Skip to main content
Facebook Twitter YouTube Telegram

عودة تيمورلنك وجريمة إبادة المسيحيين فى العراق

جاء في كتاب (موت شعب) عن تاريخ المجازر و حملات الإبادة الجماعية التي ارتكبت منذ القرن السابع ق.م. في منطقة الشرق الأوسط ضد الأشوريين بصورة خاصة و المسيحيين بصورة عامة بان عندما غزت جيوش تيمور لنك العراق سنة 1392 م. أول ما قامت به هذه الجيوش من الجرائم كانت حملة وحشية لإبادة المسيحيين في العراق حيث ذبحت الآلاف منهم بالمعنى الحرفي للكلمة و دمرت كنائسهم و اضطر الناجين الى الاحتماء بجبال كردستان و مناطق أخرى خارج سيطرة جيوش تيمور لنك. إخبار من هذا النوع يمكننا ان نقراه اليوم في وسائل الإعلام المحلية و الدولية و تقارير المنظمات الدولية المعنية حول فقدان المئات من مسيحيي العراق حياتهم أو إصابتهم بجروح خلال العمليات الإرهابية الموجهة ضدهم قصدا بالإضافة الى إرغام العشرات الألوف منهم الى ترك العراق او بيوتهم و اللجوء الى مناطق أكثر أمانا داخل العراق و ذلك لا لسبب غير كونهم مسيحيين فقط. أخر الإحصائيات تشير بان عدد القتلى و الجرحى خلال هذه العمليات الإرهابية بلغ أكثر من 300 مسيحي و اضطر ما لا يقل عن 45000 منهم الى الهجرة في الأشهر القليلة الأخيرة فقط و هذه النسبة هي نسبة عالية جدا بالنسبة لطائفة دينية لا يتجاوز عددها 700000 شخص بحيث تشكل نسبة الذين اجبروا على الهجرة 7% من مجوع مسيحيي العراق في هذه الفترة القصيرة و نسبة القتلى و الجرحى بينهم 0.042% و إذا قارننا هذه الأرقام و في سبيل التوضيح بالعدد الكلى لسكان العراق فهذا قد يعنى بان أكثر من 700000 1 عراقي اجبروا على الهجرة من العراق و عدد الإصابات يتجاوز 11000 حالة من العراقيين في الأشهر القليلة الأخيرة فقط خلال هذه العمليات الإرهابية. تيمورى لنك اليوم كما كانوا فى الماضي يشنون حرب إبادة جماعية ضد دين مسالم لا يؤمن بالعنف حتى و لو في حالات الدفاع عن النفس و يستخدم هؤلاء المجرمون حجة الربط بين القوات الأجنبية المتواجدة في العراق و الدين المسيحي ذريعة لتبرير الحملات الإبادة الجماعية التي يشنونها ضد مسيحيي العراق وهم يعرفون جيدا بان هذه الجيوش لا تمثل الدين المسيحي بل هي أداة السياسة الخارجية لبلدانها و لا دين فسياسة الدول أو بالأحرى دين الدول هو دينارها. نفس هذه الجيوش الموجودة الان في العراق التي يتهمها الإرهابيون بكونها جيوشا صليبية كانت قد سبقت لها بأنها دافعت عن مسلمي البوسنا و كوسوفو ضد الصرب المسيحيين قبل سنوات قليلة و أنقذتهم من خطر إبادة مؤكدة بينما كان العالم الاسلامى واقف مكتوفة الايدى و نفس هذه الجيوش كأداة لممارسة السياسة الخارجية لبلدانها يمكنها ان تساعد او تحارب يوم غد هندوسيا أو بوذيا أو مسلما أو مسيحيا أو علمانيا. نفس هذه الجيوش التي يتهمها البعض بكونها جيوشا صليبيا رفضت لحد الان ان تتدخل لنصرة مسيحيي جنوب السودان ضد الحكومة المركزية الإسلامية و لكنها تهدد بالتدخل لإنقاذ مسلمى إقليم دارفور من خطر الإبادة الجماعية على ايدى إخوتهم في الدين الاسلامى. هكذا هي السياسة فهي دائما واقعية و يجب عليها ان تخدم مصلحة شعوبها. الربط بين الجيوش الأجنبية في العراق و مسيحيي العراق مصدره هو الجهل بالتاريخ و الحقائق لان مسيحيي العراق و المنطقة كانوا هم المتضررين الرئيسيين لقدوم هذه الجيوش الى منطقة الشرق الأوسط لحد الان. فخلال الحرب العالمية الأولى عندما غزت جيوش الاستعمار منطقة الشرق الأوسط لم تجلب الا الويلات على مسيحيي المنطقة لأنها حاولت استعمالهم لأغراض استعمارية و ثم تركتهم بعد اكمال المهمة ليواجهوا لوحدهم أبشع جرائم الإبادة الجماعية بحقهم من قبل جيوش بعض الدول المنطقة و حتى العصابات العشائرية المسلحة فيها. فأين كانت جيوش الدول المسيحية حين راح ضحية عمليات الإبادة الجماعية خلال سنوات الحرب العالمية الأولى و قبلها أكثر من مليون و نصف مليون من الأرمن على يد قوات الدولة العثمانية و بالأخص أين كانت جيش روسيا المسيحية التي استعملتهم قبلا لإغراضها السياسية؟ الم يشترك بعض الضباط الألمان المسيحيون في حملات الإبادة الجماعية ضد الأرمن و الاشوريون خلال الحرب العالمية الأولى؟ و لماذا لم تهرع القوات البريطانية لإنقاذ العشرات الآلاف من أشوريي اذربايجان الإيرانية سنة 1918 حيث تعرض عشرات الألوف منهم للذبح او اجبروا على ترك قراهم و ممتلكاتهم و التوجه الى روسيا و العراق حيث بلغ عدد اللاجئين الأشوريين في المعسكرات القريبة من بعقوبة حوالي 50000 شخص؟ بالعكس فالبريطانيون استغلوا محنة هؤلاء لزجهم في جيش أسسوه باسم جيش الليفى و ثم تركوهم بعدئذ ليواجهوا بوحدهم أشرس هجمات الإبادة الجماعية على ايدى الجيش العراقي و عصابات العشائر المسلحة. ففي سنة 1933 أباد الجيش العراقي في مناطق شمال الموصل في حملة واحدة أكثر من 3000 أشورى و حاصر أكثر من 50000 فرد من هذا الجيش و افراد بعض العشائر العراقية 15000 من افراد الجيش الليفى من الأشوريين في الحبانية و قتل معظمهم و لم تتحرك القوات البريطانية ساكنا لمساعدتهم و هي كانت أمر سهل عليهم بسب وجود القوات الجوية البريطانية في المنطقة. الأشوريون كتبوا تاريخهم بنفسهم و أعطوا هذه الحقبة من تاريخهم الدموي تسمية خيانة بريطانيا للأشوريين.

ان ما يجرى اليوم فى العراق من عمليات إرهابية ضد المسيحيين و تدمير أماكن عبادتهم ليست إلا عمليات إبادة جماعية و بكل معايير و تعاريف القانون الدولي و على رأسها المعاهدة الدولية لمنع و معاقبة جريمة الإبادة الجماعية لسنة 1948 و النظام الداخلي للمحكمة الجنائية الدولية.

تم تعريف الإبادة الجماعية في المادة الثانية لمعاهدة الإبادة الجماعية و المادة السادسة للنظام الداخلي لمحكمة الجنائية الدولية كما يلي: الإبادة الجماعية تعنى اى فعل من الأفعال التالية يرتكب قصد إبادة جماعة قومية او اتنية او عرقية او دينية بصفتها هذه إهلاكا كليا او جزئيا خلال:

ا‌- قتل افراد الجماعة

ب‌- إلحاق ضرر جسدي او عقلي جسيم بأفراد الجماعة

ج‌- إخضاع الجماعة عمدا لأحوال معيشية يقصد بها إهلاكها الفعلي كليا او جزئيا.

إذا طبقنا هذه المعايير القانونية على الجرائم التي ترتكبها الجماعات الإرهابية ضد المسيحيين في العراق نرى بان هذه العمليات ترتكب ضد طائفة دينية معينة بصورة عشوائية قصد إبادتها او على الأقل تقليص عددها خلال عمليات القتل و التهجير القسرى و هذا هو مضمون جريمة الإبادة الجماعية كما جاء في الفقرة ا أعلاه. فلا يمكن تصنيف هذه العمليات تحت الجرائم العادية او السياسة إذ يتم استهداف أعضاء هذه الطائفة في كنائسهم و في أوقات الصلاة مما يعنى بان الإرهابيون يقصدون قتل اكبر عدد ممكن من أعضاء الطائفة الدينية المسيحية رجالا و أطفالا و نساء و بدون تميز. و من المعلوم بان ارتكاب جريمة الإبادة الجماعية حسب القانون الدولي لا يتطلب الإبادة الكاملة للجماعة المستهدفة بل يكفى قتل أو استهداف اى عدد منها شرط ان يكون القصد وراء هذه العمليات إبادتهم و حتى فانه ليس من الضروى حصول عمليات الإبادة بالفعل لان حسب المادة الثالثة من معاهدة الإبادة الجماعية يعاقب من يخطط او يحاول ارتكاب هذه الجريمة او التحريض على ارتكابها. خلال محكمة مجرمي الحرب في يوغسلافيا السابقة لقد قامت المحكمة الدولية لجرائم الحرب في يوغسلافيا السابقة بإصدار أحكام على متهمين بحتمة التحريض على ارتكاب جريمة الإبادة الجماعية أيضا.

و فيما يتعلق بتطبيق فقرة (ب) من المادة الثانية لمعاهدة الإبادة الجماعية اى إلحاق ضرر جسدي او عقلى جسيم بإفراد الجماعة فهذه الفقرة تطبق أيضا على الجرائم الإرهابية التي ترتكب ضد المسيحيين في العراق لان هذه العمليات تؤدى الى إجبار إفراد الطائفة المسيحية للعيش في خوف و رعب مستمر بحيث قرر العشرات الألوف منهم لترك العراق او لبيوتهم مما يعنى بان إعدادهم تقلصت خلال الهجرة الجماعية القسرية و معها قد تمت ارتكاب جريمة الإبادة الجماعية ضد المسيحيين خلال التهجير القسرى لهم.

كما ان هذه العمليات الإرهابية الموجهة ضد المسيحيين تؤدى أيضا الى إخضاعهم عمدا للعيش في ظروف و أحوال معيشية صعبة يقصد بها إهلاكهم الفعلي كليا او جزئيا اذ يتم استهداف مصادر رزق الغوائل المسيحية و ممتلكاتهم مما يسبب لهم الفقر و المرض يقضى عليهم تدريجيا و هذا ينطبق مع مضمون الفقرة (ج) أعلاه.

فلا شك هنا بان العمليات الإرهابية الموجهة ضد المسيحيين في العراق تشكل جريمة الإبادة الجماعية حسب القانون الدولي و تترتب عنها نتائج قانونية كالمسؤولية الفردية لكل المنخرطين فى هذه الجرائم. و من المعلوم بان جرائم الإبادة الجماعية هي من الجرائم الدولية اى معاقبتها ملزمة دوليا إمام محاكم وطنية و دولية. معاقبة المسئولين عن هذه الجرائم لا تشمل فقط من يرتكبها بالفعل بل حسب المادة الثالثة لمعاهدة الإبادة الجماعية و المادة الخامسة و العشرون من النظام الداخلي للمحكمة الجنائية الدولية تشمل أيضا كل من : يرتكب هذه الجريمة بصفته الفردية او بالاشتراك مع الاخرين، او عن طريق شخص اخر، او الأمر او التحريض على ارتكابها او الشروع فيها او تقديم العون او المساعدة باى شكل اخر لغرض تسهيل ارتكاب هذه الجريمة او الشروع فى ارتكابها بما في ذلك توفير وسائل ارتكابها او المساهمة بأية طريقة أخرى في قيام جماعة من الاشخاص يعلمون بقصد مشترك بارتكاب هذه الجريمة او الشروع بارتكابها.

اذا أخذنا هذه الشروط القانونية أساسا لمعاقبة المسئولين عن جرائم الإبادة الجماعية ضد المسيحيين في العراق نرى بان المجال هو واسع لتطبيقها أيضا على كل الذين يحرضون على ارتكاب هذه الجرائم او الشروع فيها خلال تصريحات معادية للمسيحيين فى العراق سواء داخل العراق او خارجه او على المساهمين بأية طريقة أخرى كتمويل الجماعات الإرهابية العراقية و تسهيل تحركاتهم.

تدويل ملاحقة مجرمي الإبادة الجماعية ضد المسيحيين في العراق هو الطريقة الفعالة الوحيدة لإنقاذ هذه الطائفة الدينية من الهلاك المؤكد لان القوات الأجنبية الموجودة حاليا في العراق سوف لا تدافع عنهم كما لم تدافع عنهم قبلا إبان الحرب العالمية الأولى و بعدها.

المادة السادسة من معاهدة الإبادة الجماعية هي واضحة في هذا الصدد اذ هي تلزم كافة الدول بتسليم المتورطين في جريمة الإبادة الجماعية و يجب معاقبة هؤلاء و حسب المادة الثالثة لنفس المعاهدة إمام محاكم جنائية وطنية او دولية.

هذه النقطة مهمة جدا لمعاقبة كل الذين يلعبون دور الأب الروحي لارتكاب جرائم الإبادة الجماعية ضد المسيحيين في العراق و يوفرون الغطاء الشرعي لها او يساهمون فيها سواء عن طريق التمويل او بأية طريقة أخرى و قسم من هؤلاء المساهمين موجودون خارج العراق و لذا يجب منعهم من المساهمة في ارتكاب الجرائم و هذا لا يتم الا عن طريق تدويل ملاحقة هؤلاء و طبقا للقانون الدولي.

عن دار سرجون للنشر

(المصدر: الحوار المتمدن - العدد: 987 - 2004 / 10 / 15 ) Opinions