Skip to main content
Facebook Twitter YouTube Telegram

قصة قصيرة (تداعيات إلى أمي)

لأول مرة رايتها بعد غياب طويل ,لعلها تبدلت طباعها ولم يكن ذلك فجأة بل نتج عن معاناتها من مرض أذاقها المرارة وأرقدها الفراش وأبقاها لساعات النهار لا تفارق كرسيها الذي لم انتبه لصنعه من الحديد أو الخشب ,البؤس الذي شعرته من ملامحها افهمني بان النعيم والخير قد ولى ,وما علي أن أرضى بأمر الواقع مصيرا نفسي على ما أراه,لما اقتربت منها وإذا بأعصابها تثور وبلسانها البطيء بالنطق صاحت قائلة
_انك قاطع الصلات وناكر الماضي ..؟
صراخها بدا يعلوا ولم يفسح المجال لي بالرد مدافعا عن نفسي ,لذا احمر وجهي وأصبت بالذهول ولا اعرف ما افعله أمام المأساة التي طوقتني من كل جانب ,كنت أوافق حتى ولو امتنعت عن رؤيتي أتقبل الأمر برحابة صدر فان عملها سيكون اقل تأثيرا على روحي التي بقت تفتش عن سبيل للهروب من موقف كهذا ,أني صامت ولفني السكوت وقد خيمت الدهشة على وجهي ,كلامها أثار شجوني وأغرقني في متاهة لا حدود لها,فيما مضى كانت هذه المرأة الصامدة والمكافحة والتي قبضت بيديها كالحديد وحافظت على بيتها بعد وفاة زوجها رحمه الله ,رغم ما موجود بين جدران بيتها من أمزجة وأراء مختلفة ألا أنها ظلت مسيطرة على مجريات الحياة التي واجهتها بكل قوة وحزم واقتدار ,أنها والدة محمد راضي كشاش صديق طفولتي ,زمن غريب وعجيب ومجهول ولا احد يعرف ما مصيره بعد لحظات ,نظرة خاطفة لوجهها المتعصب أخافني وأصبت بشيء يتحرك بداخلي ,أريد البكاء ..أريد الصراخ ..لا اعرف ما أريده بالتحديد لذا تمسكت بحافظة أوراقي التي كادت تسقط من يدي المرتجفة ,الذي اشعر به خففه عني ولدها حينما قال
_يا أمي مشاغل الدنيا ...وصعوباتها تشغل البال وتبعد الواحد عن الأخر ..
امتدت يدها واحتضنتني وقبلت راسي وقالت
_لماذا كل هذا الابتعاد ..لقد نسيت الماضي الجميل ..
حاولت كلمة تفلت من لساني,وعلى عيني دموعا تحولت إلى الشعور بالأسى والألم بعدما تجرعت السم وأنا أرى تلك الإنسانة المجاهدة بهذه الصورة ,رفعت راسي إلى السماء بعدما تراجعت إلى الوراء
_يا رب اغفر لي وأعطها الصحة والسلامة والعافية ...
أطلقت زفيري الطويل في الفضاء ,وعيني تغرق في دموع محبوسة فيها ,فلقد تذكرت صورة أمي التي ودعتني قبل سنين عديدة,وظلت بسمتها مرسومة على وجهها المتعب وتريد أن تقول شيئا ما ,أنها ستبقى بمثابة أمي الغالية .........

هادي عباس حسين
Opinions