Skip to main content
Facebook Twitter YouTube Telegram

كردسـتان الحبيبة .. كيف نبني ؟

أجل .. كردستان العزيزة كيف نبني ؟ هذا ما يجب ان نعمل من أجله . في البدء أرجو أن يعرف القارئ الكريم إنني لست كردياً ولا عربياً مع حبي واعتزازي للعرب والأكراد .
إنما قوميتي كلدانيـــة ، وهويتي الوطنية عراقية ، وهي الوطن العراقي بكل امتداداته الزمنية والمكانية ، بجباله وسهوله ووديانه ، بأهواره وأنهاره ، بأشجاره من النخيل والبلوط والبرتقال والرمان .. ، بمدنه وقراه ، وطني الحبيب يمتد من البصرة الى السليمانية ومن الرمادي الى خانقين الى دهوك الى العمارة الى بارزان الى القوش الى النجف الى باعذري الى فلوجة وكربلاء وأربيل وكركوك والى بغداد بكرخها ورصافتها بكل حي في هذه المدينة العريقة .
نعم إنه وطني العزيز ، كل ذرة من ترابه المقدس مطبوعة في عقلي وقلبي . وأمنيتي ان ينهض هذا الوطن ويشفى من جروحه ، ويعيد وجهه الزاهر ، يوم كان مهد العلوم والفنون والطب والهندسة والفلك والفلسفة والأدب والحضارات ، أجل على تراب بلاد ما بين النهرين بزغت الحضارات الأنسانية السومرية ، الأكدية ، البابلية ، الآشورية ، الكلدانيــة ، العربية ، نعم بحق إنه بلد التقدم والحضارات .
في أجزاء مهمة من وطني ومنها بغداد الحبيبة ، يختفي القانون ، وتسود شريعة الغاب ، ويطلق عنان العنف بكل صوره وأشكاله ، ويأتي على الأقليات الدينية وهي الحلقات الضعيفة في المجتمع فيصيب منهم مقتلا .
تضيق السبل أمامهم وتوصد الأبواب بوجوههم ، ولكن في منطقة جميلة من الوطن العراقي تشمخ " كردستان " فتفتح امامهم السبل وتشرع أمامهم الأبواب ويستقبلون بما يليق بمكانة الأنسان العراقي الأصيل وهو على ترابه وأرضه ، نعم هذه كردستان التي نتوقى الى بنائها ورفع شأنها ومقامها بين الأمم .
البناء المادي لا يكون كاملاً إذا لم يقترن ببناء روحي ، وما أرمي اليه هو : ان كردستان لا يكتمل بنائها ببناء العمارات والجسور والمعامل ، نعم إن هذه ضرورية لكن قبل ذلك ينبغي بناء الأنسان الكردي .
في أرض العراق شيدت المعامل والجسور والبنايات والكنائس والجوامع والمدارس والمستشفيات ... ولكنها تدمر في رابعة النهار ، إن ذلك يحصل لأن الأنسان العراقي غُسل دماغه عبر سنوات الدكتاتوية ، وها هو اليوم يغسل دماغه ثانية بالأفكار الطائفية والعنصرية الدينية ، ليكون العراقي متهيئاً لهدم كل بناء ونسف كل الجسور ، وتمزيق نسيج المجتمع العراقي .
في كردستان ثمة مساحة واسعة مفتوحة للتعليم والثقافة والعلوم والبناء والتقدم ... ولهذا يمكن أن يتوفر وقت لمسؤول أن يقرأ عما يكتبه الكتّاب من أجل تطوير كردستان الجميلة .
وياتي العلم والمعرفة وتوعية الناس وتثقيفهم في مقدمة أسباب التقدم .
يقول المرحوم ملا مصطفى البارزاني :
أطلبوا العلم وامتلكوا ناصية المعرفة ، وابذلوا ما لديكم من جهود كي تحرروا شعبكم من الأمية .
أمامنا على الخارطة نماذج حية للنجاح والتقدم الذي أحرزته بعض الدول ، بعد ان خرجت من ركام الحروب وتحررت من اوهام الماضي وقيوده ، إن تجربة اليابان وألمانيا ماثلة أمامنا ، وهي تعطي نموذجاً ومثالاً لكل الشعوب والأمم التي تتطلع نحو المستقبل الزاهر .
وفي التقدم الهائل في الصين والهند وجنوب شرقي آسيا مثالاً حياً لأرادة هذه الشعوب ، في سنغافورة أوجز رئيس وزرائها السابق " لي كوان يو " سر تقدم هذا البلد الآسيوي ، وبوجيز العبارة يقول :
كان سبيلنا الى حل مشاكل سنغافورة جودة التعليم وزرع القيم التي تمجد العمل وتحارب الفساد .
على حكومة أقليم كردستان ان تضع نصب أعينها تطبيق مشروع ثقافي حضاري في تربية الأجيال ، ولكي يكون لها قاعدة من الشباب يمارسون بشكل رئيسي التكنولوجيا الحديثة من اجهزة الكومبيوتر والأنترنيت ، والصناعة والتجارة ، إنها طريقة لتطوير كردستان ، وبغية ان تحتل مكانة سنغافورة المنطقة في دنيا المال والتكنولوجيا والتقدم والبناء .
إن التضحيات الجسيمة التي قدمها الشعب الكردي طيلة عقود يستحق ان يقطف ثمار كفاحه المرير ، وأن يقف في الطابور من أجل أن يحجز له موطئ قدم بين الشعوب والأمم المتقدمة .
إن من يرغب أن يتبوأ مكانة سامية بين الأمم ، عليه الألتزام بحقوق الأنسان وحقوق الأقليات والأبتعاد عن الأرهاب ، ومن جانب آخر عليه التمسك بناصية العلم والبناء . إن تفعيل غالبية المجتمع الكردي في عملية العلم والثقافة والأنتاج ، وذلك بالتدريب على التكنولوجيا الحديثة ، وتعليم اللغات الأوروبية وفي مقدمتها اللغة الأنكليزية . إن هؤلاء المتخرجين في شتى صنوف العلوم والمعرفة يشكلون الدعامة الأساسية في بناء مجتمع راقي متطور .
في البدء يكون الأهتمام بالطفل بتعليمه وتربيته على حب الناس وحب الوطن ، وتدريسه الأديان ـ وليس الدين ـ لكي يعلم هناك ادريان تدعو الى التسامح والمحبة ، والتعلم في الصغر كالنقش على الحجر ، وهذه المقولة اثبتها العلم الحديث وأثبته كبار علماء النفس وفي مقدمتهم سيجموند فرويد ، إن ما تغرسه كردستان اليوم ستجنيه مستقبلاً ، فإن أغفلت الطفل اليوم فإنك تغفل المستقبل .
ينبغي ان يكون أولى اهتمامات الحكومة الكردية التربية والتعليم ونوعية المناهج ، وهي الأساس في تقدم الأقليم في معارج العلم ، ويزداد احترام الأمم والشعوب لكردستان والشعب الكردي حينما يكون مركزاً لتخرج رعيل بعد آخر من العلماء والحكماء والفنانين والأطباء والمهندسين والمدرسين والمترجمين والأعلاميين وهلم جراً ، وستكون هذه المنقطة لا سمح الله محل اشمئزاز واستنكار ونرفزة حينما يتخرج منها الأرهابيين والقتلة والمجرمين ، وكما هي حال العراق اليوم فقد أصبح مفقس ومعمل لتصدير شتى صنوف القتلة واللصوص وعصابات الخطف ومحترفي الجريمة باشكالها . وأصبح العراق في الموقع الأول في العالم يسوده الفساد الحكومي والمالي .
إن حكومة اقليم كردستان من حقها ان تطلق الحريات المنضبطة بما يناسب ضبط الأمن وأحلال الأستقرار في ربوعها ،وهي نموذجاً متطوراً لأحترام حقوق الأقليات ، فهي تثبت أن الحقوق القومية الكردية لا تمر عبر الدوس بالأقدام على الطوائف والأقوام الأخرى .
إن طريق البناء والتقدم والتطور مفتوح امام كردستان ، وهذا الطريق يحمل في طياته المرآة التي ينظر اليها المجتمع الدولي ، فالأمم والشعوب تفرض هيبتها واحترامها على الآخرين بقوة أقتصادها وتقدم علومها وتطوير صناعتها واشتهار علمائها ومفكريها . هذا هو السبيل الذي سلكته اليابان وألمانيا بعد الهزيمة في الحرب . إن كردستان شهدت حروب كثيرة وعليها ان تستفيد من دروس هاتين الدولتين .
لتكن مسيرة كردستان الحبيبة في المنطقة ، الفنار الذي تلوذ به السفن وهي تمخر عباب البحر الهائج ، إنها دعوة مخلصة من القلب لهذا الجزء من الوطن العراقي : كردســــــتان .
حبيب تومي / اوسلو
habeebtomi@yahoo.com Opinions