Skip to main content
Facebook Twitter YouTube Telegram

قمّة سِرْت.. مُكاشفة صَريحة

دعونا نتساءل بوضوح، بعد أن اختتمت القمة العربية في مدينة سرت الليبية، وهي القمة 22 من متواليات القمم العربية: ما الذي أتت به هذه القمة؟ ما الجديد الذي دعت إليه، أو قامت بتبنيه في مثل هذه المرحلة الصعبة؟ وهل استجابت للتحديات الأساسية التي يشعر بها الآن حتى أطفالنا العرب، وعلى هذه الرقعة المهمة من العالم؟ وإذا كان الملوك والرؤساء العرب يدركون تماماً أن الناس قد مّلت من اجتماعات قممهم، وأن الشعوب لم تعد تتابع باهتمام منقطع النظير ما ستسفر عنه مقررات قمم زعمائهم.. فما فائدة هذه الاجتماعات إذاً؟ إذا لم يكن بمقدوركم أن تجتمعوا على مبدأ واحد وتخرجوا بمبادرة واحدة تترجم ما يريده الناس في كل مكان من بلدانكم.. فما نفع تبادل الكلمات وإذاعتها على الناس؟ وحتى إن قررتم أن تأخذوا «مبادرات»، كالتي سبق وأن اتخذتموها في ما سبق من قمم، وما مضى من اجتماعات.. فما نفع تلك «المبادرات» إن لم تجد طريقها نحو التفعيل والحياة، وجعلها حقائق على أرض الواقع؟

لم تخرج اجتماعاتكم في سرت عن مواصفات اجتماعاتكم الأخرى التي سبق أن طّبل وزّمر لها منذ نصف قرن.. وهل نجحت قمة واحدة في القضاء على انقساماتكم وتشظياتكم؟ أم أنها كانت تزيد من غلو طرف على حساب أطراف أخرى؟ وهل نجحتم بما كنتم تخرجون به من مبادرات، وأنتم تعلنون على الملأ خططكم في الإصلاح والمشروعات المشتركة؟

وهل تحقق شيء واحد من كل ما أذيع على الناس منذ خمسين سنة حتى هذه اللحظة؟ هل نجحت القمم العربية في حل أزمة واحدة من أزمات سياسية وأمنية؟ أو في حل مشكلة واحدة من مشكلات اقتصادية واجتماعية كانت ولم تزل تعصف ببلداننا العربية؟ أما الجامعة العربية، فكانت ولم تزل منظمة تشريفات لزعماء الأمة، وليست كما أريد لها أن تكون قبل أكثر من ستين عاماً! إذا كنتم تريدون دعم الفلسطينيين بنصف مليار دولار، فالأمر لا يحتاج إلى عقد قمة في سرت، وأنتم لا تعرفون أي طريق تسلكون وأنتم منقسمون: طريق المقاومة أم طريق السلام.. ولكل طريق شروطه، فأي منهما أنتم إليه ماضون؟ أم أن القمة ستظهركم بمظهر المتوافقين حول القضية الفلسطينية وصمود القدس؟ وإذا كنتم قد ظهرتم كذلك، فماذا أنتم بفاعلين؟ هل اتفقتم على استراتيجية عربية موحدّة إزاء ذلك؟

قمة سرت أجدها قد نجحت في موضوع واحد، وهو أن الزعماء قد تبادلوا لأول مرة نقداً للذات، وأن بعضهم اعترف بحقيقة الضعف الذي يحيق بعالمنا العربي، وأنه لا فائدة ترجى من قمم فاشلة.. وأخيراً، اعترف زعماء عرب بما كان قد قيل قبل أكثر من عشر سنوات! ولكن كنت أتمنى أن تقدّم علاجات، وتناقش أفكار، ويبحث عن حلول.. بدل الاكتفاء بالتلميحات إزاء العجز والوهن الذي يفتّ في كياناتنا الوطنية.. كنت أتمنى على زعمائنا أن يقولوا كلمة واحدة في ما يمكن عمله لإصلاح النظام الرسمي العربي، وكيفية مجابهة التحديات، وهم يعرفون جيداً أن الشعوب قد أنهكتها الانقسامات السياسية، والأوضاع الاقتصادية المزرية، والهجمات الإيديولوجية، والتشرذمات الطائفية..

وأن أطفالنا العرب يعانون كثيراً من أوضاع غير مسبوقة.. وأن العراق ينبغي أن يشق طريقه من أجل نيل حريته ومساعدته في خلاص أهله من المحنة.. وعدم التدخل السافر وغير السافر في شؤونه الداخلية.. إن العمل العربي الذي يسمونه ب«المشترك»، لا وجود لشراكته اليوم بعد أن دخل مرحلة العجز، إذ كان قد مرّ طويلاً بمرحلة التمحور.. والخوف كل الخوف أن يضيع ويتشتت نتيجة ازدياد التدخلات الدولية والإقليمية السافرة في كل شؤون العرب، نظراً لضعف المنظومة العربية من كل النواحي.. إن الاعتراف بالفشل خير من البقاء في دوامة الأوهام، وإن الشعوب إن سكتت اليوم نتيجة الضيم الذي يحيق بها، فهي سوف لن تسكت دوماً.. وإذا كانت هذه القمة قد لحقت بالقمم الفاشلة التي سبقتها، فهو أمر طبيعي يترجم عجز المنظومة الرسمية العربية، وضعف مؤسسية جامعة الدول العربية، عن تحقيق الحدود الدنيا من أي تقدم، وما ضاع من فرص، وما حاق بحلولها من فشل ذريع!

كم أتمنى في المرات القادمة ألا يتقدم المؤتمرون العرب بدعوة ضيوف وشخصيات إقليمية ودولية، لحضور جلسات قممهم التي تبعث على الملل والخمول، وتمنح الضيوف فرصة أخذ قيلولة من النوم المريح، بدل الاستماع إلى فصول كوميدية غير مسلية باللغة العربية! إن على الزعماء العرب الخروج من أساليب الشجب والإدانة الرنانة إلى مشروعات العقل، وتفعيل المبادرات، والتخفيف من الملاسنات والتوّقف عن تبادل الاهانات.. عليهم أن يدركوا أن السياسات في العالم كله تتغير وتتبدل.. عليهم أن يصنعوا لهم أجندة موحدة إزاء التدخلات الإقليمية من دول معينة تريد تسويق بضاعتها على الأرض العربية.. عليهم ألا يعزلوا أية مشكلة عن المشكلات المزمنة الأخرى، فكل واحدة لها علاقة بالأخرى.. عليهم أن يدركوا متغيرات السياسة الأميركية، وأن يبدّلوا أدوارهم من زمن إلى آخر.. عليهم أن يتصالحوا مع ذواتهم، قبل أن يعرضوا على الآخرين مصالحاتهم ومنازعاتهم.. إن التغير لم يحدث حتى هذه اللحظة في دواخل المنظومة العربية، ما دمنا نتبع تقاليد القبائل، ولا نتبع مناهج الحكماء!

نشرت في البيان الاماراتية ، 7 ابريل 2010 ، ويعاد نشرها على موقع الدكتور سيار الجميل

www.sayyaraljamil.com
Opinions