قالها علي: أنا اعرفهم
نظرت إلى حشد كبير من النسوة ضاقت بهن الساحة المقابلة لجامع المظفر، حسبت الحشد في بداية الأمر تظاهرة نسويه.صاحبي ذو القبعة البلشفية كان برفقتي طار من الفرح, معتقدا أنها تظاهرة للمطالبة بحقوق المرأة معتبرا إياها خطوة غير مسبوقة و مؤشر حسن في مجتمع فحولي آخذ بالانهيار, مع أن غالبية العراقيات يمتلكن ثقافة الذكور, حتى إني سمعت جارتي( (أم حسين) تقول لزوجها في إحدى حالات الشغب :-( لا تتحدث مثل النسوان) مع إنها امرأة.
بعد جولة وسط التجمع وحديث دار مع عدد من النسوة علمنا أنها جموع من الأرامل ، يتدافعن لاستلام علبة واحدة من معجون الطماطة ومبلغ خمسة وعشرين ألف دينار من إحدى المؤسسات الخيرية وعلى وجوههن علامات التعب والجزع .
عندها هاجمت العراق، نعم أقول أني هاجمت العراق، وأعلن عن هذا بمرارة وخجل وربما سأواجه من البعض تهمة النقص الحاد في الوطنية.
الوطنية هي الملاذ الأخير للنذل ،هذه حكمة متداولة في الولايات المتحدة ويقصد بها أن السياسي وهو المكلف بتوفير الزاد والأمن والصحة والعدالة...حين يتخلى عن تحقيق هذه الأمور أو أي أمر منها مكلف به ثم يذهب بعد ذلك إلى الحديث عن الوطنية فهذا ما يصفونه بالنذل .
وإذا كان النذل في الولايات المتحدة يلوذ بالوطنية في مسعاه إلى الإيهام والتمويه فانه في العراق يلوذ بالدين في مسعاه إلى التضليل والخداع. فحين يتخلى السياسي عن توفير الكرامة لمئات الآلاف من الأرامل وأضعاف هذا العدد من الأيتام وللـ (الجموع المليونية) من الفقراء ليذهب بنا بعد ذلك بالحديث عن الأمر بالمعروف ويدعونا وهو المعلم ونحن الصغار إلى النهي عن الباطل و الفساد ثم في نهاية المطاف تفضي الأمور إلى تهافت الأرامل في بلد المال و الخيرات للحصول على علبة المعجون و خمسة وعشرين ألف دينار فهذا يعني أن لهذا السياسي نذالة لا تضاهيها نذالة.
في مسعى مشابه للخديعة والاحتيال رفع خصوم علي بن أبي طالب المصاحف على رؤوس الرماح يطالبونه الاحتكام إلى القران،تصور يطلبون من علي أن يحتكم إلى القران.
نظر إليهم الأمير نظرة الواثق وقال لأصحابه:-(هؤلاء أنا اعرفهم ، قد صحبتهم صغارا ثم رجالا فكانوا شر صغار وشر رجال، والله ما رفعوها إلا خديعة ومكيدة،أنها كلمة حق يراد بها باطل.