Skip to main content
Facebook Twitter YouTube Telegram

(قصة حب وشاهد اثبات ) صرخة لانقاذ ما يمكن انقاذه

كثيرة هي الاعمال الدرامية في شهر رمضان 2010 الامر الذي يصعب على المتابع المدمن ان يشاهدها كاملة , لذا نجد في اول اربع او خمسة ايام من بث الاعمال تكون المتابعة عشوائية لاغلب الاعمال من قبل المشاهدين وبعدها يتم الاختيار والتفاضل بينها استنادا للموضعة الجيدة اوالجدية في العمل او لأنية الاحداث المطروحة او لاسباب تقنية بحتة او فنية اخرى .
فالدراما هي فن محاكاة فعل الانسان وعواطفه وافعالة , وفي الغالب تصاغ المحاكاة بثلاثة اساليب يختار القائمون على العمل اسلوبا واحدا منها ليحاكي الانسان وواقعة , واساليب المحاكاة هذه لكافة الافعال نراها اما كما كان الحدث او يكون أو كما يقال او يظن أو كما ينبغي ان يكون , وفي الغالب هي تمثيل للحوادث التي يحتمل وقوعها, وبمعنى متعارف علية ينظر للعمل الفني مهما كان بأنه يحاكي اما الاصل (الشائع ) او الغريب او المستعار !
من هنا نجد أرسطو يدرج الفن بمستوى المعارف الإنتاجية التي تصنع الأشياء ، فالفن بهذا المعنى ينطوي على قيمة صناعية و إنتاجية تبعده عن أن يكون مجرد صدى للجمال الطبيعي .
وعليه يعتقد ونجزم نحن بأن الفن يصنع ما تعجز الطبيعة عن تحقيقه ناهيك عن الوظيفة التطهيرية المتضمنة للعمل التي تتجلى باستبعاد او طرد كل ما لدينا من مشاعر خوف او رأفة او حب او اي مشاعر عنيفة اخرى مصاحبة للعمل الفني .
فالفن يستوعبها في نطاق خيالي غير ضار. ويحول هذا الخيال بكافة انفعالاته الى شعور متفاعل مع الحدث لتحقيق اللذة السامية من الفن والمتمثلة بمتعة جمالية مصدرها الاحساس والشعور لا الجسد.
ولذا يتطلب من الفنان مهمة ابداعية لا تنحصر في نقل الواقع او محاكاته فحسب او إمدادنا بصورة مكررة لما يحدث في الطبيعة وإنما تعديل الطبيعة وتبديل الواقع وتنقيح الحياة .
وكلما كان العمل مجرد نقل او محاكاة للواقع بصورة حرفية يكون العمل جامدا وغير مؤثرا في المتلقي . واكيد مصداقية العمل تنتج من واقعيته و لكن من المؤكد أن العمل الفني الناجح لا يمكن أن يكون هوالواقع بحذافيره وانما استلهام من الواقع بصناعة فنية ابداعية .
أما ماذا يجب ان يحاكي الفن من موضوعات واقعية فقد ذهب أرسطو إلى أن مواضيع الفنون هي”أفعال الناس” أو "الناس و هم في حالة فعل”، والناس إما أن يكونوا فوق المستوى العام أو كما هم عليه في المستوى العام ، أو دون المستوى العام .
من هنا كانت المحاكاة الفنية تتناول إما موضوعا نبيلا وجليلا أو تتناول موضوعا رديئا ومنحطا أو موضوعا هو من النبالة والدونية في موقع وسط .
وفي جميع الأحوال، فعنصري الخلق والإبداع ضروريان بالنسبة لكل فنان . فسواء تناول الفنان موضوعا مثاليا أو واقعيا أو منحطا، فإنه يتناوله من زاوية إبداعية تعبر عن تصورات موجودة في ذهنه وليست خارجه، وهو الأمر الذي يبعد المحاكاة عن معنى التصوير الحرفي للموضوع المحاكى.
فالمحاكاة بهذا المعنى هي من تجعل الاعمال تنتمي أو لا يتنتمي للفن . وهذا واضح في حديث أرسطو عن مهمة ألفنان وتميزها عن مهمة المؤرخ، حيث يقول:” أن مهمة الفنان الحقيقية ليست في رواية الأمور كما وقعت فعلا، بل رواية ما يمكن أن يقع!

من هنا جعل أرسطو الفن في خدمة الحقيقة: فالفنان الجدير بهذا الاسم في نظره يجب عليه أن يستخدم كل طاقته الخلاقة وخياله المبدع في التعبير عن حقائق الأشياء. فالفن شأنه شأن الفلسفة يمكنه أيضا الوصول إلى الحقيقة اعتمادا على التخيل و التمثيل مثلما تصل إليه الفلسفة عن طريق التجريد والتعميم المرتبطين بالعقل.
إن ما يمكن استنتاجه أخيرا هو أن المحاكاة في نظر أرسطو ليست مجرد نسخ آلي أو تقليد حرفي و إنما هي رؤية إبداعية يستطيع الفنان من خلالها أن يخلق عملا جديدا من مادة الحياة والواقع طبقا لما كان أو لما هو كائن أو لما يمكن أن يكون أو كما كان يعتقد أنه كان كذلك. و بهذا تكون دلالة المحاكاة ليست إلا إعادة خلق.
وهكذا، فالفن الحقيقي هو تعبير خلاق و مبدع عن الحقيقة التي لا تتعدى نطاق الممكن، بخلاف الفن المزيف الذي يقدم حقائق مغلوطة تبعده عن مجال الممكن عقليا أي عن الحقيقة.
ولذا ما نشاهده اليوم من الكم الهائل من الاعمال الفنية ليست كلها تندرج في حقل الابداع والتنوير فكثيرة هي الاعمال التي ينفر من المشاهد من اول مشهد او حلقة وذلك لاسباب كثيرة ومتنوعة واولها بعدها او قربها من الواقع او انها لا تتمسك بهدف واسلوب الفن المتعارف عليه .
الحقيقة في وقتنا هذا ينجذب اغلب المشاهدين للاحداث والافعال التى تكون قريبة منهم بموضوعاتها و كيفية معالجاتها او ما يتوقون اليه فى تغير مستقبلهم نحو الافضل وبما ان العمل التلفازي يعتمد على الواقع والواقعية اكثر منه على الخيال والتقنية العالية كما في السينما نرى ان الكلمة والتعبير الصادق والراقي هو ما يشد المتفرج لهذه الاعمال التلفازية .
وعلية سأقف عند عمليين من الاعمال الفنية التى عرضت في شهر رمضان لمناقشة الرسائل الاعلامية المتضمنة لهذين العملين لانها رسائل جديرة بالمتابعة والمناقشة وتعد من المواضيع التي لابد من الالتفات اليها فهي فعلا تهم المواطن العربي اينما كان , وسأترك الجانب الفني لأهله وهم الاجدر به .
اول هذه الاعمال هو قصة حب للمخرجة إيمان الحداد .
تدور أحداث «قصة حب» حول علاقة عاطفية تجمع ناظر مدرسة يدعى ياسين (جمال سليمان) بوالدة أحد التلاميذ تدعى رحمة (بسمة)،و تسلط القصة الضوء على حياة الناظر الذى لم يتزوّج بسبب رعايته شقيقاته، فيما فقدت والدة التلميذ زوجها وهى فى سن الشباب.
من خلال هذا الواقع طرح الكاتب حقائق لابد من الانتباه اليها الا وهي مفاهيم التربية , التفاهم و التواصل بين الاجيال , الحب , دخول الانترنيت عالمنا , الشعور بالمسؤولية , العلاقات الاسرية , الانتهازية, التصيد بالماء العكر علاوة على التطرف من جانبي الدولة والجماعات الارهابية والعائلة , وهذه المشاكل نراها كلها حاضرة في وطننا العربي ومحاصرة لكل فرد فيه .
أذن نحن اليوم نعاني وبشكل فاضح وصارخ من سوء تربية الاجيال بعد الانفتاح التكنالوجي والتطرف الاسلامي والحصار الامنى باسم الدولة والحكومة والعائلة ناهيك عن تفشي المخدرات وتسيد الماديات في حياتنا الامر الذي سيقضى على كل ما هو جميل وصادق في حياتنا اذ لم ننتبة اليه فى زمن قل فية الاشخاص امثال ياسين بطل المسلسل .هذا اولا
ثانيا شيوع الانتهازية والتصيد بالماء العكر والانانية الفردية والمصلحة الخاصة التي حرمت افراد المجتمع من الامن والاستقرار والتمتع بالحريات الشخصية ونفس هذه السلبيات وقفت بالضد من التزاوج الحضاري والاستفادة من خبرة الاجيال فنراها تعمل المستحيل في سبيل ان تحقق اهدافها وضرب الصالح العام عرض الحائط .
ثالثا دخل اليوم في حياتنا مكون لايمكن الاستغناء عنه الا وهو الانترنيت وعالمه وجهلنا في كيفية التعامل معه واستثمار محتوياته نحو الاحسن فنراه استغل اسوء استغلالا . اما الحب ومفهومة فهو لا زال ومنذ الازل المرغوب المحارب الممنوع والمتداول ناهيك عن التطرف بكل اشكاله والوانه وبأسم الحب نفسه ,اما مفهوم العنوسة فهو من اسوء المفاهيم تداولا, ويله الفهم الخاطئ للفن ورسالته السامية ناهيك عن صعوبة العيش وقلة سبل الكسب الشريف في زمن كثرة فيه متطلبات الحياة .
كل هذه السلبيات تواجهنا كما واجهت بطل مسلسلنا ياسين , فالعمل وقف عندها وطرحها بأسلوب جذب من خلاله اغلب المشاهدين واكثرهم في الوطن العربي , ولكن هل هذا العمل الفني هو كفيل بحل كل هذه المشاكل واشكالياتها ؟ طبعا لا!
فنحن بأمس الحاجه الى منظومة متكاملة من البحث العلمي الرصين لرصد هذه الظواهر ووضع الحلول الممكنة لها وبأسرع مايمكن , وهذا يقع طبعا على عاتق الحكومات ومثقفيها ومشكوره المخرجة والمؤلف والكادر الفني على هذا العمل الراصد والرصين ونشيد بأداء الفنان جمال سليمان المقنع المبدع وكل الكادر الفني الذي اغنوا العمل ابداعا وتألقا برصدهم لنا هذه الظواهر .
اما العمل الثاني الذي لا يقل اهمية عن الاول هو شاهد اثبات.
"شاهدة إثبات"، بطولة جومانا مراد و القدير توفيق رشوان وطارق لطفي ونضال الشافعي وميسرة ويوسف فوزي، المسلسل من تأليف فداء الشندويلي، وإخراج محمد الرشيدي، وتجسد فيه جومانا مراد شخصية محامية تقوم بالدفاع عن المظلومين في إطار بوليسي شيق.
اهم ما أثاره المسلسل كصرخة انذار هو دور الاعلام ومكانتة في المجتمع لكونه السلطة الرابعة المحتضنة من قبل الشعب والملتف حولها.
فالمعرف أن السلطة الرابعة نصيرة للمظلومين والفقراء وضد الظلم والطغيان . لكن احداث المسلسل عكست لنا الوجه الاخر لهذه السلطة وكيفة استغلالها من قبل صحفي يدعيّ انه ناصرا لحقوق المظلومين. فكشفت لنا الاحداث بشاعة هذا الصحفي واستغلاله للاخرين ودفعهم للسقوط مستغلا نقاط ضعفهم و حاجتهم الماسة للمال وتطلعاتهم للشهرة السريعة و الانتشار بالرغم من حب الناس له ونجاح برنامجه . هذا من جانب ومن جانب اخر كشفت لنا الاحداث ايضا الفساد والزيف والانتهازية التى تنخر بالمجتمع وبكل قطاعاته . فجاءت الاحداث حقا صرخة مدوية منذرة بالخطر القادم من السلطة الرابعة او بأسم السلطة الرابعة ان لم تعالج هذه الظواهر المحيطة بها .
اذن من خلال هذا الوقع المطروح لا نستبعد اطلاقا سقوط السلطة الرابعة وترديها وانجرارها نحو الحضيض ومن تم تجريدها من رسالتها السامية والمتمثلة بكونها صوت الحرية والحق الذي لا يعلى علية .ففي اي مجتمع تسقطت فيه الرموز ويستلم فيه زمام الامور من هم لا يحترمون الثوابت ولا توجد عندهم خطوط حمراء للقيم الانسانية بغض النظر عن الايمان او الالحاد ستكون النهاية كارثية حتما . فمستقبل السلطة الرابعة كما هي بقية القيم والاخلاق السامية والمنظمات المدافعة عن حقوق الناس ستسقط كما سقطت الكثير من الثوابت والاخلاقيات في عصر مغرق بلماديات , فالمجتمع الذي يكون شعاره وميزانه وقيمه المادة بغض النظر عن الوسيلة سيكون مجتمعا منخورا هاويا سقوطه حتمي .
اذن نحن امام واقع مريرا سنرى فيه اسود الايام لتجريد وتفريغ القيم الانسانية الثابته من مفاهيمها اذ لم نتداركة وبجدية متناهية فويلا لنا لو اختلط الحابل بالنابل والمزيف بالحقيقي والاصل بالمستنسخ وضياع الحقائق بأكملها .
وعلية كان العمل جديرا بالمشاهدة والوقوف عنده لانه يحمل بين طياته دعوة صريحة لكل المثقفقن والاعلاميين من رجال ونساء على حد سواء لمراقبة هذا الصرح الاعلامي و هذه السلطة بالتصدي لكل المشبوهين والمدعيين والمتسللين لهذا الحقل الجليل وفرزهم ومحاربتهم وابعادهم عنه لحماية سلطتنا الرابعة من كيدهم وبطشهم وتشويههم للحقائق والا سنكون اسوء امة اخرجت للناس ولا تقام لنا قائمة . واخيرا نشيد بتألق الفنانه جمانة وكادر العمل وعلى رأسهم مخرج العمل .
ثم هناك ملاحظة لابد من الاشارة اليها هي ان قصة حب وشاهد اثبات من الاعمال المشتركة لاكثر من فنان عربي وهذا يعني ان الفن حقق ما فشلت السياسة فيه بجمع العرب وهي مناجات مفتوحة لكافة المخرجين والمنتجين لاستثمار و جمع الابداع العربي في اعمالهم لانها تجربة ناحجة وموفقة ورحب بها الشارع العربي .

أ.د.أقبال المؤمن



Opinions