عنكاوا و قصة الشيخ البدوي!
هناك قصة بدوية قديمة تقول: ظن شيخ بدوي انه يمكن ان يسترد شبابه و حيويته بأكل الديك الرومي، ولذلك اشترى ديكاً رومياً، و حفظه في خيمته، و كان يهتم به و يطعمه حتى التخمة كل يوم .وفي يوم من الأيام سرق احدهم ديكه الرومي. فاستدعى هذا الشيخ البدوي ابناءه وقال لهم: " يا ابنائي نحن في خطر عظيم. بعضهم قد سرق ديكي" و قال له الأبناء: يا ابانا ماذا تريد بهذا الديك؟ ، اجابهم: هذا لا يهمكم في شيء ، فقط أطلب منكم بأن تبحثوا عنه و ترجعونه لي . ولكن الأبناء اهملوا كلام والدهم وذهب كلٌ الى حال سبيله.
و بعد اسابيع قليلة سٌرقت ناقة هذا الشيخ، فقال له الأبناء : ماذا تريدنا أن نفعل يا ابانا؟، فقال لهم: ارجعوا لي ديكي، ولم يفعل الأبناء شيئاً فتركوه و ذهبوا .
وبعد فترة وجيزة، أختطفت ابنة الشيخ ، فهرع الأبناء الى خيمة أبيهم ليعلمهم ما يمكنهم فعله في مصيبتهم ، ثم قال الشيخ لأبنائه: كل هذا سببه الديك، لأنه عندما عرف اللصوص ان بإمكانهم أن يأخذوا ديكي كنا قد فقدنا كل شيء.
فحال عنكاوا المظلومة و مصيبتها تشبه مصيبة هذا الشيخ البدوي المسكين، فهذه البلدة الكلدانية المسالمة قد سلبوها بما كانت تعتز به من اراضي شاسعة التي كانت تبشر بمستقبل زاهر للأجيال القادمة من سكانها الكرام، ولكن للأسف الشديد ، تلك الأراضي قد وهبت كهدايا و مكرمات لكل من هب و دب و بسرعة قياسية ، الى ان جاء اليوم الذي أصبحت عنكاوا قد تغيرت ديمغرافياً و فقدت خصوصيتها و حتى قومية سكانها. وهذا الأمر لم يكن محضُ صدفة أو نبوة من قبل الأولين ، و انما كان ضمن خطة مدروسة بدقة من قبل السلطان وأعوانه ، وأختير لتنفيذها عناصر لم تكن يهمها مصلحة عنكاوا في يوم من الأيام، وخاصة عندما يتعلق الأمر بالأموال و المنافع الشخصية. و بدأ تفعيل ذلك المخطط بشكل جدي مباشرة بعد ظهور نتائج الإنتخابات عام 2006 ، و المتابع بالتأكيد يعرف تفاصيل تلك النتائج و تأثيراتها على السلطان المتخفي بالديمقراطية و أخواتها.
فبلدة عنكاوا المغلوب على امرها، ولغاية في نفس السلطان، هي القصبة الوحيدة دون غيرها في أقليم كردستان التي صدر بحقها قرار و أمر إرتباطها بمجلس الوزراء بدلاً من وزارة البلديات!! ، و كان المفروض من أصحاب الحكمة و الدراية في عنكاوا توخي الحذر من النوايا المبيتة وراء هذا القرار، و كان ينبغي أيضاً أن يعترض العنكاويون على ذلك بكل الوسائل المتاحة و يعملوا كل ما في امكانهم على ايقاف التلاعب بمصير عنكاوا منذ الايام الأوَل، وفي مقدمتهم السياسيين و الأحزاب الموجودة في عنكاوا، ولكن للأسف تجاهل الأمر من قبلهم كان في غير محله ، و موقفهم هذا يعبر على احد الإحتماليين، إما خوفهم من السلطة ، أو موافقتهم على ما كان يجري في عنكاوا .
و بالرغم من ظهور بعض الأصوات الجريئة، تنادي بوقف التلاعب بمصير البلدة من بعض المثقفين و بصفتهم الشخصية ، ولكن تلك ألأصوات لم تجد آذاناً صاغية لها من قبل المسؤولين في السلطة، لأن هؤلاء المسؤولين هم أنفسهم المعنين بالأمر و هم أصحاب الطبخة التي أُعدتْ لعنكاوا.
ثم بوشر العمل بأدخال أعداد كبيرة من النازحين وغيرهم الى عنكاوا من المناطق المختلفة من العراق ، ومن عمق مناطق كردستان و سهل نينوى ،لا بل وحتى من خارج العراق! ، مسيحيون و مسلمون ، كلداناً و أكراداً و آثوريون و أرمن . بهدف امتصاص الزخم العددي لأهل عنكاوا الأصيين الى ان يصبحوا أقلية لا قوة و لا رأي لها حتى في ما يخص شؤون بلدتهم. و من ثم وصلت الحالة الى أقصى حد لها بأن يأتي أحدهم و يهين أهلها في عقر دارهم موجهاً لهم أقذر و أنبى الكلمات، و لا ندري ما هو المخفي بعد كل هذا؟.
و بعد أن أصبح العنكاوي غريباُ في عنكاوته، فمن يستطيع اليوم أن يرجع له أراضيه و حقوقه و كرامته ليطمأن و يعيش بسلام و بأمل في مستقبل مشرف؟؟.
نفرح كثيراً عندما نرى بعض الغيارى من أبناء بلدة عنكاوا يدافعون عنها بصلابة و بشجاعة بكتاباتهم و بأعمالهم و بلقاءاتهم، لكن في نفس الوقت يجب أن لا ننسى بوجود انتهازيين و متملقين ساهموا بشكل مباشر في تنفيذ ذلك المخطط التآمري القذر بعد أن غرر بهم السلطان بامواله و عطاياه اللامحدودة وما زال هناك البعض منهم فاعلين في الساحتين السياسية و اٌلإدارية ، كما انهم مشاركون اليوم في مؤامرة أكبر ستنكشف أبعادها لاحقاً ، عندها سيقوم الجميع بالشجب و الإستنكار و بتوجيه اللوم اليهم، ولكن كالعادة بعد الإنتهاء من تنفيذ ذلك المخطط!.
كما وتعرفنا اليوم على ما حصل من تغيير في بعض المناصب الإدارية في البلدة ، و شاهدنا ما عرضته قناة هولير و كذلك العمل الجاد نحو فتح تحقيق بهذا الخصوص ، ولكني أتسائل:
هل سيتم استعادة اراضي عنكاوا ممن سلبها؟؟. الجواب بالتأكيد كلا ، وخاصة بعد أن بيعت تلك الأراضي من واحد الى آخر، وبعد ان تم التلاعب في ملكيتها.
و من ثم حتى لو أدين اي شخص بإستلامه لقطعة أرض بغير وجه حق ، فالعقاب الأقصى سيكون بتغريمه لمبلغ من المال يذهب الى خزينة سلطة الإقليم. وهذا يعني بأن المخطط قد نفذ على أكمل وجه و قد نجح تماماً ، و كانت نتائجه حسب ما كان يريدها السلطان ، ولا يهمه هذا السلطان بان تصدر المحاكم اي نوع من الادانة بحق اي شخص عنكاوي ليصبح كبش فداء لتلك المؤامرة.
كما أن محاسبة شخص او مجموعة من العنكاويين سوف لن تغير من الأمر الواقع بشيء، الواقع المرير المتمثل بنفاذ اراضي عنكاوا ، وانما قد تسبب أيضاً في توتير العلاقات الإجتماعية بين أبنائها ، وهذا ألأمر سيحسب ايضاً لصالح المتربصين بعنكاوا و أهلها.
و من جهة أخرى نستطيع أن نعتبر هؤلاء المتهمين بالفساد الإداري،و بالرغم من وجود الحق في مسائلتهم قانونياً لما اقترفوه، بأنهم من المغلوب على أمرهم أيضاً، لأن الضغوط و المغريات كانت كبيرة، و اكبر من أحلامهم، و ربما كانوا أداةً لتنفيذ ذلك المخطط من حيث لا يعلمون، لأن جهدهم كان في ظاهر المؤامرة هو جمع الأموال و الحصول على منافع شخصية ، وان كانوا هؤلاء رافضين أو موافقين لتنفيذ أوامر السلطان ، سواءً بعلم أو بدون علم عن حجم المؤامرة، فإن السلطان لا تنقصه الحيلة و القدرة في ايجاد بديل عنهم في أي وقت.
والآن وبعد أن تأكد الجميع بأن ما حل بعنكاوا دون غيرها من بلدات كردستان كان نتيجة مؤامرة حيكت و خطط لها في غرفة عمليات خاصة في قمة هرم السلطة، لعله يسألنا أحدهم: "هل ان المؤامرة على عنكاوا قد توقفت عند هذا الحد بعد أن حل بها ما حل اليوم"؟؟ .
الجواب هو أيضاً كلا ، فإذا كانت مؤامرة تجريد عنكاوا من أراضيها وتغير ديمغرافيتها قد انكشفت بعد أن نُفذتْ بنجاح ، لكن مسلسل المؤامرة مستمر اليوم على حساب ثقافة و قومية أهلها الكلدانية . فبجرد بسيط لمن يمثل عنكاوا اليوم في المحافل و المؤسسات الحكومية الرسمية و حتى في مؤسساتها المدنية ، و ما يروجونه هؤلاء من أفكار دخيلة ضد قوميتهم و قومية أجدادهم الأصيلة من أفكار و مفاهيم دخيلة و غريبة من صنع السلطان و بتوجيه منه، دون أن يستطيع أحداً من ازاحتهم أو حتى انتقادهم ، ستتأكدون بأن المؤامرة مستمرة و يشارك فيها العديد من الأشخاص و المؤسسات على حدٍ سواء.
و بتغيير قومية أهل عنكاوا يعني حتماً الإستحواذ التام على كافة حقوقهم القومية و السياسية.
عندها ستفقد عنكاوا كل شيء.....عدا اسمها ، هذا إن لم يطمع أحدهم مستقبلاً في تغيير أو مسخ اسم عنكاوا العظيم، رمز الإباء و الثقافة و النظال.
كان الرب في عونك و أهلك يا عنكاوا الحبيبة ، فلا أمل بإسترجاع أرضك و إرثك وطابعك ، بعد أن أصبحتِ صيداً سهلاً للذئاب في غابةٍ الحق فيها مغبونٌ، و أصحاب الحق ضحايا قانونها.
ولكن لإيقاف المؤامرة عند هذا الحد، ربما عنكاوا بحاجة الى (ساحة الحرية) لتجمع كل أبنائها الخيرين و المناضلين وكل محبيها في أحضانها ، وليكون صراخهم صوتاً واحداً مدوياً عساه أن يأتي بنتيجة في انقاذ ما يمكن انقاذه قبل فوات الأوان.
سعد توما عليبك
saad_touma@hotmail.com