزار ومسعود وكل المنادين بنهضة الكلدان والأشوريين أن يرجعوا إلى الأستبيان الأكاديمي العلمي الذي وضعته ويحاولا الإجابة على أسئلته (رابط 1). هل ستفعلان ذلك؟ وهل ستكون لكما الجراءة على إعلامنا بالنتيجة التي ستحصلان عليها؟ وبما أن علاقتي مع السيد سيزار أقوى من علاقتي مع السيد مسعود، أدعو السيد سيزار أن يجمع شجاعته ويجيب على الأستبيان في مقال منفصل دون مواربة وتهكم وسخرية وإساءة.
وأخيرا ألم يكن أفضل لك يا سيد سيزار - ومعك كل زملائي من الكتاب الكلدان - أن تصرف وقتك في تعلم لغة أجدادك وتدريس تاريخهم وأمجادهم وعظمتهم للجيل الجديد كونك مسؤول الشؤون الثقافية في أحد النوادي الكلدانية بدلا من التشبث بنبوخذنصر ورفاقه وألهته ؟ هكذا تكون النهضة بالعودة إلى الجذور الأصيلة وهي موجود في اللغة التي نتحدثها وفي تراثنا الكتابي والكنسي والفلكلوري والموسيقي الذي أهملناه لا بل إحتقرناه من أجل عيون أنكيدو وأكيتو، وليس بالتغني بالإسم دون مسمى.
رابط 1
http://www.ankawa.com/forum/index.php?topic=401532.0