عيد الصحافة السريانية في الصحافة الكردستانية
خصصت مجلة (الصحفي) الصادرة عن نقابة صحفيي كردستان في عددها (58) الصادر في تشرين الثاني 2009 عددا من صفحاتها للذكرى 160 لميلاد الصحافة السريانية بصدور جريدة (زهريري دبهرا) في الأول من تشرين الثاني 1849، حيث نشرت ملفا بعنوان (الصحافة والإعلام السريانيين.. أصالة المكان.. تواصلية الأفق) نورده أدناه.كما كانت مجلة (روزنامه نووس) التي تصدر باللغة الكردية، وهي مجلة فصلية تخصصية في مواضيع الصحافة والعمل الصحفي قد خصصت في عددها (18) الصادر في تشرين الثاني 2009 ملفا عن الصحافة السريانية تضمن كتابات نخبة من الصحفيين السريان عن تاريخ وحاضر الصحافة السريانية.
الصحافة والإعلام السريانيين.. أصالة المكان.. تواصلية الأفق
«لغة ثقافة وحضارة..»
الإفساح في المجال للعديد من اللغات والثقافات لصياغة إعلامها الخاص، من بين أهم النتائج التي حملتها الفورة الإعلامية، بداية الألفية الثالثة، بنحو حرض تلك الثقافات على إعادة إنتاج رسالتها الإنسانية، وخلق بيئة مؤاتية لتفتح هوياتها المميزة، وإطلاقها في سماء العالم إلى جانب الآلاف من الهويات - المناطيد لا متناهية التعدد والتلون التي تشكل صورة عالمنا الجميل في لحظته الراهنة. والسريانية لغة مكانية بامتياز، جذورها موغلة في عمق التاريخ الرافديني، متغلغلة في تربته. وهي ليست لغة دين، إنها لغة ثقافة وحضارة، ولغة تاريخ تعرض للإهمال نتيجة فهم خاطئ ساد الثقافة العربية في حقبتها النهض- قومية، فترة نصف القرن الأخير.. وها هي تشهد، منذ بداية تسعينات القرن الماضي، وبالتزامن مع الانتفاضة الآذارية المباركة، ازدهارا لافتا بعد فترات طويلة من التغييب والتهميش والطرد خارج الحلبة، مارستها معها الثقافات واللغات المهيمنة.. ومشاركة من مجلة الصحفي في احتفالات العيد 160 للصحافة السريانية، قررت تخصيص هذه الحلقة من كلوس – أب، لتسليط الضوء على تجربة هذه الصحافة، في لقطة قريبة مكبرة..
«تقليد ثابت..»
افتتح الندوة الزميل أكد مراد عضو مجلس النقابة بكلمة قصيرة رحب فيها باسم المجلس بالزملاء ممثلي الصحافة الإعلام السريانيين..وجاء فيها «لقد كلفني الزميل النقيب بالاعتذار عن عدم مشاركته في هذه الندوة بسبب وجوده خارج العراق. بعد أيام سيحل العيد 160 للصحافة السريانية، وكتقليد لدى مجلس النقابة نشارك الزملاء الصحفيين السريان في كل المناسبات. في هذا العام ارتأينا تنظيم ندوة كلوس – أب، من أجل مناقشة أوسع لقضايا وأسئلة هذه الصحافة، فقمنا بتوجيه الدعوة إلى الزملاء الإعلاميين المعروفين، وإنه لمما يستدعي أسفنا أن يتغيب البعض بسبب ظروف قاهرة وطارئة، لأن مشاركتهم كانت ستضيف الكثير إلى مضامين الحوارات والمناقشات التي ستثيرها هذه الحلقة النقاشية الصغيرة..».
«الثقافة أولا..»
الصحفي: سنبدأ بدرس التاريخ.. 160 عاما من الصحافة السريانية، 160 عاما من الكفاح والتجارب والخبرات، 160 عاما من الإصرار والاستمرار تخللتها توقفات فرضتها أسباب قاهرة.. كيف تطورت الرسالة الإعلامية عبر هذا الزمن الطويل، أي تبدلات حملت في المحتوى والشكل والتوجه، هل في الإمكان إيجاز ذلك..؟
الزميل يونان هوزايا: الصحافة السريانية بدأت بزهريرى بهرا (أشعة النور) سنة 1849 في أورميا، حيث كانت الظروف مؤاتية: وجود البعثات التبشيرية، والبعثة التبشيرية الأميركية خاصة التي كانت في أورميا، والتي دخلت في منافسات مع البعثات التبشيرية الأخرى، بدأت بتعليم اللغة السريانية التي كانت لغة كتابية، وكانت محصورة بالكنائس في ذلك الوقت. الشيء الثاني ارتأوا أن يصدروا جريدة بأربعة صفحات (أشعة النور)، والحقيقة استمرت الجريدة في الصدور إلى 1918وهي مدة طويلة نسبيا وكانت تطبع أكثر من ألف نسخة وتوزع حوالي أورميا، وغطت 201 قرية، كانت منذ صدورها متنوعة، إخبارية وتتضمن الأخبار المحلية وأخبار العالم، علمية وتثقيفية وأدبية، وأيضا كانت تحمل رسالة دينية لأن البعثات التبشيرية هي التي كانت تمول وتبرمج هذه الصحيفة، مع أن (ميرزا شموئيل) كان هو رئيس التحرير، لكن التوجه الديني في بعض المقالات كان ضرورة بالنسبة للبعثات التبشيرية. البعثة الفرنسية أصدرت بعد سنوات صحيفة (قالت شرارا) صوت الحقيقة، ووصل عدد الصحف إلى حوالي 8-10 في منطقة أورميا، وواحدة في طهران (تبليس) إلى فترة الحرب العالمية، كانت أورميا السباقة في هذا الإصدار. بعد كثير من السنوات قبيل سنة 1902 صدرت في الموصل (أكليل الورد)، وقبلها صدرت في جنوب تركيا في (آمد ديار بكر) تحديدا و(خربوت) خاصة في سنة، أي بعد صدور الفرمان التركي بتأسيس جمعية الإتحاد والترقي عام 1910، وإعلان مبادئ الحرية والعدالة والمساواة، على ضوئها قام (أشور خربت ) بإصدار مجلة المرشد الآشوري وأيضا (عمو فارس) أصدر بيث النهرين، لكن خلال أحداث الحرب العالمية الأولى أعدم (آشور خربت ) الذي كان يحمل وسام الدولة التركية بلقب بروفسور. بعد الحرب العالمية الأولى صار أكثر النشر في العراق، كلدو آشوريو العراق وأيضا في المهاجر بعد وصول جاليات إلى أمريكا الجنوبية في بوينس آيرس (الجامعة السريانية) سنة 1934 في أميركا نفسها على يد (نعوم فائق) الذي انتقل إلى أميركا وصحف أخرى، وأيضا في أوربا في بلدان المهجر نقدر نحصر اليوم قريب 200 صحيفة سريانية تصدر متفرقة في العالم، انتشار شعبنا غير المبرمج حيث لا يوجد بلد في أوربا ليس فيها جالية وأستراليا أيضا. بيد أن الصحف الموجودة متعددة الأغراض وتواكب الصحافة العالمية إلى حد ما، لكن الذي يبقى هو أن الهدف من الصحافة بالذات هو التعليم أو الوعظ، جزء منها ديني، في العدد الأول من (اشعة النور) مقال يحكي عن أهمية التعليم، يدعو فيها إلى إنشاء مدرسة لشعبنا في كل قرية، وهذا الحديث يعود إلى العام 1849.
«محطات..»
ميخائيل بنيامين: أتصور أنه كان ضمن السؤال موضوع الاستمرارية والتوقف يمكن تقسيم تاريخ الصحافة السريانية إلى مراحل أعدها بمثابة انطلاقات، يعني كل مرة تصدر مجموعة أو موجة من الصحف ثم لأسباب دائما كانت لها صلة بالحروب تتوقف لفترة ثم تنطلق كرة أخرى.. الانطلاقة الأولى كانت مع (زهريرا بهرا) وتحققت بوصول أول مطبعة أميركية إلى أورميا 1836 وبالتالي أول صحيفة صدرت 1849 زهريرا بهرا ثم بدأت صحف أخرى في إيران، وانتقلت إلى تركيا و أكثريتها توقف مع اندلاع الحرب العالمية الأولى وقسم منها استمر من ضمنها (زهريرا بهرا) استمرت إلى 1918 ثم موجة أو انطلاقة أخرى تمثلت بالصحف التي كانت بدأت تصدر في المهاجر وفي أكثر من دولة. ثم انطلاقة أخرى أبرز تجسدت في مجلة كلكامش التي صدرت في إيران أورميا سنة 1952 من قبل جمعية الشبيبة الآشورية كانت مجلة بارزة ومعتبرة ولها مكانتها، أصدرها (نمرود سيمونو) وهو كاتب مشهور. وفي العراق كانت الموجة الأخرى، في سنة 1972 مع قرار منح الحقوق الثقافية للناطقين بالسريانية بغض النظر عن أهداف القرار الأخرى الدعائية التي أرادتها الحكومة من إصدار هذا القرار، لكن في الحقيقة كان القرار فرصة، حيث صدرت في العراق مجموعة من المجلات اهتمت في موضوع اللغة والأدب، وكانت مجلة المثقف الآثوري (وقالا سورايا) عنوانا ربما لهذه الإنطلاقة. الانطلاقة الأخرى التي كانت بارزة جاءت بعد سنة 1991 أي بعد انتفاضة آذار في كوردستان العراق، كانت أيضا فرصة ومناسبة جيدة صدرت فيها مجموعة من الصحف والمجلات فأنا أسميها مراحل توقفت فيها الصحف لأسباب قاهرة، وكانت تعقب كل فترة توقف وانكماش قفزة وانطلاقة جديدة، موجة أخرى من الصحف.
الصحفي: نريد نوعا من تقسيم، تحديد، مرحلت لتاريخ الصحافة السريانية؟
ميخائيل بنيامين: أتصور أن البداية كانت سنة 1849 مع (زهريرى بهرا) ثم صدرت مجموعة أتصور أكثريتها توقفت مع الحرب العالمية الأولى. والتالية جاءت بعد انتهاء الحرب العالمية الأولى في أوروبا وأميركا، والثالثة جاءت من بعد خمسينات القرن الماضي، والأخرى في العراق من بعد سنة 1972، والأخيرة سنة 1991 أي بعد الانتفاضة.
«تحديات طوبوغرافية وثقافية..»
أكد مراد: هناك ملاحظة أود الإشارة إليها، الصحافة التي صدرت في ذلك الوقت كانت نشطة جدا واستطاعت أن تصل للجمهور وكانت متميزة من ناحية النوعية أيضا. أنا من الأشخاص الذين زاروا إيران، وأتذكر أنهم أطلعونا على الصحيفة الإيرانية الأولى التي صدرت سنة 1836 وجريدة زهريرى بهرا التي صدرت في العام 1849، علق نقيب الصحفيين الإيرانيين وقتها قائلا «إن صحفية زهريرى بهرا هي أقرب إلى الصحيفة الحقيقية». الواقع الموجود في إيران.. من الناحية الأمنية، ووجود التعليم والمبشرين الذين حملوا معهم، من واقع أكثر تطورا آنذاك، رسالة الثقافة الأوروبية والأميركية. في 1906 كان عدد المدارس فقط في منطقة أورمية 201 مدرسة، وحصلت أغلبها على ثقة كمدارس أكاديمية موثقة عالميا، في هذه الأجواء المشجعة صدرت الصحافة هناك بهذا الشكل وبلغة جرى تجديدها، وكان لها جمهور واسع بدلالة أنها صدرت بــ4 صفحة وبعدها صارت 8 صفحات وبالتالي في 12 صفحة، نأخذ زهريرا بهرا كمثال كانت تصدر شهريا وبعدها تحولت إلى نصف شهرية فتصور في سنة 1850 تصدر جريدة نصف بــ12 صفحة وتطبع بـ 800-1000 نسخة، إنها ليست بالشيء القليل وهذا دليل على الإقبال وأن هناك تفاعلا بين الجمهور والصحيفة فإذا نطالع الأعداد التي صدرت في 1910 مثلا نرى فيها انتقادات لواقع الحياة وبعض القضايا التعليمية لكن إذا نتساءل لماذا لم تحقق التواصل والانتشار على الرقعة الجغرافية الواسعة التي يقطنها الشعب السرياني..إن مجتمعنا الكلداني السرياني الآشوري منتشر في مناطق عديدة هناك مناطق جبلية وعرة جغرافيا من الصعوبة أن تقدر أن تتفاعل مع المناطق الأخرى، والجانب الآخر أن الواقع القدري والعشائري والتأثيرات الدينية في تلك المناطق كانت أيضا حاجزا يحول دون التفاعل مع بعض التطورات الثقافية التي حصلت في أورميا لأن الذين يصدرونها كانوا مبشرين فخوفا من رجال الدين في تلك المناطق، أي أن خوف رجال الدين في بعض المناطق من تأثيرات الثقافة التبشيرية كان سببا في تحديد التواصل والانتشار. وثالثا كان التعليم في المناطق الأخرى أقل بكثير من مناطق أورميا ولذلك لم يحصل التفاعل. اللهجة التي كانت تستخدم كانت أقرب إلى اللهجة الأورمية فالمناطق الجبلية لم يكون فيها تفاعل مثل الآن حتى يتفهموا لهجات بعضهم البعض فهذه اللهجة أيضا كانت حاجز آخر، لذلك ترى أتساع الرقعة وضعف التواصل، ناتج عن تأثيرات ذاتية واضحة. أما في سهل نينوى مع الأسف كانت الجهود البدائية موفقة جدا وكانت الرغبة في أن يستخدمون اللهجة الاعتيادية، ولكن بعد سنة 1906 حدثت مواقف من قبل الكنيسة الكاثوليكية مواقف حدية جدا أن يستعملوا اللغة الكلاسيكية فرجعوا للغة الكلاسيكية في مجلة إكليل الورد التي كانت باللغة السريانية الدارجة، في البداية كان مؤثرة ولكن بعدما تحولت إلى اللغة الكلاسيكية انحصرت في شخص رئيس التحرير فقط (حنا قرير) الذي كان ينشر ترجمات أو مقالاته الخاصة، وتوقفت في سنة 1907 .
«غربة اللغة الأخرى..»
جنان بولس:إشكالية اللغة هي كبرى التحديات التي تواجه الصحافة السريانية. بالنسبة للصحافة أي صحافة إذا كانت اللغة غير مفهومة فإنها صحافة معزولة. حتى في بداية التسعينات عندما عمموا اللغة السريانية على المدارس كثير من الناس عارضوا لأنها بالنسبة إليهم غير مفهومة. التغييب الذي تعرضت له القوميات الصغيرة وثقافاتها، ومنها السريانية، جعلتنا نتحدث لغة غير لغتنا وإذا أردت أن أعبر عن أي رأي فإني أضطر لاستخدام اللغة العربية أو الكوردية أو أي لغة أخرى غالبة، حسب المنطقة التي نعيش فيها، وهذا عامل أعاق انطلاق صحافتنا كلما يصدر مطبوع باللغة السريانية يحدث أن يعارضه الكثير لأن الصحافة المكتوبة بالسريانية صحافة نخبة. اللغة وسيلة للتوصيل وإذا لم تستطيع أن توصل فقدت وظيفتها. وهذا أكبر أشكال الضيم الذي أصابنا: تعلمنا تثقفنا وتغربنا في لغات أخرى. ولكن ما العمل، في جريدة بيث عنكاوا عندنا صفحة واحدة بالسريانية دائما أسأل المحرر عن المواد المنشورة وأشعر بالخجل من جهلي في لغتي، حتى مناهجنا في المدرسة لا تخدم كثيرا. الطالب يتخرج بدرجة 98 في اللغة السريانية وهو لا يعرف الكثير عن لغته، إذا نحتاج إلى وقت ومجهود كبيرين لرفع الضيم الذي أصابنا جراء ضياع لغتنا.
جورج اسحاق: أود أن أضيف شيئا نحن نتحدث عن الصحافة السريانية وليس مشاركة السريان في الصحافة. قبل هذا التاريخ وبعده وأثناء الانقطاع في إيران والعراق وتركيا وحتى فلسطين في القدس صحفيون سريان يشاركون في صحافات الشعوب.
«عوامل مكانية..»
الصحفي: ما هو تعريف الصحافة السريانية هل هي صحافة مكتوبة بالسريانية أم أنها صحافة تعنى بالشأن السرياني؟
جورج اسحاق: الصحافة السريانية حالها حال أي صحافة أولا استخدام اللغة السريانية أحد شروط أو عناصر الهوية والتعريف. ثانيا أن تتناول شؤون وشجون السريان حتى يغدو ممكنا أن تكون صحيفة سريانية، أي أن تستخدم لغتهم وتوثق مشاكلهم لكن هذا لا يمنع أن تكون لغة رديفة أو لغة ثانوية أو لغة مشتركة للصحافة السريانية، الفارسية في إيران، التركية في آمد دياربكر وغيرها وفي المهاجر اللغة البرتغالية والأرجنتينية والإنكليزية وحتى العربية استخدمت في المهجر أو سوريا أو لبنان أو العراق. لقد كانت صحيفة زهريرى بهرا انطلاقة حقيقية للصحافة السريانية، ولكن لماذا زهريرى بهرا في إيران وليس في بغداد مثلا، جملة من العوامل تحدث عنها الأخوان منها الإرسالية التبشيرية ثانيا اللغة في إيران كان هناك مدارس تعلم اللغة السريانية وكان هناك جمهور واسع يتداول اللغة قراءة وكان ثمة عامل آخر كان هناك حركة إصلاحية في إيران نتج في وقتها صياغة الدستور، وصدور مرسوم خاص بالسريان أعطاهم حق تأسيس جمعيات وأندية والتعليم والنشر بلغتهم هذا أيضا كان دافعا. في المهجر كانت صحافة ما بعد 1915 بعد هجرة (نعوم فائق) وكان محررا في صحيفة (مهديانا آثورايا) التي أسسها شهيد الصحافة السريانية وأعدم بسبب أفكاره الإصلاحية والتقدمية من قبل الأتراك، هاجر وكتب عن مذابح سريان 1915 وتسمى سيفو في أميركا ونشر بأكثر من لغة. هذا التطور الذي حصل في المهجر توقف أيضا بسبب أن جل هذه المحاولات كانت تؤسس على جهود وعصارة أفكار رجل واحد كان يشترك معه آخرون لكن هذا الشخص الرئيسي هو الداينمو فمع توقفه كانت تتوقف تلك الصحافة. في العراق بإصدار( ) عن النادي الآشوري عام 1920. أما مساهمات الصحفيين السريان في نشوء الصحافة العراقية لم تكن هناك صحافة سريانية لكن الصحافة العراقية تأسست بجهود الصحفيين والمثقفين السريان من إكليل الورد مطبعة الآباء دومنيكان في الموصل والأب انستاس الكرملي وغيرهم من الأعلام، باقي تاريخ الصحافة يمكن أن يدخل في باب التاريخ المعاصر.
«الرسالة الإعلامية..تبدلات»
الصحفي: نحن لم نرصد التبدلات والتطورات التي حصلت على رسالة الصحافة السريانية عبر هذا الزمن الطويل بمعنى طبيعة رسالتها الأساسية هل كانت دينية أو وطنية أو ثقافية فنية عامة؟
أكد مراد: إذا تلاحظ الصحافة التي صدرت في تركيا وفي العراق وإيران إلى الحرب العالمية الأولى كانت جهد تثقيفي توجيهي تربوي يسعى للنشر باللغة الأم، في سبيل تعليمها. الرعيل الثاني الذي بدأ في أوروبا وأميركا، الإصدارات السريانية هناك كانت رسالتها الأساسية كشف حقائق الأوضاع التي يعيشها السريان في مواطنهم الأصلية عن طريق تعرية الأنظمة التي كانت تحكم هناك والمشاكل والمذابح التي تحصل للسريان في البلد، خاصة ما بعد أحداث 1933 والانتفاضة التي قام بها الشعب للمطالبة بحقوقه الطبيعية ولأنه لم يكن في الداخل صحافة سريانية تدافع عن هذه المطالب الطبيعية وكانت صحافة الأنظمة تبرر وتسوغ تلك الجرائم، وتحشد الناس ضدهم بدعاوى زائفة كالزعم أن السريان يريدون تجزئة الوطن. ولأنه لا حرية في الداخل إذا لا صحافة. اضطلعت الصحافة في الخارج بإيصال صوت السريان إلى جهات دولية والعالم أجمع لكن تأثيرها كان محدودا إذا ما قورن بأبواق الأنظمة وإمكانياتها. ولأن تلك الأنظمة كانت متحررة توا من سيطرة الحكم العثماني فإنها كانت تحمل الكثير من سمات ذلك الحكم لذلك تعاملت بشكل سيء مع الحقوق الطبيعية للإنسان عامة والسريان على وجه الخصوص.
«صحافة سريانية
أم صحافة السريان..»
توفيق سعيد: لا أستطيع أن أضيف شيئا على ما تفضل به الزملاء بصدد تاريخ الصحافة السريانية لكنني سأتحدث عن الصحافة المعاصرة الأستاذ ميخائل أجاد عندما قسم تاريخ الصحافة إلى مراحل عدة. هناك مرحلة 1972 التي أعقبت إعطاء الحقوق للناطقين بالسريانية، والتي اعتبرها متطورة لكنه لم يعطنا دليلا على تطورها. عندي تعقيب على زميلتي العزيزة جنان بولس تساءلت هل الصحافة السريانية هي الصحافة المكتوبة بالسريانية أنا أضيف إلى السؤال سؤالا آخر ما الذي نقصده اليوم بالصحافة السريانية هل هي أن يكون الصحفي سريانيا وبلغة سريانية أم أن يكون الصحفي سريانيا وبلغة عربية ماذا تقصدون..؟
جورج اسحاق: هناك مقالة لي بعنوان الصحافة السريانية أم صحافة السريان؟ ثمة فرق بين أن نقول صحافة السريان والصحافة السريانية ممكن أن يكون الصحفي من أي أثنية أو قومية أو ديانة لكن خصوصية الصحافة تنطلق من اللغة بما أن هوية الصحافة أن تكون إنكليزية أو عربية أو سريانية العامل الرئيسي هو اللغة. لما نقول الصحافة السريانية نعني الصحافة المكتوبة بالسريانية لكن هذا لا يكفي أن تكون صحافة سريانية تتعامل بلغات أخرى حية وقريبة. والنقطة الثانية بعد اللغة أن تتناول هذه الصحافة بنسبة مقبولة أكثر من 50% تتناول شؤون وشجون وهموم السريان وقضاياهم، ومواضيع متعلقة بمجتمعهم ممكن أن نعطي لهذه الصحافة هوية الصحافة السريانية أما الصحفي السرياني...
«صحافة منوعة..»
يونان هوزايا: لدي ملاحظة حول الصحافة.. هل غلب الطابع الديني على الصحافة السريانية..؟ أنا باعتقادي أن تاريخ الصحافة من زهريرى بهرا، كلكامش، الشراع التي صدرت قبل 1900 يشهد أنها لم تكن دينية، كانت تصدر بتأثير ودفع من البعثات التبشيرية لكنها كانت إخبارية تثقيفية، كانت منوعة. الصحافة التي ذكرها الزميل أكد صحافة المهجر أو صحافة ما بعد الحرب العالمية الأولى أخذت اتجاه توثيقي في جانب منها والجانب الآخر سياسي فكري يدعو دائما إلى الوحدة القومية كان يغلب عليها الهم القومي وهذا كان واضحا في مجلات المهجر مثل الجامعة السريانية. الصحافة الدينية قد تكون صحيفة النور رئيس تحريرها يوسف بابان التي كانت تصدر بتفويض من الكنيسة فكانت دينية في الغالب ومنوعة أيضا مجلة أخرى مثل نجم بيث نهرين الفكر المسيحي تصدرها الكنائس لا أريد أن أطيل لكن الصحافة أي صحافة تشمل أثنين المناطق السريانية والمهتمة بشؤون السريان وتختص بذلك.
جورج اسحاق: أسمحوا لي أن أقرأ لكم مقتطفات صغيرة من منفان عم فائق الذي أسس جريدة بين النهرين، العدد التاسع السنة الرابعة 1920 يقول «الكل يعلم أن الجرائد في الشعب هي لسان حاله والشعب يعرف بجرائده ولولا الجرائد لظلت الأمم خاملة الذكر والأمة التي ليس لها جرائد هي أمة خرساء وصماء وخاملة، إن الأمة التي لا تحترم نفسها لا يحترمها الغير، والأمة التي لا تحافظ على نفسها وتغار على لسانها ولا تسعى لإثبات وجودها من يعرفها. بعدين فريد إلياس يقول: نحتاج إلى صحافة حرة لأن الصحافة هي روح الأمة وحياتها ومظهرها الذي يبن منزلتها ويرفع شخصيتها، إن النشرات والمطبوعات لها أهمية كبرى في حياة الأمة كما أن الصحافة هي المنظر الأعلى والمفتش العام هي ترسم الخطط تنهي بالأوامر والتقارير بما تحمله من آراء أبناء الأمة المتنورين وأحرارها، أنا أقصد أنهم كانوا يتحدثون عن أمة معينة عن هوية خاصة لم يكن عندهم تشظ في هذا الموضوع.
«توق للخلق والإبداع..»
حنان أويشا: سأتناول تجربة مجلة واحدة هي مجلة المثقف الآشوري أنا في الحقيقة قمت بدراسة كاملة عن هذه المجلة، كثيرون سألوني لماذا اخترت هذه المجلة بالذات، جوابي كان المرحلة التي صدرت بها المجلة مهمة جدا بالنسبة إلى شعبنا، مرحلة ما بعد قرار منح الحقوق الثقافية للناطقين بالسريانية، القرار كان مقطوع الصلة بعنوانه لأنه لا يوجد شعب يسمى بلغته، المجلة مثلت مدى توق شعبنا للانطلاق والخلق والإبداع، بعد صدور القرار تأسست الكثير من الجمعيات والمؤسسات الثقافية منها نادي الثقافي الآشوري الذي أصدر المجلة، ومجموعة اللغة السرياني، الأدباء السريان بالرغم من الصعوبات التي واجهها النادي في إصدار المجلة، فإنها كانت تجربة تستحق أن نتوقف عندها، كانت المجلة توزع مثل منشور سري لأن الرقابة كانت مشددة من قبل سلطة النظام على المجلة، وكانت تفرض علينا الكثير من الممنوعات لكن المجلة رغم ذلك استطاعت أن تحتل مكانة مرموقة في أوساط شعبنا لأنها كانت تهتم بكل جوانب الثقافة السريانية، من ناحية اهتمامها باللغة الأم وكانت تصدر باللغتين العربية والسريانية، ورغم أنها مجلة ثقافية فإنها كانت تهتم بالمسائل القومية، صدرت عام 1972 واستمرت حتى منتصف الثمانينات نتيجة الحرب العراقية الإيرانية حيث تفرقت هيئة التحرير بين من سافر خارج العراق ومن التحق بالخدمة العسكرية وأسباب أخرى أدت إلى توقفها، لكن الدلالة من صدورها أن شعبنا بمجرد أن يستنشق عبير الحرية كانوا يبادرون إلى استغلالها في كل المجالات ومنها الصحافة.
«محنة الأجنحة المستعارة..»
ميخائيل بنيامين: ملاحظة بصدد موضوع اللغة والصحافة السريانية في تصوري أن الميزة الأكثر بروزا في الصحافة السريانية أنها صحافة ثنائية اللغة وربما أكثر ثلاثية، رباعية في أميركا انكليزية وسريانية في العراق العربية والكوردية والسريانية. الملاحظة الثانية أنا أتفق مع الكثير مما طرحته الزميلة جنان موضوع صعوبة اللغة، أسباب كثيرة أدت إلى أن تكون اللغة السريانية في الصحافة لغة صعبة السبب الرئيس أن شعبنا لم يمتلك كيان موحد من جانب آخر اللغة التي يمكن أن نسميها الفصحى الموجودة في الكنائس صارت كأنها منعزلة وحدها والبقية لغات دارجة أو لهجات، من جانب آخر الكتاب أنفسهم يجب أن يتعلموا كيف يجعلوا من اللغة السريانية لغة صحفية وهذه مسألة في منتهى الأهمية لا نفرض اللغة الفصحى بحيث تكون نخبوية ولا نستخدم اللهجات المناطقية الدارجة بحيث منطقة لا تفهم منطقة أخرى نستخدم لغة تكون نوعا ما شاملة وهذا موضوع طويل جدا (قطع: حتى اللغة الكوردية تعاني من نفس المسألة).
لطيف بولا: في موضوع تطوير اللغة أنا أعتقد أن أي كلمة مهما كان مصدرها تستعمل من قبل الجميع من الأفضل أن تضم إلى قاموس اللغة السريانية لأنها صارت جزءا من لغتنا، ويمكن أن تغنيها، يجب أن نسعى لخلق لغة سريانية معاصرة وإلا فإنها لن تعيش.
«الصحافة السريانية ..جسد»
الصحفي: ننتقل إلى الصحافة السريانية المعاصرة نحن نريد أن نكون مقاربة كمية للصحافة السريانية كم عدد الصحف والمجلات الفضائيات والقنوات الإعلامية الإذاعات والمواقع نريد أن نتلمس جسد الصحافة السريانية، ونرسم حدودها..؟
توفيق: نحن لا نقدر أن نعطي صورة واضحة عن الصحافة السريانية ولكن نقدر أن نعطي كل واحد من موقعه مثلا أنا أعطيك سهل نينوى عندنا إذاعة وتلفزيون آشور وإذاعة صوت السلام من قرقوش هذا فقط بالنسبة لنا مرئي ومسموع بالنسبة للصحافة المقروءة عندنا تقريبا 15 مجلة كان عندي دراسة حول الصحافة في سها نينوى نشرت في بعض الصحف وكان وقدمناها كمحاضرة في فرع الموصل لنقابة صحفيي كوردستان اليوم عندنا في قرقوش مجلة أور وجريدة القوش وعندنا جريدة جديدة في تلسقف أسمها (كاني السلام) يحررها الزميل عصام فلفل هذا سهل نينوى الشمالي أما الجنوبي الذي يبدأ من بعشيفة عندنا مجلة الصفرا ومجلة ينابيع تصدر في بحزاني و(مجلة الحقيقة) في برطلة وفي كرملس مجلة (الكرمة) أما في قرقوش فلدينا اليوم أكثر من 7 صحف بالنسبة الصحف نينوى الحرة صوت بغديدا أما المجلات العاملة هي (المرأة، النواطير، المثقف السرياني، الإبداع السرياني، الشراع)، تصدر في تلسقف جريدة أخرى أسمها (السهل الأخضر) وفي تلكيف تصدر مجلة من أبونا يوسف بنيامين وهي متوقفة الآن.
جنان بولس: في عنكاوا جمعية الثقافة الكلدانية تصدر مجلة المثقفين الكلدانيين وجريدة (بيث عنكاوا) ونادي الشباب الاجتماعي لديها مجلة فصلية (عليموثا) معتمدة في نقابة الصحفيين وفضائية عشتار وجريدة بهرا ومجلة بانيبال ومجلة مرعيثا، وجريدة مبزلتا ومجلة ديانا.
الصحفي: هل المطبوعات فيها تصل إلى عشرة ؟
جنان: لا أقل...
ويليم تيودور: في دهوك لدينا إذاعة وتلفزيون آشور تابعتان للحركة الديمقراطية الآشورية توقف بعضها بعد العام 2003، وفي زاخو هناك (إذاعة ومجلة زيزل)، نجم بيث نهرين مجلة يصدرها المركز الثقافي الآشوري وهي أول مجلة تصدر في الإقليم يعد الانتفاضة سنة 1991 ولازالت تصدر حتى الآن، هناك (قالا كلدايا) تصدرها جمعية الثقافة تصدرها جمعية الثقافة للفنون الكلدانية وهناك (معلثا) تصدرها رابطة الأدباء الآشوريين، وسمتا تصدرها دار نشر موجودة في دهوك (نوهدرا) تصدرها نادي نوهدرا الاجتماعي.
حنان أويشا: كان عندنا جريدة نهرانيثا كانت تصدر في أربيل بالبداية كانت تصدر عن اتحاد النساء الآشوري وبعد صدورها انتقلت في بغداد وهي متوقفة الآن.
جورج إسحاق: أتحدث شيئا عن بغداد نحن فضائياتنا السريانية قليلة، إحداها في بغداد وهي فضائية آشور إضافة إلى إذاعة آشور هناك صحيفة (بهرا) وهي كلها تابعة لمؤسسة إعلامية للتنظيم السياسي للحركة الديمقراطية الآشورية (صدى الكلداني) في بغداد تصدر والباقي مجلات مؤسسات تابعة لمنظمات المجتمع المدني وأكثريتها مجلات كنسية من الممكن أن نسميها صحافة سريانية والبقية خاصة لا يمكن أن تدخل ضمن الصحافة السريانية لأن نسبة 90% منها لا تستخدم اللغة السريانية ولأنها ثانيا لا تتداول شؤون وقضايا الشعب السرياني إما أن تكون المجلات كنسية.. طقس وكنيسة ونيتوروجيا.
«خصائص مكانية..»
الصحفي: هذه الكثرة والتعددية ماذا تعني..؟ هل هي نابعة من أصالة أو خصائص مكانية..؟هل هي تعبر عن تعدد الاتجاهات الفكرية..؟ هل هو تعدد مصادر التمويل أم هي تعددات ثقافية أو سياسية؟
جنان بولس: تقريبا كلها، إنها عكست وتعكس كل ما يجري في العراق.
جورج إسحاق: هي الصحافة تطورت في كل العراق على شكل قفزة كمية بعد عام 2003 وصار المناخ مؤاتيا لتأسيس صحافة مقروءة ومرئية ومسموعة، أسباب تعدد الصحافة السريانية كل ما ذكر، إضافة إلى الحاجة لأن تتمحور الصحافة السريانية حول قضية الشعب، وهي لم ترتق لكي تصبح صحافة عامة شاملة. في الصحافة السريانية باستثناء النشاط الداخلي للسريان ليس هناك صحافة خبرية. نحن في الصحافة السريانية غير معنيين بالصحافة الخبرية لأن قضايانا ومشاكلنا هي الأمور التي نركز عليها ثم موضوع تعدد الأفكار،الصحافة الحزبية السريانية اليوم أربعة أضعاف أو خمسة، ما كانت عليه قبل التغيير وهذا مرتبط بحرية العمل السياسي الذي لم يكن مسموحا به من قبل فأي فكر سياسي أو تنظيم ينتج صحفه وإعلامه، ومن جانب آخر موضوع تعدد مصادر التمويل، ومن تجربتنا تعلمنا أن وضع الصحافة يكون هشا لأنها تتوقف بمجرد توقف التمويل كما حدث لإذاعة وتلفزيون آشور في دهوك. اليوم صحافة المهجر صحافة جيدة تستحق الإشادة، يجب الإشارة هنا إلى مجلة (حويودو) في السويد. وهذه قديمة جدا. وهناك الصحافة الالكترونية، وهي تتمتع باستقلالية واضحة.
«الوطن جريدة..»
الصحفي: أنا أقصد من الخصائص المكانية أن صحف المهجر تعكس هموم المهجر، لكن في الداخل هل ثمة فروقات مكانية في الصحافة السريانية بين الصحافة في ديانا مثلا عنها في سهل نينوى؟
أكد مراد: أود أن أبين شيئا حول صحافة المهجر، صحافة المهجر ليست فقط مهتمة بواقع مجتمع المهجر، إنها تهتم أكثر بما هو موجود في الوطن. الذين هاجروا ما تزال قلوبهم في بلدهم، صحافة المهجر تعكس عناوينها وحدها مقدار الحنين الذي تحمله للوطن، أسماء من قبيل نهرين، عشتار حويادا، والمطبوعات الأخرى التخصصية التي تهتم باللغة هذه أيضا حققت طفرات ناجحة في الخارج منها مجلة الأكاديمية الآشورية وأعتقد أن 88% من موضوعات صحافة المهجر تعكس هموم الوطن.
توفيق سعيد: ذكرت ديانا في ديانا عندنا مجلة أسمها ديانا تصدر بأربع لغات السريانية والعربية والكوردية والإنكليزية أما عدد مجلاتنا الكثير كما ذكرت فهي مسألة منطقية تتصل بالظروف الواقعية التي نعيشها، وهي حالة طبيعية وضرورية. تعدد الأسماء وتعدد المواضيع والكتاب والصحفيين يعطي مؤشرا إيجابيا، ويفيدنا كثيرا، لدينا كم هائل من المثقفين والأدباء.
«منشور سري في مجلة..»
أكد مراد: الصحافة السريانية بسبب طابعها المؤقت لا تهتم القضايا الإخبارية لكنها تركز على المسائل الثقافية وينبغي ملاحظة أنه منذ نهاية الحرب العالمية الأولى حتى سنة 1982 لم تصدر جريدة واحدة باللغة السريانية باستثناء جريدة بهرا التي كانت تصدر في جبال كوردستان تحديا للنظام كان هناك مجلات، وبسبب طابع المجلة فأنها تقتصر على مسائل ثقافية عامة. ومع ذلك فإن المجلات السريانية تضع بين طياتها، وفي زاياها سطورا تعبر فيها عن قضايا تمس حياة شعبنا في مراوغة منها لسلطة الرقيب، وكان القارئ يشتري المجلة من أجل هذه السطور، ورغم أن المثقف الآشوري كانت تصدر بقرار وموافقة من وزارة الإعلام ولم يكن يسمح بتوزيعها. جريدة بهرا كانت توزع في المدن سرا وقد اعدم أحدهم لأنه كان يحمل نسخة منها. واستمرت في الصدور حتى عام 1991، وبعد الانتفاضة كانت بهرا أول جريدة تصدر في الإقليم. السؤال الآن لماذا لم تصدر صحيفة حرة واحدة غير تابعة لطرف سياسي أي أن تكون المهنية أساس عملها..؟
«جدل الوحدة والتعدد..»
الصحفي: الصحافة السريانية وهي تصدر بلغات متعددة ما الذي يجمع بينها..؟ ما المشترك وما المختلف..؟ هل هل يمكن القول أنها إعلام ثقافات أخرى باللغة السريانية أم هي إعلام سرياني بلغات أخرى..؟ وكم خسر الإعلام السرياني من هذا التعدد اللغوي وماذا كسب؟
جنان بولس: مكسب الإعلام السرياني أنه يوصل قضايانا بكل اللغات. الصحافة سواء كانت باللغة العربية أو السريانية أو الكوردية أو أي لغة أخرى تتناول قضايا هذا الشعب وهي كثيرة، قديمة ومعاصرة، نريد طرحها جميعا للأجيال القادمة والناس كافة هذا ما يجمعنا، هذا ما نشترك فيه، أما تعدد الصحافة العائد إلى التعدد في مصادر التمويل، وتسييسها، فإنها تترك أثرا سلبيا، لأنها تتدخل في صياغة الخطاب الصحفي، وتستطيع تلمس ذلك من خلال الطرح الصحفي وهي تؤثر على الصحفي نفسه هل هو متأثر بهذه الأشياء أكثر أم بقضايا شعبه يعني الميزان عنده إلى أين يميل.
ميخائيل بنيامين: إذا كان السؤال عن المواضيع التي تكتب بالسريانية يختلف عن التي تكتب بالعربية أو بلغة أخرى بالتأكيد هناك فرق، كنت لأربع سنوات مديرا لتحرير بهرا السريانية وكان رابي يونان هو رئيس التحرير كنا نراعي وبكل تأكيد مسألة الاختلاف اللغوي كنا إذا أردت أن أكتب موضوعا سياسيا حساسا فإني أفضل أن أكتبه باللغة العربية لأن الأكثرية تقرؤها أما في السريانية فتقتصر كتاباتنا على قضايا أدبية ولغوية التي أكثر خصوصيتها تتعلق بالشعب السرياني.
جورج إسحاق: الشق الأول بخصوص اللغة حقيقة هي خطاب، الصحافة تعبر عن خطاب وبالتالي فإن قارئ العربية يجب أن يكون الخطاب الموجه إليه مختلفا نوعا ما عن القارئ بالسريانية عندما تكتب بالسريانية لا تحتاج إلى التعريف بالهوية السريانية لكن عندما تكتب بالعربي يتعين عليك أن تصحح وتذكر وتروج لبعض المسائل التي تتعلق بمسألة الهوية السريانية.
الشق الثاني: يتعلق بواقع الصحافة السريانية أسمحوا لي أن أكون متشائما قليلا، عندنا، نعم، عندنا تنوع، لدينا صحف ومجلات وفضائيات وإذاعات لكني أقسمها إلى قسمين هناك صحافة سريانية حزبية وهناك صحافة سريانية مؤسساتية وكلا النوعين من الصحافة يخضع لضغط أجندات معينة. لا نلمح لحد اليوم صحيفة سريانية يومية واحدة في كل العالم والسبب هو أننا لم نستطيع أن نؤسس صحافة مستقلة بمعنى الاستقلال، صحافة أهلية تتعامل مع الصحافة كمنهج استثماري. تجربة إعلامية واحدة تتمتع بالموضوعية والحيادية والاستقلالية والمهنية وبتنوع في الآراء هي تجربة موقع عينكاوا على الانترنت.
«الجريدة وطن..»
الصحفي: ألا يخلق هذا الوضع (التعدد) أزمة هوية لدى الإعلام السرياني أعني مدى قدرة الإعلام السريان على التعبير عن مصالح شعبه وثقافته؟
جنان بولس: لا توجد أزمة الهوية، لكن هناك فوضوية.
يونان هوزايا: مع اختلاف الدعم أو التوجيه بسبب أحزاب أو مؤسسات لكن المساحة الأكبر في عموم الصحافة المقروءة والمرئية متشابهة تختلف باختلاف الكاتب، بالمستوى بالثقافة بالشكل، لكن في المضمون موضوعة التراث موضوعات الأدب والثقافة وحتى السياسة إلى حد ما قد يكون فيها اختلاف في المواقف والطروحات السياسية.
جنان أويشا: أنا أعتقد أن هذه المظاهر تشكل حالة صحية ولا أزمة هوية فيها، الصحافة مهتمة بدرجة أولى بالشعب وقضيته.
أكد مراد: الواقع السياسي هو الذي فرض هذه الحالة لو كان الشعب الكلداني السرياني الآشوري بوضع آمن، لو بقى في مناطقه الطبيعية كان سيكون له صحف ومجلات وجريدة يومية، الواقع غير الصحي الموجود في المنطقة ونظرة السلطات للقوميات الصغيرة كان له تأثير في هجرة الناس إلى بلدن أخرى ومن ضمنهم كتاب ومثقفين كثر.
يونان هوزايا: يمكن أن نفسر هذه الكثرة بالمحدودية المكانية للصحافة المقروءة والمسموعة والمرئية باستثناء الفضائيات وهي قليلة جدا معظمها لا تتجاوز حدود المحافظة هذه المحدودية المكانية صبت في موضوع التنوع، وشيء آخر معظم هذه الصحف والمجلات مازالت شهرية أو تصدر في مدد متباعدة جدا وليست يومية لو كانت يومية وتوزيعها كما يجري في الصحافة اليومية كان أو كنا سنجد كل الكتاب الذين يكتبون في الصحافة السريانية قد لا يكفون لصحيفة يومية واحدة أو صحيفتين.
جورج إسحاق: الصحافة السريانية بتعددها تشبه حال الصحافة في كل العراق وفعلا صارت كثرة لأنها صادفت أجواء مناسبة ومصادر تمويل كثيرة تروج لمشاريعها في كل العراق قد تكون هذه الظاهرة غير مضرة ولكنها غير مفيدة أيضا هذه الكثرة الكمية ليست مفيدة، الصحافة السريانية صحافة إقليمية بمعنى أنه لا يوجد كيان سياسي لا يوجد رقعة جغرافية معينة صحافة الأقلية في كل العالم إما معارضة للسلطة أو موالية لها الصحافة السريانية في العراق حاولت جهدها أن تبتعد عن الموالاة للسلطة وهذا ما أدى إلى توقفها صحافة الموالية للسلطة كانت تعاني من الكثير. اليوم قد تكون لا معارضة ولا موالية أو معارضة وموالية في نفس الوقت. لكن تبقى صحافتها محدودة وبحاجة للتطوير وأهم عناصر التطوير هو الاحتراف لذا يجب علينا أن انتهاج الجانب الاحترافي وإدخال المبدأ الاستثماري في الصحافة حتى ترتقي إلى المستوى المطلوب.
«مجتمع تواصلي..»
الصحفي: في ضوء هذا الاستعراض يمكن قول أن المجتمع السرياني يحقق عبر إعلامه تجربة تواصلية كبيرة إنه مجتمع تواصلي حقا، لكن هذا الأمر يستدعي عدة أسئلة أولها حول التفاعلية، ما مقدار التجاوب بين الوسائط الإعلامية السريانية والمجتمع السرياني..؟
جنان بولس: كل الصحف التي تصدر في سهل نينوى تأتينا، المجتمع السرياني يتوق إلى الإطلاع، نحن بعدنا بحاجة إلى أن نرى إلى أوضاعنا بنحو أفضل، الآن بدأ القراء يشيرون إلى أسم الكاتب، ثمة تمييز للكتاب الجيدين، هناك اهتمام وهناك تفاعل ونقرأ الصحف السريانية أكثر من الصحف الأخرى لأنها صحافة تخصنا، خاصتنا.
حنان أويشا: أعتقد أن التواصل الأكبر مع الصحافة يتم عبر الصحافة الالكترونية أكثر من الصحافة المرئية والمقروءة ثمة إقبال على الصحافة الالكترونية (هذا يمثل شكلا متطورا من التواصلية).
لطيف بولا: هناك تأثيرات ثقافية علينا، نحن أقلية مبعثرة، الموجودون في دهوك هناك تأثيرات عليهم من الثقافة الكوردية في الجنوب من العرب، في بريطانيا في الخارج، عندما أقرأ رسائل جدي وعمي وأبي أيضا كانت كلها بالسريانية. الثقافة العربية ترسخت في المناطق السريانية بعد دخول الانكليز، لم يبقى عندنا مدارس سريانية، الإذاعة عربية، دراستنا عربية أصبح لدينا آلاف القراء من الكلد والآشوريين يقرؤون العربية والشعوب المغلوبة تقلد الغالب دائما لذلك أصبح لدينا سريانا مستعربين.
ويليم تيودور: هناك تلون ثقافي كثير في شعبنا، شعبنا موزع على مناطق جغرافية متعددة، ثمة بيننا اختلاف في الثقافات. وصحافتنا كما ذكر الزملاء صحافة حزبية ومؤسساتية وكل يقرأ صحافة حزبه. السايت الالكتروني له دور بارز خاصة في مجال الأخبار، بدلا من انتظار مجلة أو جريدة أستطيع وأنا في البيت أن أتابع كل الأخبار يوما بيوم عن طريق الانترنت.
توفيق سعيد: تعميق الانتماء إلى المكان والثقافة في الصحافة هو الذي يعزز التفاعلية مثلا أن يحرز قرقوش بطولة العراق في كرة الطائرة النسوية آخذ هذا الخبر وأبرزه بتفصيل أكثر قبل أن أنشر مثلا أخبار المنتخب العراقي وأقوم بعمل تغطية موثقة ومصورة ولقاءات مع اللاعبين والمدرب فإنني سأجبر القارئ على قراءة الخبر، والتفاعل مع الجريدة.
أكد مراد: نحن لحد الآن لا نملك صحفي محترف أو مهني (بروفيشنال) إلا القليل جدا هذه أيضا مشكلة، إن مهمة الصحفي هي ملاحقة الخبر نحن لحد الآن لا نعطي أخبارنا حقها الكامل أحيانا مادة تصلح أن تكون خبرا أنظر إليها من زاوية التي أعمل فيها، فلا أقدرها حق قدرها مهنيا. النقطة الثانية مسألة الأحزاب والمؤسسات إن لكل منها أجنداتها وهي لا تسمح لك بأن تتعامل مع الأمور بنفس المستوى الواقع السياسي فرض علينا أمور كثيرة لقد شغلونا فترة طويلة بقضية التسمية، وإن كان الإصرار على طرحها أفضل لأن وعي الإنسان سيقوده في النهاية إلى القرار الصحيح فعلى الصحفيين السريان أينما وجدوا أن يكونوا على وعي بهذه الأمور وكما يقول المثل الكوردي (إن لم تكن وردة فلا تكون شوكة).
«مشكلة عراقية..»
يونان هوزايا: شحة القراء حقيقة واضحة للكل، وهي مشكلة عراقية ليست سريانية فقط، لكن شحة القارئ السرياني بالنسبة لما يصدر من المطبوعات السريانية واحد من الأسس التي تدل على أن الصحافة السريانية هي صحافة مكانية، محدودة الانتشار، صار هم هيئات التحرير الوصول إلى أكبر عدد ممكن من القراء، اي من المطبوعات لا يصل توزيعها إلى الألف. عدم وجود صحافة مركزية مهنية ساهم في خلق هذا التشتت المكاني، وكرسه.
جورج إسحاق: بالنسبة للتفاعلية هي تعتمد على ما يحمل الإصدار من خطاب وقضايا ومعلومات وأخبار تهم القارئ، وهي التي تقرر يتفاعل القارئ معها أو لا يتفاعل، مدة التفاعلية أو نسبة التفاعلية تعتمد على الانتشار، ما عدا استثناءات قليلة معظم إصداراتنا إصدارات محلية، المحلية حتى يتفاعل مع القارئ تعتمد أيضا على الخبر المحلي، يكون مهما إذا تناولته بالتفاصيل.
«التبادلية..»
الصحفي: بعد التفاعلية تأتي التبادلية يعني التفاعل مع الآخر الأثني والثقافي الوطني والإقليمي، والسؤال الثاني.. ما مقدار تحقق التبادلية في الصحافة السريانية..؟
جنان بولس: موجود عندنا كتاب كثيرون يكتبون في الصحف التابعة للإقليم وفي صحافتنا السريانية ننشر أي مقال يأتينا من كتاب غير سريان نحن نعيش ضمن العراق الواحد والتفاعل موجود وغالبا ما تهتم الصحافة السريانية بالقضايا والقوميات والأثنيات الأخرى القريبة والوطنية والقريبة المجاورة.
يونان هوزايا: الصحفيون الأكثر بروزا دائما لهم وجهان الوطني والخاص.
لطيف بولا: نحن جزء من الشعب العراقي وثقافتنا عراقية.
أكد مراد: بالنسبة للوطنية هي دم السرياني وهم أعطوا كل شيء للحركة الوطنية لكن مع الأسف أي شيء لم يصبهم، لحد الآن كل الذي يأتي، يأتي ضمن حسابات.
جورج إسحاق: الآخر مع الصحافة السريانية لم يرتق للمستوى المطلوب، تفاعل الآخر مع الصحافة السريانية غبر كاف، إنه موجود لكن كان مطلوبا أن يكون أكبر، أما تفاعل الصحافة السريانية مع الآخر أول شيء نواجهه هو صعوبة تناول القضية، أي قضية، كل قضية بعد 2003 صار لها وجهان، طرفان متصارعان، كيف نتعامل مع هذا الواقع إننا نفعل ذلك بصعوبة وحذر شديد حتى لا نحسب على أي طرف من أطراف الصراع ويتعين علينا بالتالي دفع فاتورة هذا الخطأ البريء، وغير المقصود.
«أفق تواصلي..»
الصحفي: وأخيرا، السؤال الأخير عن التواصلية أو الانتماء إلى العالم كيف يتحقق ذلك في الصحافة السريانية؟
حنان أويشا: أنت تقصد الصحف الإلكترونية أم الصحف المحلية.
توفيق: نحن أكثر الصحافة انتماءا إلى العالم لأننا موجودون في كل بقعة من الأرض ما يحتم علينا أن يكون خطابنا الإعلامي خطابا إنسانيا وعالميا.
ميخائيل: ما يخص تواصلنا مع العالم أو العالم معنا لا يوجد أي تأثير للصحافة السريانية في هذا التواصل بقدر ما يسعى الآخرون للكتابة عن قضايانا خاصة موضوع استهداف وجودنا في العراق. ليس لصحافتنا إمكانية التأثير العالمية. نحن أساسا بين بغداد والموصل مرات لا يحدث تواصل.
الصحفي: التواصلية غالبا ما تتم عبر المواقع أو الصحافة الالكترونية إنها أرقى أشكال التواصل كم عندكم من مواقع إلكترونية؟
جنان: نعم هناك الكثير وحسب كل منطقة ولكن أيضا على أساس مكاني عينكاوا صنعت موقعا لها وتبعتها شقلاوة، واللغة مهمة في هذه المواقع التي يجب أن تتوفر على الانكليزية كي يتحقق التواصل.
أكد مراد: الكثير من الأمور تتعلق بالناس الذين نعيش معهم، استعداد شعبنا للتفاعل مع الآخرين وفهم قضاياهم استعداد عالي جدا، والدليل (زهريرا بهرا) نجد مقالات مكتوبة من وجهات نظر مختلفة، يتناقشون ويتركون المجال للقارئ للمشاركة معهم، استعداد شعبنا لتقبل الآخر جيد، ولو توفر مناخ من الحرية والفهم فبإمكان شعبنا أن يتفاعل بشكل أكبر. نقطة أخرى بعد سنة 2003 بدأت الصحافة الحرة قبل ذلك كانت الصحافة معظمها حزبية، لقد حققت الصحافة الحرة تحولات في الشارع، بعض هذه الصحف تطبع أعداد كبيرة وتنفذ من السوق لأنها تتناول قضايا تهم الناس والبلاد. إن الصحيفة كلما كان هناك مجال لإثارة قضايا تخص مجتمعها فإنها تحظى بتفاعل أكبر بين القراء. لا تنسى أيضا قانون رقم (35) لسنة 2008 الذي صدر بجهود نقابة صحفيي كوردستان. الذي خلق بيئة متطورة للعمل الصحافي.
«لغة خضراء.. لغة رمادية..»
الصحفي: الصحافة لغة الحياة يفترض أن تؤثر على اللغة الأخرى اللغة القاموسية ما مدى تأثير هذا التوسع الإعلامي على اللغة السريانية التقليدية؟
ميخائيل بنيامين: برأيي أن التأثير الأكبر يعود إلى لغة الإذاعة والتلفزيون أكثر من الصحافة المقروءة فضلا عن البرامج التعليمية.
يونان هوزايا: الواقع كان أكثر من مريض بالنسبة لاستخدام اللغة بعد انتفاضة آذار ساهمت الصحافة والندوات الحزبية والسياسية والموضوعات الأدبية والصحافة في خلق وتعميم اللغة الأدبية أو الصحفية باصطلاحاتها لكنه ظلت محدودة أيضا خاصة في مجال الكتابة ربما كان التأثير في مجال الشفهية أكثر.
لطيف: هناك عامل أهم هو تأثير الأغاني عشرات الكلمات تعلمها الناس من خلال الأغاني.