عمالقة الشعوب واقزامها
صور لنا التاريخ صورا وصفية لشعوب وشخصيات بعضها راقية عملاقة وبعضها الاخر مخزية قزمية استنادا لما قاموا به من افعال وسلوكيات تجاة شعوبهم وأوطانهم فمنهم السفاح ومنهم الجبار ومنهم الشهيد ومنهم الهتلري ومنهم الماسوني ومنهم الرحيم وهلم جر .. و وصف بعض الشعوب بعظمتها وصمودها وجبروتها ووفائها او بالعكس بتخاذلها وجبنها ولواطيتها ونكرانها للجميل فالتاريخ المدني والديني حافل بهولاء الاقوام والاشخاص الامر الذي اصبحنا نطلق على كل سفاح على سبيل المثال بالحجاج وعلى كل دكتاتور بالهتلري وعلى كل شعب فاسد بقوم لوط وهكذا ...فلذا كنت اسمع دائما وصف للشعب العراقي بأنه شعب عظيم وكنت افتخر واطرب فرحا لهذا الصفة حتى انني صدقتها مُسلمة بأننا فعلا اصحاب الكرم والوفاء والشهامة والاغاثة نحترم الكبير ونعطف على الصغير ونقدس المرأه ونحترم حقوق الانسان والحيوان والنبات معا استنادا الى تعاليمنا الاسلامية فلذالك لا نعرف الغش ولا الغداع ولا النصب على الاخرين ولا يوجد بيننا فاسد ولا مرتشي ولا حاقد ولا طائفي و لا زاني ولا سفاح ولا فاجر ولا خائن نحن ننام في العراء لان أمننا فوق كل الشبهات ولأننا أمة لا اله الا الله وكلنا اخوة في شريعته نؤدي الفرائض الاسلامية بأتقان وندعو للاخرين ان يكونوا مثلنا مسالمين متحابيين متسامحين كل منا يفضل مصلحة اخيه على مصلحته الخاصة وبكل ممنونية والكل يفضل مصلحة البلد ويضعها فوق كل الاعتبارات ولا نعرف المزايدة عليه بأي ثمن او شكل من الاشكال .
ولكن بعد فضيحة السفاح ابراهيم النجم و من شاركه الاجرام كفراس الجبوري والشيخ محجوب وغيرهم من العراقيين وبصفتهم المدنية والرسمية من ممثليين لحقوق الانسان وشيوخ يتحدثون بأسم الشرف والمسؤوليه واسلاميين يحافظوا على الرسالة المحمدية اصبت بصدمه تسونامية وضعتني امام واقع اخر يشل التفكير وينسف كل الموروثات وبالاحرى كل ما ذكرت وعلى أثر هذه الصدمة التسونامية وجدتني اعيد تشكيل الموقف بمقارنة بسيطة بين ما حدث بالعراق و لازال يحدت وبين ما حدث باليابان البلد الملحد الذي لم يعرف شعبه تعاليم الاسلام وان عرفها فمن باب الاطلاع ليس الا .
أكيد كلنا يعرف المقولة التى تقول عند الشدائد تعرف الاخوان طبعا يعرفوا الاخوان بأخلاقياتهم ومكنوناتهم الذاتية ومواقفهم الانسانية تجاه الاخر بعيدة عن الانا النفاقية او الاجتماعية المزيفة فنميز بين الصالح والطالح ونفرز الصديق من العدو من خلال اعمالهم .
فتعالوا معي نتعرف على الشدائد التي مر بها العراق والكارثة التي عاشها الشعب الياباني لنستنتج اي منهم هو الشعب العظيم بعيدا عن الرتوشات والتزويق وما الى ذلك, وكيف ومن هم الاخوان الذين أفرزتهم الشدائد بالحالتين العراقية واليابانية ؟.
طيب , ضرب اليابان في11 مارس 2011 زلزال بدرجة 8.9 بمقياس ريختر أعقبه موجات تسونامي هائلة وكأنها بركان جهنمي جرف البلاد والعباد وقضى على الاخضر واليابس واصاب العالم بذهول وحيرة بنفس الوقت وخاصة بردود الافعال اليابانية تجاه هذا الموقف,حتى ان اغلب المحطات الفضائية العالمية استضافت خبراء اكاديميين ومتخصصين في سلوك الافراد وعلم الاجتماع للوقوف عند سلوكيات الشعب الياباني تجاه هذه المحنة وكيف سيطر على مجمل الازمات بحكمته وصبره .
أذن كيف كانت المعطيات للشعب الياباني تجاه هذه المحنة والتى اثارث العالم الامر الذي وقف الجميع منذهلين رافعين قبعاتهم امامها . السلوكيات كادت لا تصدق وخاصة لنا نحن العرب بالرغم من انها اكتسحت حتى الاخلاق الاوربية والامريكية تجاه الكوارث .
هل تعرفوا كيف وماذا حصل ؟
وقف الشعب الياباني كله وبكل شرائحه من كبار وصغار ,علماء و جهله , ملحدين و مؤمنيين , فقراء و اغنياء ,نساء و رجال ,ساسة ومن لا يفقهوا بالسياسة اطلاقا وقفوا كالبنيان المرصوص تجاه الحدث وقفة رجلا واحدا وكأنهم شخص ياباني واحد تصرفوا بمنتهى الانسانية و بدون موجها او رقيبا لم يتنظروا التوجيه لا من الاعلام ولا من الحكومة ولا من رجال الدين ولا من أصحاب المعتقدات وانما ظهر معدنهم الحقيقي وانسانيتهم العالية تجاه شعبهم ووطنهم الامر الذي اذهل العالم تصرفهم العدو منه قبل الصديق ولو انني اشك في ان لليابانيين اعداء في العالم .
فكانوا مثال للعالم يحتذا به في نظامهم وتخطيطهم وضبط نفوسهم وولائهم لبلدهم .صور لنا ابداعهم التكنلوجي كل المواقف والمشاهد صغيرها و كبيرها ولم يترك شيئا على الاطلاق فجاء المشهد للشعب الياباني كأسطورة او فلم من صنع الخيال المحبوك , صورة لم نراهم فيها يهربوا المجرمين ولا ينهبوا ولا يقتلوا ولا يغتصبوا ولا يسرقوا ولا يظلموا ولا يستولوا على ممتلكات البلد ولا يستغلوا الاخر ولا ولا والقائمة تطول !!! بالعكس كانوا قمة في الصلابة والجلد والمودة والرحمة فيما بينهم كانوا الاكثر حرصا على الأمن والنظام والشعور بالمسؤولية تجاه الاخر كانوا حريصين كل الحرص على الطفل والمرأة والشيخ والنبات والحيوان وبنفس المستوى من الوعي والاخلاص .
كانت تصرفاتهم تتميز بالعقلانية والتضحية المتفانية والصدق والامانة فضمائرهم كانت مفحمة بالهدوء والاحترام والرئفة والرحمة لشعبهم وبلادهم وجسدت سلوكياتهم بمنتهى الدقة التكاتف والنظام الياباني كما هي اجهزتهم الالكترونية كان رفقهم بالاخر نعجز عن وصفه و تضحياتهم فاقت كل تصور.
عملوا من اليابان خلية نحل كل واحد منهم له عمل دؤوب وطريق مرسوم بدقة و بالفطرة اليابانية.
الكارثة التي عاشها اليابانيين بالطبع عطلت كل شئ و شلت كل مرافق الحياة و أنهت كل الخدمات الاخرى بمعنى أدق لا أمن ولا كهرباء ولا ماء ولا اتصالات ولا مواصلات ولا ولا ولا .....
ولكن ماذا عمل الشعب الياباني أمام هذا الطوفان ؟ الشعب الياباني سطر اروع ملحمة تاريخية للبشرية لا تتكرر!!
الأمن اصبح فوق كل الشبهات لا نهب ولا قتل ولا قاعدة ولا بطيخ ولا جيش اسلامي ولا حمير تنهق.
الاعلام ! الله على الاعلام الياباني رغم هول الكارثة الا انه كان بمنتهى المسؤولية لا تضارب في التصريحات ولاكتلة تضرب كتلة ولا تأمر وانتهاز فرص ولا تصيد في الماء العكر بالعكس كان مطمأنا للغاية وكانت الحكومة تصرح جهارا نهارا بأنها ستصلح ما افسده الدهر وتعمر وتعوض كل من تضرر من هذا الكارثة والشعب عنده الثقة الكاملة بما تقوله حكومته لانها حكومة مختارة من قبلهم .
وحتى الشركات التجارية كانت بمنتهى النبل والاخلاق في تصرفاتها سعت جاهدة لتوفير كل شئ وبدون مقابل ولم نرى ازمات لا في الاكل ولا في الشرب ولا في الغاز ولا البانزين ولا حتى في السكن رغم جرف الالاف من البيوت و تدميرها , تعرفوا لماذا لان نقاوة الوعي المواطناتي كان اكبر من الازمة نفسها فالفرد يقتني ما يكفية من الحاجات الاساسية ويترك الباقي للاخرين .
كانوا يقتسمون رغيف الخبز فيما بينهم و حتى الحكومة تنازلت عن مستحقاتها المادية واصبحنا لا نفرق بين الحاكم و المحكوم الكل سواسية تجاه الوطن !!
الشعب الياباني لم يعرف قاموسة الحياتي الطمع والجشع واستغلال المواقف تصورا كل من مكانه قدم ما يمكن تقديمه بصمت وتفاني وبدون مقابل العامل عمل ليل نهار و كما شاهدنا اكثر من خمسين عامل استمروا لايام يضخون ماء البحر في المفاعل النووي وبدون منية على احد لان البلد بلدهم وبالمثل كان عمل الطبيب والسياسي والمواطن العادي ,هذا ناهيك عن الهدوء الذي تحلى به الجميع لا عويل ولا نحيب ولا تهديد ولا توعيد واليوم مرت على الحادثة بالكثير ثلاثة أشهر وعادت الحياة طبيعية بدرجة عالية !!!
ياجماعة فعلا الشعب الياباني عظيم!!
جميل , اليابان كما ذكرنا نجت من الكارثة بأخلاقيات شعبها لا بذخيرة نفطها ولا بحكمة ساستها بالرغم من انهم يستحقون كل الاحترام و التقدير ولا بعقلانية مراجعها الدينية ولا بفتاواهم التكفرية.
أما الان تعالوا لنرى المشهد العراقي وسلوكيات الشعب والساسة على حد سواء.
يا جماعة ما ماحصل في العراق ويحصل الان يشيب له الولدان سقط طاغية بغداد في 9 أبريل 2003 بتسونامي امريكي مبارك اقليميا ودوليا وعراقيا ولاسباب يعرفها الجميع أولها واخرها تصرفات طاغية احرق اليابس والاخضر وسحق على كل القيم والمفاهيم الدولية .
طيب ذهب الطاغية الى الجحيم ! ولكن من فتح ابواب الجحيم على العراقيين ؟
اليس هي ردود الافعال العراقية تجاه الحدث !!
أذن كيف كانت ردود افعال الشعب العراقي وساسته؟ الحقيقة المشهد مخيف وكارثي نهب وسلب وقتل واختطافات واغتصابات وازمات خانقة في كل شئ وانقسامات وولاءات خارجية وتصيد في الماء العكر وتصريحات مقلقة وانتهازات للفرص وغنائم حكومية وضياع الحقوق وتشريد للعوائل وظهور اكثر من 300 حزب واكثر من 300 منظمة مدنية وفساد ومفسدين ومهربين ودعارة وتجارة بالاطفال والنساء وحشيش ومخدرات وزيجات متعة ومسيار و تسقيطات على كل المستويات وبرلمانات هاوية والكل يلوح ويهدد ومنهم من يصرح علنا بالانفصال وكأننا في غابة ولا نعرف لا القانون ولا الاعراف ولا نمت للشرائع السماوية او التاريخية بصلة ..وهذا يعني غياب الوعي المواطناتي بالكامل .
الاعلام العالمي نقل للعالم ادق التفاصيل عن المودة والرحمة اليابانية وابشع صور الانتقام للشعب العراقي والاكثر بشاعة ولاءاتهم وأمتثالهم لأوامر الدخلاء على العراق كالمصريين والاردنيين والسعوديين والايرانيين من هم قادة القاعدة او ما يسمى بالحزب الاسلامي بالذبح والتهجير والاغتصاب للعراقيين ومن الجنسين أنها اعمال يدنى لها الجبين ووصفها يقضي على ألانسانية بالكامل.
هذا ناهيك عن فرق الموت والمليشيات وكواتم الصوت والتصفيات المعلنة والمخفية . واصبح العراق بجهود هؤلاء المرتزقة جهنم طالت كل القيم والاعراف, وعليه اغتنم الساسة الفرصة ليحصلوا على اعلى المراتب والامتيازات على حساب الشعب العراقي المنكوب فأصبح البرلماني الواحد يتقاضى الف دولار في كل دقيقة مقابل عشرة دقائق عمل سنويا وهذا يعني أنه يتقاضى شهريا ما يقارب 22,500 دولار و 90,000 دولار مخصصات مقطوعة بالاضافة الى 12,500 دولار شهريا بدل سكن وحماية امنية بالرغم من ان اغلب السياسين يقضون معظم أوقاتهم في فنادق 5 نجوم مجانا مع الامن والحصانة التامة, وليس هذا فقط الا انهم يستلموا
600 دولار يوميا كمقابل لايفاداتهم داخل وخارج العراق علما لا يستطيع اي عراقي مقابلتهم بسهولة او حتى السلام عليهم !!!
أما الطامة الكبرى هي في حال تركهم العمل البرلماني المضني يتقاضون 80% من رواتبهم الشهرية مدى الحياة كما انهم يحتفظون بجوازاتهم الدبلوماسية نافذه لمدة 8 سنوات لهم ولعوائلهم!!! ياسلام فعلا ساستنا يابانيين !!
أما ما قام به المواطنون فسلوكيات فوق تصور الخيال !!
اختصرها بأنهم فتحوا ابواب جهنم على بعضهم البعض بعكس ما فعله الشعب الياباني .
وعلية نرى ان الازمتين افرزت مايلي : الشعب الياباني كلهم أخوة عند الشدائد أما الشعب العراقي فهم الاخوة الاعداء !!!
ولذا نحن اليوم بحاجة الى اعادة النظر في سلوكياتنا اولها ترك ثقافة العنف والتوعيد والانتقام . نحن بحاجة الى أن نفتح ابواب الرحمة على بعضنا البعض و ان نتقبل الاخر ونرفض مبدء المؤامرة وشعار( اتغدى بيه قبل ان يتعشى بي ).
نحن نعيش على هذه الارض لايام معدودة مهما طالت لا تتجاوز ال70 عاما من الانتاج . فهل لنا ان نستغلها في المحبة والعمران ومساعدة الاخرين ام اننا نبقى نتمنى ان يأتي هذا اليوم الى ما لا نهاية .
وعلينا ان لا نصر على اننا احسن وافضل واعظم ما في الكون .لان العالم حقيقة يحتوي على من هم الافضل والاحسن والاعظم منا بألف مرة بتعاملاتهم الانسانية مع الاخريين , وليس من العيب بأي حال من الاحوال ان نتعلم من الشعوب العملاقة لنجعل من عالمنا افضل .علينا ان نقول للمجرم انك مجرم ولا مكان لك بيننا وأن نعتبر من سلوكيات الشعب الياباني العظيم لا المستعظم فالشعب العراقي لم ولن يكون عظيما بالقول فقط وانما بالافعال الخالدة واحترام القانون ونبذ العنف والاخلاص والولاء لهذا الوطن ارضا وشعبا قولا وفعلا . وعلى رأي المثل :
الألقاب ليست سوى وسام للحمقى والشعب العظيم ليس بحاجة لغير أسمه !!!
واخيرا فالشعب الياباني العملاق بأفعاله المشرفة تجاه الشعب العراقي المنكوب من كل الاتجاهات حذر من تجار عراقيين وامريكيين اقتنوا بضاعة يابانية ملوثة بالاشعاع النووي وبأبخس الاثمان وسيغرقوا بها السوق العراقي على حساب الشعب العراقي المبتلى . فيا شعبي ان كنت عظيما وعملاقا حقا يجب ان تقف بوجه هؤلاء الخونة من الذين همهم الاول والاخير هلاكك بابخس الاثمان والاغتناء على جثث الابرياء وتكشف اوراقهم ونناشد الحكومة العراقية ان تقف لهؤلاء بالمرصاد وكفنا قهرا وجورا وعدم الشعور بالمسؤولية تجاه الشعب والوطن .
فالتاريخ سيكون الفيصل في حكمه على ما تفعلون بالعراق شعبا و ارضا على حد سواء .
أ.د.أقبال المؤمن