علاقة الإقليم مع المركز... تحالف مرحلي أم إستراتيجي
عدنان الصالحي/الصورة الطيبة التي وصلت إليها العلاقة بين المركز وإقليم كردستان في العراق بعُيد سقوط النظام السابق تعتبر من أفضل الأوضاع التي مرت بها هذه العلاقة المتأرجحة على طول الخط السياسي بين الاثنين رغم تعدد الأشكال السياسية الحاكمة للمركز.
فالشراكة الواضحة التي حصلت عقب التغيير السياسي في 9 ابريل2003 وأجواء الود التي سادت بين الطرفين شكلت عامل مهم في إنجاح العملية السياسية برمتها في البلاد، بعد عزوف الطائفة السنية عن دعمها، حيث تمكن التعاون الكردي ـ الشيعي من تشكيل الحكومة المنتخبة الأولى برئاسة السيد الجعفري وبجهود من نفس الطرف بعد الانتخابات الثانية لاح نجم رئيس الوزراء الحالي السيد المالكي، لتأتي دفعة أخرى من أوجه التقارب بتشكيل الحلف الرباعي داخل البرلمان العراقي لحماية الحكومة الحالية من أي توجه لإقالتها أو الضغط عليها.
هذه العلاقة العسلية لم تدم طويلا فسرعان ما تلبدت الأجواء بغيوم قانون النفط والغاز والقوات الكردية( البيشمركة) والمناطق المتنازع عليها،والضربات العسكرية التركية لشمال العراق من دون موقف واضح من الحكومة المركزية في بغداد (حسب وجهة نظر الأكراد)، لتطفو الى السطح مرة أخرى بعد أن استغرقت أشهر طويلة في جولات تفاوض مارثونية خلف الكواليس لكنها على ما يبدو لم تفلح في الوصول الى منطقة وسط بين الطرفين.
العلاقة المتأرجحة مع إقليم كردستان مافتئت تشكل الهاجس الأهم لكل حكومة قائمة في بغداد، وهي مشكلة لم تجد حلول ناجعة حقيقية في اغلب الفترات السابقة، فالمنطقة يسكنها مواطنون عراقيون وان كانت صفة الطابع القومي تغلب على ذلك، وهم يشكلون علامة مهمة ورقم كبير في معادلة التنوع العراقي، وهذا يعطي للفكرة أبعاد كثيرة تحمل المتصدي لحلها مسؤولية معقدة، والجزء الشمالي من البلاد عانى من اضطهاد متنوع الأشكال على مر العصور من قبل أنظمة ديكتاتورية قمعية متعاقبة حاله في ذلك حال باقي المناطق العراقية، إلا انه ازداد عليها بكثافة تلك العمليات وعدم استقرار حدوده المترامية الأطراف مع دول الجوار والتي يشكل لها الإقليم هي الأخرى هاجس خوف مستمر خشية الانفصال وتشكيل الدولة الكردية.
قد يتفق الأغلب بان الصداقة المركبة من الشراكة السياسية والتاريخ الجهادي القديم ضد نظام البعث خصوصا لن يترك المختلفون يصلون الى حد الطلاق النهائي ولكن سيكون هنالك حديث بلغة تختلف عن سابقاتها من الدفء السياسي والتفاهم المعلن والسري في الكثير من القضايا.
بل قد يدفع الجانبين الى البحث عن أصدقاء وشركاء جدد في العمل السياسي والمرحلة المقبلة خصوصا بعد توجه كثير من العازفين عن العملية السياسية الى الاشتراك بها مما سيوجد عناصر جديدة في المعادلة العراقية تحولها من النوع البسيط الى المركب.
الفترة السابقة أي منذ سقوط نظام البعث والى مرحلة قبيل توقيع الاتفاقية الأمنية مع الولايات المتحدة كانت تمثل العصر الذهبي للجانب الكردي، وان صح القول فهو لم يحسن استغلالها بما يقع ضمن طموحاتهم سواء المعقولة أو غير ذلك، ونرى إنها بدت تنحسر شيئا فشيئا.
وخلاصة ما تقدم فان العلاقة المضطربة بين المركز وإقليم كردستان تبدو تحالفات مرحلية ظهرت في أزمنة متباعدة وكررت نفسها خلال فترات، غير إنها لم ترق -حتى يومنا هذا- الى مستوى التحالف بعيد المدى أو حتى لسنوات معدودة، ولم تخضع الى حالة الإقليم القانوني مع الدولة الاتحادية رغم وجود الدستور الحالي.
هذا الإشكال ناتج من الموروث التاريخي الكبير من فقدان الثقة المتبادلة ومحاولات المركز المتعددة تجاهل الوضع الخاص في الشمال، في المقابل حديث الرموز السياسية المستمر في الإقليم عن الانفصال مضافا الى ذلك حالة اللاستقرار المستمرة في بعض الأجزاء الحدودية للإقليم والتي تتخذها بعض العناصر المسلحة مركزا لنشاطاتها سواء ضد حكومة بغداد سابقا او دول الجوار حالياً.
قد تكون الأجواء الموجودة حاليا رغم سخونتها السياسية مهيأة أكثر من أي وقت مضى لاغتنام فرصة تاريخية تحدد حلول جذرية لهذه المشكلة، فالطريق مازال متاح بتكوين شراكة وعلاقة أفضل من سابقاتها، وترسيخ مبدأ الدولة الفدرالية الاتحادية التي نص عليها الدستور العراقي الجديد على أتم وجه وهذا ما يمكن أن ينتج:
1- ابتعاد الطرف الكردي عن لغة التهديد بالانفصال، و تهدئة العلاقة مع الحكومة المركزية والتحرك بالفسحة الدستورية والصلاحيات الممنوحة وبما يضمن هيبة الدولة ككل ومما لاشك فيه فان قوة الحكومة كاملة ستمنح الإقليم قوة مضافة لقوته الذاتية.
2- من الطبيعي ان يكون الحديث عن الانفصال قد يعطي الكرد نوع من الارتياح النفسي لكنه في نفس الوقت سيتركهم في مهب ريح عاتية بين دول الجوار التي لا ترغب برؤية دولة كردية مستقلة في المستقبل المنظور على اقل تقدير، وترك القضية لوضع شرق أوسطي مستقر أكثر.
3- وضع حلول سريعة غير متسرعة ونهائية لمواضيع القوات الكردية والحقول النفطية والعلاقات الكردية الخارجية وجعل كل تحرك خارجي تحت أنظار الحكومة المركزية كونها الحكومة الاتحادية التي صوت الكرد لصالحها والتي يخولها الدستور رسم سياسة الدولة كاملة.
4- التحول الى وضع قانوني واقعي للإقليم من حيث السماح للحكومة المركزية بالاطلاع على أنشطة الأجهزة المختلفة في الإقليم والسماح للشرطة الفدرالية ولباقي الأجهزة الأمنية المركزية بالتنقل داخل الإقليم بدون عراقيل أو تحسس غير مبرر.
5- تقديم الحكومة المركزية للأكراد ضمانات بعدم أي نية للتفرد بالحكم او إقصائهم عن دورهم السياسي الحالي والمستقبلي، سيكون دافع مهم في تقريب وجهات النظر والاطمئنان من عدم عودة مآسي الدكتاتورية بحقهم.
6- التفاهم من خلال تنظيم ورقة عمل تضع الحلول لأهم المشاكل الناتجة بين الجانبين، وتحديد اطر المساحات المخصصة لكل جانب في ذلك.
7- إيجاد أرضية مشتركة للتفاهم حول المناطق المتنازع عليها وفي مقدمتها محافظة كركوك وإشراك الجهد الدبلوماسي الدولي والعربي في ذلك تطبيقا للفقرة 140 من الدستور.
العمل في موضوع متشعب كالوضع الخاص بالإقليم قد يأخذ من الوقت والجهد الكبيرين، لكنه بالتأكيد سينتج ثمرة طيبة للصالح العام يرسي الوضع الكردستاني والمركزي الى حالة قد تتحول الى إستراتيجية بناء بعيدة الأمد وقد تغني الأول عن فكرة الانفصال أصلا فيما لو لمس نتائج الفدرالية بصبغتها واستحقاقاتها، فيما توفر للحكومة المركزية دعما مهما وللشعب العرقي تماسكا حديدا.
* مركز الإمام الشيرازي للدراسات والبحوث
http://shrsc.com