كُتـّاب بين ثقافة الحوار و بوصلة الدولار
في حدث غير مسبوق ، وغير متوقع في بلد أو إقليم تتواصل فيه الجهود على ترسيخ مباديء الديمقراطية و حقوق الإنسان ، أن نرى نخبة تدعي الثقافة و الوعي ، والتي من المفروض ان تكون هي الداعم الاول و السند القوي و المدافع الحقيقي عن الديمقراطية و مباديء حقوق الإنسان التي كان شعبنا محروماً منها ، ان نجد هذه النخبة تحث المؤسسات الحكومية على تهميش و الغاء الآخر الذي يقدم خدماته المتواضعة في نفس الحقل ، لكن قد لا يوافقها الرأي أو النظرة المستقبلية لبعض الأمور ، و تدعو على فرض الحصار عليه و احتوائه ! .فبتاريخ 24/ 9/ 2009 إطلعت في موقع عنكاوا. كوم على رسالة غريبة و عجيبة موجهة الى السيد فلك الدين كاكايي وزير الثقافة في إقليم كردستان و موقعة من قبل 41 كاتباً ، مطالبين فيها حجب الدعم المالي الى الاتحادات الاخرى كإتحاد الادباء السريان و الإتحاد العالمي للكتاب و الأدباء الكلدان و غيرهما ما لم تنظم هذه الاتحادات الى اتحادهم الذي يحمل التسمية السياسية المركبة الحديثة (الكلداني السرياني الآشوري). و ستجدون نص الرسالة منشورة على الرابط ادناه:
http://www.ankawa.com/forum/index.php/topic,349755.0.html
طبعاً الرسالة قد وجهت الى معالي االسيد الوزير دون علم او اتصال مسبق مع الاتحادات الاخرى.
و لو القينا نظرة فاحصة لمحتوى الرسالة و توقيتها ومن ثم معارضتها لمبادي حقوق الإنسان و الديمقراطية و الحريات العامة ، و التي بالتأكيد سيكون السيد الوزيرعلى علم و دراية كافية بها ، ارتأينا أن نعطي رأينا المتواضع بخصوص نص الرسالة من خلال النقاط المبينة أدناه:
1- إن الرسالة تعارض و تناقض مباديء حقوق الأشخاص المنتمين إلى أقليات قومية أو إثنية أو دينية أو ولغوية ، و الذي اعتمد ونشر بموجب قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة 47/135 المؤرخ في 18 كانون الأول/ديسمبر 1992. و الذي اقتبسنا منه الفقرتان 4 و 5 ادناه:
(( 4. يكون للأشخاص المنتمين إلى أقليات الحق في إنشاء الرابطات الخاصة بهم والحفاظ علي استمرارها.
5. للأشخاص المنتمين إلى أقليات الحق في أن يقيموا ويحافظوا على استمرار اتصالات حرة وسلمية مع سائر أفراد جماعتهم ومع الأشخاص المنتمين إلى أقليات أخرى، وكذلك اتصالات عبر الحدود مع مواطني الدول الأخرى الذين تربطهم بهم صلات قومية أو إثنية وصلات دينية أو لغوية، دون أي تمييز.)).
2- إن الدول المتقدمة و التي تتميز بأنظمة حكم ديمقراطية و احترام لحقوق المواطن ، تعطي الحق لأية مجموعة من أن تؤسس جمعية أو نادي أو اتحاد حتى لو كانت طبيعة و عمل هذه المؤسسة مطابقة لغيرها في كل شيء بشرط ان لا تحمل نفس تسميتها ، و بذلك تستمر المناقسة الشريفة و النزيهة بين تلك المؤسسات من خلال فعالياتها و نشاطاتها والتي تنصب كلها في خدمة الفرد و المجتمع.
3- إذا كان الهدف من تلك الرسالة هو توحيد جهود الكتاب و الأدباء من الكلدان و السريان و الآشوريين كما يدعون ، وهذا بعيد عن هدفهم الحقيقي الغير المعلن ، فلماذا لم تفاتح هذه الجهة بطريقة حضارية بقية الإتحادات و تتفق على صيغة للتوحيد ؟ .
ثم اذا كان اعضاء هذا الاتحاد يناشدون السيد الوزير لمؤازرة ما يدعونه بحهود التوحيد ، فلماذا لم يؤازر هؤلاء بانفسهم تلك الجهود و يختصروا الطريق و ينظّموا هم و اتحادهم الى الإتحاد الذي سبقهم في التأسيس لسنوات؟.
4- في إقليم كردستان نجد المئات من مؤسسات المجتمع المدني المختلفة من جمعيات و أندية و اتحادات و غيرها ، منها ما تأسس قبل عشرات السنين ، و الكثير منها متشابهة من حيث الهيكل الإداري و المباديء و لها نفس الأهداف ، و القائمون عليها من نفس القومية و الدين ، فهل يعني ان تقوم مؤسسة حكومية (كالوزارة مثلاً) بدعم مؤسسة و تهميش أخرى بطلب من جهة معينة او لأجل سواد عيون أصحابها ؟ . و ان حصل ذلك ، أليس فيه تجاوزاً على الحريات و حقوق المواطن و المجموعات؟ . و أليس في ذلك قضاءاً على روح المنافسة الشربفة والحضارية التي هي احدى الركائز الأساسية لتطوير المجتمع و تقدمه.
5- كان المفروض بالسادة الموقعين على رسالة اتحاد الكتاب و الادباء (الكلدان السريان الآشوريين) ان يطالبوا وزارة الثقافة أو اية جهة أخرى من اجل تقديم المساعدات المالية لهم و لاتحادهم (وهذا حقهم الطبيعي) دون التعرض الى بقية المؤسسات ، اما المطالبة بدمج المؤسسات من أجل الاستحواذ على الميزانية المالية للآخرين وما يتلقونه من مساعدات ، فهذا الفعل لا يصنف ضمن الجهود الداعية الى الوحدة ، وانما هو النفاق بعينه.
و ليس مستبعداً بأن تكون تلك الرسالة قد أعدّت في احد المطابخ السياسية لتأجيج الصراع القومي بين المكونات الثلاثة الكلدان و السريان و الآشوريين خدمة لجهات معينة أو من أجل الحصول على مكتسبات شخصية.
ولم ننسى ما حدث بالأمس القريب، حيث القرار السياسي القسري بإلغاء التسمية القومية الكلدانية من دستور الإقليم بالرغم من معارضة كل الأحزاب و المؤسسات الكلدانية على هذا القرار الجائر ، لكن مع هذا فإن عملية الغاء القوميات ، وفي عصر الحريات و الديمقراطية و حقوق الإنسان ، لم يستطع احد من تمريرها على الكتاب و المثقفين و الأدباء ، فبقوا و ما زالوا السد المنيع لمثل تلك المؤامرات ، فما كان من البعض الاّ محاولتهم في خفت الصوت الحر لهؤلاء الكتاب ، فكانت هذه الرسالة التي يعيدنا مضمونها كأننا نعيش زمن الطاغية من جديد.
و بالنظر على قائمة الأسماء الموقعة على هذه الرسالة ، فإن مثل هذه الأفعال و التوجهات الإقصائية المستمدة من أفكار بعض التيارات السياسية الشوفينية و الشمولية لم تكن بجديدة على بعض السادة الموقعين ، و إنما قد مارسها هذا البعض و غذاها بكل امكانياته تنفيذاً لأوامر تلك الجهات التي ينتمي اليها مقابل مناصب لم يكونوا يحلمون بها يوماً و التي يجنون من ورائها اموالاً طائلة.
لكن الغريب في الأمر ان نجد مع هؤلاء اسماء بعض الشخصيات الكلدانية التي لها باع طويل و جهود طيبة في دعم مسيرة الكلدان في إثبات وجودهم القومي و السياسي و الثقافي على الساحة العراقية. فيا ترى هل حقاُ انهم موافقون على كل ما جاء في نص الرسالة؟.
و لنرى أيضاً ماذا سيكون رد مكتب السيد الوزير عليها؟.
و أخيراً نقول ، من المفروض أن يؤمن المثقف و الكاتب و الأديب بالحوار و قبول الرأي الآخر و دعم الآراء بالحجج الدامغة و المنطقية و المعقولة ، و أن لا توجهه بوصلة الدولار للقفز فوق آراء الآخرين و تجاهل سيرة و حقوق العشرات أو المئات من الكتاب و الأدباء و المثقفين من ابناء شعبنا من الكلدان و السريان.
سعد توما عليبك
saad_touma@hotmail.com