في ذكرى الثالثة لحرب العراق هجرة مايقارب الخمسين الف مسيحي من العراق
19/03/2006سانتا ميخائيل
"لم أفكر يوما بترك بلدي , وخاصة بعد سقوط نظام صدام , لكني مجبر على ذلك خوفا على نفسي وعائلتي" هكذا بدء أشور أثنائيل الشاب العشريني العمر بالحديث عن ألاسباب التي دفعته لترك العراق واستقراره في دمشق بسوريا . تابع يحكي قصته قائلا " أنا حلاق , ولم أمارس في حياتي غير هذه المهنة , وعند أنتشار العصابات المتطرفة والتي بدأت تروج لثقافة غريبة عن مجتمعنا العراقي , كالمنع من القصات الغربية , وأستعمال الخيط لتحدي اللحية والشوارب , تلقيت تهديد بقتلي أذا استمريت فيه , فاظطررت لترك عملي , وألاعتماد على المساعدات المالية والتي يرسلها لي اقرباء في الخارج ". لكن هذا لم يكن ما دفع أشور للهجرة , بل لقصته تتمة وهي "عن طريق أصدقاء وجدت عمل لي كحلاق أيضا في قاعدة اميركية في أطراف بغداد , وبدأت أموري تسير على خير مايرام , ألا أنه ومع أستهداف زميلات لي مسيحيات أضطرتهم الظروف للعمل في الكافتريا واللوندري –غسل وكوي – في القاعدة , حيث تم قتلهم وهم في طريقهم من البيت الى القاعدة ولم تنجو ألا واحدة ,وهي أكدت لي ان من ابلغ عنهم واحد من الداخل , وهو ما تاكد عندما وصلتني رسالة تهديد تخبرني بأنكشاف أمري وتتوعدني ببأس المصير ", علما انه أكد على أخذه احتياطات معينة لعدم معرفة مكان عمله ولجؤه لتغير طريقة نقله من البيت ولمكان العمل ,عندها لم يجد أشور بدا من أخذ زوجته وأخواته والرحيل لسوريا , مع ممانعة والديه الرحيل "لعدم رغبتهم في البهدلة وهم في نهاية العمر ", لكنهم أضطرو الى اللحاق بابنائهم وتجرع مرارة الغربة والفرقة عمن عاشو معهم اكثر من ثلاثة عقود ,كما قال أبو أشور .ولازالو هناك منذ أكثر من سنتين بأنتظار الحصول على لجوء أنساني من ألامم المتحدة .حيث يشهد العراق ومنذ ابريل 2003 هجرة واسعة للعراقيين عموما وللمسيحيين خصوصا , حيث الاحصاءات الغير رسمية تشير لهجرة مايقارب ال 50 الف مسيحي من العراق منذ ابريل 2003 الى الخارج , واضطرار قسم أخر الى الهجرة داخليا , أي من المحافظات الجنوبية وبغداد الى شمال العراق , حيث الوضع ألامني مستقر نسبيا .وتحتل الاردن وسوريا ولبنان المركز الاول في الدول التي يتجه اليها المسيحيين , طمعا في الحصول على اللجوء ألانساني من قبل مقرات ألامم المتحدة هناك لدول أوربا وأميركا وأستراليا . بالرغم من عدم أفصاح ممثلي ورجال الدين المسيحي عن أعداد وأسباب هجرة المسيحيين ولاعتبارات معينة . قصة أبو مريم وأم مريم لاتختلف عن قصة أشور من حيث أسباب هجرتهم لكنها تختلف من حيث المهنة , حيث الزوجين يمتهنان الصيدلة ولديهما مذخر بأسم أبنتهما مريم , وهم يمارسون عملهم منذ منتصف الثمانييات من القرن الماضي , ألا أن أهالي المنطقة (والذين تعودو عليهما وأحبوهم لدماثة خلقهما ) تفاجئو بغيابهم المفاجىء , ثم أفتتاح المذخر من قبل شخص أخر , والذي يبرر غيابهم برغبتهم للالتحاق بأبنتهم في بيروت , لكن أمراة عرف عنها أنها كانت تعمل في المذخر لمحت لوجود سبب اخر للسفر , دون البوح باكثر مكتفية بالقول "أحسن –أي افضل – لهما , ماذا يوجد هنا ", وسرعان ماأصبح الناس يتهامسون عن تلقي الزوجين رسائل تهديد , والتي أصبحت مألوفة جدا في العراق , أذ أصبح أستلامك لهكذا رسائل أمر عادي ولايسعك في العراق ألا الرضوخ لهكذا أمر لعدم تمكنك من معرفة جدية ألامر ومن ورائه , وكما يقول سلام "كان لدي محل لبيع ألاقراص , وصبحت –أي في الصباح – يوم مع رسالة في باب المحل , تصفني بالكافر وتتوعدني بالثبور في حال استمرار عملي في المحل "ويضيف سلام "لم أتعب نفسي بالتاكد من محتوى الرسالة ومدى جديتها وقمت ببيع المحل ,انا وزميلي والذي كان له محل أنترنيت بجواري , ولنفس السبب ", ويتسال "كيف لي أن أعرف من بعثها ونحن في بلد فوضى , كل من هب ودب يقتل ويختطف والسلطات نايمة ". قصة أشوروأبومريم وغيرهم لاتختلف عن قصص العديد من المسيحيين الذين هجرو العراق بعد أسقاط نظام صدام , وشهود العراق ألانفلات ألامني وأنتشار العصابات المسلحة والتي أصبحت تمتهن القتل والخطف ولاسباب مختلفة , أضافة الى سيطرة المليشيات المسلحة والتابعة لاحزاب متطرفة , وتشير الاحصاءات الى أن عدد الكلدوأشوريين المسيحيين في العراق يبلغ المليون نسمة تقريبا , وهم موزعين على ثلاثة طوائف حسب انتمائتهم الكنسية وهي "الاثوريين اتباع الكنيسة الشرقية , الكلدان أتباع الكنيسة الكاثوليكية , السريان ". وكانت أعدادهم أكثر من ذلك في الستينيات من القرن الماضي , ألا أنه ومنذ تسلم حزب البعث للسلطة في 1968 وبسبب ممارسته الشوفيينة ومحاولته تعريبهم , شهد العراق هجرات متواصلة لهم وعلى مر العقود الثلاثة الماضية , وتكونت جاليات لهم في أوربا وأميركا , ألا أن أكبر عدد من المهاجرين تم خلال السنوات الثلاثة الماضية . وزيرة الهجرة والمهجرين السابقة باسكال وردة تؤكد عدم وجود احصائيات دقيقة لعدد المسيحيين الذين هاجرو منذ 2003 ولكنها تقول "أحد أهم اسباب هجرة المسيحيين هو أنعدام ألاستقرار وألامان , وضرب الكنائس والذي هو بوادر للاطاحة بالمسيحية وبمثابة رسالة لهم ", وتطرقت وردا الى أسبابا اخرى منها "التهميش السياسي وألاقتصادي وتقزيم دورهم في عملية البناء " , مشيرة الى أهمال القرى المسيحية المهمدمة في شمال العراق والحكم على المسيحيين بالرقم واحد , موضحة ذلك بقولها " حكمنا علينا بواحد , سواء في البرلمان حيث الكرسي الواحد , أو في الحقائب الوزارية ". وحاليا هناك ممثل واحد للكلدو أشوريين المسيحيين وهو يونادم كنا , وحقيقة ألامر هو ممثلهم منذ أيام مجلس الحكم الانتقالي والذي أسس في عهد الحاكم المدني بول بريمر (بعد سقوط نظام صدام ) وأستمر كذلك كممثل عنهم في المجلس الوطني برئاسة أياد علاوي وفي الجمعية الوطنية المنتخبة في كانون ثاني 2005 , وهو ألان ممثل عنهم في مجلس النواب والذي يمتد عمله لاربع سنيين . أما بالنسبة للوزارت فقد خصصت لهم حقيبة وزارية واحدة كانت في البادية وزارة النقل , وانتقلت فيما بعد لوزارة الهجرة والمهجرين في حكومة علاوي والتي تولتها باسكال وردا , وهم ألان يشغلون وزارة العلوم والتكنولوجيا .
وأضافت "طبعا هذا لايعني أن ألاوضاع كانت أفضل في عهد صدام , لكنها أزدادت سوءا " كضرب الكنائس وقتل المسيحيات وأختطافهم وتهديد الكفاءات العلمية المسيحية , وقالت للان لم نشهد فتح أي تحقيق جدي في ألاعتداءات التي طالت المسيحيين سواء قبل صدام أم بعده مشيرة الى تعرض اربعة من الحراس الشخصصين لها(مسيحيين ) للاغتيال على يد جماعات مجهولة في ايلول الماضي , وعدم الوصول الى أي نتائج في التحقيق الذي تجريه وزارة الداخلية . وأوضحت وردا ان حال المسيحيين ليس بأفضل حالا في كردستان (شمال العراق ) والتي تخضع لسيطرة ألاحزاب الكردية منذ 1991 , وتقول "في شمال تم قتل مقتل عضو البرلمان الكردي فرنسيس شابو , وهو مسيحي كلدو أشوري , وبالرغم من معرفة قتلته ألا انهم لم يحاسبو بل تلقو ترقية في المناصب التي يعملو فيها هناك, وهو حال جميع من قتلو هناك ".
وأتفق يعقوب(من أهالي قرية كونداكوسا في دهوك ) مع باسكال في رأيها حول أوضاع المسيحيين في شمال العراق , أذ يؤكد وجود تمييز في التطور ألاقتصادي و التنمية وأشغال الوظائف من قبل الاحزاب الكردية المسيطرة هناك وقال "الغير منتمي لاي من الحزبين الكرديين لايحظى بأي وظيفة , حتى لو جايجي –من يعمل الشاي والقهوة –" . وعلى الرغم من أعلان السلطات هناك عن رعايتها للعوائل المسيحيية والقادمة من جنوب العراق وبغداد نتيجة الانفلات الامني , ألان أن يعقوب يعتبر ذلك نوعا من "ذر الرماد بالعيون " وسبيلا "لتكريد المسيحيين الكلدو أشوريين ", ويقول "في زمن صدام كنا يجبروننا على التعريب , وشهدنا تسمية عربي مسيحي , على الرغم من أن لغتهم ألام هي الاشورية (السريانية ) وألان نشهد كردي مسيحي ".
زهيرا سياوش , واحدة من المواطنيين الذين هجرت مع عائلتها بغداد وتوجهت ألى اربيل , قالت لنا "انا وزوجي وابنتي كنا نعيش في منطقة بالقرب من الباب الشرقي –منطقة شعبية – لكننا ولسوء الاوضاع وألانفلات وسيطرة العصابات والتي تشتهر بالسرقة وألاغتصاب وبيع المخدرات , لاحظنا تناقص العوائل التي تعيش في منطقتنا , حتى أصبحنا على عدد ألاصابع , ولكوننا لانمتلك ما يكفينا من مال للهجرة الى الخارج , قررت وزوجي السفر الى اربيل والعيش بالقرب من أهلي ", وتابعت تقول "تدبرت واسطة! وتعينت معلمة وزوجي وجد عملا , حياتنا صعبة لاننا بدأنا هنا من الصفر , كما أحن لبيتي في بغداد , لكني أخاف على نفسي وبناتي , ماذا أفعل ".
ويرى وليم خمو الناشط في حقوق الانسان أن "أعمال العنف بشكل غير المعلن تقسم العراق , حيث يضطر الشيعي والساكن في منطقة سنية للهجرة باتجاه المناطق الشيعية , وكذلك السني , وهو ماينطبق على المسيحي ", ولكونه من نينوى (الموصل ) فيؤكد هجرة أكثر من 140 عائلة من العوائل المسيحية من مركز المدينة (نينوى ) الى قرية الحمدانية في أطراف المحافظة "حيث سهل نينوى ذات الغالبية المسيحية " , ويعزي ذلك الى "أعمال العنف ومن جهات مختلفة , العصابا المنفلتة , والمليشيات الغير خاضعة للقانون والتي تتصرف وكأنها فوق القانون ".
ويؤشر وليم خمو للاسباب التي دفعت المسحيين للهجرة من العراق الى الخارج وقال "هناك عاملان شجعا على ذلك أولهما الخوف من الوضع ألامني المتردي , وثانيا تشجيع ألاقارب الموجودين في خارج العراق على ذلك بدافع الخوف على من يوجد في العراق "لكنه اشار الى عامل أخر معتبرا أياه "أهم وأخطر "بقوله "المسيحيين في العراق يدفعون ثمن مسيحيتهم وربطها بديانة المحتل ألاميركي "وتابع يقول " في الحقيقة لايود أي ربط لكون المحتل لم يأتي من أجل سواد عين المسيحي بل من أجل العمل على أجندته ومصالح ".
وبين وليم حقيقة تعرض العراقيين عموما لاعمال عنف لكنه قال "مشكلة المسيحيين اقسى لكونهم الحلقة ألاضعف , لعدم وجود مليشيات أو عشائر أو مراكز نفوذ تحميهم , حيث بقية المكونات تحمي نفسها من خلال عشائرها أو مليشياتها أو مراكز النفوذ لديها ". مؤكدا على أن "سيادة القانون هو الحل ألامثل لكل مشاكل العراقيين والذي بعدم سيادته وأنتشار الفوضى , حالة أكثر من يتائر بها المسيحيين ".
والمحافظات الجنوبية والبصرة تحديدا كان لها الحصة ألاكبر من تهجير المسيحيين فيها , أذ من 1500 عائلة في بداية سقوط النظام , أصبح ألان فيها 600 عائلة فيها فقط وحسبما يقول رعد البازي من سكنة البصرة , والذي يعزي ذلك الى "التشدد الديني من قبل الاحزاب الدينية ,والفلتان الامني وأنعدام ألامان , وحرق مصالح المسيحيين وتدميرها في البصرة, وقلة فرص العمل ", واضاف "أيام النظام السابق كانت هجرة المسيحيين في العراق كنسبة معادلة لنسبة المسلمين المهاجرين , أي أذا أفترضنا هاجر 2 مليون مسلم العراق أيام صدام , فعدد المسحيين الذين هاجرو وقتها يكون 200 الف مثلا ", ونفى البازي أجبار المسيحييات على التحجب علانية لكنه أشار الى تعرضهم للمضايقات والحرشة في الشوارع لكونهم غير محجبات , ذاكرا موقف له بقوله "كنت اتمشى مع أختي وأبنتها , وأذ بشخص يقترب مني ويقول لي (عفوا أستاذ الم تكن مريم العذراء محجبة ؟ ألا تتحجبون عندما تدخلون الكنيسة ؟ فلماذا ألان لا ؟".
مؤكدا عدم تعرض الكنائس لاي أعتداء منذ ابريل 2003 مضيفا "لكنها فارغة ألان من زوارها ومصليها ".
وحقيقة ألامر ان المسيحيين العراقيين والذين عاشو منذ ألالاف السنيين في العراق والذين يعتبرون من المكونات ألاصلية والقديمة فيه , وهم كباقي مكونات الشعب العراقي تعرضو لما تعرض له بقية العراقيين على مر السنيين وعاشو معهم في السراء والضراء , وما يتعرضون له كانعكاس طبيعي لما يتعرض لع بقية الشعب العراقي , وهم يدركون ذلك لكن هذا لايمنعهم من الهجرة والتطلع للعيش بأمان وسلام حتى وأن كان ذلك في مكان بعيد عن أرض ألاجداد وألاباء .
وشهدت الكنائس المسيحية في العراق لعدة اعتداءات مسلحة منذ ابريل 2003 وأخرها كان في مطلع كانون ثاني 2005 على أثر نشر الرسوم الكاريكاتيرية المسيئة للنبي محمد (ص) , كذلك تعرض العديد من المسيحيين للقتل على أيدي عصابات مسلحة لا لشيء الا لكونهم مسيحيين , وهجرة العديد من ألاطباء المشهورين في العراق والذين غالبيتهم من المسحيين للخارج .